المشاركة الأصلية كتبت بواسطة أبو خبيب الصومالي
فهل انعدام البغض يعني المحبة،
قد بينا ذلك اخى الكريم فى كلام شيخ الاسلام بن تيمية فى قوله-قال شيخ الإسلام ابن تيمية: "أخبر الله أنك لا تجد مؤمناً يوادّ المحادّين لله ورسوله، فإنّ نفس الإيمان ينافي موادّته كما ينفي أحد الضدين الآخر، فإذا وجد الإيمان انتفى ضدّه وهو موالاة أعداء الله، فإذا كان الرجل يوالي أعداء الله بقلبه كان ذلك دليلاً على أن قلبه ليس فيه الإيمان الواجب ------------------------------------ويقول ابن تيمية رحمه الله في موضع آخر: (وهذه الآية مثل قوله {لَا تَجِدُ قَوْمًا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ يُوَادُّونَ مَنْ حَادَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ}، وقوله: {وَلَوْ كَانُوا يُؤْمِنُونَ بِالله والنَّبِيِّ وَمَا أُنزِلَ إِلَيْهِ مَا اتَّخَذُوهُمْ أَوْلِيَاء}، بين سبحانه أن الإيمان له لوازم وله أضداد موجودة تستلزم ثبوت لوازمه وانتفاء أضداده ومن أضداده موادة من حاد الله ورسوله ... انتهى).----------------------------------------- ويقول الشيخ السعدي رحمه الله في تفسيره لقوله تعالى {لَا تَجِدُ قَوْمًا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ يُوَادُّونَ مَنْ حَادَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ} ... (أي: لا يجتمع هذا وهذا، فلا يكون العبد مؤمناً بالله واليوم الآخر حقيقة، إلا كان عاملاً على مقتضى الإيمان ولوازمه، من محبة من قام بالإيمان وموالاته، وبغض من لم يقم به ومعاداته، ولو كان أقرب الناس إليه , وهذا هو الإيمان على الحقيقة، الذي وجدت ثمرته والمقصودمنه، .... ثم قال وأما من يزعم أنه يؤمن بالله واليوم الآخر، وهو مع ذلك مواد لأعداء الله، محب لمن ترك الإيمان وراء ظهره، فإن هذا إيمان زعمي لا حقيقة له، فإن كل أمر لا بد له من برهان يصدقه، فمجرد الدعوى، لا تفيد شيئا ولا يصدق صاحبها ... انتهى)
--------------------------------نقول فمثلما تحب ربك تبغض عدو ربك فهذه مسألة واحدة يستحيل أن تنفصل أبداً- عدو حبيبي عدوي , وليس من الحب أبداً أن تصافي عدو حبيبك فهذه علة الحب , قال ابن القيم ابن القيم في النونية:
شرط المحبة أن توافق من تحب ... على محبته بلا عصيان
فإذا ادعيت له المحبة مع خلافك ... ما يحب فأنت ذو بهتان
أتحب أعداء الحبيب وتدعي ... حباً له ما ذاك في إمكان
وكذا تعادي جاهداً أحبابه أين ... المحبة يا أخا الشيطان----------------------------------ويقول الشيخ عبد الرحمن البراك--أن البغض الذي فرضَه اللهُ على المسلم للكافر إنِّما هو بُغْضُ كُفرِه لا بُغضُ شخصِه، ؛ فنصوص الكتاب والسنة ناطقة بتعليق البُغض والعداوةِ والوعيد والذَّمِ واللعن بأشخاص الكافرين، قال تعالى: (إِنَّ اللَّهَ لَعَنَ الْكَافِرِينَ وَأَعَدَّ لَهُمْ سَعِيرًا) [الأحزاب: 64]، وقال: (إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ وَالْمُشْرِكِين َ فِي نَارِ جَهَنَّمَ خَالِدِينَ فِيهَا أُوْلَئِكَ هُمْ شَرُّ الْبَرِيَّةِ) [البينة: 6]، وقال في النار: (أُعِدَّتْ لِلْكَافِرِينَ) [البقرة: 24]، وقال تعالى: (فَإِنَّ اللَّهَ لاَ يُحِبُّ الْكَافِرِينَ) [آل عمران: 32]، وقال تعالى: (إِنَّ اللَّهَ لا يُحِبُّ الْمُفْسِدِينَ) [القصص: 77]، وقال تعالى: (تَرَى كَثِيرًا مِّنْهُمْ يَتَوَلَّوْنَ الَّذِينَ كَفَرُواْ لَبِئْسَ مَا قَدَّمَتْ لَهُمْ أَنفُسُهُمْ أَن سَخِطَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ وَفِي الْعَذَابِ هُمْ خَالِدُونَ) [المائدة: 80]، وقال: (فَإِنَّ اللَّهَ عَدُوٌّ لِّلْكَافِرِينَ ) [البقرة: 98]، وقال تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَتَّخِذُوا عَدُوِّي وَعَدُوَّكُمْ أَوْلِيَاء تُلْقُونَ إِلَيْهِم بِالْمَوَدَّةِ وَقَدْ كَفَرُوا بِمَا جَاءكُم مِّنَ الْحَقِّ ..) إلى قوله: (قَدْ كَانَتْ لَكُمْ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ فِي إِبْرَاهِيمَ وَالَّذِينَ مَعَهُ إِذْ قَالُوا لِقَوْمِهِمْ إِنَّا بُرَآءُ مِنكُمْ وَمِمَّا تَعْبُدُونَ مِن دُونِ اللَّهِ كَفَرْنَا بِكُمْ وَبَدَا بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمُ الْعَدَاوَةُ وَالْبَغْضَاء أَبَدًا حَتَّى تُؤْمِنُوا بِاللَّهِ وَحْدَهُ [الممتحنة: 4]، إلى غير ذلك مما لا يُحصى من آيِ القرآن، وكلُّها تضيف الذَّمَّ والوعيد والبغضَ والبراءة والعداوة لأشخاص الكافرين والمشركين، وكذلك ما قصَّه الله من عقوبات المكذبين، هي واقعة عليهم بسبب كفرهم وتكذيبهم وظلمهم وفسقهم، قال تعالى: (وَأَخَذْنَا الَّذِينَ ظَلَمُواْ بِعَذَابٍ بَئِيسٍ بِمَا كَانُواْ يَفْسُقُونَ) [الأعراف: 165]، وقال تعالى: (فَكُلاًّ أَخَذْنَا بِذَنبِهِ فَمِنْهُم مَّنْ أَرْسَلْنَا عَلَيْهِ حَاصِبًا وَمِنْهُم مَّنْ أَخَذَتْهُ الصَّيْحَةُ وَمِنْهُم مَّنْ خَسَفْنَا بِهِ الأَرْضَ وَمِنْهُم مَّنْ أَغْرَقْنَا وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيَظْلِمَهُمْ وَلَكِن كَانُوا أَنفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ ) [العنكبوت: 40]، (كَدَأْبِ آلِ فِرْعَوْنَ وَالَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ كَذَّبُواْ بآيَاتِ رَبِّهِمْ فَأَهْلَكْنَاهُ م بِذُنُوبِهِمْ وَأَغْرَقْنَا آلَ فِرْعَونَ وَكُلٌّ كَانُواْ ظَالِمِينَ) [الأنفال: 54]، (فَمَا بَكَتْ عَلَيْهِمُ السَّمَاء وَالأَرْضُ وَمَاكَانُوا مُنظَرِينَ) [الدخان: 29]. والكفر والشركُ والفساد أعراضٌ ومعانٍ لا توجدُ إلا في من قامت به من الكفار والمشركين والمفسدين، نعم هي مذمومةٌ وقبيحةٌ ومُحرَّمة، يجب بغضها والحذر والتحذير من الوقوع فيها، ومع ذلك لم يأت في القرآن إضافة البغض إليها إلاَّ ما جاء في مثل قوله تعالى: (وَلا يَرْضَى لِعِبَادِهِ الْكُفْرَ) [الزمر: 7]، (وَاللَّهُ لاَ يُحِبُّ الفَسَادَ) [البقرة: 205]، وأكثر ما يرد معلقًا بهذه الأفعال النَّهيُ والتَّحريمُ، قال تعالى:(قُلْ تَعَالَوْاْ أَتْلُ مَا