تابعونا على المجلس العلمي على Facebook المجلس العلمي على Twitter
الدكتور سعد بن عبد الله الحميد


صفحة 2 من 3 الأولىالأولى 123 الأخيرةالأخيرة
النتائج 21 إلى 40 من 51

الموضوع: من فوائد التمهيد لشرح كتاب التوحيد

  1. #21
    تاريخ التسجيل
    Mar 2010
    المشاركات
    7,532

    افتراضي

    وإياكِ أمة الحليم وبارك الله فيك
    اقتباس المشاركة الأصلية كتبت بواسطة أمة الحليم مشاهدة المشاركة
    {الَّذِينَ آمَنُواْ وَلَمْ يَلْبِسُواْ إِيمَانَهُم بِظُلْمٍ أُوْلَئِكَ لَهُمُ الأَمْنُ وَهُم مُّهْتَدُونَ}

    قال:(وقول الله تعالى: {الذين ءامنوا ولم يلبسوا إيمانهم بظلم أولئك لهم الأمن وهم مهتدون}).

    الظلم هنا: هو الشرك، كما جاء في تفسير ذلك في الصحيحين من حديث ابن مسعود رضي الله عنه أن النبـي صلى الله عليه وسلم قال في هذه الآية حينما استعظم الصحابة هذه الآية، وقالوا: يا رسول الله، أينا لم يلبس إيمانه بظلم؟! فقال: ليس الذين تذهبون إليه، الظلم: الشرك، ألم تسمعوا لقول العبد الصالح:{ إن الشرك لظلم عظيم}.

    فالظلم هنا - في مراد الشارع -: هو الشرك، فيكون مقصود الشيخ من إيراد هذه الآية تحت هذا الباب: بيان فضل من آمن ووحّد، ولم يلبس إيمانه وتوحيده بشرك، وأن له الأمن التام، والاهتداء التام؛ فهذا هو وجه مناسبة الآية للباب.
    ومعنى الآية: الذين آمنوا ولم يلبسوا إيمانهم بشرك أولئك لهم الأمن وهم مهتدون.

    وجاء الظلم في الآية مُنَكَّرًا، في سياق النفي، وهو قوله تعالى: {ولم يلبسوا}، وهذا يدل على عموم أنواع الظلم، لكن هل المراد بالعموم هنا العموم المخصوص، أو العموم الذي يراد به الخصوص؟
    الجواب: أن المراد بالعموم هنا: هو العموم الذي يراد به الخصوص؛ لأن العموم عند الأصوليين تارة يكون باقيا على عمومه، وتارة يكون عموما مخصوصا يعني دخله التخصيص، وتارة يكون عموما مرادا به الخصوص، يعني أن لفظه عام، ولكن يراد به الخصوص، فهذه أوجه ثلاثة، والوجه الأخير هو الذي أراد الشيخ - رحمه الله - الاستدلال به من الآية.
    صحيح أن (الظلم) هنا جاء نكرة في سياق النفي (لم): فيدل على العموم، لكنه عموم مراد به الخصوص؛ وهو خصوص أحد أنواع الظلم وهو الشرك، فيصير العموم في أنواع الشرك، لا في أنواع الظلم كلها؛ لأن من أنواع الظلم: ظلم العبد نفسه بالمعاصي، أو ظلم العبد غيره بأنواع التعديات، ومنه ما هو ظلم من جهة حق الله - جل وعلا - بالشرك به، فهذا هو المراد بهذا العموم، فيكون عاما في أنواع الشرك.

    وبهذا يحصل وجـه الاستدلال مـن الآية، فيكون معنـى الآية: {الذين ءامنوا ولم يلبسوا إيمانهم} يعني لم يلبسوا توحيدهم بنوع من أنواع الشرك.

    {أولئك لهم الأمن وهم مهتدون} فـ (الأمن) هنا: هو الأمن التام في الدنيا، والمراد به أمن القلب وعدم حزنه على غير الله - جل وعلا - والاهتداء التام في الدنيا وفي الآخرة، وكلما وجد نقص في التوحيد بغشيان العبد بعض أنواع الظلم الذي هو الشرك، إما الشرك الأصغر، أو الشرك الخفي، وسائر أنواع الشرك، ونحو ذلك، ذهب منه من الأمن والاهتداء بقدر ذلك. هذا من جهة تفسير الظلم بأنه الشرك.

    فإذا فَسَّرْتَ الظلم بأنه جميع أنواع الظلم - كما ذكر ذلك شيخ الإسلام ابن تيمية - فإنه يكون - على هذا التفسير - مقابلة بين الأمن والاهتداء، وبين حصول الظلم، فكلما انتفى الظلم: وُجد الأمن والاهتداء، وكلما كمل التوحيد وانتفت المعصية: عظم الأمن والاهتداء، وإذا زاد الظلم: قَلَّ الأمنُ واهتداء بحسب ذلك.

    اللهم اغفر لأبي وارحمه وعافه واعف عنه اللهم اجعل ولدي عمر ذخرا لوالديه واجعله في كفالة إبراهيم عليه السلام

  2. #22
    تاريخ التسجيل
    Mar 2010
    المشاركات
    7,532

    افتراضي


    قال: (وعن عبادة بن الصامت قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (من شهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأن محمدا عبده ورسوله، وأن عيسى عبد الله ورسوله وكلمته ألقاها إلى مريم وروح منه، والجنة حق، والنار حق، أدخله الله الجنة على ما كان من العمل) أخرجاه)


    مناسبة هذا الحديث للباب قوله:
    { على ما كان من العمل } ومعنى قوله: {على ما كان} يعني على الذي كان عليه من العمل ولو كان مقصرا في العمل وعنده ذنوب وعصيان، فإن لتوحيده لله، وشهادته له بالوحدانية، ولنبيه بالرسالة، ولعيسى بأنه عبد الله ورسوله، وكلمته ألقاها إلى مريم وروح منه، ولإقراره بالغيب، وبالبعث:

    إن لذلك فضلا عظيما، وهو: أن يدخله الله الجنة ولو كان مقصرا في العمل.
    فهذا الحديث فيه بيان فضل التوحيد على أهله.


    اللهم اغفر لأبي وارحمه وعافه واعف عنه اللهم اجعل ولدي عمر ذخرا لوالديه واجعله في كفالة إبراهيم عليه السلام

  3. #23
    تاريخ التسجيل
    Mar 2010
    المشاركات
    7,532

    افتراضي

    قال: ولهما في حديث عتبان: (فإن الله حرم على النار من قال: لا إله إلا الله يبتغي بذلك وجه الله).

    قوله: { من قال: لا إله إلا الله } المراد بالقول هنا: القول الذي معه تمام الشروط؛ كقول النبي صلى الله عليه وسلم { الحج عرفة } يعني إذا أتى ببقية الأركان والواجبات، فيكون معنى قوله هنا: { من قال: لا إله إلا الله } يعني باجتماع شروطها، وبالإتيان بلازمها.

