الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه ومن اتبع هداه
أما بعد :
فقد تكلم السبكي في سيفه الصقيل ناطقاً بلسان أصحابه الأشاعرة يزعم أن رواة الحديث ظهر فيهم رجال ظاهرهم الصلاح والعلم والدعوة إلى الله , وباطنهم الضلال والكذب والمكر ؛ اندسوا " بين صالحي رواة الأعراب ومواليهم !!" ليدخلوا ما اختلقوه من مرويات بين مروياتهم ، (هكذا أطلق الإمام المحقق الأمر على عواهنه فلم يسمّ شخصاً من هؤلاء الدخلاء الأشرار) ثم زعم أن هذه المرويات راجت عند سذج أهل الحديث , بل صنف بعضهم فيها تصانيفاً،


والمقصود أصالة بهذه الأحاديث التي احمرَّ أنف السبكي منها (أحاديث الصفات)،


وسيأتي إن شاء الله شيئا من نصِّ كلامه ، وسأذكر من المقصود بهؤلاء السذج إن شاء الله ،


رب يسر وأعن برحمتك يا كريم :


فهذه الورقة أكتبها دفاعاً عن نصوص الصفات من مطاعن الجهمية , التي كانت دافعاً لهم إلى التنقص من جناب الصحابة والأئمة رواة الحديث من أجل إسقاطها والتي حمل لواءها في زماننا الكوثري ، وسأذكر إن شاء الله أربعاً من طبائع وأحوال هذه النصوص يتبين بها للجهمية وهن مسعاهم وتقلب سحرهم عليهم ،


فأولاً : تواتر الأدلة الشرعية بمجموعها وتنوعها في الإشارة على الصفات،
كثرة الأدلة المشيرة إلى وجود صفات ، فمثلاً أدلة تثبت العلو وأخرى تثبت الكلام ,
وأخرى تثبت السمع , والبصر , والغضب , والضحك , والحنان .. إلى آخره. وجود هذه الأدلة كلها مع صدق المتكلم بها وقوة بيانه ، وأن الكتاب الذي جاءت فيه وصف بأنه "تبياناً لكل شيء" وأنه "قرآناً عربياً غير ذي عوج" وأن الذي نُقِلَ لنا على لسانه "لا ينطق عن الهوى" ؛ ومع عدم وجود أدلة صحيحة صريحة تناقض هذه الأدلة التي بين أيدينا , كل هذا يعطي ؛ يقيناً قوياً بوجود هذه الصفات حقيقة . "ثم ليس فى كتاب الله ولا في سنة رسوله ولا عن أحد من سلف الأمة لا من الصحابة ولا من التابعين لهم باحسان ولا عن الأئمة الذين أدركوا زمن الأهواء والإختلاف حرف واحد يخالف ذلك لا نصاً ولا ظاهرا"(١)


ثانياً : غالب الصفات التي وردت في الآثار منصوص عليها في القرآن،
فمسلك ردّ الأحاديث بأنها آحاد ، لمجرد أنها خالفت العقل الذي حوكمت عنده لا فائدة من ورائه !! ؛ إذ أن كثيراً من الأحاديث التي ستُردّ بهذه الطريقة يوجد ما يعضدها من القرآن ، وليس للمخالف إلا أن يعود إلى مسلك التأويل وصرف الظاهر المتبادر إلى الأذهان وهو الذي رددنا عليه في النقطة الأولى. وهذه النقطة مبطلة أيضاً لأسطورة وجود أحاديث دسها الملاحدة في كتب أهل الحديث !! إذ أن عامة الأحاديث المقصودة موجودة شواهدها في القرآن ،




ثالثاً : أخذنا ديننا عن هؤلاء الصحابة .. منهم رضوان الله عليهم أخذنا علم الطهارة والصلاة والزكاة والحج والعلم بالله تعالى وصفاته فهم الذين عايشوا النبي صلى الله عليه وسلم فحفظوا لنا منه هذه العلوم , ووصاهم النبي صلى الله عليه وسلم تبليغها من بَعدَهم , ثم أخذها عنهم التابعون كل مدرسة تروي أحاديث معلمها و كثيراً ما يحصل بين المدارس اتفاق من غير تواطؤ على أخبار معينة ،
قال عباد بن العوام : قدم علينا شريك فسألناه عن الحديث ، "إن الله ينزل ليلة النصف من شعبان " ,
قلنا : إن قوماً ينكرون هذه الأحاديث يعني أحاديث الصفات- ،
قال : فما يقولون ؟ , قلنا : يطعنون فيها ! ،
فقال : إن الذين جاءوا بهذه الأحاديث هم الذين جاءوا بالقرآن وبأن الصلوات خمس وبحج البيت وبصوم رمضان فما نعرف الله إلا بهذه الأحاديث !!.اهـ
فأخذ علم الفروع عن هؤلاء وترك علم الأصول تناقض وتحكّم !!


