أدبُ الرافعي .
كان الرافعي أحد أعلام الأدب العربي الكبار ، إن لم يكن واحدهم وكبيرهم ، سد من مفاقر الإنتاج في هذه اللغة الشريفة ما لولاه لم يسد ، وظهر بأسلوبه البديع الذي لم يقلد فيه أحدا ولم يستطع أن يقلده فيه أحد ، فزاد في عصور تاريخ أدب العرب عصرا قوامه منه فقط ووجوده به لا غير .
كان الأدب القديم - كما يسمونه - قد اضمحل واندثر ودالت دولته وذهبت صولته فبعثه وأحياه ، ولكن لا بنفخ الروح في عظامه الفانية ورممه البالية ، وإنما بإعادة تكوينه من جديد وابتداء خلقه لثاني مرة .
فأنت إذا قرأته أحسست أنك تقرأ إماما من أئمة اللغة وحجةً من حُجَجِ العرب أهل القرن الثاني أو الثالث ؛ لتمكنه من مادته وبلوغه الغايةَ في عبارته وترفعه عن سقط الألفاظ وتصرفه في الكلم تصرفَ الواضعِ الذي تنقل عنه اللغة ويُقتدى به فيها .
وأنت إذا درستَه خرجتَ من دراسته بفلسفة عالية تزاوج بين العلم والدين والأدب والخلق وتنزل في شرع المادة على حكم الروح وفي شرح الروح على حكم المادة ، ليس فيها إلحاد ولا تعصب وليست دعوة إلى إباحية ولا تزمُّتٍ .