    وخرج بقوله: { يبتغي بذلك وجه الله } المنافقون؛ لأنهم حين قالوها لا يبتغون بذلك وجه الله.

    وقوله: { حرم على النار } تحريم النار في نصوص الكتاب والسنة يأتي على درجتين:
    الأولى: تحريم مطلق.
    والثانية: تحريم بعد أمد.

    فالتحريم المطلق يقتضي أن من حرم الله عليه النار تحريما مطلقا: فإنه لن يدخلها، إما بأن يغفر الله له، وإما بأن يكون من الذين يدخلون الجنة بلا حساب ولا عذاب، وإذا كان التحريم بعد أمد، فربما يدخلها، ثم يحرم عليه البقاء فيها، وهذا الحديث يحتمل الأول، ويحتمل الثاني.

    قوله:{ فإن الله حرم على النار من قال: لا إله إلا الله } يعني أن الذي أتى بالتوحيد، وانتهى عن ضده، وكانت عنده بعض الذنوب والمعاصي، ومات من غير توبة، فهو تحت المشيئة، إن شاء الله عذبه ثم حرم عليه النار، وإن شاء الله غفر له وحرم عليه النار ابتداء.

    فوجه الشاهد - إذًا - من الحديث للباب: أن هذه الكلمة، وهي كلمة التوحيد وسيأتي بيان معناها مفصلا، إن شاء الله تعالى لما ابتغى بها صاحبها وجه الله، وأتى بشروطها وبلوازمها تفضل الله عليه، وأعطاه ما يستحقه من أنه حرم عليه النار. وهذا فضل عظيم، نسأل الله - جل وعلا - أن يجعلنا من أهله.



    اللهم اغفر لأبي وارحمه وعافه واعف عنه اللهم اجعل ولدي عمر ذخرا لوالديه واجعله في كفالة إبراهيم عليه السلام

  4. #24
    تاريخ التسجيل
    Mar 2010
    المشاركات
    7,532

    افتراضي



    وفي حديث أبي سعيد الخدري -الوارد بعد حديث عتبان- قول موسى عليه السلام: (يا رب علمني شيئا أذكرك به وأدعوك به. قال: قل يا موسى: لا إله إلا الله).


    هذا الحديث فيه دلالة على أن أهل الفضل، والرفعة في الدين، والإخلاص والتوحيد، قد ينبهون على شيء من مسائل بالتوحيد؛ فهذا موسى - عليه السلام - وهو أحد أولي العزم من الرسل، وهو كليم الله - جل وعلا - أراد شيئا يختص به غير ما عند الناس، وأعظم ما يختص به أولياء الله، وأنبياؤه ورسله، وأولو العزم منهم هو كلمة التوحيد (لا إله إلا الله) فأراد شيئا أخص من ذلك، فأُعْلِمَ أنه لا أخص من كلمته التوحيد، فهي أفضل شيء، وهي التي دُلّ عليها أولو العزم من الرسل ومن دونهم من الناس.

    قال: (يا رب، كل عبادك يقولون هذا؟ قال: يا موسى لو أن السماوات السبع وعامرهن غيري): يعني: ومن في السماوات السبع من الملائكة ومن عباد الله - جل وعلا -.

    قال: ( والأرضين السبع في كفة): يعني: لو تمثلت السماوات والأرضون أجساما، ووضع الجميع في ميزان له كفتان، وجاءت (لا إله إلا الله) في الكفة الأخرى لمالت بهن (لا إله إلا الله). فـ (لا إله إلا الله) كلمة توحيد فيها ثقل لميزان من قالها، وعظم في الفضل لمن اعتقدها وما دلت عليه فلهذا قال: (مالت بهن لا إله إلا الله).

    ووجه الدلالة: أنه لو تصور أن ذنوب العبد بلغت ثقل السماوات السبع، وثقل ما فيها من العباد والملائكة وثقل الأرض لكانت (لا إله إلا الله) مائلة بذلك الثقل من الذنوب، وهذا هو الذي دل عليه حديث البطاقة حيث جُعِل على أحد العصاة سجلات عظيمة، فقيل له: هل لك من عمل؟ فقال: لا، فقيل له: بلى، ثم أخرجت له بطاقة فيها (لا إله إلا الله)، فوضعت في الكفة الأخرى، فطاشت سجلات الذنوب، وثقلت البطاقة.

    وهذا الفضل العظيم لكلمة التوحيد، إنما هو لمن قويت في قلبه، ذلك أنها في قلب بعض العباد تكون قوية؛ لأنه مخلص فيها مصدق، لا ريب عنده فيما دلت عليه، معتقد ما فيها، محب لما دلت عليه، فيقوى أثرها ونورها في القلب، فإذا كانت كذلك: فإنها تحرق ما يقابلها من الذنوب.

    وأما من لم يكن من أهل تمام الإخلاص فيها، فإنه لا تطيش له سجلات الذنوب، فيكون هذا الحديث وحديث البطاقة يدلَّان على أن (لا إله إلا الله) لا يقابلها ذنب، ولا تقابلها خطيئة، لكن هذا في حق من كملها وحققها، بحيث لم يخالط قلبه - في معناها - ريب، ولا تردد.


    ومعناها مشتمل على الربوبية بالتضمن، وعلى الأسماء والصفات باللزوم، وعلى الإلهية بالمطابقة، فيكون من ينتفع بهذه الكلمة على وجه الكمال - ولو بلغت ذنوبه ما بلغت، وكانت سجلاته كثقل السماوات والأرضين السبع - هو الذي كمل ما دلت عليه من التوحيد وهذا معنى هذا الحديث، وحديث البطاقة، هو الذي دل عليه الحديث الآخر الوارد في الباب نفسه عن أنس قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول:
    ( قال الله تعالى: يا ابن آدم لو أتيتني بقراب الأرض خطايا، ثم لقيتني لا تشرك بي شيئا لأتيتك بقرابها مغفرة) وهذا من فضل التوحيد وتكفيره الذنوب.

    ومناسبة هذا الحديث للباب ظاهرة، وهي:
    أنه من أتى بذنوب عظيمة، ولو كانت كقراب الأرض خطايا يعني كعظم وقدر الأرض خطايا، ولكنه لقي الله لا يشرك به شيئا: لأتى الله ذلك العبد بمقدار تلك الخطايا مغفرة، وهذا لأجل فضل التوحيد، وعظم فضل الله - جل وعلا - على عباده بأن هداهم إليه، ثم أثابهم عليه.



