بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه ومن اتبع هداه أما بعد فقد ذكرنا في مقال سابق حقيقة القاديانية و مؤسسها غلام أحمد ميرزا القادياني وفي هذا المقال سنذكر أهم ما يستند عليه القاديانية لإثبات نبوة الغلام وهو ادعاؤهم استمرار الوحي والنبوة ونذكرشبههم والرد عليها من القرآن والسنة وأقوال الصحابة.

المطلب الأول :دعوى القاديانية استمرار الوحي والنبوة وتأويلهم معنى ختم النبوة


أول القاديانيون معنى قول الله تعالى: مَّا كَانَ مُحَمَّدٌ أَبَا أَحَدٍ مِّن رِّجَالِكُمْ وَلَكِن رَّسُولَ اللَّهِ وَخَاتَمَ النَّبِيِّينَ وَكَانَ اللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمًا [ الأحزاب:40] . معنى خاتم النبيين عندهم أي طابعهم، فيزعمون أن كل نبي يظهر الآن بعده، فإن نبوته تكون مطبوعة بخاتمه، صلى الله عليه وسلم,
يقول محمد منظور إلهي القادياني في كتابه (ملفوظات أحمدية) (ص290): "المرادبخاتمالن يينأنهلايمكنأن صدقالآننبوةأين يمنالأنبياءإلا خاتمه صلى الله عليه وسلم، وكما أن كل قرطاس لا يكون مصدقاً مؤكداً إلا حين يطبع عليه بالخاتم، فكذلك كل نبوة لا تكون مطبوعاً عليها بخاتمه وتصديقه، صلى الله عليه وسلم، تكون غير صحيحة" (1) .
ويفسر القاضي القادياني آية "خاتم النبيين" بأنه أفضل الأنبياء وأكبرهم درجة ومرتبة، والآية في زعم القاديانية لا تدل أبداً على انقطاع النبوة، يقول في القول الصريح: "إن الآية المذكورة لا تدل مطلقاً على انقطاع النبوة، بل تدل على بقائها لأن كمال النبي لا يتحقق إلا بكمال الأمة وفضيلة الأستاذ لا تظهر إلا بفضل التلميذ.. وإن أصر أحد على أنه بمعنى آخر زمانا فيمكننا أن نجعله مطابقاً للمعاني الأخرى بكل سهولة ونقول: إن المراد من النبيين هم المشرعون والمستقلون، والنبي، صلى الله عليه وسلم، ختم النبوة التشريعية والمستقلة، لأنها موجودة قبله، وأما النبوة الغير مستقلة فما كانت موجودة قبله .
ويقول المرزا أحمد: "إن محمداً، صلى الله عليه وسلم، خاتم الأنبياء بمفهوم أنه قد تمت عليه كمالات النبوة، وأنه لا يأتي بعده رسول ذو شريعة جديدة، ولا نبي من غير أمته".
التاويل الثاني: قال غلام أحمد في حقيقة الوحي: "قد جعل الله جل شأنه محمداً، صلى الله عليه وسلم، الخاتم أي أعطاه الخاتم فاضة الكمال، وذلك لم يؤته أحداً غيره، ولذلك سمي بخاتم النبيين، أي أن إطاعته تمنح كمالات النبوة، وأن التقاءه الروحي يصنع الأنبياء".

التأويل الثالث: يقول غلام أحمد في إزالة الخطأ: "أنا محمد، صلى الله عليه وسلم، بصفة ظلية، فلأجل هذا ما انفض هذا الخاتم - خاتم النبيين - لأننبوةمحمد،صلى اللهعليهوسلم،بق يتعلىحالهامنحصر ةفيمحمدوحده،أيأ نمحمداًوحدههوال نبيإلىالآن،وإذا كنتأنامحمداًبصف ةتجسديةفأيرجلغي رهيكونقدادعىالن بوةبصفةمستقلة؟".
وهذهتأويلاتباطل ةفاسدةلختمالنبو ة، وقد وضع القاديانيون أدلة من القرآن والسنة على أن الوحي والنبوة، مستمران لا ينقطعان ابداً، وأوّلوا النصوص حسب هواهم. (37)
أدلتهم من القرآن الكريم :
يقول تعالى: وَمَا كَانَ لِبَشَرٍ أَن يُكَلِّمَهُ اللَّهُ إِلَّا وَحْيًا أَوْ مِن وَرَاء حِجَابٍ أَوْ يُرْسِلَ رَسُولًا فَيُوحِيَ بِإِذْنِهِ مَا يَشَاء إِنَّهُ عَلِيٌّ حَكِيمٌ [ الشورى:51] .
يقول القاضي القادياني في كتابه (القول الصريح) : "إن الله سبحانه وتعالى يوحي إلى غير الأنبياء بالطرق التي يوحي بها إلى الأنبياء لأن الله لم يقل : وما كان لنبي بل قال: ما كان لبشر سواء كان نبياً أو غير نبي" اهـ (7) .
والحقيقة أنه ليس في هذه الآية أي دليل على وحي أو نبوة بعد رسول الله، صلى الله عليه وسلم، وإنما قال ابن كثير في تفسيره: "هذه الآية في ذكر مقامات الوحي بالنسبة إلى جانب الله عز وجل" (8) فلا وحي ولا نبوة بعد محمد، صلى الله عليه وسلم.
وهكذا يزعم القاضي القادياني أن باب النبوة لا زال مفتوحاً أمام البشر ويذكر أن الله تعالى يقول: وَمَن يُطِعِ اللّهَ وَالرَّسُولَ فَأُوْلَئِكَ مَعَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللّهُ عَلَيْهِم مِّنَ النَّبِيِّينَ وَالصِّدِّيقِين َ وَالشُّهَدَاء وَالصَّالِحِينَ وَحَسُنَ أُولَئِكَ رَفِيقًا [ النساء:69] .
