تابعونا على المجلس العلمي على Facebook المجلس العلمي على Twitter
الدكتور سعد بن عبد الله الحميد


النتائج 1 إلى 3 من 3

الموضوع: هل أخطأ الأخ عبد الله الغِزي في رده على شيخ الإسلام

  1. #1
    تاريخ التسجيل
    Oct 2012
    المشاركات
    13,372

    افتراضي هل أخطأ الأخ عبد الله الغِزي في رده على شيخ الإسلام

    بسم الله الرحمن الرحيم
    الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله ﷺ.
    وبعد،،
    فقد اطلعت على مقالتين للأخ/ عبد الله بن عبد العزيز الغزي، أراد فيهما بيانَ خطإ شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله في نقل مذهب أبي الحسن الأشعري رحمه الله في الصفات الخبرية؛ حيث نقل كلامًا عن شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله يذكر فيه أن أبا الحسن الأشعري رحمه الله كان يثبت الصفات الخبرية، وكان لا ينفيها ولا يُؤَوِّلها، وأن من نقل عنه في الصفات الخبرية قولين فقد افترى عليه.
    حيث قال شيخ الإسلام رحمه الله:
    «وَأَمَّا الْأَشْعَرِيُّ نَفْسُهُ وَأَئِمَّةُ أَصْحَابِهِ فَلَمْ يَخْتَلِفْ قَوْلُهُمْ فِي إثْبَاتِ الصِّفَاتِ الْخَبَرِيَّةِ، وَفِي الرَّدِّ عَلَى مَنْ يَتَأَوَّلُهَا؛ كَمَنْ يَقُولُ: اسْتَوَى بِمَعْنَى اسْتَوْلَى؛ وَهَذَا مَذْكُورٌ فِي كُتُبِهِ كُلِّهَا كـ «الْمُوجَزِ الْكَبِيرِ» و «الْمَقَالَاتِ الصَّغِيرَةِ» و «الْكَبِيرَةِ» و «الْإِبَانَةِ» وَغَيْرِ ذَلِكَ، وَهَكَذَا نَقَلَ سَائِر النَّاسِ عَنْهُ، حَتَّى الْمُتَأَخِّرُو نَ؛ كَالرَّازِيِّ وَالْآمِدِيِّ، يَنْقُلُونَ عَنْهُ إثْبَاتَ الصِّفَاتِ الْخَبَرِيَّةِ، وَلَا يَحْكُونَ عَنْهُ فِي ذَلِكَ قَوْلَيْنِ؛ فَمَنْ قَالَ: إنَّ الْأَشْعَرِيَّ كَانَ يَنْفِيهَا وَأَنَّ لَهُ فِي تَأْوِيلِهَا قَوْلَيْنِ فَقَدْ افْتَرَى عَلَيْهِ؛ وَلَكِنْ هَذَا فِعْلُ طَائِفَةٍ مِنْ مُتَأَخِّرِي أَصْحَابِهِ كَأَبِي الْمَعَالِي وَنَحْوِهِ؛ فَإِنَّ هَؤُلَاءِ أَدْخَلُوا فِي مَذْهَبِهِ أَشْيَاءَ مِنْ أُصُولِ الْمُعْتَزِلَةِ»اهـ([1]).
    هذا هو النص الذي نقله الأخ في مقالته.
    قلت: وأزيدك أنا نصًّا آخر عن شيخ الإسلام ‎رحمه الله.
    قال شيخ الإسلام رحمه الله:
    «حَتَّى قَالَ لِي بَعْضُ الْأَكَابِرِ مِنَ الْحَنَفِيَّةِ - وَقَدْ اجْتَمَعَ بِي -: لَوْ قُلْتَ: هَذَا مَذْهَبُ أَحْمَدَ، وَثَبَتَّ عَلَى ذَلِكَ لَانْقَطَعَ النِّزَاعُ.
