ذهب الزمخشري الى تقسيم البغي الى بغي بغير الحق وهو المعروف , وبغي بالحق
وذلك من مفهوم الخطاب في قوله عزوجل (اذا هم يبغون في الأرض بغير الحق )
والبغي هو الترقي في الفساد و الفساد لا يمكن أن يقع بالحق ولو كان حقا لكان محمودا لكن الفساد والافساد كله مذموم
لكن ذهب الزمخشري الى هذا التقسيم , ومثل بالبغي الذي يكون حقا فعل الصحابة حين حرقوا زروع بني قريظة وقطعوا نخيلهم , فقال

(مَا مَعْنَى قَوْلِهِ بِغَيْرِ الْحَقِّ، وَالْبَغْيُ لَا يَكُونُ بِحَقٍّ؟ (قُلْتُ) : بَلَى وَهُوَ اسْتِيلَاءُ الْمُسْلِمِينَ عَلَى أَرْضِ الْكَفَرَةِ، وَهَدْمُ دُورِهِمْ، وَإِحْرَاقُ زُرُوعِهِمْ، وَقَطْعُ أَشْجَارِهِمْ كَمَا فَعَلَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِبَنِي قُرَيْظَةَ ))انْتَهَى

لكن لا يصح أن يقال عن المسلمين أنهم بغاة على الكافرين
فان كان الله تعالى قد أهدر دماءهم وصار للمسلمين سلطان عليهم , فعلى أموالهم أولى
فاستيلاؤهم على أرض الكفرة ليس بغيا بل هو مما أحل لهذه الأمة من الغنائم
أما قطع الأشجار فهي حادثة خاصة قد أذن الله تعالى لهم في ذلك , ولم يأذن لغيرهم
(ما قطعتم من لينة أو تركتموها قائمة على أصولها فباذن الله وليخزي الفاسقين )
وما أذن فيه الشارع فليس بغيا ولا تعد وانما البغي هو فعل ماحرمه ومنع منه

فان قيل لم وصف الله تعالى اذا البغي (بغير الحق ) ؟
فالجواب أن هذا تأكيد للبغي وكشف لحاله
وهو كقولك ( بغيا كبيرا) أو (يبغون في الأرض ظلما وعدوانا ) فهو وصف مؤكد له أو حال مؤكدة
وذلك مثل قوله عزوجل (ويقتلون النبيئين بغير الحق)
فقتلهم لا يكون أبدا بحق , وهذا توكيد لصفة القتل وأنه يقع بالباطل وبالعدوان والظلم
لكن قتل غيرهم قد يقع بالحق (و لا يقتلون النفس التي حرم الله الا بالحق)
فمن القتل بالحق , القتل من الردة والقصاص .

ويمكن أن يجاب عن ذلك أيضا بأن هذه صفة كاشفة وليس صفة مقيدة ومخصصة
يعني أن البغي كله يقع بغير حق فهذه صفة كشفت عن معنى البغي وأنه لا يقع الا هكذا
ولو كان فيها معنى التقييد أو الاستثناء لقال (الا بالحق ) , وهذا يكون في معرض النفي
كما قال سبحانه وتعالى (ولا يقتلون النفس التي حرم الله الا بالحق )
فهذا تقييد واستثناء لأنه يوجد قتل بالحق كالقصاص والرجم .
وهذا كقوله تعالى (ومن يدع مع الله الها آخر لا برهان له به فانما حسابه عند ربه)
فقوله عزوجل (لا برهان له) صفة كاشفة
فكل من يشرك بالله ليس له برهان ولا سلطان ولا بينة على شركه هذا

فليس لها مفهوم مخالفة ,