بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد الله والصلاة والسلام على نبينا محمد وعلى آله وصحبه اجمعين.
أما بعد :
ذكر لي أحد الأخوه عن حديث (الحجر الأسود يمين الله في الأرض )وأشكلات التي فيه وهل هو مرفوع أم موقوف وما هو صحت الحديث وما معناه؟
وعملت بحث بسيط عن المسالة؛ وأرجوا من طلبة العلم من عنده فائدة يزيدنا.
قال أبن تيمية رَحِمَهُ اللَّهُ أَمَّا الْحَدِيثُ الْأَوَّلُ : فَقَدْ رُوِيَ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِإِسْنَادِ لَا يَثْبُتُ وَالْمَشْهُورُ إنَّمَا هُوَ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ : { الْحَجَرُ الْأَسْوَدُ يَمِينُ اللَّهِ فِي الْأَرْضِ فَمَنْ صَافَحَهُ وَقَبَّلَهُ فَكَأَنَّمَا صَافَحَ اللَّهَ وَقَبَّلَ يَمِينَهُ } وَمَنْ تَدَبَّرَ اللَّفْظَ الْمَنْقُولَ تَبَيَّنَ لَهُ أَنَّهُ لَا إشْكَالَ فِيهِ إلَّا عَلَى مَنْ لَمْ يَتَدَبَّرْهُ فَإِنَّهُ قَالَ : { يَمِينُ اللَّهِ فِي الْأَرْضِ } فَقَيَّدَهُ بِقَوْلِهِ { فِي الْأَرْضِ } وَلَمْ يُطْلِقْ فَيَقُولَ يَمِينُ اللَّهِ وَحُكْمُ اللَّفْظِ الْمُقَيَّدِ يُخَالِفُ حُكْمَ اللَّفْظِ الْمُطْلَقِ . ثُمَّ قَالَ : { فَمَنْ صَافَحَهُ وَقَبَّلَهُ فَكَأَنَّمَا صَافَحَ اللَّهَ وَقَبَّلَ يَمِينَهُ } وَمَعْلُومٌ أَنَّ الْمُشَبَّهَ غَيْرُ الْمُشَبَّهِ بِهِ ؛ وَهَذَا صَرِيحٌ فِي أَنَّ الْمُصَافِحَ لَمْ يُصَافِحْ يَمِينَ اللَّهِ أَصْلًا وَلَكِنْ شُبِّهَ بِمَنْ يُصَافِحُ اللَّهَ فَأَوَّلُ الْحَدِيثِ وَآخِرُهُ يُبَيِّنُ أَنَّ الْحَجَرَ لَيْسَ مِنْ صِفَاتِ اللَّهِ كَمَا هُوَ مَعْلُومٌ عِنْدَ كُلِّ عَاقِلٍ وَلَكِنْ يُبَيِّنُ أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى كَمَا جَعَلَ لِلنَّاسِ بَيْتًا يَطُوفُونَ بِهِ : جَعَلَ لَهُمْ مَا يَسْتَلِمُونَهُ ؛ لِيَكُونَ ذَلِكَ بِمَنْزِلَةِ تَقْبِيلِ يَدِ الْعُظَمَاءِ فَإِنَّ ذَلِكَ تَقْرِيبٌ لِلْمُقَبِّلِ وَتَكْرِيمٌ لَهُ كَمَا جَرَتْ الْعَادَةُ وَاَللَّهُ وَرَسُولُهُ لَا يَتَكَلَّمُونَ بِمَا فِيهِ إضْلَالُ النَّاسِ [ بَلْ لَا بُدَّ ] مِنْ أَنْ يُبَيِّنَ لَهُمْ مَا يَتَّقُونَ ؛ فَقَدْ بَيَّنَ لَهُمْ فِي الْحَدِيثِ مَا يَنْفِي مِنْ التَّمْثِيلِ.أن هى
" الحجر الأسود يمين الله في الأرض يصافح بها عباده " .
قال الألباني في سلسلة الأحاديث الضعيفة ( 1 / 390 ) :
منكر .
أخرجه أبو بكر بن خلاد في " الفوائد " ( 1 / 224 / 2 ) و ابن عدي ( 17 / 2 )
و ابن بشران في " الأمالي " ( 2 / 3 / 1 ) و الخطيب ( 6 / 328 ) و عنه ابن
الجوزي في " الواهيات " ( 2 / 84 / 944 ) من طريق إسحاق بن بشر الكاهلي ، حدثنا
أبو معشر المدائني عن محمد بن المنكدر عن جابر مرفوعا .