    وَمَقْصُودُهُ: أَنَّهُ يَحْصُلُ دَفْعُ الْخُصُومِ عَنْك بِأَنَّهُ مَذْهَبٌ مَتْبُوعٌ وَيَسْتَرِيحُ الْمُنْتَصِرُ وَالْمُنَازِعُ مِنْ إظْهَارِ الْمُوَافَقَةِ؛ فَقُلْت: لَا وَاَللَّهِ؛ لَيْسَ لِأَحْمَدَ بْنِ حَنْبَلٍ فِي هَذَا اخْتِصَاصٌ؛ وَإِنَّمَا هَذَا اعْتِقَادُ سَلَفِ الْأُمَّةِ وَأَئِمَّةِ أَهْلِ الْحَدِيثِ؛ وَقُلْت أَيْضًا: هَذَا اعْتِقَادُ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ، وَكُلُّ لَفْظٍ ذَكَرْته فَأَنَا أَذْكُرُ بِهِ آيَةً أَوْ حَدِيثًا أَوْ إجْمَاعًا سَلَفِيًّا، وَأَذْكُرُ مَنْ يَنْقُلُ الْإِجْمَاعَ عَنِ السَّلَفِ مِنْ جَمِيعِ طَوَائِفِ الْمُسْلِمِينَ وَالْفُقَهَاءِ الْأَرْبَعَةِ وَالْمُتَكَلِّم ِين وَأَهْلِ الْحَدِيثِ وَالصُّوفِيَّةِ ؛ وَقُلْت لِمَنْ خَاطَبَنِي مَنْ أَكَابِرِ الشَّافِعِيَّةِ - لِأُبَيِّنَ أَنَّ مَا ذَكَرْتُهُ هُوَ قَوْلُ السَّلَفِ وَقَوْلُ أَئِمَّةِ أَصْحَابِ الشَّافِعِيِّ -: وَأَذْكُرُ قَوْلَ الْأَشْعَرِيِّ وَأَئِمَّةِ أَصْحَابِهِ الَّتِي تَرُدُّ عَلَى هَؤُلَاءِ الْخُصُومِ، وَلِيَنْتَصِرَن َّ كُلُّ شَافِعِيٍّ وَكُلُّ مَنْ قَالَ بِقَوْلِ الْأَشْعَرِيِّ الْمُوَافِقِ لِمَذْهَبِ السَّلَفِ، وَأُبَيِّنُ أَنَّ الْقَوْلَ الْمَحْكِيَّ عَنْهُ فِي تَأْوِيلِ الصِّفَاتِ الْخَبَرِيَّةِ قَوْلٌ لَا أَصْلَ لَهُ فِي كَلَامِهِ، وَإِنَّمَا هُوَ قَوْلُ طَائِفَةٍ مِنْ أَصْحَابِهِ؛ فَلِلْأَشْعَرِي َّةِ قَوْلَانِ؛ لَيْسَ لِلْأَشْعَرِيِّ قَوْلَانِ»اهـ([2]).
    قلت: فهذا هو كلام شيخ الإسلام رحمه الله في حق أبي الحسن الأشعري رحمه الله؛ وقد فَهِمَ منه كاتبُ المقال أن شيخ الإسلام $ ينفي أن يكون لأبي الحسن الأشعري قولين مطلقًا.
    وفي الحقيقة أن هذا الفَهْمَ الذي فهمه كاتبُ المقال عن شيخ الإسلام رحمه الله فَهْمٌ غير صحيح؛ والذي أوقعه في هذا الفَهْمِ الخاطئ، كونه لم يسلُك المسلك العلمي الصحيح لفَهْمِ كلام المتكلم؛ الذي من أساسياته بداهةً: جمع كلام المتكلم في المسألة المُراد فهمها عنه؛ مما يؤدي إلى الخروج بنتيجة صحيحة، وفَهْمًا سليمًا لكلامه، وأما أن نأخذ بعضًا من كلام المتكلم في موضع؛ وقد يكون هذا الكلام مجملًا قد فصَّله المتكلم نفسُه في مكان آخر، أو قد يكون هذا الكلام مطلقًا قد قيده المتكلم في موضع آخر، فهذا هو الذي يوقعنا في الخطإ والزلل والكلام على الناس بلا علم؛ بل إن هذه الطريقة قد أوقعت أشخاصًا وجماعاتٍ في الكلام على الله ورسوله بلا علم؛ كما هو معلوم.
    لذا، فإنَّ مَن جَمَعَ كلام شيخ الإسلام رحمه الله في أبي الحسن الأشعري رحمه الله يتبيَّن له أن شيخ الإسلام لم يقصد بهذا الكلام أن أبا الحسن الأشعري رحمه الله كان ملتزمًا بمذهب أهل السنة التزامًا محضًا، وإنما هو التزام في الجملة؛ ولذلك فإن شيخ الإسلام رحمه الله هو نفسه قد بيَّن أخطاء أبي الحسن الأشعري في الصفات، وخاصة الصفات الخبرية.
    قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله بعد الكلام الذي نقله عنه الأخ مباشرة:
    «وَالْأَشْعَرِيّ ُ اُبْتُلِيَ بِطَائِفَتَيْنِ : طَائِفَةٌ تُبْغِضُهُ وَطَائِفَةٌ تُحِبُّهُ؛ كُلٌّ مِنْهُمَا يَكْذِبُ عَلَيْهِ وَيَقُولُ: إنَّمَا صَنَّفَ هَذِهِ الْكُتُبَ تَقِيَّةً وَإِظْهَارًا لِمُوَافَقَةِ أَهْلِ الْحَدِيثِ وَالسُّنَّةِ مِنَ الْحَنْبَلِيَّة ِ وَغَيْرِهِمْ.
    وَهَذَا كَذِبٌ عَلَى الرَّجُلِ فَإِنَّهُ لَمْ يُوجَدْ لَهُ قَوْلٌ بَاطِنٌ يُخَالِفُ الْأَقْوَالَ الَّتِي أَظْهَرَهَا وَلَا نَقَلَ أَحَدٌ مِنْ خَوَاصِّ أَصْحَابِهِ وَلَا غَيْرُهُمْ عَنْهُ مَا يُنَاقِضُ هَذِهِ الْأَقْوَالَ الْمَوْجُودَةَ فِي مُصَنَّفَاتِهِ؛ فَدَعْوَى الْمُدَّعِي أَنَّهُ كَانَ يُبْطِنُ خِلَافَ مَا يُظْهِرُ دَعْوَى مَرْدُودَةٌ شَرْعًا وَعَقْلًا؛ بَلْ مَنْ تَدَبَّرَ كَلَامَهُ فِي هَذَا الْبَابِ - فِي مَوَاضِعَ - تَبَيَّنَ لَهُ قَطْعًا أَنَّهُ كَانَ يَنْصُرُ مَا أَظْهَرَهُ؛ وَلَكِنَّ الَّذِينَ يُحِبُّونَهُ وَيُخَالِفُونَه ُ فِي إثْبَاتِ الصِّفَاتِ الْخَبَرِيَّةِ يَقْصِدُونَ نَفْيَ ذَلِكَ عَنْهُ؛ لِئَلَّا يُقَالُ: إنَّهُمْ خَالَفُوهُ مَعَ كَوْنِ مَا ذَهَبُوا إلَيْهِ مِنَ السُّنَّةِ قَدِ اقْتَدَوْا فِيهِ بِحُجَّتِهِ الَّتِي عَلَى ذِكْرِهَا يُعَوِّلُونَ وَعَلَيْهَا يَعْتَمِدُونَ.
    وَالْفَرِيقُ الْآخَرُ: دَفَعُوا عَنْهُ لِكَوْنِهِمْ رَأَوْا الْمُنْتَسِبِين َ إلَيْهِ لَا يُظْهِرُونَ إلَّا خِلَافَ هَذَا الْقَوْلِ، وَلِكَوْنِهِمْ اتَّهَمُوهُ بِالتَّقِيَّةِ، وَلَيْسَ كَذَلِكَ، بَلْ هُوَ انْتَصَرَ لِلْمَسَائِلِ الْمَشْهُورَةِ عِنْدَ أَهْلِ السُّنَّةِ الَّتِي خَالَفَهُمْ فِيهَا الْمُعْتَزِلَةُ ؛ كَمَسْأَلَةِ الرُّؤْيَةِ، وَالْكَلَامِ، وَإِثْبَاتِ الصِّفَاتِ، وَنَحْوِ ذَلِكَ؛ لَكِنْ كَانَتْ خِبْرَتُهُ بِالْكَلَامِ خِبْرَةٌ مُفَصَّلَةٌ، وَخِبْرَتُهُ بِالسُّنَّةِ خِبْرَةٌ مُجْمَلَةٌ؛ فَلِذَلِكَ وَافَقَ الْمُعْتَزِلَةَ فِي بَعْضِ أُصُولِهِمْ الَّتِي الْتَزَمُوا لِأَجْلِهَا خِلَافَ السُّنَّةِ وَاعْتَقَدَ أَنَّهُ يُمْكِنُهُ الْجَمْعُ بَيْنَ تِلْكَ الْأُصُولِ وَبَيْنَ الِانْتِصَارِ لِلسُّنَّةِ، كَمَا فَعَلَ فِي مَسْأَلَةِ الرُّؤْيَةِ وَالْكَلَامِ وَالصِّفَاتِ الْخَبَرِيَّةِ وَغَيْرِ ذَلِكَ([3])، وَالْمُخَالِفُو نَ لَهُ مِنْ أَهْلِ السُّنَّةِ وَالْحَدِيثِ، وَمِنَ الْمُعْتَزِلَةِ وَالْفَلَاسِفَة ِ يَقُولُونَ: إنَّهُ مُتَنَاقِضٌ وَإِنَّ مَا وَافَقَ فِيهِ الْمُعْتَزِلَةَ يُنَاقِضُ مَا وَافَقَ فِيهِ أَهْلَ السُّنَّةِ.. بَلْ جُمْهُورُ الْمُخَالِفِينَ لِلْأَشْعَرِيِّ مِنَ الْمُثْبِتَةِ والْنُّفَاةِ يَقُولُونَ: إنَّ مَا قَالَهُ فِي مَسْأَلَةِ الرُّؤْيَةِ وَالْكَلَامِ مَعْلُومُ الْفَسَادِ بِضَرُورَةِ الْعَقْلِ..
