تابعونا على المجلس العلمي على Facebook المجلس العلمي على Twitter
الدكتور سعد بن عبد الله الحميد


النتائج 1 إلى 4 من 4

الموضوع: جريمة الأدب

  1. #1

    افتراضي جريمة الأدب

    جريمة الأدب

    كم أفتقدُ تلك المتعة التي كنت أشعُرُ بها حالَ قراءتي الروايات والقصص الأدبية أيام الصِّبا!
    كانت تجعلني ألتهمُ الكتاب التهامَ الجائعِ لفخِذِ خروفٍ مشويٍّ قُدِّمَ له على طبقٍ وقتَ الغروب بعد أن أنهَكَه العملُ نهارَ يومٍ كاملًا!
    وكنتُ أعيش خيالًا بديعًا في عوالِمَ كثيرةٍ أسافر إليها مِن سريري أو مقعدي حين القراءة كطائرٍ يحُلُّ أينما شاء!
    كنتُ أنتشي وأطرَبُ بما أجده مِن جمالٍ أعيشه في تلك اللحظات، فأنصرف حين أنصرف مِن قراءتي مرهَفَ الإحساس، مشحونًا بالمشاعرِ الإنسانية.
    أما اليوم - وقد قاربتُ الثلاثين - فأقرأُ حين أقرأ وهَـمِّي أن أُحلِّلَ النَّص وأُفكِّكَ (الشيفرات)، وأبحث في النتائج عن المغزى، وأقارن الصور بالصور، وأُسقِط الأحداث على مثيلاتها في أرض أخرى، أو على واقعٍ نعيشه.. فيورثني ذلك تعبًا وثقلًا في الروح والجسم كمحاربٍ مُكرَهٍ ما بين دفعٍ وفرٍّ!
    كما يورثني ذلك الأمر نكَدًا في النفس، وضيقًا في الخُلق؛ وذلك أن الإنسانَ في مِثل هذه المرحلة يحمِل الهمَّ أكثرَ، ويغرَق في حقائقَ مؤلمةٍ ...
    ومما يزيدُ النَّكَد والإرهاق: مواجهةُ أفكار الكتَّاب والأدباء الذين ينقص كثيرًا منهم:
    المعرفةُ الكافية للانطلاق،
    والصِّدق المصاحِب للحروف،
    والبلاغة الرائدة.
    بل تجد الواحدَ منهم همُّه التقليد والتبعية، وتجد بعضَهم غارقًا في بحر السرقة الأدبية، وآخرين همُّهم الشُّهرة أو المال..
    أما الأتعس والأشرُّ والأخطر مِن هؤلاء جميعًا: أولئك الـمُبْدِعون حقًّا، والمتمكِّنون مِن المعرفة، والموسوعيُّون الأدباء، لكنهم أصحابُ قلوبٍ مملوءة بالشرّ، وعقولٍ طافحة بالتنكُّر للمجتمع أخلاقًا وعقيدةً وسياسةً...
    فهُم الذين يعرِفون كيف يُقَوْلِبُونَ كلَّ ذلك في قوالبَ مستساغة، بل وباهرة لدى الشرائح المتزاحمة على قراءة الأدب اليوم.
    فأنتَج هذا الأدب جيلًا يَقصّ ويَلصق ما يشاء من عباراتٍ قالها مَن صوَّرهم العالم كبارًا!
    جيلًا اصطدم بواقعٍ أليمٍ، فظنَّ أن الخروج منه يكون باتِّباع أفكارٍ ساقها له بعضُ الكتَّاب في تصويرات مثالية يبدو للناظر القاصر أنها تحُلُّ كلَّ المشكلات... فصار جيلًا متنكّرًا للآباء والأساتيذ والأوطان... بل متنكرًا حتى لحضارته، التي ما زال العالمُ يهتدي بهداها!
    أنكَروا المسلَّماتِ العقلية بمنطقٍ مشوَّهٍ يروي شيئًا مِن عطَشِ أهوائِهم!

    إنها جريمةُ أولئك الأدباء الذين زيَّنوا لهم أفكارَهم، وفصَّلوا لهم حياتهم، وأوهَموهم بالسَّرابِ.
    إنها جريمتنا - أيضًا - يومَ لم نكُنْ محصَّنين بالعلمِ والمعرفة واليقين.. بل لم نكن موطِّنين أنفسَنا على طباع الخيرِ، ومروِّضين أهواءَنا على كَبْحِ جِماحها.
    فهي - إذًا - جريمةٌ مشترَكة، سيؤاخَذ بها كل طرَف، سواء كان ذلك في الحياة الدنيا أو في الآخرة -لِمَن آمن بها، ومَن لم يؤمن-.



