تابعونا على المجلس العلمي على Facebook المجلس العلمي على Twitter
الدكتور سعد بن عبد الله الحميد


النتائج 1 إلى 2 من 2

الموضوع: التفويض بين الحقيقة والتضليل

  1. #1
    تاريخ التسجيل
    Jan 2012
    المشاركات
    7,880

    افتراضي التفويض بين الحقيقة والتضليل

    التفويض قسمان:
    · تفويض للكيفية.
    · وتفويض للمعنى.
    والذي ورد عن السلف فيمن قال منهم إنهم يفوضون، أو نفوض هذا، أو نكل علمه إلى قائله، أو نحو ذلك مما يفهم منه التفويض، فيراد به تفويض الكيفية؛ لأن الكيفية من التأويل الذي لا يعلمه إلا الله جل وعلا كما قال سبحانه ﴿هَلْ يَنظُرُونَ إِلاَّ تَأْوِيلَهُ يَوْمَ يَأْتِي تَأْوِيلُهُ يَقُولُ الَّذِينَ نَسُوهُ مِن قَبْلُ﴾[الأعراف:53]، إلى آخر الآية في الأعراف، وكذلك قوله ﴿وَمَا يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلاَّ اللّهُ﴾[آل عمران:7]، عند الوقف على لفظ الجلالة يدخل في التأويل ما تؤول إليه حقائق الأخبار، ومنها العلم بالكيفيات.
    فلاشك أن أحدا لا يعلم كيفية اتصاف الرب جل وعلا بصفاته، ولا كيفية الغيبيات على حققيتها التي خلقها الله جل وعلا عليه؛ لأن هذا من العلم من علم الغيب الذي اختص الله جل وعلا به نفسه العلية جل جلاله وتقدست أسماؤه.
    فهذا المعنى الأول تفويض الكيفية وهذا نؤمن به، فنفوض كيفية الأمور الغيبية ومن ذلك صفات الرب جل وعلا نعوت جلاله ومعاني أسمائه، وما يتصل بذلك من أمور الغيب نفوض كيفيتها إلى ربنا جل وعلا.
    والقسم الثاني من التفويض تفويض المعنى؛ يعني يقول أنا أفوض العلم بالمعنى، أفوض المعنى، ما أدري أيش معنى الرحمن الرحيم، ما أعرف إيش معنى الرحمن، ثم استوى على العرش ما أعلم معنى استوى، أفوض معناها إلى الله، فالاستواء ربما يكون معناه القهر، ربما يكون معناه العلو، ربما يكون معناه الرحمة، ربما يكون معناه أي معنى، فيوفضون المعنى.
    فيقولون: لا نعلم معاني الغيبيات ولا أحد يعلمها.
    ولهذا ذهب إلى هذا المذهب قلة -يعني تفويض المعنى- قلة من المتقديمن يعني في القرن الثاني والثالث، وشاع عند طائفة من المتأخرين بسبب أنه قول للأشاعرة، وقد نظموه في عقائدهم بقول القائل في جوهرة التوحيد:
    وكل نص أوهم التشبيها أوله أو فوّض ورم تنزيها
    فباب الأشاعرة له في الصفات قولان:
    الأول وهو الراجح عندهم والأقوى أن تؤول الصفات التي تتعارض مع الصفات السبع التي أثبتوها وتتعارض مع العقل.
    والثاني وهم صحيح عندهم؛ لكنه ليس بقول أهل العلم والحكمة هو تفويض المعنى.
    وهذا التفويض -تفويض المعنى- حيث يقول لا نعلم معنى الصفات، هذا موجود عند الأشاعرة من بعد أبي الحسن الأشعري إلى وقتنا الحاضر، وهو أيضا الذي راج على جملة من الحنابلة في كتبهم، حيث ظنّوا أنّ ذمّ الإمام أحمد لمن فوّض أنه تفويض الإثبات في أصله؛ يعني لا ندري نثبت أو لا، لا ندري الصفة موجودة أو غير موجودة أو نفي الصفة من أصلها، وفهموا أيضا من قوله قول الإمام أحمد وقول الشافعي ونحو ذلك (لا كيف ولا معنى) في الصفات، مثل ما ساقها صاحب اللمعة، فهموا منه أنه التفويض، وفهموا هذا من قول الشافعي: نؤمن بما جاء عن الله على مراد الله، ونؤمن بما جاء عن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ على مراد رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. أنه في التفويض.