ويفسرالآية - كماأشرنامنقبل - بأنمعناها "أنالذييطيعالله محمداً،صلىالله ليهوسلم،فعلىقد إطاعتهيكونمنال الحينأوالشهداء والصديقينأوالن يين،فهيتصريحجل ٌّأنالنبوةباقي فيالأمةالمحمدي " (9) .
وطبيعي أنه ليس في الآية دليل قط على استمرار النبوة بعد رسول الله، صلى الله عليه وسلم، وإنما مقصود الآية كما ذكر ابن كثير: "إن مَنْ عمل بما أمره الله ورسوله، وترك ما نهاه الله عنه ورسوله، فإن الله عز وجل يسكنه دار كرامته ويجعله مرافقاً لمن ذكر في الآية" (10) .
فالآية لا تدل أبداً على أن النبوة مستمرة كما ادعى القاديانيون.
ويقول أيضاً: "إناللهتعالىيقو فيكتابهالعزيز: رَفِيعُ الدَّرَجَاتِ ذُو الْعَرْشِ يُلْقِي الرُّوحَ مِنْ أَمْرِهِ عَلَى مَن يَشَاء مِنْ عِبَادِهِ لِيُنذِرَ يَوْمَ التَّلَاقِ [ غافر:15]
يقول: المراد من الروح في الآية الوحي أو روح القدس، والآية تصرح بأن النبوة باقية، لأن صيغة يلقى تدل على الاستمرار، فكما أن الله تعالى أخبر بنزول الملائكة في المستقبل كذلك بالإنذار، والإنذار من صفة الرسل" (11) .
وهذا فهم خاطئ وتأويل باطل للآية، فالآية تبين لنا بوضوح تام أن الله تعالى يختص من يشاء ليكونوا أنبياء ورسلاً يبلغون رسالة الله في الأرض، وقد ختم الله تعالى الرسالات، بمحمد، صلى الله عليه وسلم.
وفي قوله تعالى: هُوَ الَّذِي بَعَثَ فِي الْأُمِّيِّينَ رَسُولًا مِّنْهُمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَإِن كَانُوا مِن قَبْلُ لَفِي ضَلَالٍ مُّبِينٍ وَآخَرِينَ مِنْهُمْ لَمَّا يَلْحَقُوا بِهِمْ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ [الجمعة:2 - 3] .
يقول القاضي القادياني في كتابه (القول الصريح) : "إن قوله تعالى: وَآخَرِينَ مِنْهُمْ [الجمعة:3] يدل على أن البعثة الثانية للنبي، صلى الله عليه وسلم، في الآخرين الذين يأتون بعد من الصحابة تكون منهم لا من غيرهم، ومعلوم أن النبي لا يبعث بذاته مرة ثانية، فليس المراد إذاً إلا المسيح الموعود بكونه نبياً في الآخرين باسم النبي، صلى الله عليه وسلم" (12) .
وهذا تفسير باطل للآية، لأن ظاهر الآية واضح لكل ذي عينين، فالآية تشير بجلاء تام إلى أن الله تعالى بعث محمداً، صلى الله عليه وسلم، إلى الناس كافة يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ [الجمعة:2] فليسفيالآيةدليل علىبعثةالمسيحال موعودكمايزعمالق اديانيون.
ويقولفيقولهتعال ى: الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الإِسْلاَمَ دِينًا ٌ [المائدة:3]
يقول: "معلوم أن النبوة هي أعظم نعمة من نعم الله، فلو كانت منقطعة لما كانت النعمة تامة، بل كانت ناقصة" (13) .
والحقيقة إن هذه الآية أكبر دليل على ختم النبوة، فالله سبحانه وتعالى أكمل برسالة الإسلام الدين ، فلا دين بعده، ولا نبي بعده، لاكتمال الرسالة وختمها برسول الله، صلى الله عليه وسلم.
الأدلة من السنة على استمرار النبوة فيزعمالقاديانيي ن:
عنابنعباس،رضيال لهعنه: ((لما توفي إبراهيم ابن الرسول قال رسول الله، صلى الله عليه وسلم، لو عاش لكان صديقاً نبياً)) (14).
يقول القاديانيون: إن هذا الحديث فيه دلالة واضحة على أن الرسول، صلى الله عليه وسلم، ليس خاتم الأنبياء.
والمسألة أن القاديانيين ليسوا بعلماء في الحديث النبوي، ولذا فهم لا يعرفون المطلق والمقيد والعام والخاص، فحديث: ((لو عاش - أيإبراهيم - لكانصديقاًنبياً )) (15) روي بروايات متعددة وحديث أنس عند ابن منده يحل الإشكال تماماً وهو: ((ولو بقي أي إبراهيم ابن رسول الله، صلى الله عليه وسلم، لكان نبياً ولكن لم يكن ليبقى، لأن نبيكم آخر الأنبياء)) (16) .
"ثم إن كل الأحاديث التي رويت بهذا المعنى علقت بصيغة شرطية، ولم يتحقق الشرط وهو عدم وفاة إبراهيم، فلم يتحقق الجواب، وهو أن يكون نبياً" (17) .
والأمر الآخر إن حديث ابن ماجة لا يصح لأن في سلسلة رجاله من لا يحتج به وهو إبراهيم بن عثمان الواسطي، قال البخاري: سكتوا عنه، وقال النسائي: متروك الحديث، وقال ابن معين: ليس بثقة. وضعفه أحمد.
إذن هذا الحديث لا يعتد به، بالإضافة إلى أن المسألة مشروطة بشرط لو عاش إبراهيم، ومن الجلي أنه مات في حياة أبيه، فهو شرط لم يتحقق.
