ما فرق هؤلاء؟!
في كتاب التوحيد للشيخ محمد بن عبدالوهاب رحمه الله: باب من جحد شيئاً من الأسماء والصفات، قال الشيخ رحمه الله: "وروى عبدالرزاق عن معمر عن ابن طاوس عن أبيه عن ابن عباس رضي الله عنه: (أنه رأى رجلاً انتفض لما سمع حديثاً عن النبي صلى الله عليه وسلم -استنكاراً لذلك-؛ فقال: ما فرق هؤلاء؟ يجدّون عند محكمه ويهلكون عند متشابهه) انتهى". انتهى ما ذكره رحمه الله.
والفائدة التي لم أقف على من نصَّ عليها: هي ذكر وتحديد هذا الأثر أو الحديث الذي نَفَر منه هذا الرجل وانتفض إنكارًا لما فيه.
وقد تبيَّن أنَّ الحديث هو: حديث أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((تحاجَّت النار والجنة؛ فقالت النار: أوثرتُ بالمتكبرين والمتجبرين، وقالت الجنة: فمالي لا يدخلني إلَّا ضعفاء الناس وسقطهم وعجزهم؛ فقال الله للجنة: أنت رحمتي أرحم بك من أشاء من عبادي، وقال للنَّار: أنت عذابي أعذِّب بك من أشاء من عبادي، ولكلِّ واحدة منكم ملؤها، فأما النار فلا تمتلئ فيضع قدمه عليها، فتقول: قط.. قط، فهنالك تمتليء، ويزوى بعضها إلى بعض)).
وأصل الحديث متفق على صحَّته؛ فقد أخرجه البخاري (ح/4569) ومسلم (ح/2846)، وغيرهما.
فتبيَّن أنَّ الصِّفة التي نفر منه ذاك الرجل هي: صفة وضع الرب عزوجل قدمه في النار.
والذي دلَّ على أنَّ هذا الحديث هو المراد هو ما جاء في أصل القِصَّة عند عبدالرزاق في مصنفه (ح/20893-20895)؛ إذ ساق حديث أبي هريرة المتقدِّم بنحو لفظه الآنف، ثم قال: عن معمر عن ابن طاوس عن أبيه قال: سمعت رجلاً يحدِّث ابن عباس بحديث أبي هريرة هذا فقام رجل فانتفض؛ فقال ابن عباس: ما فرق من [ كذا! ] هؤلاء... الحديث نحوه.
وإسناد عبدالرزَّاق إسناد صحيح في ظاهره.
تنبيه: جملة (ما فرق) تحمل وتلفظ على وجهين:
1- ما فرَق هؤلاء، من الفَرَق: الفزع والوجل؛ أي: ما الذي أخافهم وأفزعهم؟! استفهام استنكاري.
2- ما فرَّق هؤلاء؛ أي: ما عرفوا الفرق بين الحق والباطل.