قال المحدث الألباني رحمه الله تعالى تحت حديث " يا سارية الجبل، يا سارية الجبل " :
رواه أبو بكر بن خلاد في " الفوائد " (1 / 215 / 2) : حدثنا محمد بن عثمان بن أبي شيبة حدثنا أحمد بن يونس حدثنا أيوب بن خوط عن عبد الرحمن السراج عن نافع :
أن عمر بعث سرية فاستعمل عليهم رجلا يقال له سارية، فبينما عمر يخطب يوم الجمعة فقال: فذكره. فوجدوا سارية قد أغار إلى الجبل في تلك الساعة يوم
الجمعة وبينهما مسيرة شهر.
قلت: وأيوب بن خوط متروك كما في " التقريب ". لكن رواه أبو عبد الرحمن السلمي في " الأربعين الصوفية " (3 / 2) والبيهقي في " دلائل النبوة " (2 /181 / 1 - مخطوطة حلب) من طرق عن ابن وهب أخبرني يحيى بن أيوب عن ابن عجلان عن نافع به نحوه .
ومن هذا الوجه رواه ابن عساكر (7 / 6 / 1) و (13 / 63 / 2) والضياء في " المنتقى من مسموعاته بمرو " (28 - 29) إلا أنهما قالا: عن نافع عن ابن عمر أن عمر ...
وزادا في آخره وكذا البيهقي: " قال ابن عجلان : وحدثني إياس بن قرة بنحو ذلك "،
وقال الضياء: " قال الحاكم (يعني أبا عبد الله) : هذا غريب الإسناد والمتن لا أحفظ له إسنادا غير هذا ".
وذكره ابن كثير في " البداية " (7 / 131) فقال: " وقال عبد الله بن وهب .... " مثل رواية " الضياء " ولفظه: فجعل ينادي: يا سارية الجبل، يا سارية الجبل ثلاثا. ثم قدم رسول الجيش، فسأله عمر، فقال: يا أمير المؤمنين هزمنا ، فبينما نحن كذلك إذ سمعنا مناديا: يا سارية الجبل ثلاثا، فأسندنا ظهورنا بالجبل فهزمهم الله. قال: فقيل لعمر: إنك كنت تصيح بذلك.
ثم قال ابن كثير: " وهذا إسناد جيد حسن ". وهو كما قال، ثم ذكر له طرقا أخرى وقال: " فهذه طرق يشد بعضها بعضا ".
قلت : وفي هذا نظر، فإن أكثر الطرق المشار إليها مدارها على سيف بن عمر والواقدي وهما كذابان، ومدار إحداها على مالك عن نافع به نحوه. قال ابن كثير: " في صحته من حديث مالك نظر ".
ورواه ابن الأثير في " أسد الغابة " (5 / 65) عن فرات بن السائب عن ميمون بن مهران عن ابن عمر عن أبيه أنه كان يخطب يوم الجمعة على منبر رسول الله صلى الله عليه وسلم فعرض له في خطبته أنه قال: يا سارية بن حصن الجبل الجبل، من استرعى الذئب ظلم فتلفت الناس بعضهم إلى بعض فقال علي: صدق والله ليخرجن مما قال، فلما فرغ من صلاته قال له علي : ما شيء سنح لك في خطبتك؟ قال: وما هو؟ قال: قولك: يا سارية الجبل الجبل ، من استرعى الذئب ظلم، قال: وهل كان ذلك مني ؟ قال: نعم وجميع أهل المسجد قد سمعوه، قال إنه وقع في خلدي أن المشركين هزموا إخواننا فركبوا أكتافهم،وأنهم يمرون بجبل، فإن عدلوا إليه قاتلوا من وجدوا وقد ظفروا وإن جازوا هلكوا، فخرج مني ما تزعم أنك سمعته. قال: فجاء البشير بالفتح بعد شهر فذكر أنه سمع في ذلك اليوم في تلك الساعة حين جاوزوا الجبل صوتا يشبه صوت عمر يقول : يا سارية بن حصن الجبل الجبل، قال: فعدلنا إليه ففتح الله علينا.
قلت: وهذا سند واه جدا، فرات بن السائب، قال البخاري: " منكر الحديث ".
وقال الدارقطني وغيره: " متروك "، وقال أحمد " قريب من محمد بن زياد الطحان، يتهم بما يتهم به ذاك ". (1)
فتبين مما تقدم أنه لا يصح شيء من هذه الطرق إلا طريق ابن عجلان وليس فيه إلا
مناداة عمر " يا سارية الجبل " وسماع الجيش لندائه وانتصاره بسببه.
_________
(1) فلا يغتر بإيراد النووي لهذه القصة بهذا التمام في " تهذيب الأسماء " (2 / 10) ، وقلده الأستاذ الطنطاوي في " سيرة عمر "، فإنهم يتساهلون في مثلها. اهـ.
سلسلة الأحاديث الصحيحة وشيء من فقهها وفوائدها (3/ 102)