تابعونا على المجلس العلمي على Facebook المجلس العلمي على Twitter
الدكتور سعد بن عبد الله الحميد


النتائج 1 إلى 7 من 7

الموضوع: وجه الإستدلال بقوله تعالى (لا تجد قوما يؤمنون بالله إلخ) على كفر من لم يعادي المشركين

  1. #1

    افتراضي وجه الإستدلال بقوله تعالى (لا تجد قوما يؤمنون بالله إلخ) على كفر من لم يعادي المشركين

    السلام عليكم.

    يستدل أهل العلم بقول الله تعالى (لَا تَجِدُ قَوْمًا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ يُوَادُّونَ مَنْ حَادَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَلَوْ كَانُوا آبَاءَهُمْ أَوْ أَبْنَاءَهُمْ أَوْ إِخْوَانَهُمْ أَوْ عَشِيرَتَهُمْ) على كفر من لم يعادي المشركين، وطبعا هناك أدلة أخرى، لكن أريد التركيز على هذه الآية الكريمة. أريد أن أعرف وجه الإستدلال بالآية السابقة على كفر من لم يعادي المشركين. الآية تقول أن مودة الكافر والإيمان لا يجتمعان في قلب شخص واحد في وقت واحد، وهذا حكمٌ بكفر من يحب الكفار، فهمت هذا. لكن هل يلزم من انتفاء محبة الكفار بغضهم؟ أعني، هل يصح قول من يقول أنه لا يحب هذا الكافر، لكنه لا يبغضه أيضا، لا يوادّ هذا الكافر، لكنه لا يعاديه أيضا. فهل في الآية السابقة دلالة على كفره؟ وهل هذا الأمر ممكن عقلا (أعني أن تعرف كافرا بعينه، فلا تحبه ولا تبغضه). أعرف أن هناك أدلة أخرى في هذا الصدد، كآية الممتحنة. لكن أريد أن أفهم وجه الدلالة في هذه الآية بالتحديد.

    أفيدوني بارك الله فيكم.

  2. #2
    تاريخ التسجيل
    Jan 2012
    المشاركات
    7,880

    افتراضي

    اقتباس المشاركة الأصلية كتبت بواسطة أبو خبيب الصومالي مشاهدة المشاركة
    السلام عليكم.

    يستدل أهل العلم بقول الله تعالى (لَا تَجِدُ قَوْمًا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ يُوَادُّونَ مَنْ حَادَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَلَوْ كَانُوا آبَاءَهُمْ أَوْ أَبْنَاءَهُمْ أَوْ إِخْوَانَهُمْ أَوْ عَشِيرَتَهُمْ) على كفر من لم يعادي المشركين، وطبعا هناك أدلة أخرى، لكن أريد التركيز على هذه الآية الكريمة. أريد أن أعرف وجه الإستدلال بالآية السابقة على كفر من لم يعادي المشركين. الآية تقول أن مودة الكافر والإيمان لا يجتمعان في قلب شخص واحد في وقت واحد، وهذا حكمٌ بكفر من يحب الكفار، فهمت هذا. لكن هل يلزم من انتفاء محبة الكفار بغضهم؟ أعني، هل يصح قول من يقول أنه لا يحب هذا الكافر، لكنه لا يبغضه أيضا، لا يوادّ هذا الكافر، لكنه لا يعاديه أيضا. فهل في الآية السابقة دلالة على كفره؟ وهل هذا الأمر ممكن عقلا (أعني أن تعرف كافرا بعينه، فلا تحبه ولا تبغضه). أعرف أن هناك أدلة أخرى في هذا الصدد، كآية الممتحنة. لكن أريد أن أفهم وجه الدلالة في هذه الآية بالتحديد.

    أفيدوني بارك الله فيكم.
    جزاك الله خيرا اخى أبو خبيب الصومالي اولا قولك اخى الكريم-وهذا حكمٌ بكفر من يحب الكفار -هذا يحتاج الى تفصيل والاجابة-المحبة من حيث الإجمال نوعان : محبة دينية ، ومحبة جبليَّة طبيعية ، والمحبة الدينية منها ما هو واجب ومنها ما هو محرَّم ومنها هو شرك -
    وأما المحبة الطبيعية – أو الجبليَّة - : فهي التي يُفطَر عليها الإنسان كمحبة الشراب البارد ومحبة المال ، ويدخل فيها محبة الوالدين والأولاد والقرابة ، وليس فيها أجر من حيث الأصل ،
    ومن المحبة الطبيعية تلك التي تكون بين الزوجين ،فلا يلزم من وجود محبة طبيعية بين الزوجين أن يكون معها مودة ومحبة شرعية ، فيكون البغض لدينها ، والمحبة لكونها زوجة ، وهذان أمران يمكن الفصل بينهما ، فالنفس مجبولة على المحبة الطبيعية للآباء والأمهات والأبناء والزوجات ، ومع ذلك جاء النهي عن موادة الكفار المحاربين والمعادين للإسلام مهما كانت درجة قرابتهم ، قال تعالى ( لا تَجِدُ قَوْماً يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ يُوَادُّونَ مَنْ حَادَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَلَوْ كَانُوا آبَاءَهُمْ أَوْ أَبْنَاءَهُمْ أَوْ إِخْوَانَهُمْ أَوْ عَشِيرَتَهُمْ أُولَئِكَ كَتَبَ فِي قُلُوبِهِمُ الْأِيمَانَ وَأَيَّدَهُمْ بِرُوحٍ مِنْهُ وَيُدْخِلُهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ أُولَئِكَ حِزْبُ اللَّهِ أَلا إِنَّ حِزْبَ اللَّهِ هُمُ الْمُفْلِحُونَ ) المجادلة/ 22 ،
    ومن قواعد الشرع العظيمة عدم التكليف بغير مستطاع ، فأمكن إذاً الفصل بين المحبتين الطبيعية والشرعية ، وهو في مقدور الإنسان .
    وقد ذكر الله تعالى بغض إبراهيم عليه السلام والمؤمنين معه لقومهم الكفار وفيهم أهلهم وأقاربهم وبينهم محبة جبليَّة طبيعية فقال تعالى ( قَدْ كَانَتْ لَكُمْ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ فِي إِبْرَاهِيمَ وَالَّذِينَ مَعَهُ إِذْ قَالُوا لِقَوْمِهِمْ إِنَّا بُرَآءُ مِنْكُمْ وَمِمَّا تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ كَفَرْنَا بِكُمْ وَبَدَا بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمُ الْعَدَاوَةُ وَالْبَغْضَاءُ أَبَدًا حَتَّى تُؤْمِنُوا بِاللَّهِ وَحْدَهُ ) الممتحنة/ 4 .
    وقد أثبت الله تعالى حبَّ النبي صلى الله عليه وسلم لعمِّه أبي طالب مع كفره ، وقد كانت تلك محبة طبيعية لقرابته .