وقال رسول الله، صلى الله عليه وسلم: ((أبو بكر أفضل هذه الأمة إلا أن يكون نبي)) (18) رواه الطبراني. وهذا الحديث ضعيف، لأن من رواته إسماعيل بن أبي زياد، وهو لا يحتج به، قال عنه ابن حجر: "متروك كذبوه". وقال الذهبي: قال يحيى: كذاب. وقال أبو حاتم: مجهول.
إن مأساة القاديانيين أنهم أخذوا الأحاديث الضعيفة والموضوعات وأولوها حسب هواهم ورغبتهم. (38)

وفي شرح الآية هذه يقول بشير الدين محمود بن الغلام أحمد: (إنالخاتَمبفتحا تاء معناه الآلة التي يختم بها وليس الانتهاء - الخاتميتخذللتصد يق - ومعنىالآيةإذاًأ نهصلىاللهعليهوس لمآلةالختمالتيخ تمبهاجميعالنبيي ن). إلىأنيقول: (والخلاصةأنهذها آيةلاتحظرالنبو التيذكرناهاآنف ً،ولكنهاتنفيال بوةالتشريعيةأو لنبوة المباشرة) (21) .
(23) .
وغريب جداً هذا الفهم القاصر لخليفة القادياني في زعامة القاديانيين؛ أن يستدل بإثبات النبوة لعيسى على استمرار تجدد الأنبياء، وأن يستدل من أمر الله لبني آدم - بعدإهباطهلأبيهم إلىالأرض - بالإيمانبالأنبي اءالذينسَيُرْسِ لُهُمْ،على استمرار النبوة بعد محمد صلى الله عليه وسلم، هذا فَهْمٌ يدعو إلى العجب حقاً، وهذه حجة من لا حجة له، وكم تناقض القاديانيون هنا! فمرة يزعمون أن الغلام نبي مشرع، ومرة يزعمون أنه نبي تابع للنبي محمد صلى الله عليه وسلم، مع أن هذا التفريق لا دليل عليه، فإن الله تعالى لم يخبرنا بأن فيه (فرقاً) بينالنبيالمشرعو الآخرغيرالمشرع، بلأمربالإيمانبج ميعالأنبياءبدون تفريقهمبينهم،وح تىمايقولهبعضالع لماءمنأنالنبيهو الشخصالذييسيرعل ىالشرعالسابقللر سولقبلهويجدده،ل اينطبقعلىالغلام ؛لأنهجاءبتشريعا تكثيرة تخالف الشريعة الإسلامية تمام المخالفة ومستقلة تمام الاستقلال (24) .
وكل تلك التأويلات - التيلفقهاالقادي انيوأتباعهبعدما نقطاعالنبوة - لايقبلهاإلاغافل فارغعنالعلم،وجا هلباللغةالعربية ،وجاهلبالدينالإ سلامي؛ذلكأنالخت ممعناهآخرالشيءو نهايته، كما يذكر علماء اللغة (25) ؛ لا أن معناه أفضل الشيء وأجوده.
وقد وردت النصوص من الكتاب والسنة على المعنى الأول، وأنه لا نبي بعده محمد صلى الله عليه وسلم، وأنه آخر الأنبياء، به أكمل الله الدين وأتم به النعمة على العباد، ومن لم يعتقد هذا فلا حظ له من الإسلام، وقد قدمنا ذكر بعض الأدلة على ختم النبوة بمحمد صلى الله عليه وسلم وهي واضحة صريحة، لولا بُعْدُ هؤلاء عن الدين واستحواذ الشياطين عليهم. والأحاديث في هذا المعنى كثيرة غير خافية على طلاب العلم.
(39) المطلب الثاني: الأدلة من القرآن على ختم النبوة
لقد أكد القرآن الكريم على هذه الحقيقة وهذا الأصل قال تعالى: مَّا كَانَ مُحَمَّدٌ أَبَا أَحَدٍ مِّن رِّجَالِكُمْ وَلَكِن رَّسُولَ اللَّهِ وَخَاتَمَ النَّبِيِّينَ [الأحزاب: 40].
وعلى قراءة: خاتم بكسر التاء فهذا وصف له، صلى الله عليه وسلم، بأنه ختم الأنبياء، وأنه ليس بعده نبي، وكذا بفتح التاء، فإن كلاً منهما يُستعمل بمعنى الآخر.
ويؤكد هذا المعنى حديث رسول الله، صلى الله عليه وسلم، في صحيح البخاري، فعن أبي هريرة، رضي الله عنه، أن النبي، صلى الله عليه وسلم، قال: ((إن مثلي ومثل الأنبياء من قبلي كمثل رجل بنى بيتاً فأحسنه وأجمله إلا موضع لبنة من زاوية، فجعل الناس يطوفون به، ويعجبون له، ويقولون: هلا وضعت هذه اللبنة، قال: فأنا اللبنة، وأنا خاتم النبيين)) (1) .
وهذا الأمر أجمع عليه أهل الإسلام، قال الإمام ابن عطية في تفسير قوله تعالى: مَّا كَانَ مُحَمَّدٌ أَبَا أَحَدٍ مِّن رِّجَالِكُمْ وَلَكِن رَّسُولَ اللَّهِ وَخَاتَمَ النَّبِيِّينَ [ الأحزاب:40] هذهالألفاظعندجم اعةعلماءالأمةخل فاًوسلفاًمتعلقة علىالعمومالتام، مقتضيةنصاً: أنلانبيبعده،صلى اللهعليهوسلم".
إن القرآن الكريم والسنة المطهرة يبينان للخلق جميعاً أن الرسول، صلى الله عليه وسلم، هو خاتم الأنبياء والمرسلين، يقول ابن كثير: "أخبر الله تعالى في كتابه ورسوله، صلى الله عليه وسلم، في السنة المتواترة عنه أن لا نبي بعده، ليعلموا أن كل من ادعى هذا المقام بعده فهو كذاب أفاك دجال ضال مضل" (2) .