    اللهم اغفر لأبي وارحمه وعافه واعف عنه اللهم اجعل ولدي عمر ذخرا لوالديه واجعله في كفالة إبراهيم عليه السلام

  5. #25
    تاريخ التسجيل
    Sep 2014
    المشاركات
    1,412

    افتراضي

    اقتباس المشاركة الأصلية كتبت بواسطة أم علي طويلبة علم مشاهدة المشاركة


    أنه من أتى بذنوب عظيمة، ولو كانت كقراب الأرض خطايا يعني كعظم وقدر الأرض خطايا، ولكنه لقي الله لا يشرك به شيئا: لأتى الله ذلك العبد بمقدار تلك الخطايا مغفرة، وهذا لأجل فضل التوحيد، وعظم فضل الله - جل وعلا - على عباده بأن هداهم إليه، ثم أثابهم عليه.
    ( لا إله إلا الله ) اللهم أحينا بالتوحيد وأمتنا على التوحيد ..

  6. #26
    تاريخ التسجيل
    Sep 2016
    المشاركات
    103

    افتراضي

    جزاكِ الله خيرا

  7. #27
    تاريخ التسجيل
    Sep 2016
    المشاركات
    103

    افتراضي

    اقتباس المشاركة الأصلية كتبت بواسطة أم علي طويلبة علم مشاهدة المشاركة
    =

    فإذا فَسَّرْتَ الظلم بأنه جميع أنواع الظلم - كما ذكر ذلك شيخ الإسلام ابن تيمية - فإنه يكون - على هذا التفسير - مقابلة بين الأمن والاهتداء، وبين حصول الظلم، فكلما انتفى الظلم: وُجد الأمن والاهتداء، وكلما كمل التوحيد وانتفت المعصية: عظم الأمن والاهتداء، وإذا زاد الظلم: قَلَّ الأمنُ والاهتداء بحسب ذلك.

    كلام قيّم!

  8. #28
    تاريخ التسجيل
    Sep 2016
    المشاركات
    103

    افتراضي

    اقتباس المشاركة الأصلية كتبت بواسطة أم علي طويلبة علم مشاهدة المشاركة
    وهذا الفضل العظيم لكلمة التوحيد، إنما هو لمن قويت في قلبه، ذلك أنها في قلب بعض العباد تكون قوية؛ لأنه مخلص فيها مصدق، لا ريب عنده فيما دلت عليه، معتقد ما فيها، محب لما دلت عليه، فيقوى أثرها ونورها في القلب، فإذا كانت كذلك: فإنها تحرق ما يقابلها من الذنوب.
    وأما من لم يكن من أهل تمام الإخلاص فيها، فإنه لا تطيش له سجلات الذنوب، فيكون هذا الحديث وحديث البطاقة يدلَّان على أن (لا إله إلا الله) لا يقابلها ذنب، ولا تقابلها خطيئة، لكن هذا في حق من كملها وحققها، بحيث لم يخالط قلبه - في معناها - ريب، ولا تردد.
    ___

  9. #29
    تاريخ التسجيل
    Mar 2010
    المشاركات
    7,532

    افتراضي


    هذا الباب هو: ( باب من حقق التوحيد دخل الجنة بغير حساب )
    وقد ذكر في الباب قبله فضل التوحيد، وما يكفر من الذنوب، وهذا الباب أرفع رتبة من بيان فضل التوحيد فإن فضل التوحيد يشترك فيه أهله، وأهل التوحيد هم أهل الإسلام، ولا شك أن لكل مسلم نصيبا من التوحيد، فيكون له - تبعا لذلك - نصيب من فضل التوحيد، وتكفير الذنوب.

    أما خاصة هذه الأمة فهم الذين حققوا التوحيد؛ ولهذا عطف هذا الباب على الذي قبله؛ لأنه أخص. وتحقيق التوحيد هو مدار هذا الباب، وتحقيقه بمعنى تحقيق الشهادتين (لا إله إلا الله محمد رسول الله)

    ومعنى تحقيق الشهادتين:
    تصفية الدين من شوائب الشرك والبدع والمعاصي،

    فصار تحقيق التوحيد يرجع إلى ثلاثة أشياء:

    الأول: ترك الشرك بأنواعه: الأكبر، والأصغر، والخفي.
    والثاني: ترك البدع بأنواعها.
    الثالث: ترك المعاصي بأنواعها.

    فيكون تحقيق التوحيد على هذا على درجتين: درجة واجبة ودرجة مستحبة، وعليها يكون الذين حققوا التوحيد على درجتين أيضا،
    فالدرجة الواجبة: أن يترك ما يجب تركه من الأشياء الثلاثة التي ذكرت، فيترك الشرك خفيه وجليه، صغيره وكبيره، ويترك البدع، ويترك المعاصي، هذه درجة واجبة.
    والدرجة المستحبة في تحقيق التوحيد - وهي التي يتفاضل فيها الناس الذين حققوا التوحيد أعظم تفاضل - هي ألا يكون في القلب شيء من التوجه أو القصد لغير الله - جل وعلا - يعني: أن يكون القلب متوجها إلى الله بكليته، ليس فيه التفت إلى غير الله، فيكون نطقه لله، وفعله وعمله لله، بل وحركة قلبه لله - جل جلاله -، وقد عبر عنها بعض أهل العلم - أعني هذه الدرجة المستحبة - بقوله: أن يترك ما لا بأس به حذرا مما به بأس، يعني: في مجال أعمال القلوب، وأعمال اللسان، وأعمال الجوارح.

    فإذًا رجع تحقيق التوحيد الذي هذا فضله - وهو أن يدخل أهله الجنة بغير حساب، ولا عذاب - رجع إلى تينك المرتبتين، وتحقيقه تحقيق الشهادتين: (لا إله إلا الله محمد رسول الله)؛
    لأن في قوله،
    (لا إله إلا الله) الإتيان بالتوحيد، والبعد عن الشرك بأنواعه،
    ولأن في قوله:
    (أشهد أن محمدا رسول الله) البعد عن المعصية، والبعد عن البدع؛ لأن مقتضى الشهادة بأن محمدا رسول الله: أن يُطاع فيما أمر، وأن يصدَّق فيما أخبر، وأن يُجتَنَبَ ما عنه نَهَى وزَجَرَ، وألا يعبد الله إلا بما شرع، فمن أتى شيئا من المعاصي والذنوب، أو البدع ثم لم يتب منها أو لم تكفر له فإنه لم يحقق التوحيد الواجب وإذا لم يأت شيئا من البدع، ولكن حسَّنها بقلبه، أو قال: لا شيء فيها؛ فإن حركة قلب من ذا شأنه لما كانت في غير تحقيق التوحيد وفي غير تحقيق شهادة أن محمدا رسول الله: فإنه لا يكون من أهل تحقيق التوحيد، وكذلك أهل الشرك بأنواعه ليسوا من أهل تحقيق التوحيد.

    وأما مرتبة الخاصة التي ذُكِرَتْ ففيها يتنافس المتنافسون وما ثمَّ إلا عفو الله، ومغفرته، ورضوانه.