    قال الشيخ صالح الفوزان - حفظه الله - :
    وأنزل الله في أبي طالب ( إِنَّكَ لَا تَهْدِي مَنْ أَحْبَبْتَ ) ، ( إِنَّكَ ) أيها الرسول ، ( لَا تَهْدِي ) لا تملك هداية ( مَنْ أَحْبَبْتَ ) من أقاربك وعمِّك ، والمراد بالمحبة هنا : المحبة الطبيعية ، ليست المحبة الدينية ، فالمحبة الدينية لا تجوز للمشرك ولو كان أقرب الناس ( لَا تَجِدُ قَوْمًا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ يُوَادُّونَ مَنْ حَادَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَلَوْ كَانُوا آبَاءَهُمْ أَوْ أَبْنَاءَهُمْ أَوْ إِخْوَانَهُمْ أَوْ عَشِيرَتَهُمْ ) - المجادلة/ 22 - فالمودة الدينية لا تجوز ، أما الحب الطبيعي فهذا لا يدخل في الأمور الدينية .
    " إعانة المستفيد بشرح كتاب التوحيد " ( 1 / 356 ) .--
    قال الشيخ صالح الفوزان في أقسام الناس فيما يجب في حقهم من الولاء والبراء: "الناس في الولاء والبراء على ثلاثة أقسام: القسم الأول: من يُحَبّ محبّةً خالصة لا معاداة معها: وهم المؤمنون الخلَّص من الأنبياء والصديقين والشهداء والصالحين، وفي مقدّمتهم الرسول صلى الله عليه وسلم، فإنّه تجب محبته أعظم من محبة النفس والولد والوالد والناس أجمعين، ثم زوجاته الطيبين وصحابته الكرام... ثم التابعون والقرون المفضلة وسلف هذه الأمة وأئمتها... قال تعالى: وَالَّذِينَ جَاءُوا مِنْ بَعْدِهِمْ يَقُولُونَ رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا وَلِإِخْوَانِنَ ا الَّذِينَ سَبَقُونَا بِالْإِيمَانِ وَلَا تَجْعَلْ فِي قُلُوبِنَا غِلًّا لِلَّذِينَ آَمَنُوا رَبَّنَا إِنَّكَ رَءُوفٌ رَحِيمٌ ]، ولا يبغض الصحابة وسلف هذه الأمة من في قلبه إيمان، وإنما يبغضهم أهل الزيغ والنفاق وأعداء الإسلام كالرافضة والخوارج، نسأل الله العافية.
    القسم الثاني: من يبغَض ويعادَى بغضاً ومعاداة خالصين لا محبّة ولا موالاة معهما: وهم الكفار الخلّص من الكفار والمشركين والمنافقين والمرتدين والملحدين على اختلاف أجناسهم كما قال تعالى: لَا تَجِدُ قَوْمًا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ يُوَادُّونَ مَنْ حَادَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَلَوْ كَانُوا آبَاءَهُمْ أَوْ أَبْنَاءَهُمْ أَوْ إِخْوَانَهُمْ أَوْ عَشِيرَتَهُمْ أُولَئِكَ كَتَبَ فِي قُلُوبِهِمُ الْإِيمَانَ وَأَيَّدَهُمْ بِرُوحٍ مِنْهُ وَيُدْخِلُهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ أُولَئِكَ حِزْبُ اللَّهِ أَلَا إِنَّ حِزْبَ اللَّهِ هُمُ الْمُفْلِحُونَو قال تعالى: عائباً على بني إسرائيل: تَرَى كَثِيرًا مِّنْهُمْ يَتَوَلَّوْنَ الَّذِينَ كَفَرُواْ لَبِئْسَ مَا قَدَّمَتْ لَهُمْ أَنفُسُهُمْ أَن سَخِطَ اللّهُ عَلَيْهِمْ وَفِي الْعَذَابِ هُمْ خَالِدُونَ وَلَوْ كَانُوا يُؤْمِنُونَ بِالله والنَّبِيِّ وَمَا أُنزِلَ إِلَيْهِ مَا اتَّخَذُوهُمْ أَوْلِيَاء وَلَـكِنَّ كَثِيرًا مِّنْهُمْ فَاسِقُونَ
    القسم الثالث: من يُحَبّ من وجهٍ ويبغَض من وجه، فيجتمع فيه المحبّة والعداوة: وهم عصاة المؤمنين يحَبّون لما فيهم من الإيمان، ويبغَضون لما فيهم من المعصية التي هي دون الكفر والشرك، ومحبّتهم تقتضي مناصحتهم والإنكار عليهم، فلا يجوز السكوت على معاصيهم بل ينكَر عليهم، ويؤمَرون بالمعروف، وينهَون عن المنكر، وتقام عليهم الحدود والتعزيرات حتى يكفّوا عن معاصيهم ويتوبوا من سيئاتهم، لكن لا يبغَضون بغضاً خالصاً، ويتبرّأ منهم كما تقوله الخوارج في مرتكب الكبيرة التي هي دون الشرك، ولا يحبّون ويوالَون حباً وموالاة خالصَين كما تقوله المرجئة، بل يُعتدَل في شأنهم على ما ذكرنا كما هو مذهب أهل السنة والجماعة