رابعاً : أحاديث الصفات كتبها ورواها أئمة انتهى إليهم العلم ،
فالكتب التي بين أيدينا المروي فيها أحاديث الصفات صنّفها أئمة مشهود لهم بالإمامة في الدين فأشهرها الصحيحين والمسند والموطأ ثم السنن الأربعة , وكل من هؤلاء كان عالماً بالحديث عالما بعلله وسلاسل الرجال التي رويت فيها الأحاديث ممتلئة برجال لا يُختلف في إمامتهم ، كلهم يروي هذه الأحاديث طيّب بها قلبه ، بل بعضهم يروى عنه الحديث ويروى عنه ما يؤيد الحديث من كلامه , وبعضهم يروى عنه الحديث ويروى عنه تصحيحه له واعتقاده ما فيه ،


405 - قال أبو الحسن : سمعت عبد الله يقول سمعت بعض المشايخ يقول سألوا وكيعاً عن أحاديث الرؤية فحدث بها ، ثم قال : « غموا الجهمية بهذه الأحاديث » مرتين ،
قال عبد الله بن أحمد : سئل عما روي في الكرسي وجلوس الرب عز وجل عليه ؟
رأيت أبي رحمه الله يصحح هذه الأحاديث أحاديث الرؤية ويذهب إليها وجمعها في كتاب وحدثنا بها .اهـ


قال رحمه الله : 509 - حدثني أبي ، نا وكيع ، بحديث إسرائيل عن أبي إسحاق ، عن عبد الله بن خليفة ، عن عمر رضي الله عنه قال : « إذا جلس الرب عز وجل على الكرسي » فاقشعر رجل سماه أبي عند وكيع فغضب وكيع وقال : أدركنا الأعمش وسفيان يحدثون بهذه الأحاديث لا ينكرونها .


فعمّن أخذتم أنتم دينكم ؟!
فانظر كيف ردّ وكيع على من احمر أنفه من حديث الجلوس , وكيف استدل عليه بقبول الأعمش وسفيان لها ؛


فمن أنت حتى تـنكر ؟!
فكيف بالأشاعرة الذين شابت مفارقهم من أحاديث العلو والكلام وسائر صفات الأفعال ؟!!


"فإن حقيقة الأمر على ما يقوله هؤلاء أنكم يا معشر العباد لا تطلبوا معرفة الله عز و جل وما يستحقه من الصفات نفياً وإثباتاً لا من الكتاب ولا من السنة ولا من طريق سلف الأمة ؛ ولكن انظروا أنتم فما وجدتموه مستحقاً له من الصفات فصفوه به , سواء كان موجوداً في الكتاب والسنة أو لم يكن ، وما لم تجدوه مستحقاً له في عقولكم فلا تصفوه به "(٢)


