وفي تحقيق الحويني للصمت...

[مسترشدي]

في كتاب "الصمت" لابن أبي الدنيا، بتحقيق أبي إسحاق الحويني (ص 308):
((حَدَّثَنِي مَـحْمُودُ بْنُ مُـحَمَّدِ بْنِ مَـحْمُودِ بْنِ عَدِيِّ بْنِ يَاسِينَ بْنِ قَيْسِ بْنِ الْـحَطِيمِ الْأَنْصَارِيُّ الظَّفَرِيُّ: حَدَّثَنَا أَيُّوبُ بْنُ عُتْبَةَ الْـقَاضِي، عَنْ يَـحْيَى بْنِ أَبِـي كَثِيرٍ، عَنْ أَبِـي سَلَمَةَ، عَنْ أَبِـي هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ (صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ): "إِنَّ اللَّهَ يُبْغِضُ الْـفَاحِشَ الْـمُتَفَحِّشَ ".))
والخطأ نفسه وقع فيه الدكتور نجم عبد الرحمن خلف في تحقيقه (ص 615).
ولو تأمّلا مخطوطة الظاهرية، لتبيّن لهمـا أنّ الصواب: "بن ثابت" لا "ياسين".
والغريب أنّ الدكتور أحال على تاريخ بغداد، ولم ينتبه للتصحيف الذي اقترفه!
والصواب أيضًا: "بن الـخطيم" بدل "الـحطيم.
وفي كلا التحقيقين لهذه الهفوات نظائر...

[أبو مالك المديني]

وفي كلا التحقيقين لهذه الهفوات نظائر...

نفع الله بكم .
لو تتحفونا بها ، بارك الله فيكم على هذا الجهد .

[أبو البراء محمد علاوة]

ولو تأمّلا مخطوطة الظاهرية، لتبيّن لهمـا أنّ الصواب: "بن ثابت" لا "ياسين".
والغريب أنّ الدكتور أحال على تاريخ بغداد، ولم ينتبه للتصحيف الذي اقترفه!
والصواب أيضًا: "بن الـخطيم" بدل "الـحطيم.

أحسنت، ولو راجعت كتب الرجال لم تجد من اسمه: (عَدِيِّ بْنِ يَاسِينَ بْنِ قَيْسِ بْنِ الْـحَطِيمِ).

[مسترشدي]

نفع الله بكم .
لو تتحفونا بها ، بارك الله فيكم على هذا الجهد .

