في الصحيحين واللفظ للبخاري
عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «لَقَدْ كَانَ فِيمَا قَبْلَكُمْ مِنَ الأُمَمِ مُحَدَّثُونَ، فَإِنْ يَكُ فِي أُمَّتِي أَحَدٌ، فَإِنَّهُ عُمَرُ»
والمحدث في تفسير ابن وهب هو الملهم , وهو قول الأكثر
قال الحافظ
(قَوْلُهُ مُحَدَّثُونَ بِفَتْحِ الدَّالِ جَمْعُ مُحَدَّثٍ وَاخْتُلِفَ فِي تَأْوِيلِهِ فَقِيلَ مُلْهَمٌ قَالَهُ الْأَكْثَرُ)) انتهى
فان يكن في هذه الأمة أحد فهو عمر رضي الله عنه , فقد كان الصواب يجري على لسانه , وقد وافق رأيه الآية قبل نزولها
ومع ذلك لم يكن كل اجتهاده صوابا , وقد خالفه الصحابة في بعض المسائل وهو المحدث الملهم
وقد كان الصحابة اذا لم يجدوا في المسألة نصا منصوصا اجتهدوا رأيهم و لهذا تجدهم يختلفون في المسألة الواحدة على قولين أو أكثر بالاضافة الى اختلاف أفهامهم وتفاوت مداركهم لمعاني النصوص
ولا يشك مسلم أن قلوبهم كانت عامرة بالتقوى والايمان , و استضاءت أفئدتهم وعقولهم بنور القرآن
ومع ذلك كان قائلهم يقول (هذا رأيي فان أصبت فمن الله , وان أخطأت فمن نفسي والشيطان والله ورسوله بريئان منه )
كما قال ابن مسعود رضي الله عنه في المفوضة , وقد مكث شهرا يرد السائلين لا يجيبهم حتى ألحوا عليه وقالوا لا نجد في الأصحاب أحدا غيرك نستفتيه
فأفتى بأن لها مهر المثل , والميراث فشهد عنده أناس أن حكمه وافق حكم النبي عليه الصلاة والسلام
وخالفه عبد الله بن عمر وزيد بن ثابث وعلي وابن عباس , فقالوا لا مهر لها
وهؤلاء لا نشك أن قلوبهم عامرة بالايمان والعلم والنور , فخالف رأيهم رأي ابن مسعود
فروى أحمد وأصحاب السنن
عَنْ الشَّعْبِيِّ، عَنْ عَلْقَمَةَ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ، أَنَّهُ أَتَاهُ قَوْمٌ فَقَالُوا: إِنَّ رَجُلًا مِنَّا تَزَوَّجَ امْرَأَةً وَلَمْ يَفْرِضْ لَهَا صَدَاقًا، وَلَمْ يَجْمَعْهَا إِلَيْهِ حَتَّى مَاتَ، فَقَالَ عَبْدُ اللَّهِ: مَا سُئِلْتُ مُنْذُ فَارَقْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَشَدَّ عَلَيَّ مِنْ هَذِهِ، فَأْتُوا غَيْرِي،
فَاخْتَلَفُوا إِلَيْهِ فِيهَا شَهْرًا،

ثُمَّ قَالُوا لَهُ فِي آخِرِ ذَلِكَ: مَنْ نَسْأَلُ إِنْ لَمْ نَسْأَلْكَ، وَأَنْتَ مِنْ جِلَّةِ أَصْحَابِ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِهَذَا الْبَلَدِ وَلَا نَجِدُ غَيْرَكَ؟
قَالَ: سَأَقُولُ فِيهَا بِجَهْدِ رَأْيِي،
فَإِنْ كَانَ صَوَابًا فَمِنَ اللَّهِ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ،
وَإِنْ كَانَ خَطَأً فَمِنِّي وَمِنَ الشَّيْطَانِ وَاللَّهُ وَرَسُولُهُ مِنْهُ بُرَآءُ، أُرَى أَنْ أَجْعَلَ «لَهَا صَدَاقَ نِسَائِهَا، لَا وَكْسَ وَلَا شَطَطَ، وَلَهَا الْمِيرَاثُ، وَعَلَيْهَا الْعِدَّةُ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ وَعَشْرًا»، قَالَ: وَذَلِكَ بِسَمْعِ أُنَاسٍ مَنْ أَشْجَعَ، فَقَامُوا فَقَالُوا: " نَشْهَدُ أَنَّكَ قَضَيْتَ بِمَا قَضَى بِهِ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي امْرَأَةٍ مِنَّا يُقَالُ لَهَا: بَرْوَعُ بِنْتُ وَاشِقٍ " قَالَ: «فَمَا رُئِيَ عَبْدُ اللَّهِ فَرِحَ، فَرْحَةً يَوْمَئِذٍ إِلَّا بِإِسْلَامِهِ»)) لفظ النسائي

وروى مالك في الموطأ
مَالِكٌ عَنْ نَافِعٍ أَنَّ ابْنَةَ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ وَأُمَّهَا بِنْتَ زَيْدِ ابْنِ الْخَطَّابِ كَانَتْ تَحْتَ ابْنٍ لِعَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ فَمَاتَ وَلَمْ يَدْخُلْ بِهَا وَلَمْ يُسَمِّ لَهَا صَدَاقًا فَابْتَغَتْ أُمُّهَا صَدَاقَهَا فَقَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ لَيْسَ لَهَا صَدَاقٌ وَلَوْ كَانَ لَهَا صَدَاقٌ لَمْ نُمْسِكْهُ وَلَمْ نَظْلِمْهَا فَأَبَتْ أُمُّهَا أَنْ تَقْبَلَ ذَلِكَ فَجَعَلُوا بَيْنَهُمْ زَيْدَ بْنَ ثَابِتٍ فَقَضَى أَنْ لَا صَدَاقَ لَهَا وَلَهَا الْمِيرَاثُ)

وهذا يدل على أن لا مكان للالهام عندهم , فهو الرأي والاجتهاد والمقاربة
فان وافق رأيهم الحق حمدوا الله تعالى على توفيقه , وان خالفه أرجعوا ذلك الى أنفسهم رضي الله عنهم وهم في كل ذلك مأجورون مثابون
قال شيخ الاسلام
وَلِهَذَا كَانَ الصَّحَابَةُ إذَا تَكَلَّمُوا بِاجْتِهَادِهِم ْ يُنَزِّهُونَ شَرْعَ الرَّسُولِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مِنْ خَطَئِهِمْ وَخَطَأِ غَيْرِهِمْ. كَمَا قَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مَسْعُودٍ فِي الْمُفَوَّضَةِ: أَقُولُ فِيهَا بِرَأْيِي؛ فَإِنْ يَكُنْ صَوَابًا فَمِنْ اللَّهِ، وَإِنْ يَكُنْ خَطَأً فَمِنِّي وَمِنْ الشَّيْطَانِ، وَاَللَّهُ وَرَسُولُهُ بَرِيئَانِ مِنْهُ، وَكَذَلِكَ رُوِيَ عَنْ الصِّدِّيقِ فِي الْكَلَالَةِ وَكَذَلِكَ عَنْ عُمَرَ فِي بَعْضِ الْأُمُورِ، مَعَ أَنَّهُمْ كَانُوا يُصِيبُونَ فِيمَا يَقُولُونَهُ عَلَى هَذَا الْوَجْهِ....)