    وَأَمَّا مُقْتَصِدَةُ الْفَلَاسِفَةِ؛ كَأَبِي الْبَرَكَاتِ صَاحِبِ الْمُعْتَبَرِ وَابْنِ رُشْدٍ الْحَفِيدِ فَفِي قَوْلِهِمْ مِنَ الْإِثْبَاتِ مَا هُوَ خَيْرٌ مِنْ قَوْلِ جَهْمٍ؛ فَإِنَّ الْمَشْهُورَ عَنْهُمْ إثْبَاتُ الْأَسْمَاءِ الْحُسْنَى، وَإِثْبَاتُ أَحْكَامِ الصِّفَاتِ فَفِي الْجُمْلَةِ قَوْلُهُمْ خَيْرٌ مِنْ قَوْلِ جَهْمٍ، وَقَوْلُ ضِرَارِ بْنِ عَمْرٍو الْكُوفِيِّ خَيْرٌ مِنْ قَوْلِهِمْ.
    وَأَمَّا ابْنُ كُلَّابٍ والقلانسي وَالْأَشْعَرِيّ ُ فَلَيْسُوا مِنْ هَذَا الْبَابِ؛ بَلْ هَؤُلَاءِ مَعْرُوفُونَ بالصفاتية مَشْهُورُونَ بِمَذْهَبِ الْإِثْبَاتِ؛ لَكِنْ فِي أَقْوَالِهِمْ شَيْءٌ مِنْ أُصُولِ الْجَهْمِيَّة، وَمَا يَقُولُ النَّاسُ إنَّهُ يُلْزِمُهُمْ بِسَبَبِهِ التَّنَاقُضُ وَإِنَّهُمْ جَمَعُوا بَيْنَ الضِّدَّيْنِ وَإِنَّهُمْ قَالُوا مَا لَا يُعْقَلُ وَيَجْعَلُونَهُ مْ مُذَبْذَبِينَ لَا إلَى هَؤُلَاءِ وَلَا إلَى هَؤُلَاءِ فَهَذَا وَجْهُ مَنْ يَجْعَلُ فِي قَوْلِهِمْ شَيْئًا مِنْ أَقْوَالِ الْجَهْمِيَّة»ا هـ([4]).
    وقال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله في معرض رده على من يتهم مثبتة الصفات بالتشبيه والتجسيم:
    «أَنَّ هَذَا الضَّرْبَ الَّذِي قُلْتَ: إنَّهُ لَا يَتَحَاشَى مِنَ الْحَشْوِ وَالتَّشْبِيهِ وَالتَّجْسِيمِ، إمَّا أَنْ تُدْخِلَ فِيهِ مُثْبِتَةَ الصِّفَاتِ الْخَبَرِيَّةِ الَّتِي دَلَّ عَلَيْهَا الْكِتَابُ وَالسُّنَّةُ أَوْ لَا تُدْخِلَهُمْ؛ فَإِنْ أَدْخَلْتهمْ كُنْتَ ذَامًّا لِكُلِّ مَنْ أَثْبَتَ الصِّفَاتِ الْخَبَرِيَّةَ؛ وَمَعْلُومٌ أَنَّ هَذَا مَذْهَبُ عَامَّةِ السَّلَفِ وَمَذْهَبُ أَئِمَّةِ الدِّينِ؛ بَلْ أَئِمَّةُ الْمُتَكَلِّمِي نَ يُثْبِتُونَ الصِّفَاتِ الْخَبَرِيَّةَ فِي الْجُمْلَةِ؛ وَإِنْ كَانَ لَهُمْ فِيهَا طُرُقٌ؛ كَأَبِي سَعِيدٍ بْنِ كُلَّابٍ وَأَبِي الْحَسَنِ الْأَشْعَرِيِّ([5]) وَأَئِمَّةِ أَصْحَابِهِ؛ كَأَبِي عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مُجَاهِدٍ وَأَبِي الْحَسَنِ الْبَاهِلِيِّ وَالْقَاضِي أَبِي بَكْرٍ بْنِ الْبَاقِلَّانِي وَأَبِي إسْحَاقَ الإسفراييني وَأَبِي بَكْرٍ بْنِ فَوْرَك وَأَبِي مُحَمَّدٍ بْنِ اللَّبَّانِ وَأَبِي عَلِيٍّ بْنِ شاذان وَأَبِي الْقَاسِمِ القشيري وَأَبِي بَكْرٍ البيهقي وَغَيْرِ هَؤُلَاءِ، فَمَا