السؤال

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
أريد الزواج مِن فتاة زميلة لي في العمل تتميز بالصفات الآتية:
- حسنة الخُلُق بشهادة كل زملائنا، ومَن هم أقدم مني في مكان عملنا.
- لباسها شرعي يستر جميع البدَن.
- تحافِظ على صلاتها.
- راجحة العقل, ذكيَّة, قانعة بما قسَمه اللهُ لها من صحَّة أو مال.
- مجتهدة؛ تُكمل تعليمها الجامعي, تتعلم اللغة الإنجليزيَّة, وتُتابع حضور دورات للتنمية البشرية.
- تتميَّز باللباقة وحُسن معاملة الناس.
- على قدرٍ ليس بقليل من الجمال.
- أهلُها طيِّبون وذَوو أخلاقٍ عالية,
كلُّ ذلك شجَّعني على الارْتِباط بها.
لكن بالرغم من كل ذلك، فإنِّي مُتردِّد للأسباب الآتية:
- تكبرني بأعوام كثيرةٍ، فأخشى أن تهرم سريعًا؛ فأندم لأني تزوجتُ امرأةً يتعدَّى سنها السن المنطقي لزوجات مَن هم في مِثْل عمري بعشر سنوات تقريبًا، لكن كل مَن يراها ولا يعرف عمرها، يظن أنها أصغر مِن عمرها الحقيقي؛ لاهتمامِها بنفسها، ولأنها تحمل ملامح طفوليَّة.
أشعر بأنها تميل لي؛ لأني - والحمد لله - مشْهود لي بأخلاقي الطيِّبة، وأثنتْ عليَّ عدة مرات وعلى أخلاقي، ولمحتْ لي بأنها لا تُبالي بفارق السن إذا تقدَّم لها مَن هو أصغر منها؛ لأنَّ الأصل في الزواج التكافُؤ في الدِّين، والنبيُّ - صلى الله عليه وسلم - تزوَّج السيدة خديجة - رضي الله عنها - وهي تكبره بخمسة عشرَ عامًا؛ لكني أخشى أن أشعر بعد ذلك بالحنق؛ لأنها جذبتْني لها، وجعلتْني أُعجب بحُسن أخلاقها، وطيبتها، وجمالها، بالرغم من الفروق التي بيننا، ولم تتركني أتزوَّج بمَن هي أصغر سنًّا؛ أي: إنها خطَّطتْ للإيقاع بي لتتزوَّجني.
- سبق لها الزواج، أمَّا أنا فلا، فهي مطلَّقة منذ عامَيْن، وقد أعلنتْ أنَّ سبب طلاقها هو أنها لم تُنجبْ أولادًا لزوجِها، ولم ترضَ أن يتزوَّج عليها، فاختارت الفراق! وتدعو الله دائمًا أن يأجرها في مصيبتها، وأن يرزقَها خيرًا منه، وأن يرزقه ويرزقها الذرية الصالحة.
- أخشى ألا أُنجب منها إذا تزوجتُها لكبرها، أو لسبب عدم إنجابها، ولا أدري ما السبب الحقيقي؟!
أرتاح لها، وأرغب في الزواج منها، لكن هذه السلبيَّات تجعلني أتردَّد، صلَّيتُ صلاة الاستخارة كثيرًا، ولا أزداد إلا رغبةً فيها، وأيضًا ما زلتُ مُتردِّدًا في ارتباطي بها، فبمَ تنصحونني؟ كيف أتَّخذ قراري؟ أخشى أن أندمَ إن تركتُها، وأخشى أن أندم إن تزوجتُها!

فماذا أفعل؟ وجزاكم الله خيرًا.