    اللهم اغفر لأبي وارحمه وعافه واعف عنه اللهم اجعل ولدي عمر ذخرا لوالديه واجعله في كفالة إبراهيم عليه السلام

  10. #30
    تاريخ التسجيل
    Mar 2010
    المشاركات
    7,532

    افتراضي




    واستدل الشيخ في
    ( باب من حقق التوحيد دخل الجنة بغير حساب) بآيتين وبحديث، أما الآية الأولى فهي:


    قوله:
    (وقول الله تعالى:{إن إبراهيم كان أمة قانتا لله حنيفا ولم يك من المشركين}).

    وهذه الآية فيها الدلالة على أن إبراهيم - عليه السلام - كان محققا للتوحيد.


    وجه الدلالة:
    أن الله - جل وعلا - وصفه بصفات هي:

    الأولى: أنه كان {أمة}، والأمة: هو الإمام الذي جمع جميع صفات الكمال البشري وصفات الخير، وهذا يعني أنه لم ينقص من صفات الخير شيئا، وهذا هو معنى تحقيق التوحيد.

    و(الأمة) تطلق في القرآن إطلاقات، فمن تلك الإطلاقات:
    أن يكون معنى الأمة: الإمام المقتدَى به في الخير، وسُمِّي أمة؛ لأنه يقوم مقام أمة في الاقتداء؛ ولأن من سار على سيره يكون غير مستوحش ولا متردد؛ لأنه ليس مع واحد فقط، وإنما هو مع أمة.

    الوصف الثاني:
    الذي فيه تحقيق التوحيد: أنه قال:{قانتا لله حنيفا}، وهاتان الصفتان: - القانت، والحنيف – متلازمتان؛ لأن القنوت لله معناه: دوام الطاعة لله - جل وعلا – وملازمتها، فهو ملازم لطاعة الله -جل وعلا-.

    و(
    الحنيف) - كما يقول العلماء -: هو ذو الحنف وهو الميل عن طريق المشركين، فالحنيف هو المائل عن طريق المشركين، المائل عن هدي وسبيل المشركين.

    ومعلوم أن سبيل المشركين الذي صار إبراهيم عليه السلام حنيفا، أي مائلا بعيدا عنه: يشتمل على الشرك، والبدعة، والمعصية فهذه الثلاث هي أخلاق المشركين: الشرك، والبدعة، والمعصية من غير إنابة ولا استغفار.


    قال:{ولم يك من المشركين}: وقوله:{ولم يك} كانت في الأصل: يكن، ويجوز في حالة النفي- بشروط - حذف نون (يكن)؛ كما فـي الآية السابقة.
    ويجوز إثبات النون كما في قوله تعالى:{لم يكن الله ليغفر لهم ولا ليهديهم طريقا}.
    فإثبات النون وحذفها وجهان جائزان في اللغة إذا جاءت في سياق النفي.


    وقوله تعالى:{من المشركين}: المشركين: جمع تصحيح لـ (المشرك)، والمشرك اسم فاعل الشرك، و (أل) - كما هو معلوم في العربية - إذا دخلت على اسم الفاعل أو اسم المفعول، فإنها تكون موصولة، كما قال ابن مالك في الألفية:


    وصفة صريحة صلة أل


    وكونها بمعرب الأفعال قل



    والاسم الموصول عند الأصوليين يدل على العموم، فيكون معنى قوله إذًا: {ولم يك من المشركين} أنه لم يك فاعلا للشرك بأنواعه، ولم يك منهم.


    ودلَّ قوله –أيضا- {ولم يك من المشركين} على أنه ابتعد عنهم، لأن (مِنْ) تحتمل أن تكون تبعيضية، فتكون المباعدة بالأجسام، وتحتمل أن تكون بيانية، فتكون المباعدة بمعنى اجتناب الشرك.

    فالمقصود: أن الشيخ - رحمه الله - استحضر هذه المعاني من الآية فدلته على أنها في تحقيق التوحيد.

    قال جل وعلا:{إن إبراهيم كان أمة قانتا لله حنيفا ولم يك من المشركين}
    ذلك لأن من جَمَع تلك الصفات فقد حقق التوحيد، ومن حقق التوحيد دخل الجنة بغير حساب.


    وقد فسـر إمام الدعوة المصنف الشيخ محمد بـن عبد الوهاب، هذه الآية مـن أواخر سورة النحل، فقال - رحمه الله -::{إن إبراهيم كان أمة} لئلا يستوحش سالك الطريق من قلة السالكين {قانتا لله} لا للملوك، ولا للتجار المترفين، {حنيفا} لا يميل يمينا، ولا شمالا، كحال العلماء المفتونين :{ولم يك من المشركين} خلافا لمن كثر سوادهم، وزعم أنه من المسلمين.

    وهو من التفاسير الرائقة البعيدة المعاني {وما يلقاها إلا الذين صبروا وما يلقاها إلا ذو حظ عظيم}.



    اللهم اغفر لأبي وارحمه وعافه واعف عنه اللهم اجعل ولدي عمر ذخرا لوالديه واجعله في كفالة إبراهيم عليه السلام

  11. #31
    تاريخ التسجيل
    Sep 2014
    المشاركات
    1,412

    افتراضي

    نقل مفيد،نفع الله بك أم علي .

  12. #32
    تاريخ التسجيل
    Mar 2010
    المشاركات
    7,532

    افتراضي

    ثم قال بعد ذلك:(وقوله: {والذين هم بربهم لا يشركون} [المؤمنون: 59]):

    وهذه الآيات في سورة المؤمنون، وهي في مدح خاصة المؤمنين.

    ووجه الاستدلال من الآية على الباب:
    أن الله قال: {والذين هم بربهم لا يشركون } فقوله {لا يشركون} نفي للشرك، وقد ذكرنا من قبل أن النفي إذا تسلط على الفعل المضارع، فإنه يفيد عموم المصدر الذي يدل عليه الفعل، فكأنه جل وعلا قال: والذين هم بربهم لا يفعلون شركا، أو لا يشركون لا بشرك أكبر، ولا أصغر، ولا خفي.

    والذي لا يشرك هو الموحد، فصار عندنا لازم، وهو أن من لم يشرك بالله أيَّ نوع من الشرك، فإنه ما ترك الشرك إلا لتوحيده،
    قال العلماء: قدم هنا قوله:{بربهم} في قوله: {والذين هم بربهم لا يشركون }، لأن الربوبية تستلزم العبودية، فصار عدم الإشراك في الربوبية معناه: عدم الإشراك في الطاعة، وعدم الإشراك في العبودية.

