( لما كانت الصلاة مشتملة على القراءة والذكر والدعاء وهي جامعة لأجزاء العبودية على أتم الوجوه كانت أفضل من كل من القراءة والذكر والدعاء بمفرده لجمعها ذلك كله مع عبودية سائر الأعضاء فهذا أصل نافع جدا يفتح للعبد باب معرفة مراتب الأعمال وتنزيلها منازلها لئلا يشتغل بمفضولها عن فاضلها فيربح إبليس الفضل الذي بينهما أو ينظر إلى فاضلها فيشتغل به عن مفضولها إن كان ذلك وقته
فتفوته مصلحته بالكلية لظنه أن اشتغاله بالفاضل أكثر ثوابا وأعظم أجرا وهذا يحتاج إلى معرفة بمراتب الأعمال وتفاوتها ومقاصدها وفقه في إعطاء كل عمل منها حقه وتنزله في مرتبته وتفويته لما هو أهم منه أو تفويت ما هو أولى منه وأفضل لإمكان تداركه والعود إليه وهذا المفضول إن فات لا يمكن تداركه فالاشتغال به أولى ـ وهذا كترك القراءة لرد السلام وتشميت العاطس ـ وإن كان القرآن أفضل لأنه يمكنه الاشتغال بهذا المفضول والعود إلى الفاضل بخلاف ما إذا اشتغل بالقراءة فاتته مصلحة رد السلام وتشميت العاطس وهكذا سائر الأعمال إذا تزاحمت
والله تعالى الموفق )

الوابل الصيب لابن القيم