الشاعر معروف الرصافي

بقلم د. فالح الكيلاني

هو معروف عبد الغني الرصافي البغدادي.
ولد ببغداد سنة\ 1294 هجرية\ 1875 ميلادية ودرس في الكتاتيب في بغداد ومن ثم في المدرسة الرشيدية .

درس الادب العربي في جامع الفضل الكائن في محلة الفضل في شارع الكفاح حاليا حيث أتصل بالشيخ العلامة محمود شكري الألوسي ولازمهُ أثنتي عشرة سنة، وتخرج عليهِ وكان يرتدي العمامة وزي علماء الدين وسماهُ شيخهُ الألوسي (معروف الرصافي) ليكون معروفا في الصلاح والشهرة والسمعة الحسنة، مماثلا لمعروف الكرخي .

عين الرصافي معلماً في مدرسة الراشدية التي أنشأها الشيخ عبد الوهاب النائب شمال الأعظمية، ثم انتقل ليكون مدرساً للأدب العربي في الأعدادية المركزية ببغداد، أيام الوالي نامق باشا الصغير عام \ 1902ميلادية ، وظل فيها حتى أعلان الدستور العثماني عام \ 1908ميلادية .



ومن دواعي الصدف انه قدم الى مدينة بلدروز عن طريق النهروان من جنوب بغدادعام \ 1908 ممتطيا جوادا والتزم الطريق الى عشيرة ( الداينية ) الساكنة في جنوب بلدروز ووالتي تبعد عن بغداد قرابة \50 كم في الجنوب الشرقي لمدينة بغداد بينما الطريق من مدينة بلدروز الى بغداد قرابة مرورا بناحية كنعان ومدينة بعقوبة ومنطقة خان بني سعد قرابة\ 120 كم وكان قد حمل معه الى شيخها ( هاون ) كبير وزنه 20 كغم لايزالون يحتفظون به . وكان قد مدح شيخ عشيرة الداينية انذاك (الحاج عبعوب بن محمد المطلك ) بقصيدة زودني بها صديقي العزيز قبل عدة ايام ابنه ( الحاج بدر عبعوب) الساكن قريبا من داري الحالية في الحي العصري في بلدروز ويحتفظ بها في بيته منها هذه الابيات :

الدهر بين في كتاب شهادة
بالنور فوق جبينه مسكوب

ان السماحة والشجاعة والعلى
جمعت لعمري في عبعوب

شهم تولع بالعطاء بنـانه
مثل الرياح تولعت بهبوب

اسد نمت لآل قيس في العلى
اباء مجد ليس بالمكذوب

ورث المكارم كل يوم في الورى
بسمو بعارم عزمه المرهوب

مازال يوقد كل يوم في الورى
نارين نار قرى ونار حروب

يهدي جموع المدلجين لبيته
في الليل ضوء لهيبها الشبوب

خلقت من الحسب الصيم اكفه
لجناب سابقة وكشف كروب

حمدت وقائعه السيوف بكفه
والخيل كل مطـهم يعـبوب

يلقى الفورس والسكينة ورعه
ويخوض غمرالموت غير هيوب

ان يشن فوق ظهورهن اغارة
ترك العدو بلوعة المحروب

فخر الكرام على المكارم والندى
قامت دعائم بيته المضروب

للجود مغلوبا تراه ولم يكن
للجيش في الغزوات بالمغلوب

يتفقد الاضياف ملئ دياره
عند الصباح وعند كل غروب

كالعبد يخضع للضيوف وانه
في القوم اكبر سيد مهيوب

عم الارامل واليتامى بسيبه
فغدت تعيش بماله الموهوب

خلق الكريم ابن الكرام محمد
لسرور محزون جبر قلوب

تا الله لوكان الكرام بلاغة
كان الكريم العجز الاسلوب


سافر الارصافي إلى اسطنبول لعله يحضى برعاية الحكومة العثمانية الا انه لم يحظ برعايتها فرجع الى بغداد ثم عين مدرساً لمادة اللغة العربية في الكلية الشاهانية ومحرراً لجريدة( سبيل الرشاد ) والتي كانت تصدر في بغداد عام \1909ميلادية .