قال الإمام عثمان بن سعيد الدارمي رحمه الله : فَيُقَالُ لِهَذَا الْمُعَارِضِ: لَقَدْ تَأَوَّلْتَ حَدِيثِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَى خِلَافِ مَا أَرَادَ، إِنَّمَا قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "سَيَفْشُو الْحَدِيثُ عَنِّي" عَلَى مَعْنَى أَنَّهُ يَتَدَاوَلُهُ الْحُفَّاظُ مِنَ النَّاسِ وَالصَّادِقُ، وَالْكَاذِبُ، وَالْمُتْقِنُ، وَالْمُغَفَّلُ، وَصَدَقَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. قَدْ تَبَيَّنَ مَا قَالَ فِي الرِّوَايَاتِ، وَلِذَلِكَ ينتقدها أهْلُ الْمَعْرِفَةِ بِهَا، فَيَسْتَعْمِلُو نَ فِيهَا رِوَايَةَ الْحُفَّاظِ الْمُتْقِنِينَ، وَيَدْفَعُونَ رِوَايَةَ الْغُفَلَاءِ النَّاسِين ، وَيُزِيِّفُونَ مِنْهَا مَا رَوَى الكذَّابون. وَلَيْسَ إِلَى كُلِّ أَحَدٍ الِاخْتِيَارُ مِنْهَا، وَلَا كُلُّ النَّاسِ يَقْدِرُ أَنْ يَعْرِضَهَا عَلَى الْقُرْآنِ، فَيَعْرِفَ مَا وَافَقَهُ مِنْهَا مِمَّا خَالَفَهُ، إِنَّمَا ذَلِكَ إِلَى الْفُقَهَاءِ، الْعُلَمَاءِ الْجَهَابِذَةِ النُّقَّادِ لَهَا الْعَارِفِينَ بِطُرُقِهَا وَمَخَارِجِهَا، خِلَافَ الْمَرِيسِيِّ وَاللُّؤْلُؤِيِ ّ وَالثَّلْجِيِّ وَنُظَرَائِهِمُ الْمُنْسَلِخِين َ مِنْهَا، وَمِنْ مَعْرِفَتِهَا، وَمِمَّا يُصَدِّقُهَا مِنْ كِتَابِ اللَّهِ تَعَالَى فَقَدْ أَخَذْنَا بِمَا قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَلَمْ نَقْبَلْ مِنْهَا إِلَّا مَا رَوَى الْفُقَهَاءُ الحفَّاظ الْمُتْقِنُونَ، مِثْلُ: مَعْمَرٍ , وَمَالِكِ بْنِ أَنَسٍ, وَسُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ ، وَابْنِ عُيَيْنَةَ ، وَزُهَيْرِ بْنِ مُعَاوِيَةَ ، وَزَائِدَةَ , وشَرِيكٍ ، وَحَمَّادِ بْنِ زَيْدٍ ، وَحَمَّادِ بْنِ سَلَمَةَ ، وَابْنِ الْمُبَارَكِ ، وَوَكِيعٍ ، وَنُظَرَائِهِمُ الَّذِينَ اشْتَهَرُوا بِرِوَايَتِهَا وَمَعْرِفَتِها وَالتَّفَقُّهِ فِيهَا خِلَافَ تَفَقُّهِ الْمَرِيسِيِّ، وَأَصْحَابِهِ، فَما تَدَاوَلَ هَؤُلَاءِ الْأَئِمَّةُ وَنُظَرَاؤُهُمْ عَلَى الْقَبُولِ قَبِلْنَا، وَمَا رَدُّوهُ رَدَدْنَاهُ، وَمَا لَمْ يَسْتَعْمِلُوهُ تَرَكْنَاهُ، لِأَنَّهُمْ كَانُوا أَهْلَ الْعِلْمِ وَالْمَعْرِفَةِ بِتَأْوِيلِ الْقُرْآنِ وَمَعَانِيهِ، وَأَبْصَرَ بِمَا وَافَقَهُ مِنْهَا مِمَّا خَالَفَهُ مِنَ الْمَرِيسِيِّ وَأَصْحَابِهِ، فَاعْتَمَدْنَا عَلَى رِوَايَاتِهِمْ، وَقَبِلْنا مَا قَبِلُوا، وَزَيَّفْنَا مِنْهَا مَا رَوَى الْجَاهِلُونَ مِنْ أَئِمَّةِ هَذَا الْمُعَارِضِ، مِثْلِ الْمَرِيسِيِّ وَالثَّلْجِيِّ وَنُظَرَائِهِمْ .اهـ


قال السبكي : وإنما يكون التعويل في كل علم على أئمته دون من سواهم , لأنه من يكون إماماً في علم كثيراً ما يكون بمنزلة العامي في علم آخر , فإذاً لا يعول في العقائد إلا على أئمة أصول الدين لا على الرواة (البعيدين النظر) , ( وكم بينهم من يُرثى لمداركه حيث يقل عقله عن عقول الأطفال وإن بلغ في السن مبلغ الرجال ) , ( ومن طالع ما ألّفه بعض الرواة على طول القرون من كتب التوحيد والصفات والسنة والردود على أهل النظر يشكر الله على النور الذي أفاضه على عقله حتى نبذ مثل تلك الطامات بأول نظرة) .اهـ ...ما فاه به من باطل .


ومن الرواة الذين صنفوا في توحيد الله ويشملهم إطلاقه :
-البخاري (حيث ضمّن صحيحه كتاب التوحيد وذكر فيه أحاديث الصفات يرد على أهل النظر !) ,
-والدارمي عثمان بن سعيد (له كتاب الرد على الجهمية وكتاب النقض) ,
-وابن أبي حاتم ( كتاب الرد على الجهمية ) ,
-وابن خزيمة ( كتاب التوحيد ) ,
-والدارقطني (كتاب الصفات , كتاب النزول , كتاب رؤية الله ) !! وغيرهم كثير










﴿ فوربك لنسألنهم أجمعين عما كانوا يعملون ﴾


ـــــــــــــــ ـــــــــــــــ ـــــــــــــــ ـــــــــــــــ ـــــــــــــــ ـــــــــــــــ ـــــــــــــــ ـــــــــــــــ ـــــــــــــــ ـــــــــــــــ ـــــــــــــــ ـــــــــــــــ ـــــــــــــــ ـــــــــــــــ ـــــــــــــــ ـــــــــــــــ ـ
(1) مجموع فتاوى ابن تيمية مجموع الفتاوى 5/16
(2) مجموع فتاوى ابن تيمية 5/16
(3) نقض الدارمي
(4) السيف الصقيل 12
ـــــــــــــــ ـــــــــــــــ ـــــــــــــــ ـــــــــــــــ ـــــــــــــــ ـــــ
أتممته بحمد الله يوم الإثنين ١٦ / جمادى الآخرة ، بعد منتصف الليل.

كتبه : نواف الشمري