أخي أبا مالك، لك مني جزيل الشكر لالتفاتك للموضوع قراءةً وتعليقًا.
أمّا طلبك، فيحسن بي قبل العريج عليه أن أشير إلى مسألة أرى من واجبي التنبيه إليها:
آخر جملة في كتاب "الصمت"، من كلام لابن سيرين (رحمه الله)، هي ذي:
((وَظُلْمٌ لِأَخِيكَ أَنْ تَذْكُرَهُ بِأَقْبَحِ مَـا تَعْلَمُ مِنْهُ، وَتَنْسَى أَحْسَنَهُ)).
فالإنصاف يقتضي أن نشيد بالجهد الكبير الذي بذله هذان الفاضلان (ولكلٍّ فضل في ميدان تخصّصه)، وأن نشكر لهما صنيعهما في خدمة الكتاب وتوخّي الصحة في قراءته وتوثيق أخباره. ويكفيهما فضلا أننا وصفنا ما صدر عنهما من أخطاء بأنها "هفوات". والهفوة هي الزلّة الناشئة عن التسرّع. فلا هي مقصودة لِذَاتها، ولا هي وليدة الجهل بأصول الـمشي.
ونحن إذ نشير إلى هفوات بعض الـمحققين، لا نفعل ذلك بدافع التشهي لتتبع عورات الناس، أو الحسد لهم على ما منّ الله عليهم به من فضل؛ بل هو اجتهادٌ منّا في تصويب بعض ما نراه خطأ، ومساهمة متواضعة في توخّي القراءة السليمة لتراثنا، دون أدنى تفكير في جحد جهودهم أو الانتقاص من مكانتهم العلميّة.
أمّا ما تفضّلت بالتمـاسه من أخيك العاجز الـمقصِّر، فقد جعلني أندم على بعض ما أشرتُ إليه؛ لأنني لا أخال التزاماتي تسمح لي بتحرير ما أومأتُ إليه من مآخذ.
لذا، وحتّى لا أوصم بالبخل، سأكتفي بذكر مثال واحدٍ، تأثُمـًا وتذَمُّـمـا:
في "كتاب الصمت" لابن أبي الدنيا" بتحقيق أبي إسحاق الحويني (ص 286):
((حدثني مـحمد بن الـحسين، حدثني يوسف بن الـحَكَم، أخبرنـي جعفر بن سِيدَان الأزْدِيُّ، عن أبي عبد الله الـحَرْبِي قال : سمعت بعض العلمـاء مـمن قَدِمَ علـى عمر بن عبد العزيز، رضي الله عنه، يقول: الصامتُ علـى عِلْمٍ، كالـمتكلم على عِلْمٍ، فقال عمر : إنـي لأرجو أن يكون الـمُتَكَلِّمُ علـى عِلم، أفضَلهمـا يوم القيَامةَ حالًا، وذلك أن منفعته للناس، وهذا صمته لنفسه. قالوا : يا أمير الـمؤمنين، فكيف بفتنة الـمَنْطق؟ قال: فبكى عمر، رضي الله عنه، بُكَاء شديداً.))
وفي نشرة الدكتور نـجم عبد الرحمن خلف (574):
((حدثني مـحمد بن الـحسين، حدثني يوسف بن الـحكم، أخبرنـي جعفر بن سيدان الأزدي، عن أبي عبد الله الـخرشي قال : ...))
وكان من واجب الدكتور نجم أن يراجع "حسن السمت" للسيوطي و"سيرة عمر بن عبد العزيز" لابن الجوزي، لأنّ الخبر فيهمـا، وتحقيقه إنمـا أنجزه لينال به درجة الدكتوراه (درجة ثالثة). لكن يبدو أنّه لم يفعل ذلك!
وفي "سيرة عمر بن عبد العزيز" لابن الجوزي (تحقيق محب الدين الخطيب، ص 186-187):
((قال عن أبي عبد الله الـحرشي))
أمّا نشرة محمد السعيد بسيوني زغلول لكتاب"حسن السمت" للسيوطي، ففيها:
((وأخرج ابن أبي الدنيا عن أبي عبد الله الـجرمي))
وفي نشرة أخرى للكتاب نفسه، أصدرها "أحمد محمد سليمان": ((الـخرشي)). وقال صاحبها في الحاشية رقم: 8 من الصفحة: 84:
(( في م1 زم2 "ابن عبد الله الـجرشي وفي الـمطبوعة "أبي عبد الله الـجرمي" ، والصواب: ما أثبته فراوي الأثر هو أبي عبد الله الـخرشي)).
وقد نقلتُ كلامه بنصه لئلّا يلتفت إليه باحث جادٌّ يشغله ما يشغلنا...
والذي اهتديت إليه بعد طول بحث عن ناقل كلام عمر بن عبد العزيز (رضي الله عنه) أنّه: أبو عبد الله الـحَرَسِـيُّ. والعبارة واضحة في مخطوطة الظاهرية ظهور الشمس، لا تحتاج إلى إعمال فكر أو إعنات خاطر.