لقد انقطع وحي السماء إلى الأرض بختم نبوة محمد، صلى الله عليه وسلم، يقول تعالى: مَّا كَانَ مُحَمَّدٌ أَبَا أَحَدٍ مِّن رِّجَالِكُمْ وَلَكِن رَّسُولَ اللَّهِ وَخَاتَمَ النَّبِيِّينَ [ الأحزاب:40] أي آخرهم، فخاتم كل شيء أي عاقبته وآخره.
قال ابن حيان في تفسيره البحر المحيط: "قرأ الجمهور وخاتم النبيين بكسر التاء بمعنى أنه ختمهم أي جاء آخرهم" (3) .
وقال القاسمي في تفسيره محاسن التأويل: "تمت الرسالات برسالته إلى الناس أجمعين، وظهر مصداق ذلك بخيبة من ادعى النبوة بعده إلى أن يرث الله الأرض ومن عليها" (4) .
ويقول ابن الجوزي: "ومن قرأ "خاتم" بكسر التاء فمعناه وختم النبيين، ومن فتحها فالمعنى آخر النبيين" (5) .
ويقول العلامة ابن كثير: "فهذه الآية نص في أنه لا نبي بعده، وإذا كان لا نبي بعده فلا رسول بعده بالطريق الأولى والأحرى، لأن مقام الرسالة أخص من مقام النبوة، فإن كل رسول نبي ولا ينعكس" (6) .
ولأن الله سبحانه وتعالى جعل نبيه محمداً، صلى الله عليه وسلم، خاتم الأنبياء والرسل أجمعين فقد جعل رسالته عامة للبشر جميعاً يقول تعالى: قُلْ يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنِّي رَسُولُ اللّهِ إِلَيْكُمْ جَمِيعًا [الأعراف:158] .
يقول الإمام الطبري في تفسيره: "قل يا محمد للناس كلهم إني رسول الله إليكم جميعاً لا إلى بعضكم دون بعض، كما كان من قبلي من الرسل مرسلاً إلى بعض الناس دون بعض" (7) .
وتأكيداً لهذا المعنى فقد امتلأ كتاب الله تعالى بآيات كثيرة تبين للناس أن صاحب الرسالة الخاتمة ، صلى الله عليه وسلم، رسالته عامة للبشر جميعاً يقول تعالى: وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا كَافَّةً لِّلنَّاسِ [ سبأ :28] . وقال تعالى: وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِّلْعَالَمِينَ [ الأنبياء:107] . وقال تعالى: قُلْ يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنِّي رَسُولُ اللّهِ إِلَيْكُمْ جَمِيعًا [ الأعراف:158] .
ولأن الله سبحانه وتعالى جعل الإسلام الدين الخاتم، ورسوله الرسول الخاتم، لذا فقد كمل الدين بالنبوة الخاتمة التي لا نبوة بعدها، يقول تعالى: الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الإِسْلاَمَ دِينًا [ المائدة:3].
وأخرج الإمام الطبري عن ابن عباس، رضي الله عنه، قال: الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ، وهو الإسلام. قال أخبر الله نبيه، صلى الله عليه وسلم، والمؤمنين أنه قد أكمل لهم الإيمان، فلا يحتاجون إلى زيادة أبداً، وقد أتمه الله عز وجل فلا ينقصه أبداً، وقد رضيه الله فلا يسخطه أبداً" (8) .
ولأن رسالة محمد، صلى الله عليه وسلم، الرسالة الخاتمة، ولأن دينه خاتم الأديان، لذا كانت معجزته عقلية خالدة، باقية ما بقي الزمان، فقد كانت الرسالات السابقة على الإسلام معجزاتها حسية لا تتجاوز فترة حياة النبي صاحب المعجزة, أما معجزة محمد، صلى الله عليه وسلم، فهي باقية، لأنها تخاطب العقل في كل زمان ومكان.
ولقد تحدى القرآن الكريم أن يأتي العرب وغير العرب بمثل سورة منه فعجزوا عن ذلك منذ نزل القرآن الكريم وإلى أن يرث الله الأرض ومن عليها، يقول تعالى في عظمة وقوة: قُل لَّئِنِ اجْتَمَعَتِ الإِنسُ وَالْجِنُّ عَلَى أَن يَأْتُواْ بِمِثْلِ هَذَا الْقُرْآنِ لاَ يَأْتُونَ بِمِثْلِهِ وَلَوْ كَانَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ ظَهِيرًا [الإسراء:88] .) .
لقد كان القرآن الكريم معجزة محمد، صلى الله عليه وسلم، ومعجزة الدين الخاتم والرسالة الخاتمة: مَّا كَانَ مُحَمَّدٌ أَبَا أَحَدٍ مِّن رِّجَالِكُمْ وَلَكِن رَّسُولَ اللَّهِ وَخَاتَمَ النَّبِيِّينَ [الأحزاب: 40]
المطلب الثالث: خصائص القرآن دليل على ختم نبوته:

يقول تعالى في سورة المائدة: وَأَنزَلْنَا إِلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ مُصَدِّقًا لِّمَا بَيْنَ يَدَيْهِ مِنَ الْكِتَابِ وَمُهَيْمِنًا عَلَيْهِ [المائدة: 48].
هذه الآية الكريمة تبين لنا بوضوح أن القرآن الكريم هو المصدق للكتب السماوية السابقة على الإسلام، وأنه الشاهد والمهيمن عليها والمبين لما فيها من خطأ أو صواب، وهذا يؤكد لنا أن القرآن الكريم هو آخر الكتب السماوية، لهذا جعله الله تعالى بياناً لما اختلفوا فيه في كتبهم، يقول تعالى: وَمَا أَنزَلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ إِلاَّ لِتُبَيِّنَ لَهُمُ الَّذِي اخْتَلَفُواْ فِيهِ [النحل: 64].