حَرَّمَ رَبُّكُمْ عَلَيْكُمْ أَلاَّ تُشْرِكُواْ بِهِ شَيْئًا وَبِالْوَالِدَي ْنِ إِحْسَانًا وَلاَ تَقْتُلُواْ أَوْلاَدَكُم مِّنْ إمْلاَقٍ نَّحْنُ نَرْزُقُكُمْ وَإِيَّاهُمْ وَلاَ تَقْرَبُواْ الْفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ وَلاَ تَقْتُلُواْ النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلاَّ بِالْحَقِّ ذَلِكُمْ وَصَّاكُمْ بِهِ لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ) [الأنعام: 151]، وقال: (قُلْ إِنَّمَا حَرَّمَ رَبِّيَ الْفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ وَالإِثْمَ وَالْبَغْيَ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَأَن تُشْرِكُواْ بِاللَّهِ مَا لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ سُلْطَانًا وَأَن تَقُولُواْ عَلَى اللَّهِ مَا لاَ تَعْلَمُونَ) [الأعراف: 33]، وقال تعالى: (وَيَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاء وَالْمُنكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ)[النحل: 90]، والخطاب بذلك للمكلفين.
وفي مقابل ما تقدَّم جاءت نصوصُ المدح والثناءِ والحُبِّ والوعدِ والولاء متعلقة بأشخاصِ المؤمنين والمتقين، قال تعالى: (وَالْمُؤْمِنُو َ وَالْمُؤْمِنَات ُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاء بَعْضٍ يَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ وَيُقِيمُونَ الصَّلاَةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَيُطِيعُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ أُوْلَئِكَ سَيَرْحَمُهُمُ اللَّهُ إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ * وَعَدَ اللَّهُ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَات ِ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا وَمَسَاكِنَ طَيِّبَةً فِي جَنَّاتِ عَدْنٍ وَرِضْوَانٌ مِّنَ اللَّهِ أَكْبَرُ ذَلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ) [التوبة: 71-72]، (وَاللَّهُ وَلِيُّ الْمُؤْمِنِينَ) [آل عمران: 68]، وقال تعالى: (إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُتَّقِينَ) [التوبة: 4]، وقال تعالى: (وَالَّذِينَ آمَنُواْ وَعَمِلُواْ الصَّالِحَاتِ أُولَئِكَ أَصْحَابُ الْجَنَّةِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ) [البقرة: 82]، وقال تعالى: (إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ أُوْلَئِكَ هُمْ خَيْرُ الْبَرِيَّةِ * جَزَاؤُهُمْ عِندَ رَبِّهِمْ جَنَّاتُ عَدْنٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا رَّضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ ذَلِكَ لِمَنْ خَشِيَ رَبَّهُ) [البينة: 7-8].
وكذلك نُصوص السُّنَّةِ جاريةٌ على هذا النَّهج.
وكما نقول: كلُّ ما نهى الله عنه فهو يُبغضُه، ويجب بُغضه، وكذلك كلُّ ما أمر الله به وأثنى على أهله من الأقوال والأفعال فهو يحبه، وتجب محبته.