مِنْ هَؤُلَاءِ إلَّا مَنْ يُثْبِتُ مِنَ الصِّفَاتِ الْخَبَرِيَّةِ مَا شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى، وَعِمَادُ الْمَذْهَبِ عَنْهُمْ إثْبَاتُ كُلِّ صِفَةٍ فِي الْقُرْآنِ، وَأَمَّا الصِّفَاتُ الَّتِي فِي الْحَدِيثِ، فَمِنْهُمْ مَنْ يُثْبِتُهَا وَمِنْهُمْ مَنْ لَا يُثْبِتُهَا؛ فَإِذَا كُنْتَ تَذُمُّ جَمِيعَ أَهْلِ الْإِثْبَاتِ مِنْ سَلَفِكَ وَغَيْرِهِمْ لَمْ يَبْقَ مَعَك إلَّا الْجَهْمِيَّة مِنَ الْمُعْتَزِلَةِ وَمَنْ وَافَقَهُمْ عَلَى نَفْيِ الصِّفَاتِ الْخَبَرِيَّةِ مِنْ مُتَأَخِّرِي الْأَشْعَرِيَّة ِ وَنَحْوِهِمْ»اه ـ([6]).
    وقال شيخ الإسلام رحمه الله:
    «وَقَبِلَهُ أَبُو الْحَسَنِ كِتَابُهُ فِي اخْتِلَافِ الْمُصَلِّينَ مِنْ أَجْمَعِ الْكُتُبِ، وَقَدِ اسْتَقْصَى فِيهِ أَقَاوِيلَ أَهْلِ الْبِدَعِ، وَلَمَّا ذَكَرَ قَوْلَ أَهْلِ السُّنَّةِ وَالْحَدِيثِ ذَكَرَهُ مُجْمَلًا غَيْرَ مُفَصَّلٍ، وَتَصَرَّفَ فِي بَعْضِهِ فَذَكَرَهُ بِمَا اعْتَقَدَهُ هُوَ أَنَّهُ قَوْلُهُمْ مِنْ غَيْرِ أَنْ يَكُونَ ذَلِكَ مَنْقُولًا عَنْ أَحَدٍ مِنْهُمْ؛ وَأَقْرَبُ الْأَقْوَالِ إلَيْهِ قَوْلُ ابْنِ كُلَّابٍ؛ فَأَمَّا ابْنُ كُلَّابٍ فَقَوْلُهُ مَشُوبٌ بِقَوْلِ الْجَهْمِيَّة، وَهُوَ مُرَكَّبٌ مِنْ قَوْلِ أَهْلِ السُّنَّةِ وَقَوْلِ الْجَهْمِيَّة، وَكَذَلِكَ مَذْهَبُ الْأَشْعَرِيِّ فِي الصِّفَاتِ»اهـ([7]).
    فتبيَّن من كلام شيخ الإسلام ما يلي:
    أولًا: أن شيخ الإسلام رحمه الله كان يعلم جيِّدًا مذهبَ أبي الحسن الأشعري، وأنه لم يكن على الجادة في باب الأسماء والصفات، وخاصة الصفات الخبرية.
    ثانيًا: أن شيخ الإسلام رحمه الله قصد بقوله: «فَمَنْ قَالَ: إنَّ الْأَشْعَرِيَّ كَانَ يَنْفِيهَا وَأَنَّ لَهُ فِي تَأْوِيلِهَا قَوْلَيْنِ فَقَدْ افْتَرَى عَلَيْهِ»؛ أي: من نسب له قولين بالنفي والإثبات؛ والدليل قوله: «كان ينفيها..فقد افترى عليه».
    ثالثًا: أن شيخ الإسلام رحمه الله كان في معرِض الردِّ على النفاة من متأخري الأشاعرة، فردَّ عليهم بقول شيوخهم وأئمتهم الذين كانوا يثبتون الصفات في الجملة، ولم يكن لهم فيها قولان: نفي وإثبات؛ وإنما هو الإثبات فقط.
    ومما يزيد هذا وضوحًا وبيانًا، قول شيخ الإسلام رحمه الله:
