الدرس السادس والستون- السنة
زيادة الثقة في السند - حمل الصحابي الخبر على أحد معنييه
أولا: لو روى جماعة حديثا مرسلا بأن لم يذكر الصحابي ورواه واحد مسندا، أو رواه جماعة موقوفا ورفعه واحد فحكم هذه الزيادة كحكم الزيادة في المتن التي سبقت.
فيقال: إن علم تعدد مجلس السماع من الشيخ قُبِلَ الإسناد أو الرفع؛ لجواز أن يفعل الشيخ ذلك مرة دون أخرى، وكذا إن لم يعلم تعدد المجلس ولا اتحاده لأن الغالب فى مثل ذلك التعدد.
وإن اتحد ففيه تفصيل فيقال: إن كان مثل المرسلين أو الواقفين لايغفل عادة عن مثل الإسناد أو الرفع لم يقبل، وإلا قُبِلَ ما لم يكونوا أضبط، أو صرحوا بنفي الإسناد أو الرفع على وجه يقبل كأن قالوا: ما سمعنا الشيخ أسند الحديث أو رفعه فإنه يتعارض الصنيعان فيصار إلى الترجيح.
ثانيا: إذا روى الصحابي حديثا يحتمل معنيين فأكثر فحمله هو على أحدهما فهل يؤخذ بحمله لتعيين معنى الحديث ؟
فيه تفصيل كالتالي:
1- أن يكون المعنيان متنافيين كالقرء له معنيان متنافيان وهما: الطهر والحيض، ثم لو حمله الصحابي الذي روى حديث القرء على أحدهما فحينئذ يحمل الخبر عليه؛ لأن الظاهر أنه لا يحمله عليه إلا لقرينة تدل عليه لمشاهدته صاحب الشريعة.
2- أن يكون المعنيان غير متنافيين، ثم حمله الصحابي على أحد معنييه فحينئذ يكون كحمل المشترك على معنييه معا- وقد تقدمت المسألة في مباحث الكتاب- فنحمل الخبر على المعنيين معا، وإنما لم نأخذ بحمل الصحابي لأنه لا حصر في كلامه وإنما هو أخذ بمصداق من مصاديق ذلك المشترك فيحتمل أنه يقول بالآخر أيضا واقتصر على الأول لا لغرض الحصر بل للتمثيل، وذلك كلفظ العين فلو حمله على الجارية لم يمنع من حمله على الباصرة أيضا حملا للفظ المشترك على كلا معنييه.
3- أن يكون المعنيان غير متساويين بل أحدهما هو الظاهر كالحقيقة والمجاز، ثم حمله الصحابي الذي روى الحديث الذي فيه اللفظ الظاهر في أحد المعنيين على غير المعنى الظاهر كأن حمله على المجاز أو حمل الأمر على الندب وظاهره الوجوب فأكثر العلماء يحملونه على الظاهر ولا يأخذون بما حمله الصحابي عملا بظاهر الحديث ما لم تكن هنالك قرينة.
( شرح النص )
ولَوْ أَسْنَدَ وأَرسَلُوا أو رفعَ ووقَفُوا فكالزيادةِ، وإذا حَمَلَ صحابيٌّ مَرْوِيَّهُ على أَحَدِ مَحْمَلَيهِ حُمِلَ عليهِ إِنْ تنافيا، وإلا فكالمشتركِ في حملِهِ على معنييهِ، فإنْ حَمَلَهُ على غيرِ ظاهرِهِ حُمِلَ على ظاهِرِهِ في الأَصحِّ.
......................... ......................... ......................... ..................
( ولَوْ أَسْنَدَ وأَرسَلُوا ) أي أسند الخبر إلى النبي صلى الله عليه وسلم واحد من رواته وأرسله الباقون بأن لم يذكروا الصحابي ( أو رفعَ ووقَفُوا ) أي رفع الخبر إلى النبي صلى الله عليه وسلم واحد من رواته ووقفه الباقون على الصحابي ( فكالزيادةِ ) أي فالإسناد في المسألة الأولى والرفع في المسألة الثانية كالزيادة في المتن فيما مرّ من التفصيل- وكذا الخلاف- فيقال: إن علم تعدد مجلس السماع من الشيخ قُبِلَ الإسناد أو الرفع؛ لجواز أن يفعل الشيخ ذلك مرة دون أخرى، وكذا إن لم يعلم تعدد المجلس ولا اتحاده لأن الغالب فى مثل ذلك التعدد، وإن علم اتحاد المجلس ففيه تفصيل فيقال: إن كان مثل المرسلين أو الواقفين لايغفل عادة عن مثل الإسناد أو الرفع لم يقبل، وإلا قُبِلَ ما لم يكونوا أضبط، أو صرحوا بنفي الإسناد أو الرفع على وجه يقبل كأن قالوا: ما سمعنا الشيخ أسند الحديث أو رفعه فإنه يتعارض الصنيعان فيصار إلى الترجيح، ومعلوم أن التفصيل بين ما تتوفر الدواعي على نقله ولا تتوفر لا يمكن مجيئه هنا، كما أن التفصيل بين ما يغير الإعراب أو لا يغيره لا يمكن مجيئه هنا أيضا، ويعتبر تعدد مجلس السماع من الشيخ هنا كتعدد مجلس السماع من النبي صلى الله عليه وسلم ثَمَّ ( وإذا حَمَلَ صحابيٌّ مَرْوِيَّهُ على أَحَدِ مَحْمَلَيهِ حُمِلَ عليهِ إِنْ تنافيا ) كالقرء يحمله على الطهر أو الحيض، لأن الظاهر أنه إنما حمله عليه لقرينة، وتوقف الشيخ أبو إسحاق الشيرازي فقال في اللمع: فيه نظر أي لاحتمال أن يكون حمله لموافقة رأيه لا لقرينة. وخرج بالصحابي غيره، وقيل: مثله التابعي، والفرق على الأصح أن ظهور القرينة للصحابي أقرب (وإلا ) أي وإن لم يتنافيا ( فكالمشتركِ في حملِهِ على معنييهِ ) أي فحكمه حكم المشترك المتقدم وقد تقدم أن الأصح أنه يحمل على كلا المعنيين فحينئذ يحمل المرويُّ على محمليه معا ولا يختص بحمل الصحابي إلا على القول بمنع حمل المشترك على معنييه فإن قلنا به فحينئذ يحمل عل ما حمله الصحابي ( فإنْ حَمَلَهُ ) أي حمل الصحابي مرويه فيما لو تنافى المحملان ( على غيرِ ظاهرِهِ ) كأن حمل اللفظ على معناه المجازى دون الحقيقي ( حُمِلَ على ظاهِرِهِ في الأَصحِّ ) اعتبارا بالظاهر، وفيه وفي أمثاله قال الشافعي: كيف أترك الحديث بقول من لو عاصرته لحججته، وقيل: يحمل على حمله لأنه لم يفعله إلا لدليل. قلنا: في ظنه وليس لغيره اتباعه فيه؛ لأن المجتهد لا يقلد مجتهدا فإن ذكر دليلاً عمل به، أما إذا لم يتناف المحملان فظاهرٌ حمله على حقيقته ومجازه بناء على الراجح من استعمال اللفظ فيهما.