انتخب عضوا في مجلس( المبعوثان ) العثماني مرتين في عامي \1912 و\1914 ميلادية وكذلك انتخب عضوا في مجلس النواب العراقي مرات عديدة .


ثم اشتغل مدرسا في دار المعلمين العالية ببغداد و مفتشا في وزارة المعارف العراقية الا انه عزف عن العمل الحكومي . وبعد ذلك عاش منزويا في داره وقد حاق به الفقر في اخر ايامه حتى قيل انه قام ببيع السكاير المفردة للعيش مما تدره عليه لعدم تمكنه من العمل ولا يوجد له من يعيله في كبر سنه .

عين مدرساً في دار المعلمين في القدس عام \1920م، وعاد إلى بغداد عام\ 1921م.


وعندما احتل الإنجليز العراق سنة 1920\م، سرعان ما نصّبوا فيصل بن الحسين ملكاً على البلاد وأصدروا دستورا وأنشأوا برلمانا وأصبحت أمور البلاد بأيديهم فثار الشعب العراقي بوجه الاستعمار البريطاني وفي قدمة الثائرين الشاعر الرصافي حيث كانت قصائده تلتهب نارا ثورية مستعرة لتحرق ظهور الاستعمار واعوانه وقد هزأ بسخرية من الانكليز واذنابهم ومما قاله قصيدته الفائية قوله :

علم ودستور ومجلس أمة
كل عن المعنى الصحيح محرّف

أسماء ليس لنا سوى ألفاظها
أما معانيها فليست تعرف

من يقرأ الدستور يعلم أنه
وفقا لصك الانتداب مصنف

فالدستور الذي سن في نظره ما هو إلا وثيقة جديدة للانتداب الذي فرضه الإنجليز على العراق، دستور مزيف وعلم الدولة مزيف هو الآخر، وحتى المجلس الذي يسمى ب(مجلس الأمة ) أيضا كان مزيفا، ثم نلاحظ الشاعر الرصافي يصرخ ساخرا ليقول:

يا قوم لا تتكلموا
إن الكلام محرم

ناموا ولا تستيقظوا
ما فاز إلا النوم

وتأخروا عن كل ما
يقضي بأن تتقدموا

ودعوا التفهم جانبا
فالخير أن لا تفهموا

أما السياسة فاتركوا
أبـدا ً ولا تنـدموا

سافر إلى الإستانة( استانبول ) عام \ 1922م، وعاد إلى بغداد عام \ 1923م، وأصدر فيها جريدة (الأمل) وأنتخب عضواً في مجمع اللغة العربية في دمشق، عام \ 1923م، وبعد ذلك عين مفتشاً في مديرية المعارف ببغداد عام \ 1924م، ثم عين أستاذاً في اللغة العربية بدار المعلمين العالية عام \ 1927ميلادية .

عاصر معروف الرصافي الشاعرَ العراقي جميل صدقي الزهاوي وقد دعى كلاهما إلى تحرير المرأة ونزع الحجاب (العباءة) التي كانت ولا تزال مستخدمة في العراق..

اختلف الرصافي والزهاوي وتشنج احدهما من الاخر كثيرا واختلفت الاراء الا ان هذه الحالة كللت بالصلح بينهما قبل وفاتهما

في جلسة حيث أصلح بينهما السيد ( محمود صبحي الدفتري ) في داره في الحيدرخانة ببغداد وقد حضر الجلسة المفكرون ورجال الثقافة منهم \ عبد العزيز الثعالبي وروفائيل بطي وفؤاد السمعاني والعلامة محمد بهجت الأثري.

ارتحل الرصافي من بغداد الى الفلوجة التي تبعد عنها قرابة \80كم بعد أن سئم الحياة في بغداد، ونزل في ضيافة ( آل عريم )، الذين أنزلوه أحد منازهم المطلة على نهرالفرات وهيؤا له الجو المكناسب ليتفرغ للمطالعة والكتابة فكان يمضي فترة الصباح حتى الظهر بالكتابة .