  2. #2
    تاريخ التسجيل
    Nov 2012
    المشاركات
    16,352

    افتراضي

    يقول ربيع السملالي -أديب مغربي معاصر-: (ليس حسنًا؛ بل قبيحًا أن تكونَ كاتبًا بارعًا يقتدي بك آلاف من البشر، ولا تقتدي أنتَ بقلمك !).
    وأمتثل قول ربي: {فَسَتَذْكُرُون ما أَقُولُ لَكُمْ ۚ وَأُفَوِّضُ أَمْرِي إِلَى اللَّهِ ۚ إِنَّ اللَّهَ بَصِيرٌ بِالْعِبَادِ}

  3. #3
    تاريخ التسجيل
    Nov 2012
    المشاركات
    16,352

    افتراضي

    قال ربيع السملالي في كتابه: (زاد الأديب): (كثيرون هم المبحرون في عالم الكتابة؛ لكن، قليلون هم مَنْ يتقنون رسم عباراتهم بأحاسيس صادقة ودقيقة تجعل القارئ متمسِّكًا بقراءة موضوعاتهم حتى النهاية دون ملل أو كلل. هذا الإتقان في رسم المشاعر بالكلمات أعدّه نوعًا من الفنون الأدبية التي تداعب وجدان الآخرين، وتحتوي ذائقاتهم الأدبية رغم تنوُّعها، فمن مقوِّمات الفن أن يملك الفنان موهبة وجرأة لممارسة هذه الموهبة، ثم استعدادًا لتطويرها بالبحث عن الوسائل الممكنة لذلك. والكاتب الذي يملك هذه المقوِّمات يستطيع أن يخلق من الكلمات صورًا وتعابيرَ تعكس ذوقه الفني ووفرة أدواته التي يستخدمها، بل يجنّدها في سبيل طرح سليم ومتطوِّر يحاكي الواقع، لكنه متجدِّد باستمرار...).
    وأمتثل قول ربي: {فَسَتَذْكُرُون ما أَقُولُ لَكُمْ ۚ وَأُفَوِّضُ أَمْرِي إِلَى اللَّهِ ۚ إِنَّ اللَّهَ بَصِيرٌ بِالْعِبَادِ}

  4. #4
    تاريخ التسجيل
    Nov 2012
    المشاركات
    16,352

    افتراضي

    يقول المنفلوطي في كتابه: (النظرات): (أتدري لِمَ عجز كُتَّاب هذه الأمة عن إصلاحها؟ لأنهم يظنون أنهم لا يزالون حتى اليوم تلاميذ في المدارس، وأنهم جالسون بين أيدي أساتذة اللغة يتلقون عنهم دروس البيان، فترى الواحد منهم يكتب وهمّه المالئ قلبه أن يعجب اللغويين، أو يروق المنشئين، أو يطرب الأدباء، أو يضحك الظرفاء، ولا يدخل في باب أغراضه ومقاصده أن يتفقد المسلك الذي يريد أن يسلكه إلى قلوب الناس الذين يقول: إنه يعظهم أو ينصح لهم أو يهذبهم أو يثقفهم؛ ليعلم كيف ينفذ إلى نفوسهم وكيف يهجم على قلوبهم وكيف يملك ناصية عقولهم، فيعدل بها عن ضلالها إلى هداها، وعن فسادها إلى صلاحها، فمثله كمثل الفارس الكذاب الذي تراه كل يوم حاملًا سيفه إلى الجوهري يرصع له قبضته، أو الحداد ليشحذ له حده، أو الصيقل ليجلو به صفحته، ولا تراه يومًا في ساحة الحرب ضاربًا به).
    وأمتثل قول ربي: {فَسَتَذْكُرُون ما أَقُولُ لَكُمْ ۚ وَأُفَوِّضُ أَمْرِي إِلَى اللَّهِ ۚ إِنَّ اللَّهَ بَصِيرٌ بِالْعِبَادِ}

الكلمات الدلالية لهذا الموضوع

ضوابط المشاركة

  • لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
  • لا تستطيع الرد على المواضيع
  • لا تستطيع إرفاق ملفات
  • لا تستطيع تعديل مشاركاتك
  •