    هذا التفويض في الحقيقة تفويض المعنى هو الذي قال فيه شيخ الإسلام ابن تيمية وقال فيه غيره أيضا: إن التفويض هو شر المذاهب. وذلك لأنّ تفويض المعنى يرجع إلى عدم العلم به، ولهذا صنفهم ابن تيمية في أول درء التعارض: إلى أن من فوّض فهو من اهل التجهيل يعني الذين يقولون إنه لا يوجد أحد يعلم معن الصفات، ما يوجد أحد، الصحابة يعلمون؟لا، هذه المعاني مجهولة حتى إن بعضهم يقول إن النبي عَلَيْهِ الصَّلاَةُ والسَّلاَمُ لا يعلم هذه المعاني، إنما هو إثبات ألفاظ دون معاني، فتفوض المعنى لا معنى معقول من هذه الصفات.
    ولاشك أن مذهب المفوضة هو شر المذاهب؛ لأنه يقتضي تجهيل الصحابة رَضِيَ اللهُ عنْهُم بل يقتضي أن في القرآن كلاما وآيات كثيرة لا أحد يعلم معناها، ومعلوم أن أكثر القرآن في الغيبيات ولذلك جاء أول آية في القرآن في امتداح الذين يؤمنون بالغيب يعني في سورة البقرة ﴿الم (1) ذَلِكَ الْكِتَابُ لاَ رَيْبَ فِيهِ هُدًى لِّلْمُتَّقِينَ (2) الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِالْغَيْبِ﴾[البقرة:1-2]، والإيمان بالغيب يقتضي الإيمان بالكيفيات والله جل وعلا أعلم بها، والإيمان بمعاني ما دلنا ربنا جل وعلا به على الغيب، نؤمن بها على ظاهرها؛ يعني على ما دلت عليه لغة العرب.
    نعم معلوم أن المعاني في الشيء الواحد تتفاوت، فمثلا إذا أخذت السمع، إذا أخذت البصر، إذا أخذت القوة، خذ القوة مثلا والقدرة، الكائن الضعيف النملة لها قوة ولها قدرة ولها نطق ولها سمع ولهذا بصر، فأصل القوة موجود فيها؛ يعني معنى القوة موجود فيها، ما هو أعلى منها في الخِلْقة من جهة مثلا الهرة موجود عندها قوة، لاشك موجود عندها، بصر موجود عندها سمع، موجود عندها قدرة على أشياء، خذ الأعلى منها الأعلى إلى أن تصل إلى الإنسان إلى أن تصل من الحيونات من جهة القوة والقدرة أقوى من الإنسان يعني بذاته يعني من جهة الحوانات المفترسة كالأسد ونحو ذلك.
    إذن القوة قدر مشترك، القدرة قدر مشترك؛ لكن نقول إنه مادام انها في النملةمختلفة عن الإنسان، نقول: لا في الإنسان ماله قوة أن قوة النملة هذه هذا تحديد للصفة لبعض أفردها، لبعض من يتصف بها وهذا جناية على المعنى الكلي؛ لأن اللغة العربية كليات فيها كليات المعاني أما الذي يوجد في الخارج فهي الذوات نعم نقول جدار يد أشياء هذه تتصورها؛ لكن من جهة المعاني، المعاني تتصور هذا المعنى بالإضافة إلى من اتصف به.
    ولهذا شيخ الإسلام انتبه لقوة هذا المعنى في الرد في المبتدعة الصفاتية والجهمية وغيرهم، فقررهم في كتابه التدمرية كما تعلمون.
    إذن فتفويض المعنى، المعنى أصلا متفاوت فإذا فوضنا المعنى معناه أننا لا نعلم أي قدر من هذا المعنى، وهذا لاشك أنه نفي وجهالة بجميع دلالات النصوص على الأمور الغيبية، وهذا باطل؛ لأن القرآن حجة، وجعله الله جل وعلا دالا على ما يجب له جل وعلا وما يتّصف به ربنا سبحانه وتعالى من نعوت الجلال والجمال والكمال.[ شرح الطحاوية]

