حاشية من كتاب العلمانية للشيخ أبي عبد المعز محمد علي فركوس
( النظرية الداروينية نسبة إلى شارلز داروين باحث إنجليزي ، نشر كتابه "أصل الأنواع" سنة1859م ، الذي يدور على جملة من الافتراضات ، ناقش فيه نظريته في النشوء والارتقاء حيث تفترض النظرية تطور الحياة في الكائنات العضوية من السهولة وعدم التعقيد إلى الدقة والتعقيد ، وانها تتدَّرج من الأحطِّ إلى الأرقى ، معتبرا أنَّ أصلَ الحياة خليةٌ كانت في مستنقع آسن قبل ملايين السنين ، وقد تطوَّرت هذه الخلية ومرَّت بمراحلَ منها مرحلة القرد انتهاءً بالإنسان ، وجعل بين الإنسان والقرد نسباً ، بل زعم أن الجدَّ الحقيقيَّ للإنسان هو خليةٌ صغيرة عاشت في مستنقعٍ آسنٍ ، وهو بذلك يريد أن يَنْسِف عقيدة أهل الحقِّ في أنَّ الإنسان ينسب إلى آدم وحواء ابتداءً ، وقد خلَّفت هذه النظرية قَلَقاً عارمًا ، وشعورًا باليأس والضياع ، وظهرت أجيالٌ حائرة مضطربةٌ ذات خَوَاءٍ روحي ، وكان من نتيجة النظرية أن تولَّدت عنها نظرية "ماركس" المادية حيث نادت بمادية الإنسان وخضوعه لقوانين المادة مُهملةُ بذلك جميع العوامل الروحية ، كما كان للنظرية أثرٌ في ميلاد نظرية فرويد في التحليل النفسي حيث استمدَّ فرويد من نظرية داروين حيوانية الإنسان ، وأنَّه حيوان جنسي لا يملك إلَّا الانصياع لأوامر الغريزة ، وإلَّا وقع فريسة الكَبتِ المدمٍّر للأعصاب ، وأصبح التطوُّر عند فرويد مفسّرًا للدِّين تفسيرا جنسيَّا.وقد استفادت النظريات الأخرى -أيضا- من نظرية داروين فائدةً هَدَّامة كنظرية " سارتر" في الوجودية ، ونظرية "برجسون" في الروحية الحديثة ، واعتمدت على ما وضعه داروين في منطلقاتها وتفسيراتها للإنسان والحياة والسلوك .
وقد أثبت العلمُ التجريبي إفلاس نظرية داروين وبطلانَها بأدلة قاطعة ، بل ليست نظرية علمية على الإطلاق وخاصَّة بعد كشف النقاب عن قانون "مندل" الوراثي ، واكتشاف وحدات الوراثة ( الجينات) ، وقد جاء في القرآن الكريم ما يقرِّر أنَّ بَدْءَ خلقِ الإنسان من سلالة من طين ثمَّ خلقه من نطفة في قرار مكين ، فكان مادة الخلق الأولى للكائنات هي الماء ، قال تعالى :(وَاللَهُ خَلَقَ كُلَّ دَآبَّةٍ مٍّن مَّآءٍ)[النور:45] ،(وَجَعَلْنَا مِنَ الْمآءِ كُلَّ شَيْىءٍ حَيِّ) [ الأنبياء :30] ، ويبقى الإنسان إنساناً بجميع مقوّماته : شكله وصفاته وعقله لا يتطوَّر ولا يتحوَّل وهو ما يدلُّ على أنَّ الخالق الباري واحدٌ (الَّذِي أَحْسَنَ كُلَّ شَيْىءٍ خَلَقَهُ وَبَدَأَ خَلْقَ الإنسَانِ مِن طينٍ( 7)ثُم جَعَلَ نَسْلَهُ مِن سُلَالَةٍ مِّن مَّآءٍمَّهِين(8) [ السجدة]