يقول الإمام محمد بن علي الشوكاني في فتح القدير: "إن القرآن صار شاهداً بصحة الكتب المنزلة، ومقرراً لما فيها مما لم ينسخ، ناسخاً لما خالفه منها، ورقيباً عليها، وحافظاً لما فيها من أصول الشرائع، وغالباً لها كونه المرجع في المحكم منها والمنسوخ" (1) .
يقول تعالى: مُصَدِّقاً لِّمَا بَيْنَ يَدَيْهِ وَهُدًى وَبُشْرَى لِلْمُؤْمِنِينَ [ البقرة:97] . ولقد أنزل الله سبحانه وتعالى على رسوله الكريم لينذر به الخلق جميعاً، قال تعالى: إِنْ هُوَ إِلَّا ذِكْرٌ لِّلْعَالَمِينَ [ص: 87]. وقال تعالى: وَمَا هُوَ إِلَّا ذِكْرٌ لِّلْعَالَمِينَ[القلم: 52].
ولقد تكفل الله سبحانه وتعالى بحفظ هذا الكتاب من كل تحريف أو زيادة أو نقص: إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ [الحجر: 9].
وهذا عكس الكتب السابقة حيث استحفظ الله الربانيون والأحبار على كتابه واستأمنهم عليه، لكنهم لم يكونوا أمناء على ما استحفظوا عليه.
قال القرطبي في تفسير قوله تعالى: وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ [ الحجر:9] أي حفظه الله من أن تزيد فيه الشياطين باطلاً أو تنقص منه حقاً، فتولى سبحانه
حفظه فلم يزل محفوظاً، وقال في غيره: "بما استحفظوا" فوكل حفظه إليهم فبدلوا وغيروا " (2) .
المطلب الرابع: خصائص الرسول والرسالة:

إن خصائص الرسول والرسالة تدل على أن رسالته الخاتمة وأنه خاتم الأنبياء، لقد بعث الله تعالى محمداً، صلى الله عليه وسلم، برسالته للناس جميعاً، مما يبين لنا أنه النبي الخاتم، يقول تعالى: قل يا أيها الناس إني رسول الله إليكم جميعاً، وقال تعالى: وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا كَافَّةً لِّلنَّاسِ بَشِيرًا وَنَذِيرًا [سبأ:28].
وهذا يقتضي عموم رسالته للناس كافة، ولأنَّ رسالته عامة للناس جميعاً فلا نبي بعده، فهو خاتم الأنبياء، لذا جعله الله - تعالى- رحمةللعالمينمؤم نهموكافرهم،فقدك انالمكذبونبالرس لقبلمبعثهيهلكهم الله -سبحانه وتعالى- أشد الهلاك لكن الله -سبحانه وتعالى- أجَّل عذاب من كذَّب برسالة محمد صلى الله عليه وسلم، إلى موته أو إلى قيام الساعة؛ لأن الله أرسله رحمة للعالمين، {وَمَاأَرْسَلْن اكَإِلَّارَحْم ةًلِّلْعَالَمِ نَ} *الأنبياء :107*. قالتعالى:{وَمَاك َانَ اللّهُ لِيُعَذِّبَهُمْ وَأَنتَ فِيهِمْ} *الأنفال:33*
ولقد نسخ الله تعالى برسالة محمد، صلى الله عليه وسلم، جميع الشرائع التي كانت قبل الإسلام وارتضى للناس دينه الخاتم شريعة وعقيدة يقول تعالى: الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الإِسْلاَمَ دِينًا [المائدة :3]
وأخذ الله العهد على جميع أنبيائه ورسله أن يؤمنوا بمحمد، صلى الله عليه وسلم، إذا بُعث محمد وهم أحياء، فعليهم الإيمان به وبنصرته، قال تعالى: وَإِذْ أَخَذَ اللّهُ مِيثَاقَ النَّبِيِّيْنَ لَمَا آتَيْتُكُم مِّن كِتَابٍ وَحِكْمَةٍ ثُمَّ جَاءكُمْ رَسُولٌ مُّصَدِّقٌ لِّمَا مَعَكُمْ لَتُؤْمِنُنَّ بِهِ وَلَتَنصُرُنَّه ُ قَالَ أَأَقْرَرْتُمْ وَأَخَذْتُمْ عَلَى ذَلِكُمْ إِصْرِي قَالُواْ أَقْرَرْنَا قَالَ فَاشْهَدُواْ وَأَنَاْ مَعَكُم مِّنَ الشَّاهِدِينَ [ آل عمران:81] وقد ورد تفسير آخر للآية: "أن الله تعالى أخذ ميثاق الأنبياء أن يصدق بعضهم بعضاً، ويأمر بعضهم بالإيمان ببعض ذلك معنى النصرة بالتصديق" (1) .
والحقيقة لا تعارض بين التفسيرين، لأن النتيجة واحدة، فتصديق الأنبياء بعضهم بعضاً يؤدي بالضرورة إلى التصديق ونصرة خاتمهم محمد، صلى الله عليه وسلم، يقول تعالى: بَلْ جَاء بِالْحَقِّ وَصَدَّقَ الْمُرْسَلِينَ [الصافات: 37] . وقرئت وصدَّق المرسلون.
المطلب الخامس: الأدلة من السنة المطهرة علىختم النبوة

بين رسول الله، صلى الله عليه وسلم، في سنته المتواترة أنه لا نبي بعده، ففي حديث طويل قال: ((وإنه سيكون في أمتي كذابون كلهم يزعم أنه نبي وأنا خاتم النبيين لا نبي بعدي)) (1) .