ذكره الخطيب في ترجمة الكاهلي هذا و قال : يروي عن مالك و غيره من الرفعاء
أحاديث منكرة ، ثم ساق له هذا الحديث ثم روى تكذيبه عن أبي بكر بن أبي شيبة ،
و قد كذبه أيضا موسى بن هارون و أبو زرعة ، و قال ابن عدي عقب الحديث : هو في
عداد من يضع الحديث ، و كذا قال الدارقطني كما في " الميزان " ، و زاد ابن
الجوزي : لا يصح ، و أبو معشر ضعيف .
و قال المناوي متعقبا على السيوطي حيث أورده في " الجامع " من رواية الخطيب
و ابن عساكر : قال ابن الجوزي : حديث لا يصح ، و قال ابن العربي : هذا حديث
باطل فلا يلتفت إليه .
ثم وجدت للكاهلي متابعا ، و هو أحمد بن يونس الكوفي ، و هو ثقة أخرجه ابن عساكر
( 15 / 90 / 2 ) من طريق أبي علي الأهوازي ، حدثنا أبو عبد الله محمد بن جعفر
ابن عبيد الله الكلاعي الحمصي بسنده عنه به ، أورده في ترجمة الكلاعي هذا ،
و لم يذكر فيه جرحا و لا تعديلا ، لكن أبو علي الأهوازي متهم ، فالحديث باطل
على كل حال ، ثم رأيت ابن قتيبة أخرج الحديث في " غريب الحديث " ( 3 / 107 /
1 ) عن إبراهيم بن يزيد عن عطاء عن ابن عباس موقوفا عليه ، و الوقف أشبه و إن
كان في سنده ضعيف جدا ، فإن إبراهيم هذا و هو الخوزي متروك كما قال أحمد
و النسائي ، لكن روي الحديث بسند آخر ضعيف عن ابن عمرو رواه ابن خزيمة ( 2737 )
و الطبراني في " الأوسط " ( 1 / 33 / 2 ) ، و قال : تفرد به عبد الله بن المؤمل
و لذا ضعفه البيهقي في " الأسماء " ( ص 333 ) و هو مخرج في " التعليق الرغيب "
( 2 / 123 ) ، و إذا عرفت ذلك ، فمن العجائب أن يسكت عن الحديث الحافظ ابن رجب
في " ذيل الطبقات " ( 7 / 174 ـ 175 ) و يتأول ما روي عن ابن الفاعوس الحنبلي
أنه كان يقول : " الحجر الأسود يمين الله حقيقة " ، بأن المراد بيمينه أنه محل
الاستلام و التقبيل ، و أن هذا المعنى هو حقيقة في هذه الصورة و ليس مجازا ،
و ليس فيه ما يوهم الصفة الذاتية أصلا ، و كان يغنيه عن ذلك كله التنبيه على
ضعف الحديث ، و أنه لا داعي لتفسيره أو تأويله لأن التفسير فرع التصحيح كما لا
يخفى .أنتهى
قال في كشف الخفاء :
(الحجر الأسود يمين الله في أرضه) رواه الطبراني في معجمه وأبو عبيد القاسم بن سلام عن ابن عباس رضي الله عنهما رفعه ، وذكر ابن أبي الفوارس في تاسع مخلصياته عن ابن عباس رضي الله عنهما أيضا أنه قال الحجر يمين الله عز وجل في الأرض فمن لم يدرك بيعة رسول الله صلى الله عليه وسلم فمسح الحجر فقد بايع الله ورسوله ، وكذا أخرجه الأزرقي في تاريخه ، وأخرجه أيضا عن ابن عباس رضي الله عنهما قال الركن يمين الله في الأرض يصافح بها عباده كما يصافح أحدكم أخاه ، وفي لفظ أن هذا الركن الأسود يمين الله عز وجل في الأرض يصافح بها عباده مصافحة الرجل أخاه ، ورواه القضاعي أيضا عن ابن عباس رضي الله عنهما موقوفا عليه ، لكنه صحيح بلفظ الركن يمين الله عز وجل يصافح بها خلقه والذي نفس ابن عباس بيده ما من مسلم يسأل الله عنده شيئا إلا أعطاه إياه ومثله مما لا مجال للرأي فيه ، وله شواهد فالحديث حسن وإن كان ضعيفا بحسب أصله كما قال بعضهم منها ما رواه الديلمي عن أنس بلفظ الحجر يمين الله فمن مسحه بيمينه فقد بايع الله ، ومنها ما رواه الحارث بن أبي أسامة في مسنده عن جابر بلفظ الحجر يمين الله في الأرض يصافح بها عباده ، ومعناه كما قال المحب الطبري أن كل ملك إذا قدم عليه قبلت يمينه ، ولما كان الحاج والمعتمر يسن لهما تقبيله نزل منزلة يمين الملك على سبيل التمثيل ولله المثل الأعلى ، ولذلك من صافحه كان له عند الله عهد كما أن الملك يعطي العهد بالمصافحة ، لطيفة : نقل المناوي عن السيوطي
أنه قال في الساجعة ورد في الأثر ما بعث الله قط ملكا ولا سحابا إلا طاف بالبيت أولا ثم مضى انتهى.