فعلم مما تقدم أن الإيمان والعملَ الصالح سببٌ لمدح من اتصف به ومحبَّتِه وثوابِه وفلاحِه، وأن الكُفر والمعاصي سببٌ لذمِّ من اتصف بها، وبغضِه وعقابِه وشقائه، ولهذا من تجرد عن صفة الفريقين لم يكن محموداً ولا مذموماً ولا مُثاباً ولا مُعاقباً إلاَّ تبَعًا، كأطفال المسلمين والكفار ومجانينِهم، فأطفالُ المسلمين يُحبَّون تَبَعًا، ومآلهم إلى الجنة تبعًا لآبائهم، وأولاد المشركين قال فيهم النبي صلى الله عليه وسلم لما سئل عنهم: (الله أعلمُ بما كانُوا عامِلين)([1])، وفي مصيرهم خلاف بين العلماء كثير، أما حكمهم في الدنيا فهم تبع لآبائهم، يتَوَلَّونَهم، ويُدْفَنون في مقابرهم.
وبناء على ما سبق يعلم أولا: أنَّ محبَّة الكافر لذاته مع بغض فعله حرامٌ؛ لأن ذلك ضِدُّ ما دل عليه كتاب الله، وسُنَّةُ رسول الله صلى الله عليه وسلم، القاضيةُ بأنَّه تعالى لا يُحب الكافرين، وقد أمر ببغضهم، وإبداء العداوة لهم، والبراءة منهم، والفصلُ بين الفِعل والفَاعل في الُحكم كما أنه مُناقضٌ للشَّرعِ فهو مناقضٌ للعقل، فما يتعلق بالفعل من الذَّمِ والبُغض لاحقٌ بالفاعلِ إلا أن يمنع من ذلك مانع معتبَرٌ شَرعًا، ويلزم من قال هذه المقالةَ أن يقول بجواز بغض المؤمن مع محبة فعله، وفي هذا من القبح والشناعة ما لا يَخفى.
ولا يرد على هذا الحُبُّ الطَّبيعِيُّ والبغض الطَّبيعِيُّ؛ كما يُحِبُّ المسلمُ والديه الكافرين، أو مَن أحسنَ إليه، أو قامت به صفةٌ محمودة، مع بغضه لهؤلاء بسبب كفرهم، وكما يبغض المسلمُ من يعتدي عليه أو من يَظْلِمُه من إخوانِه المسلمين، مع محبَّتِه له لإيمانه، ولا يُستَغْرب أن يجتمع الحُبُّ مع البُغضِ فيكون الشيءُ محبوباً مِن وجهٍ مُبْغضًا من وَجْهٍ كالدَّواء الـمُرِّ، يكرهه المريضُ لمرارته، ويُحبُّه لما يرجوه من نفعه، وإنما الممتنع عقلاً أن يجتمع الحبُّ والبغض في جهةٍ واحدةٍ لشيءٍ واحدٍ، والمهمُّ ألاَّ يَمْنَعَ الحُبُّ الطَبيعِيُّ من البُغض الدِّينيِّ، فيؤولَ إلى الموالاة التي نَهى الله عنها، كما لا يجوز أن يَمنع بُغضُ مُسلمٍ لظُلْمِه من الحُبِّ الشَّرعِيِّ الواجبِ له، ومتى ما عارض الحبُّ والبُغض الطبيعِيَّانِ الواجبَ الشرعيَّ كان ذلك من جملة اتباع الهوى المذمومِ صاحبُه.
فيجب أن يُعلم أنَّ التَّفْريقَ بين الكافر وفعلِه في الحُبِّ والبُغض، لا أصل له في سيرة النَّبي صلى الله ليه وسلم، ولا سِيرة أصحابِه والذين اتَّبعوهم بإحسان.
هذا؛ وتبين مما تقدَّم أن الذَّمَّ والبُغضَ يتعلقُ بالأعمالِ والعاملين؛ بالفسادِ والمفسدين، والكفرِ والكافرين، والشركِ والمشركين، والنفاقِ والمنافقين، ويتعلق الوعيدُ بالعاملين من الكفار والمنافقين والمشركين، وكذا ما يقابل ذلك؛ يتعلقُ المدحُ والحبُ بالأعمال الصالحة والعاملين، بالإيمان والمؤمنين، والتقوى والمتقين، وبالهدى والمهتدين، -------------