    «وَأَمَّا الِاسْتِوَاءُ عَلَى الْعَرْشِ فَهُوَ مِنَ الصِّفَاتِ الْخَبَرِيَّةِ، وَهَذَا قَوْلُ كَثِيرٍ مِنْ أَصْحَابِ الْأَئِمَّةِ الْأَرْبَعَةِ، وَأَكْثَرُ أَهْلِ لْحَدِيثِ، وَهُوَ آخِرُ قَوْلَيِ الْقَاضِي أَبِي يَعْلَى وَقَوْلُ أَبِي الْحَسَنِ بْنِ الزَّاغُونِيِّ، وَهُوَ قَوْلُ كَثِيرٍ مِنْ أَهْلِ الْكَلَامِ مِنَ الْكَرَّامِيَّة ِ وَغَيْرِهِمْ؛ وَأَمَّا الْأَشْعَرِيُّ فَالْمَشْهُورُ عَنْهُ أَنَّ كِلَيْهِمَا صِفَةٌ خَبَرِيَّةٌ، وَهُوَ قَوْلُ كَثِيرٍ مِنْ أَتْبَاعِ الْأَئِمَّةِ الْأَرْبَعَةِ، وَهُوَ أَوَّلُ قَوْلَيِ الْقَاضِي أَبِي يَعْلَى وَقَوْلُ التَّمِيمِيِّين َ وَغَيْرِهِمْ مِنْ أَصْحَابِهِ.
    وَكَثِيرٌ مِنْ مُتَأَخِّرِي أَصْحَابِ الْأَشْعَرِيِّ أَنْكَرُوا أَنْ يَكُونَ اللَّهُ فَوْقَ الْعَرْشِ، أَوْ فِي السَّمَاءِ، وَهَؤُلَاءِ الَّذِينَ يَنْفُونَ الصِّفَاتِ الْخَبَرِيَّةَ؛ كَأَبِي الْمَعَالِي وَأَتْبَاعِهِ، فَإِنَّ الْأَشْعَرِيَّ وَأَئِمَّةَ أَصْحَابِهِ يُثْبِتُونَ الصِّفَاتِ الْخَبَرِيَّةَ وَهَؤُلَاءِ يَنْفُونَهَا، فَنَفَوْا هَذِهِ الصِّفَةَ؛ لِأَنَّهَا - عَلَى قَوْلِ الْأَشْعَرِيِّ - مِنَ الصِّفَاتِ الْخَبَرِيَّةِ» اهـ([8]).
    فتبيَّن أن شيخ الإسلام يردُّ على النفاة من متأخري الأشاعرة بكلام المثبتين من أئمتهم المتقدمين.
    رابعًا: إذا تبيَّن هذا، وأن شيخ الإسلام رحمه الله كان يقصد نفي ثبوت النفي عن أبي الحسن الأشعري رحمه الله، تبيَّن أن ما نقله صاحب المقال عن الرازي والآمدي، لا يَرِدُ على شيخ الإسلام؛ لأنهما لم يَنقُلاعن الأشعري قولًا بالنفي،
    وإنما نقلا عنه قولًا بالتأويل؛ وهذا مما لا ينفيه شيخ الإسلام.
    خامسًا: قول شيخ الإسلام رحمه الله: «وَلَكِنْ هَذَا فِعْلُ طَائِفَةٍ مِنْ مُتَأَخِّرِي أَصْحَابِهِ كَأَبِي الْمَعَالِي وَنَحْوِهِ؛ فَإِنَّ هَؤُلَاءِ أَدْخَلُوا فِي مَذْهَبِهِ أَشْيَاءَ مِنْ أُصُولِ الْمُعْتَزِلَةِ »؛ ليس معناه أن مذهب الرجل كان سالمًا مِن أصول المعتزلة؛ وإلا فشيخ الإسلام نفسه رحمه الله قد صرح – كما تقدم – أن الأشعري رحمه الله كان متأثرًا بأصول المعتزلة، بل بأصول الجهمية.
    ولا يلزم من إثباته إدخال أصول على مذهب الأشعري، نفي وجود أصول أخرى قبل ذلك.
    وإنما معناه أن متأخري الأشاعرة أدخلوا أصولًا أخرى من أصول المعتزلة؛ ليعتمدوا عليها في نفي الصفات.
    هذا، وهناك أمر فرعيٌّ ذكره صاحب المقال، يجدر بنا التنبيه على خطئه فيه؛ وهو قوله (ص:3) من المقال الثاني: «علمًا بأن شيخ الإسلام نفسه لم يذكر جميع مؤلفات الأشعري في كتبه، ولم يذكر منها إلا أحد عشر كتابًان وكتب الأشعري أكثر من ذلك».
    قلت: من المعلوم عند جميع الباحثين أن عدم ذِكْرِك لمصنَّفٍ ما في مؤلفاتك، لا يدل على عدم امتلاكك لهذا المصنَّف، ولا على عدم اطلاعك عليه.
    وصلِّ اللهم على محمد وعلى آله وصحبه وسلم
    وكتبه
    أبو يوسف محمد بن طه
    صبيحة يوم الأربعاء 24 جمادى ثاني 1438 هـ
    مصر - الفيوم