    وهذا وصف الذين حققوا التوحيد؛ لأنه يلزم من عدم الإشراك: ألا يُشرِك هواه؛ لأن المرء إذا أشرك هواه: أتى بالبدع، أو أتى بالمعصية، فصار نفي الشرك نفيا للشرك بأنواعه ونفيا للبدعة، ونفيا للمعصية، وهذا هو تحقيق التوحيد لله - جل وعلا -.


    فالآية - إذًا - دالة على ما ترجم له الإمام - رحمه الله - بقوله:
    ( باب من حقق التوحيد دخل الجنة بغير حساب).


    اللهم اغفر لأبي وارحمه وعافه واعف عنه اللهم اجعل ولدي عمر ذخرا لوالديه واجعله في كفالة إبراهيم عليه السلام

  13. #33
    تاريخ التسجيل
    Mar 2010
    المشاركات
    7,532

    افتراضي



    أما الحديث فطويل، وموضع الشاهد منه قوله - عليه الصلاة والسلام -:
    (فنظرت، فإذا سواد عظيم، فقيل لي: هذه أمتك، ومعهم سبعون ألفا يدخلون الجنة بغير حساب ولا عذاب) ثم نهض فدخل منزله. فخاض الناس في أولئك، فقال بعضهم: فلعلهم الذين صحبوا رسول الله صلى الله عليه وسلم. وقال بعضهم: فلعلهم الذين ولدوا في الإسلام، فلم يشركوا بالله شيئا، وذكروا أشياء، فخرج عليهم رسول الله صلى الله عليه وسلم فأخبروه فقال:(هم
    الذين لا يَسْتَرْقُون، ولا يكْتَوُون، ولا يتطيرون، وعلى ربهم يتوكلون).


    هذا الحديث في صفة الذين يدخلون الجنة بغير حساب ولا عذاب، وهذه صفة من صفاتهم، وتلك الصفة خاصة بهم، لا يلتبس أمرهم بغيرهم؛ لأن هذه الصفة كالشامة يعرفون بها.

    فَمَنْ هم الذين حققوا التوحيد؟
    الجواب في قوله:(هم الذين لا يَسْتَرْقُون، ولا يكْتَوُون، ولا يتطيرون،وعلى ربهم يتوكلون)، فذكر أربع صفات:

    الأولى: أنهم { لا يَسْتَرْقُون }: ومعنى يَسْتَرْقُون: يعني لا يطلبون الرقية؛ لأن الطالب للرقية يكون في قلبه ميل للراقي، حتى يرفع ما به من جهة السبب.
    وهذا النفي الوارد في قوله: { لا يسترقون } لأن الناس تتعلق قلوبهم بالرقية جدا أكثر من تعلقهم بالطب ونحوه، فالعرب في الجاهلية - وهكذا هو حال أكثر الناس - يتعلقون بالرقية، فالقلب يتعلق بالراقي،وبالرقي ة؛ وهذا ينافي كمال التوكل على الله - جل جلاله -

    وأما ما جاء في بعض الروايات أنهم { الذين لا يرقون } فهذا غلط؛ وهو لفظ شاذ، لأن الراقي محسن إلى غيره، والصواب ما جاء في هذه الرواية من أنهم {الذين لا يسترقون}.


    الثانية: ثم قال: { ولا يكتوون } : والكي مكروه في أصله؛ لأن فيه تعذيبا بالنار، مع أنه مأذون به شرعا، لكن فيه كراهة. والعرب تعتقد أن الكي يحدث المقصود دائما؛ فلهذا تتعلق قلوبهم بالكي.
    فصار تعلق القلب بهذا الكي من جهة أنه سبب يؤثر دائما، ومعلوم أن الكي يؤثر - بإذن الله جل وعلا -: إذا اجتمعت الأسباب، وانتفت الموانع. فالنفي لأجل أن في الكي بخصوصه ما يتعلق الناس به من أجله.


    الثالثة: ثم قال: { ولا يتطيرون } والطيرة شيء يعرض على القلب من جراء شيء يحدث أمامه؛ فيجعله يقدم على أمر، أو يحجم عنه، وهذه صفة من لم يكن التوكل في قلبه عظيما.


    الرابعة: قال: { وعلى ربهم يتوكلون } وهي جامعة للصفات السابقة.
    وهذه الصفات ليس المقصود منها أن الذين حققوا التوحيد لا يباشرون الأسباب، كما فهمه بعضهم، وأن الكمال ألا يباشر سببا البتة، أو ألا يتداوى البتة ! وهذا غلط؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم رُقي، ولأنه - عليه الصلاة والسلام - تداوى وأمر بالتداوي، وأمر أيضا بعض الصحابة بأن يكتوي ونحو ذلك فليس في الحديث أن أولئك لا يباشرون الأسباب مطلقا، أو لا يباشرون أسباب الدواء،
    وإنما فيه ذكر لهذه الثلاث بخصوصها، لأنه يكثر تعلق القلب والتفاته إلى الراقي، أو إلى الكي، أو الكاوي، أو إلى التطير، ففيها إنقاص من مقام التوكل.


    أما التداوي:
    فهو مشروع، وهو: إما واجب، أو مستحب، وقد يكون في بعض الأحوال مباحا، وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: { تداووا عباد الله ولا تتداووا بحرام }.
    فالمقصود من هذا: أن التداوي ليس خارما لتحقيق التوحيد ولكن من صفة أهل تحقيق التوحيد أنهم لا يسترقون بخصوص الرقية، ولا يكتوون بخصوص الكي، ولا يتطيرون، وأما ما عدا ذلك مما أذن به، فلا يدخل فيما يختص به أهل تحقيق التوحيد.

    والأظهر عندي:
    أن قوله في هذا الحديث { لا يسترقون ولا يكتوون ولا يتطيرون }أنه مخصوص بهذه الثلاثة.

    قال:( فقام عكاشة بن محصن فقال: يا رسول الله، ادع الله أن يجعلني منهم، فقال: " أنت منهم " ثم قام رجل آخر، فقال: ادع الله أن يجعلني منهم، فقال: " سبقك بها عكاشة)

    هذا فيه دليل على أن أهل تحقيق التوحيد قليل وليسوا بكثير، ولهذا جاء عددهم في هذا الحديث بأنهم سبعون ألفا، وقد جاء في بعض الروايات عند الإمام أحمد وغيره بأن الله - جل وعلا - أعطى النبي صلى الله عليه وسلم مع كل ألف من السبعين سبعين ألفا، فيكون العدد قرابة خمسة ملايين من هذه الأمة، فإن كان ذلك الحديث صحيحا - وقد صحح إسناده بعض أهل العلم - فإنه ليس للعدد في هذا الحديث مفهوم، أو كان ذلك قبل سؤال النبي صلى الله عليه وسلم أن يُزاد في عدد أولئك الذين حققوا التوحيد.