وعن ابن عباس، رضي الله عنه، في حديث الشفاعة يوم القيامة، وهو حديث طويل، وفيه أن رسول الله، صلى الله عليه وسلم، ذكر طلب الناس الشفاعة من الأنبياء واحداً تلو الآخر ليشفعوا إلى الله –عزوجل–فيالحسا ببينالناسلطولوق وفهمدونحساب (( حتى يصل الناس إلى عيسى –عليهالسلام - فيقوللهم: أرأيتملوكانمتاع فيوعاءقدختمعليه ،أكانيقدرعلىما في الوعاء حتى يفض الخاتم؟ فيقولون: لا. فيقول: إن محمداً، صلى الله عليه وسلم، خاتم النبيين)) (2)
والأحاديث في ختم النبوة صحيحة منها حديث أبي هريرة: ((.. .. وأرسلت إلى الخلق كافة وختم بي النبوة)) (3) . ومنها حديث عبد الله بن عمرو حيث قال: ((خرج علينا رسول الله، صلى الله عليه وسلم، يوماً كالمودع فقال: "أنامحمدالنبيال مي–ثلاثاً - ولانبيبعدي)) (4)
وقد بين رسول الله، صلى الله عليه وسلم، أن النبوة انقطعت بنبوته الخاتمة الخاتمة، وأنه لم يبق من مبشرات النبوة إلا الرؤية الصالحة، فعن ابن عباس، رضي الله عنه، قال: ((كشف رسول الله، صلى الله عليه وسلم، الستار والناس صفوف خلف أبي بكر، رضي الله عنه، فقال: "أيها الناس إنه لم يبق من مبشرات النبوة إلا الرؤيا الصالحة، يراها المسلم أو ترى له)) (5) .
وعن جابر بن عبد الله، رضي الله عنه، أن النبي، صلى الله عليه وسلم، قال: ((أنا قائد المرسلين ولا فخر، وأنا خاتم النبيين ولا فخر، وأنا أول شافع وأول مشفع ولا فخر)) (6) .
وعن أبي سعيد الخدري، رضي الله عنه، عن النبي، صلى الله عليه وسلم، أنه قال: ((كانت بنو إسرائيل تسوسهم الأنبياء، كلما هلك نبي خلفه نبي، وأنه لا نبي بعدي، وسيكون خلفاء فيكثرون)) (7) .
وعن أبي هريرة، رضي الله عنه، أن رسول الله، صلى الله عليه وسلم، قال: ((إن مثلي ومثل الأنبياء من قبلي، كمثل رجل بنى بيتاً فأحسنه وأجمله إلا موضع لبنة من زاوية، فجعل الناس يطوفون به ويتعجبون له ويقولون: هلا وضعت اللبنة. قال: فأنا اللبنة وأنا خاتم النبيين)) (8) .
وقد حذرنا رسول الله، صلى الله عليه وسلم، من أدعياء النبوة من بعده، فعن جابر بن سمرة قال: سمعت رسول الله، صلى الله عليه وسلم، يقول: ((إن بين يدي الساعة كذابين فاحذروهم)) (9) .
وعن أبي سعيد الخدري، رضي الله عنه، قال: قال رسول الله، صلى الله عليه وسلم: ((لا تقوم الساعة حتى يخرج ثلاثون كذاباً رجالاً كلهم يكذب على الله عز وجل ورسوله، صلى الله عليه وسلم،)) (10) .
وعن محمد بن جبير بن مطعم عن أبيه، أن النبي، صلى الله عليه وسلم، قال: ((أنا محمد وأنا أحمد وأنا الماحي الذي يُمحى بي الكُفر، وأنا الحاشر الذي يحشر الناس على عقبي، وأنا العاقب –والعاقبالذيلي بعدهنبي)) (11) .
وجملة العاقب الذي ليس بعده نبي "قيل: إنها من كلام النبي، صلى الله عليه وسلم. وقيل: إنها من كلام الصحابي الراوي. وقيل: إنها من كلام الزهري.
ومن الأحاديث الشريفة التي تبين أن محمدا رسول الله، صلى الله عليه وسلم، هو الرسول الخاتم، يقول رسول الله، صلى الله عليه وسلم: ((فضلت على الأنبياء بست: أعطيت جوامع الكلم ونصرت بالرعب، وأحلت لي الغنائم، وجعلت لي الأرض مسجداً وطهورا، وأرسلت إلى الخلق كافة، وختم بي النبيون)) (12) .
وعن عبد الرحمن بن جبير قال: سمعت عبد الله بن عمرو بن العاص يقول: ((خرج علينا رسول الله، صلى الله عليه وسلم، يوماً كالمودع فقال: أنا محمد النبي الأمي - ثلاثاً- ولانبيبعدي)) (13) .
وقال رسول الله، صلى الله عليه وسلم: ((إن الله لم يبعث نبياً إلا حذر أمته من الدجال، وأنا آخر الأنبياء، وأنتم آخر الأمم، وهو خارج فيكم لا محالة)) (14)
وقال رسول الله، صلى الله عليه وسلم:((لا نبي بعدي ولا أمة بعد أمتي)) (15) .
وعن ثوبان قال: قال رسول الله، صلى الله عليه وسلم: ((.. وإنه سيكون في أمتي كذابون ثلاثون، كلهم يزعم أنه نبي، وأنا خاتم النبيين لا نبي بعدي)) (16) .
إن هذه النصوص وغيرها تبين لكل ذي عينين وعقل صريح وقلب سليم، أنه لا نبي بعد رسول الله، صلى الله عليه وسلم، وأن سلسلة الأنبياء قد انتهت به، وأن كل من ادعى النبوة في حياته أو بعد مماته إنما هو كذاب ضال مضل.. فهذه النصوص النبوية تجزم بما لا يدع مجالاً للشك أن رسول الله، صلى الله عليه وسلم، هو النبي الخاتم، وقد انقطع الوحي بوفاته، صلى الله عليه وسلم.