اجتمع الملك فيصل الاول مع الرصافي في مجلس عام فعاتبه الملك على بيته الشعري الذي يقول فيه:
( يعدد أياماً ويقبض راتباً)
فقال له: (يامعروف أنا الذي أعدد أياماً وأقبض راتباً ؟)
فأجابه الرصافي :
( أرجو أن لا تكون كذلك ياصاحب الجلالة ).


اشتغل الرصافي في دار المعلمين العالية ببغداد و مفتشا في وزارة المعارف العراقية الا انه عزف عن العمل الحكومي بعد ذلك وعاش منزويا في داره وقد حاق به الفقر في اخرايامه حتى قيل انه قام بيع السكاير المفردة للعيش مما تدره عليه لعدم تمكنه من العمل ولا يوجد له من يعيله في كبر سنه .

توفي الرصافي بدارهِ في محلة السفينة في الأعظمية ببغداد ليلة الجمعة في ربيع الثاني عام \1364 هـجرية الموافق للسادس عشر من مارس (آذار ) 1945ميلادية، وشيع بموكب مهيب سار فيهِ الأدباء والعلماء والأعيان ورجال الصحافة ورجال الدولة ودفن في مقبرة الخيزران ببغداد .


شيد للشاعرالرصافي نصبا تذكاريا هو تمثال كبير نصب في الساحة المقابلة لجسر الشهداء في شارع الرشيد الذي يعد افضل واحسن شوارع بغـداد عند تقاطع الشارع الاتي من صوب الكرخ عبر جسر الشهداء مع شارع الرشيد المجاور لسوق السراي ( سوق الوراقين ) من جهة الشمال والمدرسة المستنصرية الأثرية من جهة الجنوب في بغداد وسميت الساحة باسمه ( ساحة الرصافي ) و لا يزال التمثال قائما وشامخا يزين الساحة المذكورة .

يتميز شعرمعروف الرصافي بسهولة الالفاظ وجزالتها وعلو الاسلوب وبلاغته وقد اشتهر بالشعر السياسي ومقارعة الاستعمار الانكليزي كثيرا وناضل في سبيل تحرير بلده العراق وامته العربية . و برع في الوصف والغزل والمدح والفخر وحث على تاسيس المدارس والمعاهد والثورة على التأخر والانحطاط الاجتماعي .
لاحظ قصيدته اذ يقول:

ابنوا المدارس واستقصوا بها الأملا
حتى نطـاول في بنيانها زحلا

جودوا عليها بما درت مكاسبكم
وقابلـوا باحتقار كل مـن بخلا

لا تجعلوا العلم فيها كـل غايتكم
بل علموا النش‏ء علما ينتج العملا

ربـوا البنيـن مع التعليم تربية
يمسي بهـا ناطق الدنيا به المثلا

فجيشوا جيش علم من شبيبتنـا
عرمرما تضـرب الدنيا به المثلا

أنا لمن أمة في عهد نهضتنا
بالعلم والسيف قبلا انشات دولا

برع في الوصف والغزل والحكمة والفخر وحث على الثورة ضد التأخر والانحطاط والفقر ومن قصيدة له في وصفه لغروب

الشمس هذه الابيات :

نزلت تجرالى المغيب ذيولا
صفراء تشبه عاشقا متبولا

تهتز بين يد المغيب كأنها
صب تململ في الفراش عليلا

ضحكت مشارقها بوجهك بكرة
وبكت مغاربها الدماء اصيلا

قد حان في نصف النهار دلوكها
هبطت تزيد علىالنزول نزولا

حتى دنت نحو المغيب ووجهها
كالورس حال به الضياء حيولا

وغدت باقصى الافق مثل عرارة
عطشت فابدت صفرة وذيولا

غربت فابقت كالشواظ عقيبها
شفقا بحاشية السماء طويلا



شفق يروع القلب شاحب لونه
كالسيف ضمخ بالدما مسلو لا

يحكي دم المظلوم مازج ادمعا
هملت يها عين اليتيم همو لا

رقت اعاليه واسفله الذي
في الافق اشبع عصفرا محلو لا



امير البيــــــان العربي
د . فالح نصيف الحجية الكيلاني
العراق- ديالى - بلــــــــــد روز



-----------------------------------------