    فإن قيل:
    ما معنى أن يُزاد في عددهم؟

    فالجواب: أن المعنى أن الله - جل وعلا - يَمُنُّ على أناس من هذه الأمة - غير السبعين ألفا - ممن سيأتون بَعْدُ، فيوفقهم لتحقيق التوحيد؛ فالله - جل وعلا - هو الذي يوفق، وهو الذي يهدي، ثم هو الذي يجازي. فما أعظمه من محسن، بَرٍّ، كريم، رحيم.



    اللهم اغفر لأبي وارحمه وعافه واعف عنه اللهم اجعل ولدي عمر ذخرا لوالديه واجعله في كفالة إبراهيم عليه السلام

  14. #34
    تاريخ التسجيل
    Mar 2010
    المشاركات
    7,532

    افتراضي

    باب الخوف من الشرك

    الشرح:

    كل من حقق التوحيد فلا بد أن يخاف من الشرك؛ ولهذا كان سيد المحققين للتوحيد محمد - عليه الصلاة والسلام - يُكثر من الدعاء بأن يبعد عنه الشرك، وكذلك كان إبراهيم - عليه السلام - يكثر من الدعاء؛ لئلا يدركه الشرك، أو عبادة الأصنام.


    فمناسبة هذا الباب لما قبله ظاهرة، وهي:
    أن تحقيق التوحيد عند أهله لا بد أن يقترن معه الخوف من الشرك، وقَلَّ من يكون مخاطرا بتوحيده أو غير خائف من الشرك، ويكون مع هذا على مراتب الكمال، بل لا يوجد.
    فكل محقق للتوحيد، وكل راغب فيه حريص عليه: يخاف من الشرك، وإذا خاف من الشرك فإن الخوف الذي هو فزع القلب وهلعه، يجعل العبد حريصا كل الحرص على البعد عن الشرك والهروب منه.


    والخوف من الشرك يثمر ثمرات منها:
    - أن يكون عالما بالشرك بأنواعه، حتى لا يقع فيه.

    - أن يكون متعلما للتوحيد بأنواعه، حتى يقوم في قلبه الخوف من الشرك ويعظم، ويستمر على ذلك.

    - أن الخائف من الشرك يكون قلبه دائم الاستقامة على طاعة الله مبتغيا لمرضاته، فإن عصى أو غفل، كان استغفاره استغفار من يعلم عظم شأن الاستغفار، وعظم حاجته للاستغفار؛
    لأن الناس في الاستغفار أنواع، لكن من علم منهم حق الله - جل وعلا - وسعى في تحقيق التوحيد وتعلم ذلك، وسعى في الهرب من الشرك، فإنه إذا غفل وجد أنه أشد ما يكون حاجة إلى الاستغفار، بهذا ولأجل صلاح هذا بوب الشيخ -رحمه الله- هذا الباب الذي عنوانه (باب الخوف من الشرك)، فكأنه يقول لك: إذا كنت تخاف من الشرك كما خاف منه إبراهيم - عليه السلام - وعرفتَ ما توعد الله به أهل الشرك من أنه لا يغفر لهم، فينبغي لك أن تعلم وأن تتعلم ما سيأتي في هذا الكتاب، فإن هذا الكتاب موضوع لتحقيق التوحيد، وللخوف من الشرك والبعد عنه، فما بعد هذين البابين: (باب من حقق التوحيد) و (باب الخوف من الشرك) تفصيل لهاتين المسألتين العظيمتين اللتين هما: تحقيق التوحيد، والخوف من الشرك؛ بيان معناه وبيان أنواعه.

    وقد ذكرنا فيما سبق أن الشرك هو: إشراك غير الله معه في أي نوع من أنواع العبادة، وقد يكون أكبر، وقد يكون أصغر، وقد يكون خفيا.



    اللهم اغفر لأبي وارحمه وعافه واعف عنه اللهم اجعل ولدي عمر ذخرا لوالديه واجعله في كفالة إبراهيم عليه السلام

  15. #35
    تاريخ التسجيل
    Sep 2016
    المشاركات
    103

    افتراضي

    جزاك الله خيرا أم علي


    هل الذهاب للراقي ينافي تحقيق التوحيد؟

  16. #36
    تاريخ التسجيل
    Mar 2010
    المشاركات
    7,532

    افتراضي

    اقتباس المشاركة الأصلية كتبت بواسطة أمة الحليم مشاهدة المشاركة
    جزاك الله خيرا أم علي


    هل الذهاب للراقي ينافي تحقيق التوحيد؟

    " وصف الله السبعين ألفًا الذين يدخلون الجنة بغير حساب ولا عذاب بتمام التوكل؛ لأنهم لا يسألون غيرهم أن يرقيهم، ولا يكتوون، ولا يتطيرون، وعلى ربهم يتوكلون، فيجمعون بين كمال وقوة الصبر على الابتلاء والضراء، وبين تمام التوكل على الله وحده، والفوز برضاه والثواب على ذلك. وهذا لا ينافي أخذهم بالأسباب، وإنما تركوا ذلك استسلامًا للقضاء، وتلذذًا بالبلاء، وتحقيقًا لكمال التوحيد، وتمام التوكل على الله سبحانه، وطلب التداوي، والأخذ بالأسباب، وطلب الرقية لا ينافي التوكل، بل ذلك مما أمر الشرع به عند الحاجة له، مع الاعتقاد أن الله هو النافع الضار، وهو الذي خلق الأسباب والمسببات، وأن الله لم يخلق داءً إلا جعل له دواء، كما جاءت بذلك السنة الصحيحة".

    http://www.alifta.net/fatawa/fatawaD...eNo=1&BookID=3
    اللهم اغفر لأبي وارحمه وعافه واعف عنه اللهم اجعل ولدي عمر ذخرا لوالديه واجعله في كفالة إبراهيم عليه السلام

  17. #37
    تاريخ التسجيل
    Mar 2010
    المشاركات
    7,532

    افتراضي

    قال الشيخ رحمه الله: (وقول الله عز وجل: {إن الله لا يغفر أن يشرك به ويغفر ما دون ذلك لمن يشاء}).

    والمغفرة: هي الستر لما يخاف وقوع أثره، ويقال في اللغة: غَفَر: إذا ستر، ومنه سُمِّي ما يوضع على الرأس مغفرا؛ لأنه يستر الرأس، ويقيه الأثر المكروه من وقع السيف ونحوه، فمادة (المغفرة) راجعة إلى ستر الأثر الذي يخاف منه.

    والشرك والمعصية لهما أثرهما: إما في الدنيا وإما في الآخرة، أو فيهما جميعا.
    وأعظم ما يُمَنُّ به على العبد أن يغفر ذنبه، وذلك بأن يستر عليه، ويُمحي عنه أثره، فلا يؤاخذ به في الدنيا، ولا يعاقب عليه في الآخرة، فلولا المغفرة لهلك الناس.