يقول الإمام أبو حامد الغزالي رحمه الله: "إنالأمةفهمتبال جماعمنهذااللفظ أي ((لا نبي بعدي)) (17) ومن قرائن أحواله أنه أفهم عدم نبي بعده أبداً، وإنه ليس فيه تأويل ولا تخصيص، فمنكر هذا لا يكون إلا منكر الإجماع" (18) .
وقال الزمخشري: "فإن قلت كيف كان آخر الأنبياء وعيسى ينزل في آخر الزمان؟ قلت: معنى كونه آخر الأنبياء أنه لا ينبأ أحد بعده، وعيسى مما نبئ قبله، وحين ينزل، ينزل عاملاً على شريعة محمد مصلياً إلى قبلته كأنه بعض أمته" (19) .
وقال البيضاوي في تفسيره: "محمد، صلى الله عليه وسلم، آخر أنبياء الذي ختمهم أو ختموا به، ولا يقدح فيه نزول عيسى بعده، لأنه إذا نزل كان على دينه" (20) .
وإن المسلم يجب أن يكون معتقداً اعتقاداً جازماً بأن رسول الله، صلى الله عليه وسلم، هو خاتم الأنبياء، وإن عدم الإيمان بختم النبوة بمحمد، صلى الله عليه وسلم، فهذا جزم بأن صاحب هذا الاعتقاد كافر وليس بمسلم على الإطلاق، فالإيمان بختم النبوة من المسلمات ومن الأمور المعروفة في الدين بالضرورة.

وقد ادعى رجل في عصر الإمام الأعظم أبي حنيفة النبوة وقال أنه عنده دليل على صحة نبوته فقال الإمام الأعظم رضي الله عنه: من طلب منه الدليل فقد كفر، لأن رسول الله، صلى الله عليه وسلم،قال في الحديث الصحيح: ((لا نبي بعدي)) (21) .
المطلب السادس: إجماع الصحابة

ولقد أجمع الصحابة، رضوان الله عليهم، بعد وفاة رسول الله، صلى الله عليه وسلم، على أنه النبي الخاتم بدليل أنهم أنفسهم الذين نقلوا إلينا أحاديث ختم النبوة بمحمد، صلى الله عليه وسلم، وهم الذين أجمعوا على قتال المتنبئين بعد وفاته، صلى الله عليه وسلم.
وعن ابن أبي أوفى، رضي الله عنه، لما سئل عن إبراهيم ابن النبي، صلى الله عليه وسلم، قال:((مات صغيراً ولو قضى أن يكون بعد محمد، صلى الله عليه وسلم، نبي عاش ابنه، ولكن لا نبي بعده)) (1) .
ويقول القاضي عياض: "أخبر، صلى الله عليه وسلم، أنه خاتم النبيين، لا نبي بعده، وأخبر عن الله تعالى أنه خاتم النبيين، وأنه أرسل كافة للناس، وأجمعت الأمة على حمل هذا الكلام على ظاهره، وأن مفهومه المراد منه دون تأويل و تخصيص" (2) .
ويقول الآلوسي في تفسيره روح المعاني: "وكونه ، صلى الله عليه وسلم، خاتم النبيين مما نطق به الكتاب، وصدعت به السنة، وأجمعت عليه الأمة، فيكفر مدعي خلافه، ويقتل إن أصر" (3) .
ولقد أراد الله أن يفضح القادياني ويكشف ستره وكذبه، فبان ذلك جلياً في نبوءاته الكاذبة، وهذا طرف من أكاذيبه.
المطلب الثامن: كذب القادياني في نبوءاته

وبعد أن أثبت لنفسه النبوة كان حتماً عليه أن يخبر بالمغيبات على طريقة الرسل الذين يطلعهم الله على غيبه لمصلحة يعلمها عز وجل.
فكان الغلام إذاً على نفس المسلك، ولكن كان بينه وبين المسلك النبوي كما بين السماء والأرض.
لقد ظن الغلام أنه بمجرد الإخبار بالمغيبات تثبت نبوته، وتناسى مصداق ما يخبر به النبي ووقوعه على وفق ما أخبر، ولقد خانه الحظ السعيد في أغلب أخباره فكانت تأتي النتائج سلبية وبعكس ما يخبر به تماماً مرة بعد مرة، ولقد عانى هموماً شديدة من ذلك، إلا أنه كان يحاول إخفاء ذلك بشتى الأجوبة والحيل لتغطية الفشل الذريع الذي كان يمنى به، ولكنه كان من الثبات بمكان؛ فلا يفشل في خبر إلا وقد جاء بغيره على طريقة الكهان الذين يصدقون في كل مائة كذبة مرة واحدة، لتكون منطلقاً لنشرها بين الناس.
وتنبؤاته كثيرة ومتنوعة، بعضها يعود إلى حياته الشخصية وبعضها إلى غيره من الناس، وبعضها إلى الأحوال الطبيعية والتغيرات المستمرة في الكون، وقد قال في بيانه لكثرتها وفي بيان أنها كلها إلهام: (وأنهاأنباءكثير منهاذكرناومنها منذكر،وكفىهذاا قدرللأتقياء) (2) .
وفيمايلينذكربعض تلكالإلهاماتالت يجاءبهاللتدليلع لىنبوتهومنها:
1 - قصةغراميةحصلتله - لا يهمنا منها إلا جانب واحد، ومفاد هذه القصة أن الغلام أحب امرأة تسمى محمدي بيكم بنت الميرزا أحمد بك، وهو ابن خاله. خطبها الغلام بعد أن زعم أن الله أوحى إليه أنها ستكون زوجة له، وأن الله وعده بذلك، والله لا يخلف الوعد، وتحدى على ذلك كل من أراد أن يحول بينه وبين الزواج بها، وجاء بإلهامات وأخبار طويلة، وأن الذي يتزوجها غيره لا بد وأن يموت في خلال سنتين.