    وقد جمع ذلك كلَّه الشيخ عبد الرحمن البرَّاك حفظه الله في جواب مسدَّد عن هذه المسألة ، فقال :
    والمحبة نوعان : محبة طبيعية كمحبة الإنسان لزوجته ، وولده ، وماله ، وهي المذكورة في قوله تعالى ( وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُم مِّنْ أَنفُسِكُمْ أَزْوَاجًا لِّتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُم مَّوَدَّةً وَرَحْمَةً إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِّقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ ) الروم/ 21 ، ومحبة دينية ، كمحبة الله ورسوله ومحبة ما يحبه الله ، ورسوله من الأعمال ، والأقوال ، والأشخاص .
    قال تعالى ( فَسَوْفَ يَأْتِي اللّهُ بِقَوْمٍ يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ ) المائدة/ 54 ، وقال النبي صلى الله عليه وسلم ( مثل المؤمنين في توادهم وتراحمهم وتعاطفهم كمثل الجسد ... ) الحديث .
    ولا تلازم بين المحبتين ، بمعنى : أن المحبة الطبيعية قد تكون مع بغض ديني ، كمحبة الوالديْن المشركيْن فإنه يجب بغضهما في الله ، ولا ينافي ذلك محبتهما بمقتضى الطبيعة ؛ فإن الإنسان مجبول على حب والديه ، وقريبة ، كما كان النبي صلى الله عليه وسلم يحب عمه لقرابته مع كفره قال الله تعالى ( إِنَّكَ لَا تَهْدِي مَنْ أَحْبَبْتَ وَلَكِنَّ اللَّهَ يَهْدِي مَن يَشَاء ) القصص/ 56 .
    ومن هذا الجنس : محبة الزوجة الكتابية فإنه يجب بغضها لكفرها بغضاً دينيّاً ، ولا يمنع ذلك من محبتها المحبة التي تكون بين الرجل وزوجه ، فتكون محبوبة من وجه ، ومبغوضة من وجه ، وهذا كثير ، فقد تجتمع الكراهة الطبيعية مع المحبة الدينية كما في الجهاد فإنه مكروه بمقتضى الطبع ، ومحبوب لأمر الله به ، ولما يفضي إليه من العواقب الحميدة في الدنيا والآخرة ، قال الله تعالى ( كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِتَالُ وَهُوَ كُرْهٌ لَّكُمْ وَعَسَى أَن تَكْرَهُواْ شَيْئًا وَهُوَ خَيْرٌ لَّكُمْ ) البقرة/ 216 .
    ومن هذا النوع : محبة المسلم لأخيه المسلم الذي ظلمه فإنه يحبه في الله ، ويبغضه لظلمه له ؛ بل قد تجتمع المحبة الطبيعية ، والكراهة الطبيعية كما في الدواء المر : يكرهه المريض لمرارته ، ويتناوله لما يرجو فيه من منفعة .
    وكذلك تجتمع المحبة الدينية مع البغض الديني كما في المسلم الفاسق فإنه يحب لما معه من الإيمان ، ويبغض لما فيه من المعصية .
    والعاقل من حكّم في حبه ، وبغضه الشرع ، والعقل المتجرد عن الهوى-------------------------------------------اما قولك اخى الكريم----------لكن هل يلزم من انتفاء محبة الكفار بغضهم؟--الاجابة يقول شيخ الاسلام بن تيمية رحمه الله-على قوله تعالى- تَرَىٰ كَثِيرًا مِّنْهُمْ يَتَوَلَّوْنَ الَّذِينَ كَفَرُوا ۚ لَبِئْسَ مَا قَدَّمَتْ لَهُمْ أَنفُسُهُمْ أَن سَخِطَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ وَفِي الْعَذَابِ هُمْ خَالِدُونَ (80) وَلَوْ كَانُوا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالنَّبِيِّ وَمَا أُنزِلَ إِلَيْهِ مَا اتَّخَذُوهُمْ أَوْلِيَاءَ وَلَٰكِنَّ كَثِيرًا مِّنْهُمْ فَاسِقُونَ (81)-بين سبحانه ان الايمان بالله والنبى وما انزل اليه ملتزم بعدم ولايتهم فثبوت ولايتهم يوجب عدم الايمان لان عدم الازم يقتضى عدم الملزوم----ويقول شيخ الاسلام ايضا----( في قوله تعالى: لا تَجِدُ قَوْمًا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآَخِرِ يُوَادُّونَ مَنْ حَادَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَلَوْ كَانُوا آَبَاءَهُمْ أَوْ أَبْنَاءَهُمْ أَوْ إِخْوَانَهُمْ أَوْ عَشِيرَتَهُمْ أُولَئِكَ كَتَبَ فِي قُلُوبِهِمُ الْإِيمَانَ وَأَيَّدَهُمْ بِرُوحٍ مِنْهُ [المجادلة:22] فأخبر أن من كان مؤمنا بالله واليوم الآخر لا يوجدون موادين لأعداء الله ورسوله، بل نفس الإيمان ينافي مودتهم، فإذا حصلت الموادة دل ذلك على خلل الإيمان وكذلك قوله: تَرَى كَثِيرًا مِنْهُمْ يَتَوَلَّوْنَ الَّذِينَ كَفَرُوا لَبِئْسَ مَا قَدَّمَتْ لَهُمْ أَنْفُسُهُمْ أَنْ سَخِطَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ وَفِي الْعَذَابِ هُمْ خَالِدُونَ وَلَوْ كَانُوا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالنَّبِيِّ وَمَا أُنزلَ إِلَيْهِ مَا اتَّخَذُوهُمْ أَوْلِيَاءَ [المائدة:80-81] (1) .-----------------------ويقول -فإذا كان في القلب حب الله ورسوله ثابتا استلزم موالاة أوليائه ومعاداة أعدائه لا تَجِدُ قَوْمًا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآَخِرِ يُوَادُّونَ مَنْ حَادَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَلَوْ كَانُوا آَبَاءَهُمْ أَوْ أَبْنَاءَهُمْ أَوْ إِخْوَانَهُمْ أَوْ عَشِيرَتَهُمْ [المجادلة:22]، وَلَوْ كَانُوا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالنَّبِيِّ وَمَا أُنْزِلَ إِلَيْهِ مَا اتَّخَذُوهُمْ أَوْلِيَاءَ [المائدة:81] فهذا التلازم أمر ضروري. ومن جهة ظن انتفاء التلازم غلط غالطون،------ويقول-ولهذا ينفي الله الإيمان عمن انتفت عنه لوازمه؛ فإن انتفاء اللازم يقتضي انتفاء الملزوم، كقوله تعالى: وَلَوْ كَانُوا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالنَّبِيِّ وَمَا أُنْزِلَ إِلَيْهِ مَا اتَّخَذُوهُمْ أَوْلِيَاءَ [المائدة:81]، وقوله: لا تَجِدُ قَوْمًا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآَخِرِ يُوَادُّونَ مَنْ حَادَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ [المجادلة:22] --------------ويقول---- في توضيح هذه الآية: "فذكر جملة شرطية تقتضي أنه إذا وجد الشرط وجد المشروط بحرف (لو) التي تقتضي مع الشرط انتفاء المشروط، فقال: {وَلَوْ كَانُوا يُؤْمِنُونَ بِالْلهِ والنَّبِىّ وَمَا أُنْزِلَ إِلَيْهِ مَا اتَّخَذُوهُمْ أَوْلِيَاء}، فدل على أن الإيمان المذكور ينفي اتخاذهم أولياء ويضاده، ولا يجتمع الإيمان واتخاذهم أولياء في القلب، ودل ذلك على أن من اتخذهم أولياء، ما فعل الإيمان الواجب من الإيمان بالله والنبي وما أنزل إليه"----وقال شيخ الإسلام ابن تيمية: "أخبر الله أنك لا تجد مؤمناً يوادّ المحادّين لله ورسوله، فإنّ نفس الإيمان ينافي موادّته كما ينفي أحد الضدين الآخر، فإذا وجد الإيمان انتفى ضدّه وهو موالاة أعداء الله، فإذا كان الرجل يوالي أعداء الله بقلبه كان ذلك دليلاً على أن قلبه ليس فيه الإيمان الواجب

  3. #3

    افتراضي

    لا أخالف في التفصيل الذي تفضلت به في المحبة المكفر وغير المكفرة. لكن أنا لا أتكلم عن المحبة... أنا أتكلم عن عدم البغض. لا أتكلم عن حكم مواداة الكافر ومحبته، بل أتكلم عن انعدام بغضه. فهل انعدام البغض يعني المحبة، أم يمكن أن يكون شخصٌ ما لا يحب الكافر ولا يبغضه أيضا في نفس الوقت؟ هل في الآية دلالة على كفر من ليس في قلبه أصل العداوة والبغض للكافر، إذا كان لا يحبه أيضا؟ أعني، يقول أنه لا يحب هذا الكافر، لكنه مع ذلك لا يبغضه؛ يبغض دينه وما هو عليه، لكنه لا يبغض الكافر بعينه. فهل في الآية دليل على كفر هذا الأخير؟ وهل حصل لهذا الأخير البغض الديني للكافر لقوله أنه "يبغض دينه وما هو عليه" مع أنه يقول أنه لا يجد في قلبه ذرة بغض للكافر نفسه.

