يقول الشيخ سليمان بن سحمان -قال ابن القيم رحمه الله تعالى: القسم الرابع من مخالطته الهلكة، ومخالطته بمنزلة أكل السم، فإن اتفق لآكله ترياق، وإلا فأحسن الله فيه العزاء.
وما أكثر هذا الضرب في الناس لا كثرهم الله، وهم أهل البدع والضلالة، الصادون عن سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم، الداعون إلى خلافها، فيجعلون السنة بدعة، والبدعة سنة، إن جَرَّدت التوحيد قالوا تنقصت الأولياء والصالحين، وإن جردت المتابعة للرسول قالوا أهدرت الأئمة المتبوعين، وإن وصفت الله بما وصف به نفسه، وبما وصف به رسوله، من غير غلو، ولا تقصير قالوا أنت من المشبهين، وإن أمرت بما أمر [الله به] رسوله من المعروف، ونهيت عن المنكر قالوا أنت من المفتنين، وإن اتبعت السنة، وتركت ما خالفهم قالوا أنت من الملبسين، وإن تركت ما أنت عليه، واتبعت أهواءهم فأنت عند الله من الخاسرين، وعندهم من المنافقين، فالحزم كل الحزم فى التماس مرضاة الله ورسوله بإغضابهم، وأن لا تبالي بذمهم وغضبهم فإنه عين كمالك انتهى.
قلتُ: ما أشبه الليله بالبارحه، -----------------------------------------ويقول رحمه الله--فإن الشيطان قد فتح لكثير من الناس أبواباً من الشُّبَه في إسقاط الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وألقى على ألسنتهم هذهالشبهة ليتوصل بذلك إلى أن يترك الناس الأمرَ بالمعروف والنهي عن المنكر، لأن في ذلك تنفيراً للناس عن قبول النصيحة، ويظنون أن هذا من جهل الآمر والناهي، وأن العقل لا يسوغ هذا، وهذا العقل هو حظ كثير من الناس، بل أكثرهم وهو عين الهلاك، وثمرة النفاق، فإن أربابه يرون أن العقل إرضاء الناس جميعهم، وعدم مخالفتهم في أغراضهم، وشهواتهم، واستجلاب مودتهم ويقولون أصلح نفسك بالدخول مع الناس، والتسلك معهم، ولا تبغض نفسك عندهم، فلا يقبلوا لك نصحاً، وهذا هو إفساد النفس وإهلاكها، وفاعل ذلك قد التمس رضا الناس بسخط الله وصار الخلق في نفسه أجل من الله، ومن التمس رضى الناس في سخط الله سخط الله عليه وأسخط عليه الناس، فمن نصح نفسه وأراد نجاتها فليلتمس رضا الله بمعاداة أعداء الله ورسوله، ويعلم أن أصل الأصول لا استقامة له، ولا ثبات إلا بمقاطعة أعداء الله، وجهادهم، والبراءة منهم والتقرب إلى الله بمقتهم، وعيبهم، وقد قال تعالى: {لُعِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ بَنِي إِسْرائيلَ عَلَى لِسَانِ دَاوُدَ وَعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ ذَلِكَ بِمَا عَصَوْا وَكَانُوا يَعْتَدُونَ * كَانُوا لا يَتَنَاهَوْنَ عَنْ مُنْكَرٍ فَعَلُوهُ لَبِئْسَ مَا كَانُوا يَفْعَلُونَ * تَرَى كَثِيراً مِنْهُمْ يَتَوَلَّوْنَ الَّذِينَ كَفَرُوا لَبِئْسَ مَا قَدَّمَتْ لَهُمْ أَنْفُسُهُمْ أَنْ سَخِطَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ وَفِي الْعَذَابِ هُمْ خَالِدُونَ * وَلَوْ كَانُوا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالنَّبِيِّ وَمَا أُنْزِلَ إِلَيْهِ مَا اتَّخَذُوهُمْ أَوْلِيَاءَ
وَلَكِنَّ كَثِيراً مِنْهُمْ فَاسِقُونَ} [المائدة:78-81] . وأكثر الناس إنما يتعبد بما يحسن في العادة، ويثنى عليه به، وما فيه مقاطعة ومجاهدة وهجر في ذات الله ومراغمة لأعدائه فذاك ليس منه على شيء، بل ربما ثبَّط عنه، وقدح في فاعله، وهذا كثير في المنتسبين إلى العادة، والمنتسبين إلى العلم والدين، والشيطان أحرض شيء على ذلك منهم، لأنهم يرونه غالباً ديناً وحسن خلق فلا يتاب منه ولا يستغفر، ولأن غيرهم يقتدي بهم، ويسلك سبيلهم فيكونون فتنةً لغيرهم، ولهذا حذر الشارع من فتنة من فسد من العلماء والعباد وخاف على أمته، فالمؤمن إذا حصل له ظهر بحقائق الإيمان، وصار على نصيب من مرضاة الملك الرحمن، فقد حصل له الحظ الأوفى، والسعادة الكبرى، وإن قيل ما قيل.
إذا رضي الحبيب فلا أبالي
...
أقام الحي أم جد الرحيل ----------- [كشف الشبهتين]