والـحَرَسِيُّ: واحدُ الـحَرَسِ، وهُمْ خَدَمُ السلطان الـمرتِّبون لـحفظه وحراسته، كما جاء في "الصحاح" وغيره من الـمعاجم. ويقابل الـحرس في لغتنا الحديثة: الحرس الخاص، ويراد بذلك رجال الأمن الـمكلّفون بحمـاية صاحب السلطة. وقد يسمَّون: الـحرَس الجمهوري، أو الـمَلَكي، أو الرئاسي... إلخ.
والـحرسيّ ليس مختصًّا بالخليفة أو السلطان الأعظم، بل قد يكون للأمير أو الوالي حرَسُه. ومهمّته لا تقتصر على الحرص على أمن السلطان، بل تشمل كل ما يأمر به هذا السلطان.
وفي خبر مقتل سعيد بن جبير (رضي الله عنه): ((فقال الـحَجّاج: يا حَرَسِيُّ، اضربه ضربةً على حبل عاتقه تخالِط رئتَه)). وكان من عادته إذا أمر بقتل رجلٍ قال: ((يا حَرَسيُّ اضْرِبا عُنُقَه)).
ويروى أنّه لـمّـا أُتي الـحجّاجُ بكُمَيْل بن زيادٍ، قال لبعض الـحرس: "اضرب عنقه!" فقال الـحَرَسِيُّ: "ولـِي أجرُه؟" (يقصد مكافأة الخليفة على قتله) فغضب الـحجّاجُ وقال: "إذا قلنا إن الله تعالى ساق إلينا أجرًا نتفرَّد به، سألَنا أحدُهم أن يشركنا فيه! اضرب عنقه، ولك ثلثُ أجرِه ولي ثُلثاه". وكان عُمْر كُمَيْل، رحمه الله، يومَ مقتله تسعين عامًا. وهذه من الحجّاج دناءة ليس دونها دناءة سوى بغضه لعليٍّ رضي الله عنه...
ويؤكّد قراءتنا للمخطوط أنّ العبارة ضُبطَت على الصواب في "تاريخ دمشق" (ص 187، ج 68). وفي هذا الـموضع خبر عمر بن عبد العزيز مسندًا إلى ابن أبي الدنيا، وقبْلَه:
((حكى عنه أبو عبد الله، حَرَسِيٌّ كان لعمر بن عبد العزيز)).
وفي موضع آخر من "تاريخ دمشق" (ص 223، ج 27):
((عن جعفر بن برقان، عن أبي عبد الله الـحَرَسِيِّ، وكان مِن حَرَسِ عمر بن عبد العزيز، قال...))
وفي "بغية الطلب" لابن العديم (تحقيق سهيل زكار، ص 4506، ج 10):
((أبو عبد الله: حَرَسِـيٌّ كان لعمر بن عبد العزيز، حكى عنه. حكى عنه: جعفر بن برقان وجعفر بن سيدان الأزدي)).
وقد انشغل الشيخ أبو إسحاق الحويني بتوبيخ الدكتور نجم على باقعة أتى بها في تحقيقه، وهي اعتقاده أنّ يوسف بن الـحكم هو والد الحجّاج بن يوسف، وتـمـادى إلى حدّ الـمطالبة بنعزيره (!!)، ولم يعرِّف بأيّ رجل من الإسناد الذي كان مدار الكلام عليه! ثم حكَم على الحديث بالضعف...
وفي الطبعتين: ((قالوا : يا أميرَ الـمؤْمنين، فكيف بفتنة الـمَنْطِق؟))
وفي نسخة الظاهرية: ((قَالَ)). وهو الصواب، لأنّ القائل هو ذاك الرجل الذي وفَدَ على عمر بن عبد العزيز ووصفه الراوي بأنه "بعض العلماء"، والظاهر أنه كان من أهل الصلاح والعرفان، وعبارته التي في صدر الخبر تنمّ عن ذلك. ويؤيّد ما في الظاهرية وما رجّحناه: أنّ كافّة الـمصادر التي ذكرناها أوردت الخبرَ بعبارة "قال".
وامتثالا لحكمة هذا الرجل الربّاني عن "فتنة الـمنطق"، أظنّ أنه يحسن بنا التوقُّف عند هذا القدر، سائلين الله السداد والرشاد في القول والعمل والقصد.
والشكر الجزيل أيضًا لأخي الأستاذ الفاضل أبي حاتم ابن عاشور...

[مسترشدي]

ولم يعرِّف بأيّ رجل من الإسناد الذي كان مدار الكلام عليه! ثم حكَم على الحديث بالضعف...

وهذا كلامٌ ناجم عن طفرة يراع... فقد عرّف الشيخ أبو إسحاق ضمنًا بـمحمّد بن الـحسين البرجلاني، شيخ ابن أبي الدنيا، وكان تحدّث عنه وعن مرتبته أوّلَ الكتاب (ص 68).

[أبو مالك المديني]

كثر الله فوائدكم أستاذنا ولا حرمنا منكم.

[أبو حاتم ابن عاشور]

بارك الله فيكم أستاذنا الكريم
ونفعنا الله بعلمكم