    الآية تنص على حكم من يوادّ من حادّ الله ورسوله، فهل الحكم نفسه ينطبق على من ينعدم أصل البغض من قلبه تجاه من حادّ الله ورسوله إذا كان لا يحبّه مع ذلك ولا يوادّه؟

  4. #4
    تاريخ التسجيل
    Jan 2012
    المشاركات
    7,880

    افتراضي

    اقتباس المشاركة الأصلية كتبت بواسطة أبو خبيب الصومالي مشاهدة المشاركة
    فهل انعدام البغض يعني المحبة،
    قد بينا ذلك اخى الكريم فى كلام شيخ الاسلام بن تيمية فى قوله-قال شيخ الإسلام ابن تيمية: "أخبر الله أنك لا تجد مؤمناً يوادّ المحادّين لله ورسوله، فإنّ نفس الإيمان ينافي موادّته كما ينفي أحد الضدين الآخر، فإذا وجد الإيمان انتفى ضدّه وهو موالاة أعداء الله، فإذا كان الرجل يوالي أعداء الله بقلبه كان ذلك دليلاً على أن قلبه ليس فيه الإيمان الواجب ------------------------------------ويقول ابن تيمية رحمه الله في موضع آخر: (وهذه الآية مثل قوله {لَا تَجِدُ قَوْمًا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ يُوَادُّونَ مَنْ حَادَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ}، وقوله: {وَلَوْ كَانُوا يُؤْمِنُونَ بِالله والنَّبِيِّ وَمَا أُنزِلَ إِلَيْهِ مَا اتَّخَذُوهُمْ أَوْلِيَاء}، بين سبحانه أن الإيمان له لوازم وله أضداد موجودة تستلزم ثبوت لوازمه وانتفاء أضداده ومن أضداده موادة من حاد الله ورسوله ... انتهى).-----------------------------------------
    ويقول الشيخ السعدي رحمه الله في تفسيره لقوله تعالى {لَا تَجِدُ قَوْمًا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ يُوَادُّونَ مَنْ حَادَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ} ... (أي: لا يجتمع هذا وهذا، فلا يكون العبد مؤمناً بالله واليوم الآخر حقيقة، إلا كان عاملاً على مقتضى الإيمان ولوازمه، من محبة من قام بالإيمان وموالاته، وبغض من لم يقم به ومعاداته، ولو كان أقرب الناس إليه , وهذا هو الإيمان على الحقيقة، الذي وجدت ثمرته والمقصودمنه، .... ثم قال وأما من يزعم أنه يؤمن بالله واليوم الآخر، وهو مع ذلك مواد لأعداء الله، محب لمن ترك الإيمان وراء ظهره، فإن هذا إيمان زعمي لا حقيقة له، فإن كل أمر لا بد له من برهان يصدقه، فمجرد الدعوى، لا تفيد شيئا ولا يصدق صاحبها ... انتهى)