    ومعنى قوله - جل وعلا - في هذه الآية {لَا يَغْفِرُ} أي: أبدا، فقوله: {لا يغفر أن يشرك به}
    هذا وعيد بأنه - تعالى - لم يجعل مغفرته لمن أشرك به، وقد قال العلماء في قوله: {إن الله لا يغفر أن يشرك به} إن في هذه الآية دليلا على أن المغفرة لا تكون لمن أشرك شركا أكبر، أو أشرك شركا أصغر، فإن الشرك لا يدخل تحت المغفرة، بل يكون بالموازنة، فهو لا يغفر إلا بالتوبة، فمن مات على ذلك غير تائب فهو غير مغفور له ما فعله من الشرك، وقد يغفر الله - تعالى - غير الشرك كما قال {ويغفر ما دون ذلك لمن يشاء} فجعلوا الآية دليلا على أن الشرك الأكبر والأصغر لا يدخل تحت المشيئة.

    وجه الاستدلال من الآية: أن (أن) في قوله تعالى: { لايغفر أن يشرك به} موصول حرفي، فتؤول مع الفعل الذي بعدها وهو (يشرك) بمصدر كما هو معلوم، والمصدر نكرة وقع في سياق النفي، وإذا وقعت النكرة في سياق النفي عمت.

    قالوا: فهذا يدل على أن الشرك الذي نفي هنا يعم الأكبر والأصغر والخفي، فكل أنواع الشرك لا يغفرها الله -جل وعلا- وذلك لعظم خطيئة الشرك لأن الله - جل وعلا - هو الذي خلق، ورزق، وأعطى، وهو الذي تفضل، فكيف يتوجه القلب عنه إلى غيره؟! لا شك أن هذا ظلم في حق الله - جل وعلا - ولذلك لم يغفر. وهذا اختيار شيخ الإسلام ابن تيمية، وأكثر علماء الدعوة.

    وقال آخرون من أهل العلم:
    إن قوله هنا: {لا يغفر أن يشرك به} دال على العموم، لكنه عموم مراد به خصوص الشرك الأكبر، فالمقصود بالشرك في قوله: {لا يغفر أن يشرك به} هو: الشرك الأكبر فقط دون غيره، وأما ما دون الشرك الأكبر، فإنه يكون داخلا تحت المشيئة، فيكون العموم في الآية مرادا به الخصوص، لأنه غالبا ما يرد في القرآن هذا اللفظ: {أن يشرك به} ونحو ذلك، ويراد به الشرك الأكبر دون الأصغر.
    وهذا في الغالب - كما سبق - فالشرك أكثرما يطلق في القرآن على الأكبر دون الأصغر، ومن شواهد ذلك، قوله - جل وعلا -: { وقال المسيح يا بني إسرائيل اعبدوا الله ربي وربكم إنه من يشرك بالله فقد حرم الله عليه الجنة ومأواه النار وما للظالمين من أنصار}
    ، فقوله في الآية: {يُشْرَكَ} هو - أيضا -: فعل داخل في سياق الشرط، فيكون عاما، لكن هل يدخل فيه الشرك الأصغر والخفي؟؟

    الجواب: أنه لا يدخل بالإجماع؛ لأنه تحريم الجنة، وإدخال النار، والتخليد فيها، إنما هو لأهل الموت على الشرك الأكبر، فدلنا ذلك على أن المراد بقوله: {
    إنه من يشرك بالله فقد حرم الله عليه الجنة ومأواه النار وما للظالمين من أنصار}، أنهم أهل الإشراك بالله الشرك الأكبر، فلم يدخل فيه الأصغر، ولم يدخل ما دونه من أنواع الأصغر.

    فيكون المفهوم - إذًا - من آيتي سورة النساء كالمفهوم من آية سورة المائدة، ونحوها وهذا كقوله في سورة الحج {ومن يشرك بالله فكأنما خر من السماء فتخطفه الطير أو تهوي به الريح في مكان سحيق}
    فهذا ونحوه وارد في الشرك الأكبر. فيكون - على هذا القول - المراد بما نُفي هنا في قوله: {لا يغفر} الشرك الأكبر.

    ولما كان اختيار إمام الدعوة، كما هو اختيار عدد من المحققين: كشيخ الإسلام: ابن تيمية، وابن القيم وغيرهما أن العموم هنا شامل لأنواع الشرك: الأكبر، والأصغر، والخفي، كان الاستدلال بهذه الآية صحيحا؛ لأن الشرك: أنواع، وإذا كان الشرك بأنواعه لا يغفر، فهذا يوجب الخوف منه أعظم الخوف، فإذا كان الشرك الأصغر: كالحلف بغير الله، وتعليق التميمة، والحلقة، والخيط، ونحو ذلك من أنواع الشرك الأصغر، كقولك: ما شاء الله وشئت، ونسبة النعم إلى غير الله، إذا كان ذلك لا يغفر فإنه يوجب أعظم الخوف منه كالشرك الأكبر.

    وإذا كان كذلك، فيقع في الخوف من الشرك مَنْ هم على غير التوحيد، كمَنْ يعبدون غير الله، ويستغيثون بغير الله، ويتوجهون إلى غيره، ويذبحون وينذرون لغيره، ويحبون غير الله محبة العبادة، ويرجون غير الله رجاء العبادة، ويخافون خوف السر من غير الله، إلى غير ذلك من ألوان الشرك، فيكون هؤلاء أولى بالخوف من الشرك؛ لأنهم وقعوا فيما اتُّفِقَ عليه: أنه لا يغفر. كما يقع في الخوف من الشرك أهل الإسلام الذين قد يقعون في بعض أنواع الشرك الخفي، أو الشرك الأصغر بأنواعه، وهم لا يشعرون أو وهم لا يحذرون.

    فإذا علم العبد المسلم أن الشرك بأنواعه لا يغفر، وأنه مؤاخذ به، وأن الصلاة إلى الصلاة، والجمعة إلى الجمعة، ورمضان إلى رمضان: لا تكفر ذنب الوقوع في الشرك الأصغر، فيجب أن يعظم في قلبه الخوف منه.

    فإن قيل: فبماذا يغفر إذا؟

    فالجواب:
    أنه لا يغفر إلا بالتوبة فقط، فإن لم يتب فثمة الموازنة بين الحسنات والسيئات، ولكن ما ظنكم بسيئة فيها التشريك بالله مع حسنات؟ فمن ينجو من ذلك؟!! لا ريب أنه ينجو إلا من عظمت حسناته، فزادت على سيئة ما وقع فيه من أنواع الشرك. ولا شك أن هذا يوجب الخوف الشديد من الشرك بعامة؛ لأن من المعلوم أن الشرك بأنواعه -من حيث الجنس- أعظم من كبائر الأعمال المعروفة.


