قال البغدادي :
"وقد حكى أصحاب المقالات أن سبعة من زعماء القدرية اجتمعوا في مجلس وتكلموا في قدرة الله تعالى على الظلم والكذب وافترقوا عن تكفير كل واحد منهم لسائرهم

وذلك أن قائلا منهم قال للنظام في ذلك المجلس هل يقدر الله تعالى على ما وقع منه لكان جورا وكذبا منه
فقال لو قدر عليه لم ندر لعله قد جار أو كذب فيما مضى أو يجوز ويكذب في المستقبل أو جار في بعض أطراف الأرض ولم يكن لنا من جوره وكذبه أمان إلا من جهة حسن الظن به

قال ما دليل يؤمننا من وقوع ذلك منه فلا سبيل إليه
فقال له علي الأسواري يلزمك على هذا الاعتلال أن لا يكون قادرا على ما علم انه لا يفعله أو أخبر بأنه لا يفعله لأنه لو قدر على ذلك لم يأمن وقوعه منه فيما مضى أو في المستقبل

فقال النظام هذا الإلزام فما قولك فيه
فقال أنا أسوي بينهما وأقول إنه لا يقدر على ما علم أن لا يفعله أو أخبر بأنه لا يفعله كما أقول أنا وأنت أنه لا يقدر على الظلم والكذب

فقال النظام للأسواري قولك إلحاد وكفر
وقال أبو الهذيل للأسواري ما تقول في فرعون ومن علم الله تعالى منهم أنهم لا يؤمنون هل كانوا قادرين على الإيمان أم لا
فإن زعمت أنهم لم يقدروا عليه فقد كلفهم الله تعالى ما لم يطيقوه وهذا عندك كفر
وإن قلت إنهم كانوا قادرين عليه فما يؤمنك من أن يكون قد وقع من بعضهم ما علم الله تعالى أن لا يقع أو اخبر بأنه لا يقع منه على قول اعتلالك واعتلال النظام إنكار كما أنكر قدرة الله تعالى على الظلم والكذب

فقال لأبي الهذيل هذا الإلزام لنا فما جوابك عنه
فقال أنا أقول إن الله تعالى قادر على أن يظلم ويكذب وعلى أن يفعل ما علم أنه لا يفعله
فقالا له أرأيت لو فعل الظلم والكذب كيف يكون مكنون حال الدلائل التي دلت على أن الله تعالى لا يظلم ولا يكذب

فقال هذا محال
فقالا له كيف يكون المحال مقدورا لله تعالى ولم أحلت وقوع ذلك منه مع كونه مقدورا له
فقال لأنه لا يقع إلا عن آفة تدخل عليه ومحال دخول الآفات على الله تعالى

فقالا له ومحال أيضا أن يكون قادرا على ما يقع منه إلا عن آفة تدخل عليه فبهت الثلاثة
فقال لهم بشر كل ما أنتم فيه تخليط
فقال له أبو الهذيل فما تقول أنت تزعم أن الله تعالى يقدر أن يعذب الطفل أم تقول هذا يقول هذا يعنى النظام

فقال أقول بأنه قادر على ذلك فقال أرأيت لو فعل ما قدر عليه من تعذيب الطفل ظالما له في تعذيبه لكان الطفل بالغا عاقلا عاصيا مستحقا للعقاب الذي أوقعه الله تعالى به وكانت الدلائل بحالها في دلالتها على عدله

فقال له أبو الهذيل سخنت عينك كيف تكون عبادة لا تفعل ما تقدر عليه من الظلم
فقال له المردار إنك قد أنكرت على أستاذي فكرا وقد غلط الأستاذ

فقال له بشر فكيف تقول
قال أقول إن الله تعالى قادر على الظلم والكذب ولو فعل ذلك لكان إلها ظالما كاذبا
فقال له بشر فهل كان مستحقا للعبادة أم لا فان استحقها فالعبادة شكر للمعبود وإذا ظلم استحق الذم لا الشكر وإن لم يستحق العبادة فكيف يكون إلها يستحق العبادة

فقال لهم الاشبح أنا أقول إنه قادر على أن يظلم ويكذب ولو ظلم وكذب لكان عادلا كما أنه قادر على أن يفعل ما علم أنه لا يفعله علم لو فعله كان عالما بأن يفعله
فقال له الاسكافي كيف ينقلب الجور عدلا فقال كيف تقول أنت فقال أقول لو فعل الجور والكذب ما كان الفعل موجودا وكان ذلك واقعا لمجنون أو منقوص
فقال له جعفر بن حرب كأنك تقول إن الله تعالى إنما يقدر على ظلم المجانين ولا يقدر على ظلم العقلاء فافترق القوم يومئذ عن انقطاع كل واحد منهم."


الفرق بين الفرق لعبد القادر البغدادي
(198-199-200)