    --------------------------------نقول فمثلما تحب ربك تبغض عدو ربك فهذه مسألة واحدة يستحيل أن تنفصل أبداً- عدو حبيبي عدوي , وليس من الحب أبداً أن تصافي عدو حبيبك فهذه علة الحب , قال ابن القيم ابن القيم في النونية:
    شرط المحبة أن توافق من تحب ... على محبته بلا عصيان
    فإذا ادعيت له المحبة مع خلافك ... ما يحب فأنت ذو بهتان
    أتحب أعداء الحبيب وتدعي ... حباً له ما ذاك في إمكان
    وكذا تعادي جاهداً أحبابه أين ... المحبة يا أخا الشيطان
    ---------
    -------------------------ويقول الشيخ عبد الرحمن البراك--أن البغض الذي فرضَه اللهُ على المسلم للكافر إنِّما هو بُغْضُ كُفرِه لا بُغضُ شخصِه، ؛ فنصوص الكتاب والسنة ناطقة بتعليق البُغض والعداوةِ والوعيد والذَّمِ واللعن بأشخاص الكافرين، قال تعالى: (إِنَّ اللَّهَ لَعَنَ الْكَافِرِينَ وَأَعَدَّ لَهُمْ سَعِيرًا) [الأحزاب: 64]، وقال: (إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ وَالْمُشْرِكِين َ فِي نَارِ جَهَنَّمَ خَالِدِينَ فِيهَا أُوْلَئِكَ هُمْ شَرُّ الْبَرِيَّةِ) [البينة: 6]، وقال في النار: (أُعِدَّتْ لِلْكَافِرِينَ) [البقرة: 24]، وقال تعالى: (فَإِنَّ اللَّهَ لاَ يُحِبُّ الْكَافِرِينَ) [آل عمران: 32]، وقال تعالى: (إِنَّ اللَّهَ لا يُحِبُّ الْمُفْسِدِينَ) [القصص: 77]، وقال تعالى: (تَرَى كَثِيرًا مِّنْهُمْ يَتَوَلَّوْنَ الَّذِينَ كَفَرُواْ لَبِئْسَ مَا قَدَّمَتْ لَهُمْ أَنفُسُهُمْ أَن سَخِطَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ وَفِي الْعَذَابِ هُمْ خَالِدُونَ) [المائدة: 80]، وقال: (فَإِنَّ اللَّهَ عَدُوٌّ لِّلْكَافِرِينَ ) [البقرة: 98]، وقال تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَتَّخِذُوا عَدُوِّي وَعَدُوَّكُمْ أَوْلِيَاء تُلْقُونَ إِلَيْهِم بِالْمَوَدَّةِ وَقَدْ كَفَرُوا بِمَا جَاءكُم مِّنَ الْحَقِّ ..) إلى قوله: (قَدْ كَانَتْ لَكُمْ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ فِي إِبْرَاهِيمَ وَالَّذِينَ مَعَهُ إِذْ قَالُوا لِقَوْمِهِمْ إِنَّا بُرَآءُ مِنكُمْ وَمِمَّا تَعْبُدُونَ مِن دُونِ اللَّهِ كَفَرْنَا بِكُمْ وَبَدَا بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمُ الْعَدَاوَةُ وَالْبَغْضَاء أَبَدًا حَتَّى تُؤْمِنُوا بِاللَّهِ وَحْدَهُ [الممتحنة: 4]، إلى غير ذلك مما لا يُحصى من آيِ القرآن، وكلُّها تضيف الذَّمَّ والوعيد والبغضَ والبراءة والعداوة لأشخاص الكافرين والمشركين، وكذلك ما قصَّه الله من عقوبات المكذبين، هي واقعة عليهم بسبب كفرهم وتكذيبهم وظلمهم وفسقهم، قال تعالى: (وَأَخَذْنَا الَّذِينَ ظَلَمُواْ بِعَذَابٍ بَئِيسٍ بِمَا كَانُواْ يَفْسُقُونَ) [الأعراف: 165]، وقال تعالى: (فَكُلاًّ أَخَذْنَا بِذَنبِهِ فَمِنْهُم مَّنْ أَرْسَلْنَا عَلَيْهِ حَاصِبًا وَمِنْهُم مَّنْ أَخَذَتْهُ الصَّيْحَةُ وَمِنْهُم مَّنْ خَسَفْنَا بِهِ الأَرْضَ وَمِنْهُم مَّنْ أَغْرَقْنَا وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيَظْلِمَهُمْ وَلَكِن كَانُوا أَنفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ ) [العنكبوت: 40]، (كَدَأْبِ آلِ فِرْعَوْنَ وَالَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ كَذَّبُواْ بآيَاتِ رَبِّهِمْ فَأَهْلَكْنَاهُ م بِذُنُوبِهِمْ وَأَغْرَقْنَا آلَ فِرْعَونَ وَكُلٌّ كَانُواْ ظَالِمِينَ) [الأنفال: 54]، (فَمَا بَكَتْ عَلَيْهِمُ السَّمَاء وَالأَرْضُ وَمَاكَانُوا مُنظَرِينَ) [الدخان: 29]. والكفر والشركُ والفساد أعراضٌ ومعانٍ لا توجدُ إلا في من قامت به من الكفار والمشركين والمفسدين، نعم هي مذمومةٌ وقبيحةٌ ومُحرَّمة، يجب بغضها والحذر والتحذير من الوقوع فيها، ومع ذلك لم يأت في القرآن إضافة البغض إليها إلاَّ ما جاء في مثل قوله تعالى: (وَلا يَرْضَى لِعِبَادِهِ الْكُفْرَ) [الزمر: 7]، (وَاللَّهُ لاَ يُحِبُّ الفَسَادَ) [البقرة: 205]، وأكثر ما يرد معلقًا بهذه الأفعال النَّهيُ والتَّحريمُ، قال تعالى:(قُلْ تَعَالَوْاْ أَتْلُ مَا حَرَّمَ رَبُّكُمْ عَلَيْكُمْ أَلاَّ تُشْرِكُواْ بِهِ شَيْئًا وَبِالْوَالِدَي ْنِ إِحْسَانًا وَلاَ تَقْتُلُواْ أَوْلاَدَكُم مِّنْ إمْلاَقٍ نَّحْنُ نَرْزُقُكُمْ وَإِيَّاهُمْ وَلاَ تَقْرَبُواْ الْفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ وَلاَ تَقْتُلُواْ النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلاَّ بِالْحَقِّ ذَلِكُمْ وَصَّاكُمْ بِهِ لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ) [الأنعام: 151]، وقال: (قُلْ إِنَّمَا حَرَّمَ رَبِّيَ الْفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ وَالإِثْمَ وَالْبَغْيَ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَأَن تُشْرِكُواْ بِاللَّهِ مَا لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ سُلْطَانًا وَأَن تَقُولُواْ عَلَى اللَّهِ مَا لاَ تَعْلَمُونَ) [الأعراف: 33]، وقال تعالى: (وَيَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاء وَالْمُنكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ)[النحل: 90]، والخطاب بذلك للمكلفين.
    وفي مقابل ما تقدَّم جاءت نصوصُ المدح والثناءِ والحُبِّ والوعدِ والولاء متعلقة بأشخاصِ المؤمنين والمتقين، قال تعالى: (وَالْمُؤْمِنُو َ وَالْمُؤْمِنَات ُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاء بَعْضٍ يَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ وَيُقِيمُونَ الصَّلاَةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَيُطِيعُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ أُوْلَئِكَ سَيَرْحَمُهُمُ اللَّهُ إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ * وَعَدَ اللَّهُ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَات ِ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا وَمَسَاكِنَ طَيِّبَةً فِي جَنَّاتِ عَدْنٍ وَرِضْوَانٌ مِّنَ اللَّهِ أَكْبَرُ ذَلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ) [التوبة: 71-72]، (وَاللَّهُ وَلِيُّ الْمُؤْمِنِينَ) [آل عمران: 68]، وقال تعالى: (إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُتَّقِينَ) [التوبة: 4]، وقال تعالى: (وَالَّذِينَ آمَنُواْ وَعَمِلُواْ الصَّالِحَاتِ أُولَئِكَ أَصْحَابُ الْجَنَّةِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ) [البقرة: 82]، وقال تعالى: (إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ أُوْلَئِكَ هُمْ خَيْرُ الْبَرِيَّةِ * جَزَاؤُهُمْ عِندَ رَبِّهِمْ جَنَّاتُ عَدْنٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا رَّضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ ذَلِكَ لِمَنْ خَشِيَ رَبَّهُ) [البينة: 7-8].
    وكذلك نُصوص السُّنَّةِ جاريةٌ على هذا النَّهج.
    وكما نقول: كلُّ ما نهى الله عنه فهو يُبغضُه، ويجب بُغضه، وكذلك كلُّ ما أمر الله به وأثنى على أهله من الأقوال والأفعال فهو يحبه، وتجب محبته.
    فعلم مما تقدم أن الإيمان والعملَ الصالح سببٌ لمدح من اتصف به ومحبَّتِه وثوابِه وفلاحِه، وأن الكُفر والمعاصي سببٌ لذمِّ من اتصف بها، وبغضِه وعقابِه وشقائه، ولهذا من تجرد عن صفة الفريقين لم يكن محموداً ولا مذموماً ولا مُثاباً ولا مُعاقباً إلاَّ تبَعًا، كأطفال المسلمين والكفار ومجانينِهم، فأطفالُ المسلمين يُحبَّون تَبَعًا، ومآلهم إلى الجنة تبعًا لآبائهم، وأولاد المشركين قال فيهم النبي صلى الله عليه وسلم لما سئل عنهم: (الله أعلمُ بما كانُوا عامِلين)([1])، وفي مصيرهم خلاف بين العلماء كثير، أما حكمهم في الدنيا فهم تبع لآبائهم، يتَوَلَّونَهم، ويُدْفَنون في مقابرهم.


