السؤال

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
أنا فتاة في العشرين مِن عمري، بكرُ أمي وأبي، وأمي في منتصف الأربعينيَّات تقريبًا.

قديمًا كانتْ تمنعني أن ألبسَ ثوبًا ضيقًا أو قصيرًا، خاصة أمام أبي وإخوتي الذكور، حتى كبرتُ وكبرتْ معي عادة السِّتر، أما الآن فقد انقلب الوضعُ؛ فأصبحتْ أمي تلبس الضيق أمام إخوتي الذكور، وأمام إخوانها وأخواتها، وتهتم "بالموضة"، وتهتمُّ بما يقولُه الناس عنها، وتهتم بمدحِهم وذمِّهم.

كانتْ قديمًا تحرص على عباءة الرأس والنقاب والجوارب، والآن ترتدي عباءة الكَتِف المطرَّزة والملونة اللافتة للانتباه، وتستغني عن الجوارب.

كانت تهتمُّ بنا كثيرًا، والآن تخلَّتْ عن مسؤولية كونها أمًّا، وتركتْ مسؤولية إخوتي عليَّ.

أمي ليستْ بذلك السوء؛ فهي تحبنا وتخاف على مصلحتنا، وتنصحنا أحيانًا، ولو أنني كثيرًا لا ألتزم بنصيحتها - وإن كانتْ تريد لي الخير - فلأني أرى أن نصيحتَها فيها معصيةٌ لمن خلقني.

كانتْ تحافظ على الصلوات في وقتها، لا سيما صلاة الفجر، والآن تنام في وقت الصلاة، وتصلِّي إن استيقظتْ، كذلك قراءة القرآن، فأصبحتْ لا تقرؤه، وانشغلتْ عنا بالإنترنت وبوظيفتها!

أما عن أبي، فهو في هامش المنزل، وهو - والحمد لله - بكامل صحته الجسدية، ولكن أمي لا تهتم به، ولا تطيعه، وتركتْ مسؤولية أكله وخدمته عليَّ .

كذلك هي عصبية، ولا تقبل النقاشَ في هذه المسائل؛ فقد سبق وناقشتُها فخرجنا بدون فائدة، تعبتُ معها كثيرًا.

أرجوكم انصحوني، ماذا أفعل معها؟!

الجواب

بسم الله الموفِّق للصواب
وهو المستعان

أيتها العزيزة، لكل مشكلةٍ سببٌ، ومِنْ أهمِّ أسباب تغيُّر حال والدتِكِ الحال التي عليها والدُكِ! وحتى تَقِفِي على هذا العامل المهم، ينبغي أولًا أن تتزوَّجي لتعرفي شعور الزوجات المهمَلات عاطفيًّا! كما أن لعاملِ السنِّ وما يجر وراءه من شعور بذبول الوَرْد، وتغضُّن الجلد، وابيضاض الشعر المسودِّ، وذَهاب محاسن الوجه في زمن كهذا يُعلِي من شأن المرأة الجميلة وإن نبتت في مَنْبت السوءِ - دورًا رئيسًا في تركُّز اهتمامات والدتكِ بالناحية الجمالية، مع الاعتبار بأن عنايةَ المرأة بجمالها وزينتها حقٌّ فطريٌّ وشرعي، وإن خالف العرفَ السمج فطرةَ الأنثى التي أقرَّها الشارعُ الحكيمُ في كتابه العزيز؛ ﴿ أَوَمَنْ يُنَشَّأُ فِي الْحِلْيَةِ وَهُوَ فِي الْخِصَامِ غَيْرُ مُبِينٍ ﴾ [الزخرف: 18].

كلمة الأم لا تعني التبذُّل في البيت بلا زينةٍ كرمَى لعين الأبناء، فوالدتُكِ قبل أن تُصبِح أمًّا هي أنثى وزوجة، ومِن واجبها ملءُ عين والدكِ بجمالها وزينتها ليَمِيل طبعُه إليها، مع مراعاة الحشمة في وجودكِ أنتِ وإخوتكِ.

أما النصيحةُ للوالدين، فليست كالنصيحةِ لغيرهما مِن عامَّة الناس، بل هي أشبه بمُناصَحة الملوكِ والأمراء، ومناصَحةُ الملكِ تَستَوجِب الحكمةَ، وإظهارَ التوقير والإعظام، والتلطُّف في الكلمات والعبارات، وتخيُّر أوقات الرضا وطيب النفس، وألَّا تكون النصيحةُ على رؤوس أحدٍ مِن الناس، فلا تجعلي علمَكِ وبلوغَكِ لرشدِكِ ذريعةً لكسر قلبِ والدتِكِ!

مِن الأفضل الاستعاضةُ عن النصيحة المباشرة بطرقِ الدعوة غير المباشرة؛ كدعوتها إلى حضور ندوةٍ، أو محاضرةٍ، أو دورةٍ تُعالج بعض المشكلات التي تستقبحينها في سلوكها! وما دامتْ والدتُكِ الكريمةُ امرأةً متعلِّمةً، وتتصفَّح الشبكة؛ فاستثمري هذه الوسيلة الفعَّالة في نقلِ أفكارِكِ إليها، وتذكيرها بواجباتها ومسؤولياتها، بأسلوبٍ لطيفٍ، ومهذَّب ومؤثر؛ كتلك التغريدات الدعوية المميَّزة على موقع التواصل الاجتماعي "تويتر"، أو المشاركات المبدِعة على موقع التواصل الاجتماعي "فيس بوك"، ومن خلال منشورات البريد الإلكتروني، والمواقع والمدونات ونحوها.

الدعوة إلى الله - تعالى - تحتاج إلى داعيةٍ ذي تفكيرٍ إبداعي، وقلبٍ شَفوق، ونصحُ الأم يستوجِب حبًّا يلمع في نظرات عينيكِ، وفي ابتسامة شفتيكِ، وإلا فكلُّنا قادرون على الوعظ المنفِّر، والنهي عن المنكر بمنكر!

وعسى اللهُ أن يفتحَ لوالدتكِ العزيزة أبوابَ العبادة، ويوفِّقها للطاعة والهداية، ويرزقكم جميعًا الحكمةَ، وحسن العِشْرة، وكمال العقل، ودوام المسرَّة، آمين.

والله - سبحانه وتعالى - أعلم بالصواب، وله الحمدُ والنعمةُ، وبه التوفيق والعصمة




http://www.alukah.net/fatawa_counsel...#ixzz4NYxfMS6W