  2. #2
    تاريخ التسجيل
    Jan 2012
    المشاركات
    7,880

    افتراضي

    يقول شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: (وهؤلاء أهل التضليل والتجهيل الذين حقيقة قولهم: إن الأنبياء وأتباع الأنبياء جاهلون ضالون، لا يعرفون ما أراد الله بما وصف به نفسه من الآيات وأقوال الأنبياء.
    ثم هؤلاء منهم من يقول: المراد بها خلاف مدلولها الظاهر والمفهوم. ولا يعرف أحد من الأنبياء, والملائكة, والصحابة, والعلماء ما أراد الله بها، كما لا يعلمون وقت الساعة.
    ومنهم من يقول:بل تجري على ظاهرها، وتحمل على ظاهرها، ومع هذا فلا يعلم تأويلها إلا الله.فيتناقضون حيث أثبتوا لها تأويلاً يخالف ظاهرها، وقالوا – مع هذا –إنها تحمل على ظاهرها. وهذا ما أنكره ابن عقيل على شيخه القاضي أبي يعلى في كتاب (ذم التأويل)) (1) .
    وكلا اللونين تفويض للعلم بالمعنى، والفرق بينهما أن الأولين يعتقدون بأن ظواهر النصوص مقتضية للتشبيه، فيبادرون بنفيها، ويحيلون على معنى مجهول لا يعلمه إلا الله. والآخرين يعتقدون بأن الظواهر لا تقتضي التشبيه، ويحكمون بوجوب إجرائها على ظواهرها، لكن دون أن يبينوا المعنى الواجب فهمه من تلك الظواهر، بل يحيلون إلى معنى مجهول لا يعلمه إلا الله.وهذا وجه تناقضهم.
    ويفسر شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله وقوع هذين الاتجاهين من التفويض لبعض الأفاضل فيقول في ذكر أنواع النفاة:(ونوع ثالث: سمعوا الأحاديث والآثار، وعظموا مذهب السلف، وشاركوا المتكلمين الجهمية في بعض أصولهم الباقية، ولم يكن لهم من الخبرة بالقرآن والحديث والآثار ما لأئمة السنة والحديث، لا من جهة المعرفة والتمييز بين صحيحها وضعيفها، ولا من جهة الفهم لمعانيها، وقد ظنوا صحة بعض الأصول العقلية للنفاة الجهمية، ورأوا ما بينهما من التعارض. وهذا حال أبي بكر بن فورك، والقاضي أبي يعلى، وابن عقيل وأمثالهم.
    ولهذا كان هؤلاء تارة يختارون طريقة أهل التأويل، كما فعله ابن فورك وأمثاله في الكلام على مشكل الآثار.
    وتارة يفوضون معانيها،ويقولون: تجري على ظواهرها، كما فعله القاضي أبو يعلى وأمثاله في ذلك. وتارة يختلف اجتهادهم، فيرجحون هذا تارة وهذا تارة كحال ابن عقيل وأمثاله) [ موقع الدرر السنية]

الكلمات الدلالية لهذا الموضوع

ضوابط المشاركة

  • لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
  • لا تستطيع الرد على المواضيع
  • لا تستطيع إرفاق ملفات
  • لا تستطيع تعديل مشاركاتك
  •