وخاب أمله ورفض والدها أن يزوجها منه رغم ما بذل في تحقيق ذلك، ورغم هذه الصولات والجولات فقد وقع المحذور وتزوجت هذه المرأة من غيره، وأنجبت له أولاداً وعاش زوجها عيشة هنيئة سنين عديدة، ومات الغلام وهو يتحدى من يشككه في إخبار الله له، وصدق عليه قوله حين قال متحدياً:
(إنلميتحققهذاال بأفأكونأخبثالخ ثاءأيهاالحمقى) (3) ،يخاطبمخالفيه. بلوأكدأنهذاالخب رهومعيارلصدقهمن كذبه (4) ، فقد مات ولم يتزوجها لا هو ولا أحد من أقربائه.
2 - نبوءتهعننفسهبأن هلايموتحتىيتجاو زسنة 1920م،ثم مات سنة 1908م (6) .
3 - نبوءتهعنرجلاسمه عبدالحكيممنالمس لمين،ناظرهفغضبا لغلاموزعمأنهأوح يإليهأنعبدالحكي مسوفلايعيشطويلا ،بليموتفيحياةال قادياني،فكانتال نتيجةبالعكس؛إذم اتالكذابمنهمافي حياةالصادقكماهو تعبيرالقادياني، وعاشعبد الحكيم بعد موت الغلام زمناً (7)
4 - قصةمناظرتهمعالش يخثناءاللهالأمر تسريودعاؤهأنيهل كاللهالكاذبمنهم افيحياةالصادقبم رضخطيرمثلالكولي راأوغيرها؛فاستج اباللهدعاءهوأما تالكاذب–الغلام - وبقيالشيخثناءال لهبعدهمدةطويلة (8) .
6 - ومنأكاذيبنبوءته أنالطاعونلايمكن أنيصلقاديانمادا مفيهارسوله - أييقصدنفسه - حتىولواستمرالطا عون سبعين سنة (9) ، فكذبه الله ودخل الطاعون قاديان وفتك بهم، بل ودخل بيت الغلام نفسه، وكانت وفاته به، مع أن الطاعون آنذاك لم يعم البلاد والقرى المجاورة لقاديان كلها، قال في ضميمة الوحي: (وآيةلهأناللهبش هبأنالطاعونلاي خلدارهوأنالزلا للاتهلكه، وأنصاره، ويدفع الله عن بيته شرهما) (10) . وقال أيضاً:
(وجعلاللهدارهحر اًآمناً،مندخله حفظمنالطاعونوم مسهشيءمنالأذى) (11) .
يذكر الأستاذ إلهي إحسان ظهير هذه النبوءة من نبوءاته الكاذبة: "من نبوءاته أنه ولد له ولد بتاريخ 14 يونيو سنة 1899م، وسماه "مبارك أحمد" وبعد ولادته بأيام، أعلن المتنبئ: "إن هذا الولد نور من نور الله، ومصلح موعود، وصاحب العظمة والدولة، ومسيحي النفس، ومشفي الأمراض، وكلمة الله، وسعيد الحظ، وهذا يشتهر في أنحاء العالم وأطرافها، يفك الأسارى، ويتبرك به الأقوام (الغلام القادياني، ترياق القلوب/ ص43)، فمرض هذا الولد سنة 1907م، أي بعد ولادته بثماني سنوات، فاضطرب غلام أحمد أيما اضطراب، لأنه كان قد أعلن أن هذا الولد يكون كذا وكذا، فعالجه بكل علاج ممكن، وفي تاريخ 27 أغسطس 1907م حينما خف مرضه أعلن المتنبئ : "ألهمني الله بأنه قد قبل الدعاء، وذهب المرض، ومعنى هذا أن الله قبل الدعاء، ويشفي مبارك أحمد : "بدر" جريدة قاديانية 29 أغسطس 1907م".
وما أن أعلن المتنبئ القادياني هذا الافتراء على الله حتى عاد المرض من جديد، وفي 16 سبتمبر سنة 1907م، مات هذا المصلح الموعود، وصاحب العظمة والدولة، مشفي الأمراض، ومسيحي النفس، والذي كان الأقوام منتظرة له حتى يفك الأسارى ويضع عنهم إصرهم والأغلال التي كانت عليهم" (15) . (17)

وقد بدأ القاديانيون يفسرون تلك النبوءات تفسيرات وتأويلات متكلفة؛ ليوهموا الناس بصدق غلامهم، كما أن الغلام نفسه وبعد أن ذاق الأمرين من تنبؤاته الكاذبة سلك مسلكاً آخر لتنبؤاته؛ وهو أنه إذا سمع بحادثة ما زعم على الفور أنه كان قد تنبأ بها، وأخبر بها قبل وقوعها وكل كاذب يجد من يصدقه، ولكل صوت صدى.
وفي كتابه (ضميمة الوحي) تنبأ في أكثر من مكان بأن الناس سيأتون إليه في قاديان أفواجاً، فقال عن نفسه عن طريق الإلهام: (ويعانمنحضرةالك رياء، وتأتيه من كل فج عميق أفواج بعد أفواج، كبحر مواج حتى يكاد أن يسأم من كثرتهم ويضيق صدره من رؤيتهم ويروعه ما يروع العايل المعيل عند كثرة العيال وحمل الأعباء وقلة المال) (16) (1404).
فكانتالنتيجةعكس ذلك: (حوربتالقادياني منقبلالمسلمينف الهندوباكستان حرباً شعواء، وخرجت مهزومة محكوم عليها بالارتداد والكفر بالله، ولم تنتشر إلا في بلدان نائية بين جهلة المسلمين وعوامهم.
هذا ولم يزل القاديانية إلى الآن يصدقون مثل هذه الأكاذيب ويحاولون نشرها في أوساط المسلمين بلا حياء ولا خجل من الكذب الصراح والإفك المبين نسأل الله السلامة والعافية