حديث عن عمر رضي الله عنه: أنه جاء إلى الحجر الأسود فقبله فقال إني أعلم أنك حجر لا تضر ولا تنفع ولولا أني رأيت النبي صلى الله عليه وسلم يقبلك ما قبلتك.
قال أبن حجر رحمه الله في فتح الباري : وقال المهلب : حديث عمر هذا يرد على من قال إن الحجر يمين الله في الأرض يصافح بها عباده , ومعاذ الله أن يكون لله جارحة , وإنما شرع تقبيله اختيارا ليعلم بالمشاهدة طاعة من يطيع , وذلك شبيه بقصة إبليس حيث أمر بالسجود لآدم . وقال الخطابي : معنى أنه يمين الله في الأرض أن من صافحه في الأرض كان له عند الله عهد , وجرت العادة بأن العهد يعقده الملك بالمصافحة لمن يريد موالاته والاختصاص به فخاطبهم بما يعهدونه.
أخرجه ابن ماجه عنه قال قال رسول الله " من فاوض الحجر الأسود فكأنما يفاوض يد الرحمن.ضعفه الألباني رحمه الله
قال فضيلة الشيخ العلامة الفقيه محمد بن صالح العثيمين ـ رحمه الله ـ في معرض ردّه على أهل التأويل في رسالةٍ له ماتعة قيمة بعنوان ( أسماء الله و صفاته و موقف أهل السنة منها ) :
(( ... فهو الحجر الأسود يمين الله في الأرض ، قال أهل التأويل : إنكم تؤولون هذا الحديث ، لأنكم لا يمكن أن تقولوا إن الحجر هو يد الله . و نقول هذا حق ، لا يمكن لأحد أن يقول عن الحجر الأسود هو يد الله عز وجل و لكن قبل أن نجيب على هذا نقول : إن هذا الحديث باطل و لا يثبت عن النبي ، صلى الله عليه و سلم . قال ابن العربي : إنه حديث باطل و قال ابن الجوزي في (العلل المتناهية ) : إنه حديث لا يصح . و قال شيخ الإسلام ابن تيمية - رحمه الله - (روي عن النبي صلى الله عليه و سلم، بإسناد لا يثبت ) .
و على هذا فإنه ليس واردًا على أهل السنة و الجماعة لأنه لا يصح عن النبي صلى الله عليه و سلم ، و لكن قال شيخ الإسلام إنه مشهور عن ابن عباس ، و لكنه مع ذلك لا يعطي المعنى الذي قاله هؤلاء ، وأن الحجر الأسود يمين الله ، لأنه قال : ( يمين الله في الأرض فقيده )، قال شيخ الإسلام ابن تيمية - رحمه الله - و الكلام إذا قيد ليس كالكلام المطلق ما قال : يمين الله و سكت . قال : في الأرض . و معلوم أن يمين الله ليست في الأرض ، كذلك أيضاً قال في نفس الحديث كما رواه شيخ الإسلام ابن تيمية فمن صافحه فكأنما صافح الله ) ، و التشبيه يدل على أن المشبه به ليس هو المشبه، و إنما هو غيره ...)) .
وجزاك الله خير
أبو عمر العتيبي (البادع)