بسم الله الرحمن الرحيم أما بعد:جاء في تهذيب الكمال :عن علقمة بْن مرثد، قال: انتهى الزهد إلى ثمانية من التابعين، فأما الْحَسَن بْن أَبي الْحَسَن.
فما رأينا أحدا من الناس كَانَ أطول حزنا منه، وما كنا نراه إلا أنه حديث عهد بمصيبة، ثم قال: نضحك، ولا ندري لعل اللَّه قد أطلع على بعض أعمالنا، فقال: لا أقبل منكم شيئا، ويحك يا ابْن آدم. هل لك بمحاربة اللَّه طاقة؟ إنه من عصى اللَّه فقد حاربه، والله لقد أدركت سبعين بدريا، أكثر لباسهم الصوف، لو رأيتموهم قلتم مجانين، ولو رأوا خياركم لقالوا: ما لهؤلاء من خلاق ، ولو رأوا شراركم لقالوا: ما
يؤمن هؤلاء بيوم الحساب، والله لقد رأيت أقواما كانت الدنيا أهون على أحدهم من التراب تحت قدميه، ولقد رأيت أقواما يمسي أحدهم ولا يجد عنده إلا قوتا، فيقول: لا أجعل هذا كله في بطني، لأجعلن بعضه لله عزوجل، فيتصدق ببعضه، وإن كَانَ هو أحوج ممن يتصدق به عليه.
وبه: عن علقمة بْن مرثد قال: لما ولي عُمَر بْن هبيرة العراق. أرسل إلى الْحَسَن وإلى الشعبي، فأمر لهما ببيت، وكانا فيه شهرا أو نحوه، ثم إن الخصي غدا عليهما ذات يوم فقال: إن الأمير داخل عليكما، فجاء عُمَر يتوكأ على عصا له، فسلم ثم جلس مفطما لهما، فقال: إن أمير المؤمنين يزيد بْن عَبد المَلِك يكتب إلى كتبا أعرف أن في إنفاذها الهلكة، فإن أطعته عصيت اللَّه، وإن عصيته أطعت اللَّه، فهل تريا لي في متابعتي إياه فرجا؟ فقال الْحَسَن: يا أبا عَمْرو أجب الأمير، فتكلم الشعبي فانحط في حبل ابْن هبيرة، قال: ما تقول أنت يا أبا سَعِيد؟ فقال: أيها الأمير، قد قال الشعبي ما قد سمعت: قال: ما تقول أنت؟ قال: أقول: يا عُمَر بْن هبيرة يوشك أن ينزل بك ملك من ملائكة اللَّه فظ غليظ لا يعصي اللَّه ما أمره، فيخرجك من سعة قصرك إلى ضيق قبرك، يا عُمَر بْن هبيرة، إن تتق اللَّه يعصمك من يزيد بْن عَبد المَلِك، ولن يعصمك يزيد بْن عَبد المَلِك من اللَّه، يا عُمَر بْن هبيرة لا تأمن أن ينظر اللَّه إليك على أقبح ما تعمل في طاعة يزيد بْن عَبد المَلِك نظرة مقت، فيغلق بها باب المغفرة دونك، يا عُمَر بْن هبيرة لقد أدركت ناسا من صدر هذه الأمة كانوا والله عن الدنيا وهي مقبلة أشد إدبارا من إقبالكم عليها وهي مدبرة، يا عُمَر بْن هبيرة إني أخوفك مقاما خوفك اللَّه تعالى، فقال: (ذلك لمن خاف مقامي وخاف وعيد) ، يا عُمَر بْن هبيرة، إن تك مع اللَّه في طاعته كفاك بائقة يزيد بْن عَبد المَلِك، وإن تك مع يزيد بْن عَبد المَلِك على معاصي اللَّه، وكلك اللَّه إليه، قال: فبكى عُمَر وقام بعبرته، فلما كَانَ من الغد أرسل إليهما بإذنهما وجوائزهما ، فأكثر منها للحسن، وكان في جائزة الشعبي بعض الإقتار، فخرج الشعبي إلى المسجد فقال: يا أيها الناس، من استطاع منكم أن يؤثر اللَّه على خلقه فليفعل، فوالذي نفسي بيده ما علم منه الْحَسَن شيئا فجهلته، ولكن أردت وجه ابْن هبيرة فأقصاني اللَّه منه. قال: وقام المغيرة بْن مخادش ذات يوم إلى الْحَسَن فقال: كيف نصنع بأقوام يخوفننا، حتى تكاد قلوبنا تطير؟ فقال الْحَسَن: والله لئن تصحب أقواما يخوفنك حتى يدركك أمن، خير من أن تصحب أقواما يؤمنونك حتى تلحقك المخاوف، فقال له بعض القوم: أخبرنا صفة أصحاب رَسُول اللَّهِ صلى الله عليه وسلم، قال: فبكى، ثم قال: ظهرت فيهم علامات الخير في السيماء والسمت والصدق، وحسنت ملابسهم بالاقتصاد، وممشاهم بالتواضع، ومنطقهم بالعمل، ومطعمهم ومشربهم بالطيب من الرزق، وخضوعهم بالطاعة لربهم تعالى، واستقادتهم للحق فيما أحبوا وكرهوا، وإعطاؤهم الحق من أنفسهم، ظمئت واجرهم، ونحلت أجسامهم، واستخفوا بسخط المخلوقين لرضى الخالق، لم يفرطوا في غضب، ولم يحيفوا في جور، ولم يجاوزوا حكم اللَّه في القرآن، شغلوا الألسن بالذكر، بذلوا لله دماءهم حين استنصرهم، وبذلوا لله أموالهم حين استقرضهم، لم يكن خوفهم من المخلوقين، حسنت أخلاقهم، وهانت مؤنتهم، وكفاهم اليسير من الدنيا إلى آخرتهم.
وَقَال طالوت بْن عباد : حَدَّثَنَا عبد المؤمن بْن عُبَيد اللَّه، عن الْحَسَن، قال: يا ابْن آدم، عملك عملك، فإنما هو لحمك ودمك، فانظر على أي حال تلقى عملك، إن لأهل التقوى علامات، يعرفون بها، صدق الحديث، ووفاء بالعهد، وصلة الرحم، ورحمة الضعفاء، وقلة الفخر والخيلاء، وبذل المعروف، وقلة المباهاة للناس، وحسن الخلق، وسعة الخلق فيما يقرب إلى اللَّه، يا ابْن آدم، إنك ناظر إلى عملك يوزن خيره وشره، فلا تحقرن من الخير شيئا، وإن هو صغر، فإنك إذ رأيته سرك مكانه، ولا تحقرن من الشرشيئا، فإنك إذا رأيته ساءك مكانه، رحم اللَّه رجلا كسب طيبا وأنفق قصدا، وقدم فضلا ليوم فقره وفاقته، هيهات، هيهات، ذهبت الدنيا بحال بالها، وبقيت الأعمال قلائد في أعناقكم، أنتم تسوقون الناس، والساعة تسوقكم، وقد أسرع بخياركم، فماذا تنتظرون، والمعاينة فكأن قد، إنه لا كتاب بعد كتابكم، ولا نبي بعد نبيكم، يا ابْن آدم، بع دنياك بآخرتك تربحهما جميعا، ولا تبيعن آخرتك بدنياك فتخسرهما جميعا.
عن عِمْران القصير، قال: سألت الْحَسَن عن شيء فقلت: إن الفقهاء يقولون كذا وكذا، فقال: وهل رأيت فقيها بعينك؟ إنما الفقيه: الزاهد في الدنيا، البصير بدينه، المداوم على عبادة ربه.
عن هشام، قال: سمعت الْحَسَن يحلف بالله: ما أعز أحد الدرهم إلا أذله الله عزوجل.
عن عِمْران بْن خالد، عن الْحَسَن، وسأله رجل: يا أبا سَعِيد ما الإيمان؟ قال: الصبر، والسماحة، فقال رجل: يا أبا سَعِيد ما الصبر والسماحة؟ ، قال: الصبر عن معصية اللَّه، والسماحة بأداء فرائض اللَّه.