    وبناء على ما سبق يعلم أولا: أنَّ محبَّة الكافر لذاته مع بغض فعله حرامٌ؛ لأن ذلك ضِدُّ ما دل عليه كتاب الله، وسُنَّةُ رسول الله صلى الله عليه وسلم، القاضيةُ بأنَّه تعالى لا يُحب الكافرين، وقد أمر ببغضهم، وإبداء العداوة لهم، والبراءة منهم، والفصلُ بين الفِعل والفَاعل في الُحكم كما أنه مُناقضٌ للشَّرعِ فهو مناقضٌ للعقل، فما يتعلق بالفعل من الذَّمِ والبُغض لاحقٌ بالفاعلِ إلا أن يمنع من ذلك مانع معتبَرٌ شَرعًا، ويلزم من قال هذه المقالةَ أن يقول بجواز بغض المؤمن مع محبة فعله، وفي هذا من القبح والشناعة ما لا يَخفى.
    ولا يرد على هذا الحُبُّ الطَّبيعِيُّ والبغض الطَّبيعِيُّ؛ كما يُحِبُّ المسلمُ والديه الكافرين، أو مَن أحسنَ إليه، أو قامت به صفةٌ محمودة، مع بغضه لهؤلاء بسبب كفرهم، وكما يبغض المسلمُ من يعتدي عليه أو من يَظْلِمُه من إخوانِه المسلمين، مع محبَّتِه له لإيمانه، ولا يُستَغْرب أن يجتمع الحُبُّ مع البُغضِ فيكون الشيءُ محبوباً مِن وجهٍ مُبْغضًا من وَجْهٍ كالدَّواء الـمُرِّ، يكرهه المريضُ لمرارته، ويُحبُّه لما يرجوه من نفعه، وإنما الممتنع عقلاً أن يجتمع الحبُّ والبغض في جهةٍ واحدةٍ لشيءٍ واحدٍ، والمهمُّ ألاَّ يَمْنَعَ الحُبُّ الطَبيعِيُّ من البُغض الدِّينيِّ، فيؤولَ إلى الموالاة التي نَهى الله عنها، كما لا يجوز أن يَمنع بُغضُ مُسلمٍ لظُلْمِه من الحُبِّ الشَّرعِيِّ الواجبِ له، ومتى ما عارض الحبُّ والبُغض الطبيعِيَّانِ الواجبَ الشرعيَّ كان ذلك من جملة اتباع الهوى المذمومِ صاحبُه.
    فيجب أن يُعلم أنَّ التَّفْريقَ بين الكافر وفعلِه في الحُبِّ والبُغض، لا أصل له في سيرة النَّبي صلى الله ليه وسلم، ولا سِيرة أصحابِه والذين اتَّبعوهم بإحسان.
    هذا؛ وتبين مما تقدَّم أن الذَّمَّ والبُغضَ يتعلقُ بالأعمالِ والعاملين؛ بالفسادِ والمفسدين، والكفرِ والكافرين، والشركِ والمشركين، والنفاقِ والمنافقين، ويتعلق الوعيدُ بالعاملين من الكفار والمنافقين والمشركين، وكذا ما يقابل ذلك؛ يتعلقُ المدحُ والحبُ بالأعمال الصالحة والعاملين، بالإيمان والمؤمنين، والتقوى والمتقين، وبالهدى والمهتدين، -------------

  5. #5
    تاريخ التسجيل
    Oct 2009
    المشاركات
    298

    افتراضي

    الله تعالى يقول (لَا تَجِدُ قَوْمًا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ يُوَادُّونَ مَنْ حَادَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَلَوْ كَانُوا آبَاءَهُمْ أَوْ أَبْنَاءَهُمْ أَوْ إِخْوَانَهُمْ أَوْ عَشِيرَتَهُمْ)
    الآية فيمن يحادد الله ورسوله, أي يجاهر بالصد عن دين الله ويعادي الإسلام وأهله .
    قال تعالى (لا ينْهَاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ لَمْ يُقَاتِلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَلَمْ يُخْرِجُوكُم مِّن دِيَارِكُمْ أَن تَبَرُّوهُمْ وَتُقْسِطُوا إِلَيْهِمْ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ).

    وكما ذكرت أخي أبو خبيب هناك أدلة أخرى منها آبة الممتحنة, وأقول منها قول الله تعالى (يا أيها الذين آمنوا لا تتخذوا آباءكم وإخوانكم أولياء إن استحبوا الكفر على الإيمان ومن يتولهم منكم فأولئك هم الظالمون).
    فهنا الولاية بمعنى مشابه للمواده ومشابه أن تبروهم. وهناك تفصيل. هذا والله تعالى أعلم
    سبحان الله والحمد لله ولا إله الا الله و الله اكبر

  6. #6
    تاريخ التسجيل
    Dec 2010
    المشاركات
    1,179

    افتراضي

    الايمان الكبير لابن تيمية

    من أحوال القلب وأعماله ما يكون من لوازم الإيمان الثابتة فيه، بحيث إذا كان الإنسان مؤمنا، لزم ذلك بغير قصد منه ولا تَعمُّد له. وإذا لم يوجد، دل على أن الإيمان الواجب لم يحصل في القلب، وهذا كقوله تعالى: {لَا تَجِدُ قَوْمًا يُؤْمِنُونَ بِالله وَالْيَوْمِ الْآخِرِ يُوَادُّونَ مَنْ حَادَّ الله وَرَسُولَهُ وَلَوْ كَانُوا آبَاءهُمْ أَوْ أَبْنَاءهُمْ أَوْ إِخْوَانَهُمْ أَوْ عَشِيرَتَهُمْ أُوْلَئِكَ كَتَبَ فِي قُلُوبِهِمُ الْإِيمَانَ وَأَيَّدَهُم بِرُوحٍ مِّنْهُ } [16]، فأخبر أنك لا تجد مؤمنا يواد المحادين لله ورسوله، فإن نفس الإيمان ينافي موادته، كما ينفي أحد الضدين الآخر. فإذا وجد الإيمان انتفى ضده، وهو موالاة أعداء الله، فإذا كان الرجل يوالي أعداء الله بقلبه، كان ذلك دليلا على أن قلبه ليس فيه الإيمان الواجب.

    ومثله قوله تعالى في الآية الأخرى: {تَرَى كَثِيرًا مِّنْهُمْ يَتَوَلَّوْنَ الَّذِينَ كَفَرُواْ لَبِئْسَ مَا قَدَّمَتْ لَهُمْ أَنفُسُهُمْ أَن سَخِطَ الله عَلَيْهِمْ وَفِي الْعَذَابِ هُمْ خَالِدُونَ وَلَوْ كَانُوا يُؤْمِنُونَ بِالله والنَّبِيِّ وَمَا أُنزِلَ إِلَيْهِ مَا اتَّخَذُوهُمْ أَوْلِيَاء وَلَكِنَّ كَثِيرًا مِّنْهُمْ فَاسِقُونَ} [17]، فذكر جملة شرطية تقتضي أنه إذا وجد الشرط وجد المشروط بحرف لو، التي تقتضي مع الشرط انتقاء المشروط، فقال: {وَلَوْ كَانُوا يُؤْمِنُونَ بِالله والنَّبِيِّ وَمَا أُنزِلَ إِلَيْهِ مَا اتَّخَذُوهُمْ أَوْلِيَاء}، فدل على أن الإيمان المذكور ينفي اتخاذهم أولياء ويضاده، ولا يجتمع الإيمان واتخاذهم أولياء في القلب، ودل ذلك على أن من اتخذهم أولياء، ما فعل الإيمان الواجب من الإيمان بالله والنبي وما أنزل إليه.
    ومثله قوله تعالى: {لاَ تَتَّخِذُواْ الْيَهُودَ وَالنَّصَارَى أَوْلِيَاء بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاء بَعْضٍ وَمَن يَتَوَلَّهُم مِّنكُمْ فَإِنَّهُ مِنْهُمْ} [18]، فإنه أخبر في تلك الآيات أن متوليهم لا يكون مؤمنا، وأخبر هنا أن متوليهم هو منهم، فالقرآن يصدق بعضه بعضًا.


