الكتاب المُقَفَّص

الحمد لله وحده، والصلاة والسلام على من لا نبي بعده، وبعد:
فهذا مبحث لطيف يتناول تحفة اصطلاحية وملحة تصنيفية من لطائف المؤرخ الناقد الحافظ شمس الدين السخاوي (ت902هـ)، والذي ترجم نفسه وشيخه الأخص ابن حجر العسقلاني (ت852هـ)، وشيخه العلامة قاسم ابن قطلوبغا (ت879هـ)، وذكر تصانيفهم ووسم بعضها بـ"التقفيص".
قال ابن فارس (مقاييس اللغة: 5/115) :"قفص: القاف والفاء والصاد كلمات تدل على جُمَعٍ واجتماع. يقولون: تَقَفَّصَ؛ إذا تجمَّع. وقفَّصْتُ الظبيَ؛ إذا شددت قوائمه جميعاً" اهـ.
قال ابن منظور (لسان العرب: 7/78) :"قَفِصَ الفرسُ قَفْصَاً؛ لم يُخْرِج كل ما عنده من العَدْوِ" اهـ.
وقد وظَّفَ السخاوي "المُقَفَّص"؛ فخص به:
(الكتاب المستل من كتاب مخصوص لذاته، في موضوع مخصوص).

والمراد: هو أن يأتي المُقَفِّصُ إلى كتاب فينتزع منه نصوصاً دون النظر إلى غيره من الكتب (بخلاف كتب الزوائد)، وأن تكون النصوص في موضوع واحد.
وعليه فحدود هذا النمط من التصنيف هي الآتية:
1. أن يكون الكتاب المُقفَّصُ كتاباً واحداً.
2. أن تكون عامة ما في التقفيص هي النصوص المستلة من الكتاب المخصوص، وقد يزيد المُقفِّصُ شيئاً يسيراً.
3. عناية المُقفِّص بنص الكتاب دون غيره.
4. الوحدة الموضوعية للنصوص المُقَفَّصَةِ.
وقد وسم السخاوي تصنيفين له بهذا؛ وهما:
1. قال (الضوء اللامع: 8/17) :"تقفيص ما اشتمل عليه الشفا من الرجال ونحوهم".
2. قال (الضوء اللامع: 8/17) :"تقفيص قطعة من طبقات الحنفية؛ كان الشروع فيه لسائل".

وذكر لشيخه الأخص ابن حجر كتابين؛ وهما:
1. التخريج الواف بآثار الكشاف؛ فقال (الجوهر والدرر: 2/666) :"تخريج الكشاف، في مجلد. وهو ملخص من كتاب الزيلعي. بُيِّضَ، وسماه: الكاف الشاف في تخريج أحاديث الكشاف"، ثم قال (الجواهر: 2/666) : "التخريج الواف بآثار الكشاف، في مجلدين. قَفَّصَه في سنة إحدى وأربعين وثمانمائة، ولم يُبَيَّض لكونه ما زاد غالباً على تقفيص الآثار، ويكتب تخريج الأحاديث من المصنَّف قبله".
2. قال (الجواهر: 2/667) :"زهر الفردوس. قَفّصّه، وهو عبارة عن الأحاديث المخرَّجة من غير الكتب المشهورة"؛ أي: في الغالب؛ فقد قال ابن حجر -في مقدمته-: "وغالبها من غير الكتب المشهورة" اهـ، وليس الكتاب من باب الزوائد وإن كان أكثر ما في الكتاب منه. وإنما هو تَقفِيصُ الغرائب من "مسند الفردوس" لأبي منصور الديلمي.

وذكر لشيخه العلامة قاسم ابن قطلوبغا كتاباً واحداً؛ فقال (الضوء: 6/186) :"تعليق مسند الفردوس، كله مُقَفَّصٌ، والذي خَرَّجَه منه قليل جداً".

وقد وقع الفراغ منه في السدس السادس من النصف الثاني، من العشر الثالث من الثلث الثالث، من الثلث الثالث من الربع الثاني، من الثامن من الرابع من الخامس من الثاني من الهجرة الشريفة.
والحمد لله على منَّه وبلوغ التمام*.

كتبه: محمد بن حميد العوفي (أبو إياد)


* وقد أعانني في مناقشة بعض المسائل أخي الفقيه المالكي الشيخ محمد بن مصطفى جالو؛ فشكر الله له.