أصل هذه الرسالة كما نص على ذلك المسناوي هو جواب للشيخ أبي حامد بن محمد العربي بن أبي المحاسن الفاسي (ت1052)، وقد نقله بطوله ابن أخته أبو فارس عبد العزيز بن الحسن الزياتي الغماري (ت1055)، في كتابه «الجواهر المختارة مما وقفت عليه من النوازل بجبال غُمارة»، كما أورد المهدي الوزاني (ت1342)، في نوازله الكبرى النازلةَ ومطلعَ جوابه عنها ملخصاً، كما نقل محمد بن الحسن البناني (ت1194)، جزءا من جوابه ملخصا في حاشيته على شرح الزرقاني، وأورد محمد بن المدني كنون (ت1302)، شيئا منه بلفظه دون عزوٍ في حاشيته على شرح الزرقاني للمختصر.
وهذا الجواب كان على سؤال طرح على فقهاء المغرب في حدود ما قبل الأربعين والألف، عن قتال وقع بين فئتين من المسلمين في ثغر من ثغور المغرب، اقتتلوا بسبب مال كان عندهم على أن يقتسموه في رواتبهم، وكان تحث يدي إحدى الطائفتين، فلما طلبت الطائفة الأخرى أن يُمكنوهم من واجبهم منعوهم من ذلك، ونشأ بينهم كلام انتهى إلى القتال، وقد جاء طالب إلى احدى الطائفتين، فظنوا به العلم وشارطوه، وصاروا يمتثلون أمره ويقتدون به، فلما وقعت هذه الفتنة صار يغريهم على قتال الطائفة الأخرى ويقول لهم أرموهم بالأنفاض (الأنفاض قذائف ملتهبة كالقنابل)، وانزلوا عليهم بالسخط، إفسادُ الثلثين لإصلاح الثلث الحق.
فهذا الطالب شارطه طائفة من أهل هذا الثغر على الإمامة وتعليم الصبيان، ولكنه بدأ يعدو طوره، فصار يفتي في النوازل بغير بينة، ويتقول على الله تعالى بغير علم، وكادت فتياه أن تؤدي إلى ازهاق الأرواح وخراب لديار المسلمين، لولا أن أهل هذا الثغر تثبتوا، وعزموا على أن لا يقدموا على شيء حتى يسألوا العلماءَ المشهود لهم بالرسوخ في العلم، وكان الشيخ محمد العربي بن أبي المحاسن الفاسي واحداً ممن أجابوا عن هذه النازلة بما يشفي الغليل.
واقتصر المسناوي في تقييده هذا على ما اهتم به من جواب الشيخ العربي الفاسي، وهو رد القول المنسوب إلى الإمام مالك بجواز قتل الثلث من أجل إصلاح الثلثين، وتوجيه ما ورد عن بعض فقهاء المالكية مما قد يوافق هذا القول من بعض الوجوه، وقد احتفظ بنص جواب الشيخ العربي الفاسي في بعض المواضع، وعبر عنه بالمعنى في بعض آخر، .
وقد استهل هذا التقييد ببيان رد العلماء المذهب نسبةَ هذه المقالة إلى الإمام مالك، لأنها لم ترد في كتب تلاميذه، ولا أتباع مذهبه، وأشار إلى أن الجويني الذي نسبت إليهما هذه المقالة شافعي المذهب، فلا يعتمد إلى ما ينسبه إلى غير مذهبه.
ثم انتقال إلى إقرار المازري لكلام الجويني، فحمله على القول بالمصالح، أو على جواز قتل بعض المسلمين إذا تترس بهم الكفار، ثم شرع في بيان الشروط التي تشترط في المصلحة المسوغة لذلك، وختم تقييده ببيان الفرق بين مسألة الترس، ومسألة قتل الثلث استصلاحاً للثلثين.
والتقييد كأصله يعتمد على كتب المالكية كمختصر ابن الحاجب، وشرحه خليل، المسمى بالتوضيح، ومختصر خليل، وجمع الجوامع لابن السبكي، وكتاب ابن الشماع الموسوم بمطالع التمام، وما عدا ذلك من كلام الجويني والغزالي والقرافي واللخمي والمازري فإنما نقله بالواسطة، وليس للمسناوي في هذا التقييد من جهد سوى الاختصار وحسن الاختيار، واختيار المرء كما قيل قطعة من عقله.
لهذا التقييد نسخة بمؤسسة علال الفاسي بالرباط تحث رقم: ع 783، ضمن مجموع صغير من القطع المتوسط لا يجاوز ستة عشر ورقة منفصلة، مكتوب بخط مغربي مقاسه (18/21)، تتراوح أسطره ما بين 24 و26 سطرا، أما الناسخ فمجهول، والتقييد ليس له عنوان، وإنما عنونه مُفهرس خزانة علال الفاسي الأستاذ عبد الرحمن الحريشي، بـ: مبحث فيما نقله إمام الحرمين عن الإمام مالك من أنه يجوز قتل ثلث الأمة في استصلاح ثلثيها.
وقد حقق هذا التقييد الأستاذ رشيد الحمداوي ونشر بمجلة المذهب المالكي العدد العاشر سنة 1431-2010.