  7. #7
    تاريخ التسجيل
    Jan 2012
    المشاركات
    7,880

    افتراضي

    اقتباس المشاركة الأصلية كتبت بواسطة محمدعبداللطيف مشاهدة المشاركة
    ويقول الشيخ عبد الرحمن البراك--أن البغض الذي فرضَه اللهُ على المسلم للكافر إنِّما هو بُغْضُ كُفرِه لا بُغضُ شخصِه، ؛ فنصوص الكتاب والسنة ناطقة بتعليق البُغض والعداوةِ والوعيد والذَّمِ واللعن بأشخاص الكافرين، قال تعالى: (إِنَّ اللَّهَ لَعَنَ الْكَافِرِينَ وَأَعَدَّ لَهُمْ سَعِيرًا) [الأحزاب: 64]، وقال: (إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ وَالْمُشْرِكِين َ فِي نَارِ جَهَنَّمَ خَالِدِينَ فِيهَا أُوْلَئِكَ هُمْ شَرُّ الْبَرِيَّةِ) [البينة: 6]، وقال في النار: (أُعِدَّتْ لِلْكَافِرِينَ) [البقرة: 24]، وقال تعالى: (فَإِنَّ اللَّهَ لاَ يُحِبُّ الْكَافِرِينَ) [آل عمران: 32]، وقال تعالى: (إِنَّ اللَّهَ لا يُحِبُّ الْمُفْسِدِينَ) [القصص: 77]، وقال تعالى: (تَرَى كَثِيرًا مِّنْهُمْ يَتَوَلَّوْنَ الَّذِينَ كَفَرُواْ لَبِئْسَ مَا قَدَّمَتْ لَهُمْ أَنفُسُهُمْ أَن سَخِطَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ وَفِي الْعَذَابِ هُمْ خَالِدُونَ) [المائدة: 80]، وقال: (فَإِنَّ اللَّهَ عَدُوٌّ لِّلْكَافِرِينَ ) [البقرة: 98]، وقال تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَتَّخِذُوا عَدُوِّي وَعَدُوَّكُمْ أَوْلِيَاء تُلْقُونَ إِلَيْهِم بِالْمَوَدَّةِ وَقَدْ كَفَرُوا بِمَا جَاءكُم مِّنَ الْحَقِّ ..) إلى قوله: (قَدْ كَانَتْ لَكُمْ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ فِي إِبْرَاهِيمَ وَالَّذِينَ مَعَهُ إِذْ قَالُوا لِقَوْمِهِمْ إِنَّا بُرَآءُ مِنكُمْ وَمِمَّا تَعْبُدُونَ مِن دُونِ اللَّهِ كَفَرْنَا بِكُمْ وَبَدَا بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمُ الْعَدَاوَةُ وَالْبَغْضَاء أَبَدًا حَتَّى تُؤْمِنُوا بِاللَّهِ وَحْدَهُ [الممتحنة: 4]، إلى غير ذلك مما لا يُحصى من آيِ القرآن، وكلُّها تضيف الذَّمَّ والوعيد والبغضَ والبراءة والعداوة لأشخاص الكافرين والمشركين، وكذلك ما قصَّه الله من عقوبات المكذبين، هي واقعة عليهم بسبب كفرهم وتكذيبهم وظلمهم وفسقهم، قال تعالى: (وَأَخَذْنَا الَّذِينَ ظَلَمُواْ بِعَذَابٍ بَئِيسٍ بِمَا كَانُواْ يَفْسُقُونَ) [الأعراف: 165]، وقال تعالى: (فَكُلاًّ أَخَذْنَا بِذَنبِهِ فَمِنْهُم مَّنْ أَرْسَلْنَا عَلَيْهِ حَاصِبًا وَمِنْهُم مَّنْ أَخَذَتْهُ الصَّيْحَةُ وَمِنْهُم مَّنْ خَسَفْنَا بِهِ الأَرْضَ وَمِنْهُم مَّنْ أَغْرَقْنَا وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيَظْلِمَهُمْ وَلَكِن كَانُوا أَنفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ ) [العنكبوت: 40]، (كَدَأْبِ آلِ فِرْعَوْنَ وَالَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ كَذَّبُواْ بآيَاتِ رَبِّهِمْ فَأَهْلَكْنَاهُ م بِذُنُوبِهِمْ وَأَغْرَقْنَا آلَ فِرْعَونَ وَكُلٌّ كَانُواْ ظَالِمِينَ) [الأنفال: 54]، (فَمَا بَكَتْ عَلَيْهِمُ السَّمَاء وَالأَرْضُ وَمَاكَانُوا مُنظَرِينَ) [الدخان: 29]. والكفر والشركُ والفساد أعراضٌ ومعانٍ لا توجدُ إلا في من قامت به من الكفار والمشركين والمفسدين، نعم هي مذمومةٌ وقبيحةٌ ومُحرَّمة، يجب بغضها والحذر والتحذير من الوقوع فيها، ومع ذلك لم يأت في القرآن إضافة البغض إليها إلاَّ ما جاء في مثل قوله تعالى: (وَلا يَرْضَى لِعِبَادِهِ الْكُفْرَ) [الزمر: 7]، (وَاللَّهُ لاَ يُحِبُّ الفَسَادَ) [البقرة: 205]، وأكثر ما يرد معلقًا بهذه الأفعال النَّهيُ والتَّحريمُ، قال تعالى:(قُلْ تَعَالَوْاْ أَتْلُ مَا حَرَّمَ رَبُّكُمْ عَلَيْكُمْ أَلاَّ تُشْرِكُواْ بِهِ شَيْئًا وَبِالْوَالِدَي ْنِ إِحْسَانًا وَلاَ تَقْتُلُواْ أَوْلاَدَكُم مِّنْ إمْلاَقٍ نَّحْنُ نَرْزُقُكُمْ وَإِيَّاهُمْ وَلاَ تَقْرَبُواْ الْفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ وَلاَ تَقْتُلُواْ النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلاَّ بِالْحَقِّ ذَلِكُمْ وَصَّاكُمْ بِهِ لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ) [الأنعام: 151]، وقال: (قُلْ إِنَّمَا حَرَّمَ رَبِّيَ الْفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ وَالإِثْمَ وَالْبَغْيَ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَأَن تُشْرِكُواْ بِاللَّهِ مَا لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ سُلْطَانًا وَأَن تَقُولُواْ عَلَى اللَّهِ مَا لاَ تَعْلَمُونَ) [الأعراف: 33]، وقال تعالى: (وَيَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاء وَالْمُنكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ)[النحل: 90]، والخطاب بذلك للمكلفين.
    وفي مقابل ما تقدَّم جاءت نصوصُ المدح والثناءِ والحُبِّ والوعدِ والولاء متعلقة بأشخاصِ المؤمنين والمتقين، قال تعالى: ----(وَالْمُؤْمِنُون َ وَالْمُؤْمِنَات ُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاء بَعْضٍ يَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ وَيُقِيمُونَ الصَّلاَةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَيُطِيعُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ أُوْلَئِكَ سَيَرْحَمُهُمُ اللَّهُ إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ * وَعَدَ اللَّهُ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَات ِ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا وَمَسَاكِنَ طَيِّبَةً فِي جَنَّاتِ عَدْنٍ وَرِضْوَانٌ مِّنَ اللَّهِ أَكْبَرُ ذَلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ) [التوبة: 71-72]، (وَاللَّهُ وَلِيُّ الْمُؤْمِنِينَ) [آل عمران: 68]، وقال تعالى: (إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُتَّقِينَ) [التوبة: 4]، وقال تعالى: (وَالَّذِينَ آمَنُواْ وَعَمِلُواْ الصَّالِحَاتِ أُولَئِكَ أَصْحَابُ الْجَنَّةِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ) [البقرة: 82]، وقال تعالى: (إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ أُوْلَئِكَ هُمْ خَيْرُ الْبَرِيَّةِ * جَزَاؤُهُمْ عِندَ رَبِّهِمْ جَنَّاتُ عَدْنٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا رَّضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ ذَلِكَ لِمَنْ خَشِيَ رَبَّهُ) [البينة: 7-8].
    وكذلك نُصوص السُّنَّةِ جاريةٌ على هذا النَّهج.
    وكما نقول: كلُّ ما نهى الله عنه فهو يُبغضُه، ويجب بُغضه، وكذلك كلُّ ما أمر الله به وأثنى على أهله من الأقوال والأفعال فهو يحبه، وتجب محبته.
    فعلم مما تقدم أن الإيمان والعملَ الصالح سببٌ لمدح من اتصف به ومحبَّتِه وثوابِه وفلاحِه، وأن الكُفر والمعاصي سببٌ لذمِّ من اتصف بها، وبغضِه وعقابِه وشقائه، ولهذا من تجرد عن صفة الفريقين لم يكن محموداً ولا مذموماً ولا مُثاباً ولا مُعاقباً إلاَّ تبَعًا، كأطفال المسلمين والكفار ومجانينِهم، فأطفالُ المسلمين يُحبَّون تَبَعًا، ومآلهم إلى الجنة تبعًا لآبائهم، وأولاد المشركين قال فيهم النبي صلى الله عليه وسلم لما سئل عنهم: (الله أعلمُ بما كانُوا عامِلين)([1])، وفي مصيرهم خلاف بين العلماء كثير، أما حكمهم في الدنيا فهم تبع لآبائهم، يتَوَلَّونَهم، ويُدْفَنون في مقابرهم.