    [1])) «مجموع الفتاوى» (12/ 203).

    [2])) «مجموع الفتاوى» (3/ 189، 190).

    [3])) انتبه لهذه الجملة جيدًا؛ فشيخ الإسلام رحمه الله يبين أن الأشعري لم يكن على الجادة في الصفات، وخاصة الصفات الخبرية.

    [4])) «مجموع الفتاوى» (12/ 204- 206).

    [5])) انتبه فإن شيخ الإسلام رحمه الله يذكر أن أئمة المتكلمين، ومنهم أبو الحسن الأشعري، يثبتون الصفات الخبرية في الجملة؛ قال: وإن كان لهم فيها طرق.

    [6])) «مجموع الفتاوى» (4/ 147، 148).

    [7])) «مجموع الفتاوى» (16/ 308).

    [8])) «منهاج السنة» (2/ 327- 329)، تحقيق محمد رشاد سالم.
    لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ مُحَمَّدٌ رَسُولُ الله
    الرد على الشبهات المثارة حول الإسلام

  2. #2
    تاريخ التسجيل
    Jan 2011
    المشاركات
    581

    افتراضي

    أحسسسسنت يا أبا يوسف رد علمي محكم وكم نبه وزير الأوقاف صالح آل الشيخ في محاضرته كيف تقرا كتب شخ الإسلام قال سترى انه يجمل تارة ويقول وقد بسطناه في الكتاب الفلاني وتارة يفصل وهذا لا يعرفه الا من خبر جميع مقالاته ويلتبس على من لم يدركها كاملة بارك الله فيك ولكن تمنيت اضافة رسالة الشيخ عبدالله وفقه الله لكي يتضح جوابكم اكثر
    أشهد أن لا أله ألا الله وأشهد أن محمد رسول الله
    أنا الأن أحفظ القران أدعوا لي أن الله يعينني على حفظ كتابه

  3. #3
    تاريخ التسجيل
    Oct 2012
    المشاركات
    13,372

    افتراضي

    بارك الله فيك أخي الحبيب تلميذ الدنيا.
    وردود الأخ الغزي على صفحته بتويتر، سأحاول إرفاقها هنا.
    لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ مُحَمَّدٌ رَسُولُ الله
    الرد على الشبهات المثارة حول الإسلام

الكلمات الدلالية لهذا الموضوع

ضوابط المشاركة

  • لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
  • لا تستطيع الرد على المواضيع
  • لا تستطيع إرفاق ملفات
  • لا تستطيع تعديل مشاركاتك
  •