آل البيت والعمالة على الصدقة
قال الجصاص رحمه الله في (أحكام القران):"واختلف في جواز أخذ بني هاشم للعمالة من الصدقة إذا عملوا عليها، فقال أبو يوسف ومحمد من غير خلاف ذكراه عن أبي حنيفة: لا يجوز أن يعمل على الصدقة أحد من بني هاشم ولا يأخذ عمالته منها.
قال محمد: وإنما يصنع ما كان يأخذه علي بن أبي طالب t في خروجه إلى اليمن على أنه كان يأخذ من غير الصدقة.
قال أبو بكر ــ الجصاص ــ يعني بقوله:"لا يعمل على الصدقة على معنى أنه يعملها ليأخذ عمالتها، فأما إذا عمل عليها متبرعا على أن لا يأخذ شيئا فهذا لا خلاف بين أهل العلم في جوازه. وقال آخرون: لا بأس بالعمالة لهم من الصدقة والدليل على صحة القول الأول ــ ثم ذكر قصة الفضل وصاحبه ثم قال: فمنعهما أخذ العمالة، ومنع أبا رافع ذلك أيضا وقال مولى القوم منهم.
واحتج المبيحون لذلك بأن النبي r بعث عليا إلى اليمن على الصدقة رواه جابر وأبو سعيد جميعا، ومعلوم أنه قد كانت ولايته على الصدقات وغيرها ولا حجة في هذا لهم لأنه لم يذكر أن عليا أخذ عمالته منها، وقد قال الله تعالى لنبيه r "خذ من أموالهم صدقة" ومعلوم أنه r لم يكن يأخذ من الصدقة عمالة، وقد كان علي بن أبي طالب t حين خرج إلى اليمن فولي القضاء والحرب بها فجائز أن يكون أخذ رزقه من مال الفيء لا من جهة الصدقة.
فإن قيل: فقد يجوز أن يأخذ الغني عمالته منها وإن لم تحل له الصدقة فكذلك بنوا هاشم؟!
قيل له: لأن الغني من أهل هذه الصدقة لو افتقر أخذ منها والهاشمي لا يأخذ منها بحال.
فإن قيل: إن العامل لا يأخذ عمالته صدقة وإنما يأخذ أجرة لعمله، كما روي أن بريرة كانت تهدى للنبي r مما يتصدق به عليها ويقول r:"هي لها صدقة ولنا هدية"؟!.
قيل له: الفصل بينهما أن الصدقة كانت تحصل في ملك بريرة ثم تهديها للنبي r فكان بين ملك المتصدق وبين ملك النبي r واسطة ملك آخر، وليس بين ملك المأخوذ منه وبين ملك العامل واسطة لأنها لا تحصل في ملك الفقراء حتى يأخذها العامل". أهـ.
وقال النووي رحمه الله في (شرح مسلم):" قوله يعني في حديث عبد المطلب :"إن الصدقة لا تنبغي لآل محمد" دليل على أنها محرمة سواء كانت بسبب العمل أو بسبب الفقر والمسكنة وغيرهما من الأسباب الثمانية، وهذا هو الصحيح عند أصحابنا، وجوّز بعض أصحابنا لبني هاشم وبني المطلب العمل عليها بسهم العامل لأنه إجارة وهذا ضعيف أو باطل وهذا الحديث صريح في رده".أهـ.
وقال ابن حجر رحمه الله في (فتح الباري):"واستنبط البخاري من قصة بريرة أن للهاشمي أن يأخذ من سهم العاملين إذا عمل على الزكاة؛ وذلك أنه إنما يأخذ على عمله، قال : فلما حلّ للهاشمي أن يأخذ ما يملكه بالهدية مما كان صدقة لا بالصدقة كذلك يحل له أخذ ما يملكه بعمله لا بالصدقة".أهـ
قال أبو أيوب عفا الله عنه: قد سبق في كلام الجصاص والنووي ما يرد استنباط البخاري الذي حكاه عنه ابن حجر وهو رد صحيح وجيه، وهذا اجتهاد منه في مقابل النص، وكلٌّ يؤخذ من قوله ويرد إلا رسول الله r .
وأما ولاية علي t على اليمن فليست هي ولايةُ عمالةٍ على الصدقة وإنما هي ولايةٌ عامة على كل الشؤون من قضاء وحرب وحكم، ولم يأت ما يدلّ على منع آل البيت من هذه الولاية العامة، وما تدخل فيها جباية الصدقة إلا كما تدخل في ولاية الرسول r العامة إذ كان يبعث عماله ليأخذوا الصدقة من أهلها ثم يوزعها على مستحقيها لكونه ولي أمر المسلمين .
ولئن كان يأخذ علي t على ولايته شيئا فإنما يأخذه من الفيء كما تقدم عن الجصاص.
وأما جمع الهاشمي للصدقة على وجه التبرع ونقله لها من مؤديها إلى مستحقيها من دون أن يأخذ منها شيئا، ومن دون أن يأخذ على ذلك أجرة أو عمالة فهذا جائز بلا ريب وله في ذلك أجر إذا ابتغى وجه الله، وقد كان رسول الله r يقوم بذلك وهو سيد الهاشميين، وبالله التوفيق.


من بحثي (تحرير القول في بيان حكم الصدقة على آل الرسول)