    وبناء على ما سبق يعلم أولا: أنَّ محبَّة الكافر لذاته مع بغض فعله حرامٌ؛ لأن ذلك ضِدُّ ما دل عليه كتاب الله، وسُنَّةُ رسول الله صلى الله عليه وسلم، القاضيةُ بأنَّه تعالى لا يُحب الكافرين، وقد أمر ببغضهم، وإبداء العداوة لهم، والبراءة منهم، والفصلُ بين الفِعل والفَاعل في الُحكم كما أنه مُناقضٌ للشَّرعِ فهو مناقضٌ للعقل، فما يتعلق بالفعل من الذَّمِ والبُغض لاحقٌ بالفاعلِ إلا أن يمنع من ذلك مانع معتبَرٌ شَرعًا، ويلزم من قال هذه المقالةَ أن يقول بجواز بغض المؤمن مع محبة فعله، وفي هذا من القبح والشناعة ما لا يَخفى.
    ولا يرد على هذا الحُبُّ الطَّبيعِيُّ والبغض الطَّبيعِيُّ؛ كما يُحِبُّ المسلمُ والديه الكافرين، أو مَن أحسنَ إليه، أو قامت به صفةٌ محمودة، مع بغضه لهؤلاء بسبب كفرهم، وكما يبغض المسلمُ من يعتدي عليه أو من يَظْلِمُه من إخوانِه المسلمين، مع محبَّتِه له لإيمانه، ولا يُستَغْرب أن يجتمع الحُبُّ مع البُغضِ فيكون الشيءُ محبوباً مِن وجهٍ مُبْغضًا من وَجْهٍ كالدَّواء الـمُرِّ، يكرهه المريضُ لمرارته، ويُحبُّه لما يرجوه من نفعه، وإنما الممتنع عقلاً أن يجتمع الحبُّ والبغض في جهةٍ واحدةٍ لشيءٍ واحدٍ، والمهمُّ ألاَّ يَمْنَعَ الحُبُّ الطَبيعِيُّ من البُغض الدِّينيِّ، فيؤولَ إلى الموالاة التي نَهى الله عنها، كما لا يجوز أن يَمنع بُغضُ مُسلمٍ لظُلْمِه من الحُبِّ الشَّرعِيِّ الواجبِ له، ومتى ما عارض الحبُّ والبُغض الطبيعِيَّانِ الواجبَ الشرعيَّ كان ذلك من جملة اتباع الهوى المذمومِ صاحبُه.
    فيجب أن يُعلم أنَّ التَّفْريقَ بين الكافر وفعلِه في الحُبِّ والبُغض، لا أصل له في سيرة النَّبي صلى الله ليه وسلم، ولا سِيرة أصحابِه والذين اتَّبعوهم بإحسان.
    هذا؛ وتبين مما تقدَّم أن الذَّمَّ والبُغضَ يتعلقُ بالأعمالِ والعاملين؛ بالفسادِ والمفسدين، والكفرِ والكافرين، والشركِ والمشركين، والنفاقِ والمنافقين، ويتعلق الوعيدُ بالعاملين من الكفار والمنافقين والمشركين، وكذا ما يقابل ذلك؛ يتعلقُ المدحُ والحبُ بالأعمال الصالحة والعاملين، بالإيمان والمؤمنين، والتقوى والمتقين، وبالهدى والمهتدين،
    [باختصار للشيخ عبد الرحمن البراك]-------------
    قمت باضافة المحذوف من كلام الشيخ البراك فى مشاركتى السابقة فى الاقتباس لتتم الفائدة من كلامه-- وهذا رابط الموضوع هنا

الكلمات الدلالية لهذا الموضوع

ضوابط المشاركة

  • لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
  • لا تستطيع الرد على المواضيع
  • لا تستطيع إرفاق ملفات
  • لا تستطيع تعديل مشاركاتك
  •