الجواب

وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته.
يُقال: إنَّ العقل والعاطفة خصمان، قلَّ أن يتَّفقا, ولا أرى إلا سمات الاعتدال والتوازُن، بل وربما التوافُق بينهما لديك ظاهرة جليَّة, وبهذا نتيقن أن العاطفة لم تتملَّكك بعدُ، ولم تنشرْ أشرعتها بما يعوقك عنِ اتخاذ القرار الحكيم - بإذن الله - فإن أردتَ الخير لنفسك ولها، فاجعلْ تفكيرك على هذا النحو: الموازنة بين عقلك وقلبك, وإياك إياك أن يُسيطرَ أحدُهما على الآخر، فيتغلَّب عليه ويقهره.
لا يوجد مانعٌ شرعي يحول دون الزواج بالمرأة الكبيرة؛ سواء كانتْ تكبرك بسبع سنوات، أو بعشرين سنة، ما دام الاتفاقُ قد حدث بينكما, لكن لا يخفى عليك - وقد لاحظتُ أكبر تردُّدك بسبب هذا الأمر - أن الفارقَ بين الرجل والمرأة كبير، والسنوات التي بينكما ليست هيِّنة إن كان الفارقُ لصالحها، ولا يلتفت إليه إن كان الفارق لصالحك؛ لماذا؟
لأنَّ هناك فرقًا كبيرًا بين الرجل والمرأة بعد الأربعين؛ وكما هو معلوم تبلغ الفتاة - غالبًا قبل الفتى بسنوات, ومع مرور الزمن سرعان ما تظهر آثار العمر على المرأة، ولو كانتْ تحمل تلك الملامح الطفولية البريئة، التي لن تلبث أن تزولَ وتكشر الحقيقة عن أنيابها, وهنا أخشى أن تتحقق مخاوفك: "فأندم لأني تزوجتُ امرأةً يتعدى سنها السن المنطقي لزوجات مَن هم في مثل عمري بعشر سنوات تقريبًا", والمرأة غيور بطبعها، فلن تسمح بالتعدُّد، ولن ترضى به - كما حدث في زواجها الأول!
خوفُك من عدم الإنجاب في محلِّه, لكن لا أتوقع أن يكونَ السببُ كبر عمرها؛ فأمامها على الأقل عشر سنوات، بإمكانها أن تنجبَ فيها إن لم يكنْ لديها مانعٌ طبيٌّ, وإنما السبب الذي من المفترض أن يكونَ وراء هذا الخوف تأخُّرها في الإنجاب, ولستُ أدري هل بقيتْ مع زوجها الأول عامين كاملين لم تعرفْ فيها أين مُشكلتها؟ وهل تَمَّ الانفصالُ دون الوُقُوف على أسباب تأخُّر الإنجاب؟ أو إنها آثرتْ ألا تتحدَّث في مثل هذه الأمور الشخصيَّة؟
لا بُدَّ مِن الوقوف على الأسباب الحقيقيَّة قبل الارتباط بها، وتحميلها المزيد من الآلام بتَكْرار تجربة الانفصال لنفس الأسباب, فإن تيقنتَ من صعوبة الإنجاب لديها، أو وقفتَ على السبب الحقيقي, فبإمكانك حينها أن تقرِّرَ قدرتك عن الاستغناء عن الأبناء، والتخلي عن تلك الفكرة، أو أن تتمسَّك بها، وهذه فطرةٌ وطبيعة في كل بشر؛ أي: الرغبة في الإنجاب.
آخر ما أعتب فيه عليك وعليها أن تتجاوزا في الحديث والاختلاط غير الشرعي، وأن تمتدح أخلاقك علانية، وأكثر من مرة!
وكم تألمتُ حقيقةً لقولك: "وأثنتْ عليَّ عدة مرات وعلى أخلاقي، ولمحتْ لي بأنها لا تُبالي بفارق السن"، يا أخي الفاضل, لا يجوز أن تحادثك بهذه الصورة، ولا أن تُثني على أخلاقك، أو أن تُثني على أخلاقها, فأيُّ رباطٍ شرعي سمح لكما بمِثْل هذا الحديث؟ ليس في ديننا مُحادثات بين الرجال والنساء، وليس فيه ثناء على الأخلاق بهذه الصورة التي تُغيِّب العقل وتُشوش عليه!
فأرجو أن تعيدَ التفكير في سلوكك مع زميلات العمل بشكل عام، ومن تنجذب إليها بشكل خاصٍّ, هذه بليةٌ عظيمةٌ، وشر مُبين، أن يتهاونَ الرجل شيئًا فشيئًا، وتتمزَّقَ الحُجب بينه وبين زميلة العمل؛ حتى تذهبَ الهيبةُ، ويزولَ الفارقُ، ويصبحَ الحديثُ بينهما كصديقين حميمين، أو أخوين قريبين، أو أشد مِن ذلك! وتذكَّر أن الشيطان يجري من ابن آدم مجرى الدم، وأن فتنة النساء مِن أعظم الفِتَن، وأشدها خطرًا، وأسرعها انتشارًا، وأقواها تأثيرًا, فتنبَّهوا يا شباب الإسلام، واحذروا مداخل الشيطان، واعتصِموا بالله، والتزموا أوامره.
ما ذكرتَه عنها من صفات طيبةٍ يُشجِّع على الاقتران بها، لكن ما يَحِيك في صدْرك نحوها قبل أن ترتبطَ بها لا يبشِّر بخيرٍ، ولا يوحي بقناعةٍ داخليةٍ لديك بها, فمن الآن تُفكِّر في أقوال قد تتردد على ذهنك بعد سنوات, وأسئلةٍ تعتقد أنها ستحيرك وتعود بك إلى الوراء؛ حيث تنظر من زاويةٍ أكثر عدلًا: "أخشى أن أشعرَ بعد ذلك بالحنق لأنها جذبتْني لها، وجعلتْني أعجب بها، وبحُسن أخلاقها", "لم تتركني أتزوَّج بمن هي أصغر سنًّا", "خططتْ للإيقاع بي لتَتزوَّجني".
إن كان كل ذلك يطفو على السطح من الآن، وهذه المخاوف تُسيطر عليك أثناء رغبتك فيها وميلك إليها, فكيف سيكون حالُك بعد زوال أبخرة الانجذاب، وانتهاء مدَّة الإعجاب، والوقوف على الحقيقة بكل ما فيها؟

لا يسعني في النهاية إلَّا أن أُذكركَ بالتوكُّل على الله، ودُعائه أن يُوفِّقكَ ويهديك للقرار الصحيح، وأن يرزقَ كليكما بمَن يُصلح له، ويُعينه على أمرِ دينه ودنياه, واللهُ الموفق وهو الهادي إلى سواء السبيل.


http://www.alukah.net/fatawa_counsel...#ixzz4NDwKpO49