بعد انقضاء صلاة العشاء و نحن خارجون من المسجد ناداني أحد أحبابنا بقوله : يا شيخ , يا شيخ...و رغم أني أعلم أنّه قصد بها خيرا الاّ أني لا أرى نفسي محلا لهذا اللقب و لا أريدهم أن ينادوني به خشية التزكية أو أن يقع في قلبي شيء صراحة فما كان مني الاّ أن نهيته عن ذلك فلم يفهم ما أقصد استفهمني فلم أجد الاّ اجابته بحيث أنه يقتنع بكلامي فلا يعيد الكرة فقلت له يستحضرني الان ثلاث معاني كلها سيئة لهذه الكلمة فقال لي و ماهي هذه الثلاث أنت ستدخلنا بعضنا !!!؟؟؟
قلت له:
- أول معنى لها حيث تعلقت بفاحشة الزنى -عفانا و عفاكم الله- كما في آية الرجم من سورة الأحزاب المنسوخة تلاوة لا حكما و دليل ذلك ما صحت روايته عن عمر بن الخطاب وأبي بن كعب أنهما قالا : كان فيما أنزل من القرآن : ( الشيخ والشيخة إذا زنيا فارجموهما ألبتة ) ورواه النسائي في " الكبرى " ( 4 / 271 ، 272 ).
-ثانيها قوله تعالى : ( وَمِنْكُمْ مَنْ يُرَدُّ إِلَى أَرْذَلِ الْعُمُرِ لِكَيْ لَا يَعْلَمَ بَعْدَ عِلْمٍ شَيْئًا ) النحل/ 70 /الحج 5 فأرذل العمر هو الشيخوخة مما لا شك فيه و كثيرا ما كان أبي -حفظه الله- يردد دعاءا له أصل في السنة المطهرة و ان لم يلتزم اللفظ الوارد عن الرسول صلى االله عليه و سلم الذي هو أفضل الاّ أنّه و بلهجتنا المحلية يقول دائما : " ان شاء الله قد الصحة قد العمر" أطال عمر أبي في خير.
-ثالثها أنها "شيخ " عند المحدثين أدنى مراتب التعديل و أقربها من التجريح كما روينا ذلك في متن نخبة الفكر في مصطلح أهل الاثر لمؤلف: أبو الفضل أحمد بن علي بن محمد بن أحمد بن حجر العسقلاني (المتوفى: 852هـ) -رحمه الله- حيث قال : وَأَدْنَاهَا مَا أَشْعَرَ بِالْقُرْبِ مِنْ أَسْهَلِ التَّجْرِيحِ: كَشَيْخٍ، وَتُقْبَلُُ التَّزْكِيَةُ مِنْ عَارِفٍ بَأَسْبَابِهَا، وَلَوْ مِنْ وَاحِدٍ عَلَى الْأَصَحِّ.
و أخيرا قلت له ملخصا : هذه ثلاث كلها سيئة مقابل واحدة حسنة أعلم أنّك قصدتها فأيّها تغلب الثلاثة أم الواحدة !!؟ فقال مبتسما الواحدة و أظنه أقتنع و لن يناديني بها مرة أخرى.