    فوجه الاستدلال من آية النساء، وهي قوله - جل وعلا -: { إن الله لا يغفر أن يشرك به} أن فيها عموما يشمل أنواع الشرك جميعا، وأنها كلها لا تغفر، فيكون ذلك موجبا للخوف من الشرك، وإذا وقع أو حصل الخوف والوجل من الشرك في القلب، فإن العبد سيحرص على معرفة أنواعه حتى لا يقع فيه، ويطلب معرفة أصنافه وأفراده، حتى لا يقع فيها، وحتى يحذِّر أحبابه ومن حوله منها؛ لذلك كان أحب الخلق، أو أحب الناس، وخير الناس للناس: من يحذرهم من هذا الأمر، ولو لم يشعروا به ولو لم يعقلوه قال - جل وعلا -: { كنتم خير أمة أخرجت للناس} لأنهم يدلون الخلق على ما ينجيهم، فالذي يحب للخلق النجاة هو الذي يحذرهم من الشرك بأنواعه، ويدعوهم إلى التوحيد بأنواعه؛ لأن هذا أعظمُ ما يُدعي إليه؛ ولهذا لما حصل من بعض القرى في زمن إمام الدعوة تردد وشك ورجوع عن مناصرة الدعوة، وفَهْمِ ما جاء به الشيخ - رحمه الله - وكتبوا للشيخ وغلَّظوا له القول، وقالوا: إن ما جئت به ليس بصحيح، وإنك تريد كذا وكذا، لمّا حصل منهم ذلك، أجابهم بكتاب قال في آخره بعد أن شرح التوحيد وضدَّه، ورغَّب ورهَّب: ولو كنتم تعقلون حقيقة ما دعوتكم إليه لكنت أغلى عندكم من آبائكم وأمهاتكم وأبنائكم، ولكنكم قوم لا تعقلون. انتهى كلامه - رحمه الله -.

    وهو كلام صحيح، ولكن لا يعقله إلا من عرف حق الله - جل وعلا - فرحمة الله على هذا الإمام، وأجزل له المثوبة، وجزاه عنا وعن المسلمين خير الجزاء، ورفع درجته في المهديين، والنبيين، والصالحين.




    اللهم اغفر لأبي وارحمه وعافه واعف عنه اللهم اجعل ولدي عمر ذخرا لوالديه واجعله في كفالة إبراهيم عليه السلام

  18. #38
    تاريخ التسجيل
    Sep 2016
    المشاركات
    103

    افتراضي

    جزاكِ الله خيرا

  19. #39
    تاريخ التسجيل
    Sep 2014
    المشاركات
    1,412

    افتراضي

    نفع الله بكِ أم علي

  20. #40
    تاريخ التسجيل
    Mar 2010
    المشاركات
    7,532

    افتراضي


    ثم ساق الشيخ - رحمه الله - بعد هذه الآية قول الله - جل وعلا -:
    {واجنبني وبني أن نعبد الأصنام}.

    الذي دعا هذه الدعوة هو إبراهيم - عليه السلام -، ومر بنا في الباب قبله: أن إبراهيم قد حقق التوحيد، وقد وصفه الله بأنه كان أمة قانتا لله حنيفا، وبأنه لم يك من المشركين، فهل يطمئن من كان على هذه الحال إلى أنه لن يعبد غير الله، ولن يعبد الأصنام، أو يظل مقيما على خوفه؟

    وهل حال الكمَّل الذين حققوا التوحيد أنهم يطمئنون أم يخافون؟ هذا إبراهيم - عليه السلام - كما في هذه الآية خاف الشرك، وخـاف عبادة الأصنام، فدعا الله بقـوله:{واجنبني وبني أن نعبد الأصنام رب إنهن أضللن كثيرا من الناس فمن تبعني فإنه مني ومن عصاني فإنك غفور رحيم}، فكيف بمن دون إبراهيم ممن ليس من السبعين ألفا، وهم عامة هذه الأمة؟

    والواقع أن عامة الأمة لا يخافون من الشرك، فمن الذي يخافه إذًا؟ الذي يخافه هو الذي يسعى في تحقيق التوحيد.

    قال إبراهيم التيمي - رحمه الله - وهو من سادات التابعين لما تلا هذه الآية قال: ومن يأمن البلاء بعد إبراهيم؟!! إذا كان إبراهيم - عليه السلام - وهو الذي حقق التوحيد، وهو الذي وُصِفَ بما وُصِفَ به، وهو الذي كسَّر الأصنام بيده يخاف من الفتنة بها فمن يأمن البلاء بعده؟!

    والمقصود: أن هذا يوجب الخوف الشديد من الشرك؛ لأن إبراهيم - عليه السلام - مع كونه سيد المحققين للتوحيد في زمانه، بل وبعد زمانه إلى نبينا صلى الله عليه وسلم ما أعطي الضمان والأمان من الوقوع في الشرك، وألا يزيغ قلبه، وكذلك الحال مع نبينا محمد صلى الله عليه وسلم.

    قوله هنا:{واجنبني وبني أن نعبد الأصنام}، الأصنام: جمع صنم، والصنم هو: ما جُعِلَ على صورة مما يُعبد من دون الله، كشكل وجه رجل، أو شكل جسم حيوان، أو رأس حيوان، أو صورة كوكب، أو نجم أو شكل الشمس أو القمر ونحو ذلك كله وما أشبهه يطلق عليه أنه صنم.

    والوثن هو: ما عُبد من دون الله، مما ليس على هيئة صورة، فالقبر وثن، وليس بصنم، وكذلك: المشهد، أعني: مشاهد القبور عند عُبَّادها، فهذه أوثان، وليست بأصنام.

    وقد يطلق على الصنم اسم الوثن، كما قال جل وعلا في قصة إبراهيم في سورة العنكبوت:{إنما تعبدون من دون الله أوثانا وتخلقون إفكا} ولكن هذا يطلق على قلة.

    وقال بعض أهل العلم: هم عبدوا الأصنام، وعبدوا الأوثان جميعا، فصار ذكر الأصنام في بعض الآيات لعبادتهم الأصنام، وذكر الأوثان في بعض الآيات لعبادتهم الأوثان.

    والأول أظهر في أنه قد يطلق على الصنم أنه وثن.
    ويدل على أن الوثن ما ليس على هيئة صورة قول النبي صلى الله عليه وسلم:( اللهم لا تجعل قبري وثنا يعبد) فدعا الله أن لا يجعل قبره وثنا، فدل ذلك على أن الوثن ما يعبد من دون الله مما ليس على هيئة صورة.



    اللهم اغفر لأبي وارحمه وعافه واعف عنه اللهم اجعل ولدي عمر ذخرا لوالديه واجعله في كفالة إبراهيم عليه السلام

الكلمات الدلالية لهذا الموضوع

ضوابط المشاركة

  • لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
  • لا تستطيع الرد على المواضيع
  • لا تستطيع إرفاق ملفات
  • لا تستطيع تعديل مشاركاتك
  •