قال المعلمي رحمه الله

باب تزويج الصغار من الكبار (تزويج عائشة)
رقم (5081)
(ونص الحديث: عن عروة أن النبي - صلى الله عليه وسلم - خطب عائشة إلى أبي بكر، فقال له أبو بكر: إنما أنا أخوك، فقال: "أنت أخي في دين الله وكتابه، وهي لي حلال".).

" فتح الباري" (11/ 32):

"وقال ابن بطَّال: يجوز تزويج الصغيرة بالكبير إجماعًا، ولو كانت في المهد، لكن لا يُمكَّن منها حتى تصلح للوطء. فرمز بهذا إلى أن لا فائدة للترجمة؛ لأنّه أمرٌ مجمع عليه. قال: ويؤخذ من الحديث أنّ الأب يزوج البكر الصغيرة بغير استئذانها.
قلت: كأنّه أخذ ذلك من عدم ذكره، وليس بواضح الدلالة، بل يحتمل أن يكون ذلك قبل ورود الأمر باستئذان البكر، وهو الظاهر، فإنّ القصة وقعت بمكة قبل الهجرة".

* (قال البخاري باب إنكاح الرجل ولده الصغار لقوله تعالى: {وَاللَّائِي لَمْ يَحِضْنَ} فجعل عدتها ثلاثة أشهر قبل البلوغ (5133).
حدثنا محمد بن يوسف حدثنا سفيان عن هشام عن أبيه عن عائشة: "أنّ النبي - صلى الله عليه وسلم - تزوجها وهي بنت ستِّ سنين، وأدخلت عليه وهي بنتُ تسعٍ ومكثت عنده تسعًا".

"فتح الباري" (9/ ص 71) (9/ 190):
" ... وهو استنباط حسن، لكن ليس في الآية تخصيص ذلك بالوالد ولا بالبكر. ويمكن أن يقال: الأصل في الأبضاع التحريم إلا ما دلّ عليه الدليل، وقد ورد حديث عائشة في تزويج أبي بكر لها وهي دون البلوغ، فبقي ما عداه على الأصل ... قال المهلب: أجمعوا أنّه يجوز للأب تزويج ابنته الصغيرة البكر، ولو كانت لا يوطأ مثلها، إلاّ أنّ الطحاوي حكى عن ابن شبرمة منعه فيمن لا توطأ ( الذي في "مختصر اختلاف العلماء" (2/ 257) أن ابن شبرمة منع تزويج الصغار مطلقًا.)
وحكى ابن حزم "المحلى" (9/ 459)

عن ابن شبرمة مطلقًا أنّ الأب لا يزوج بنته البكر الصغيرة حتى تبلغ وتأذن، وزعم أنّ تزويج النبي - صلى الله عليه وسلم - عائشة وهي بنت ست سنين كان من خصائصه".

* عن أبي سلمة أن أبا هريرة حدَّثهم أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "لا تُنكح الأَيِّم حتى تُستأمر ولا تُنكح البكر حتى تُستأذَن" ( رقم (5136).

"فتح الباري" (9/ ص 72) (9/ 191 - 192).
: " ... ثمّ إنّ الترجمة معقودة لاشتراط رضا المزوَّجة بكرًا كانت أو ثيبًا، صغيرةً كانت أو كبيرة، وهو الذي يقتضيه ظاهر الحديث، لكن تُستثنى الصغيرة من حيث المعنى لأنها لا عبارة لها".

"فتح الباري" (9/ ص 73) (5): "قال (لعله ابن شعبان) (6): وفي هذا الحديث إشارة إلى أنّ البكر التي أُمِرَ باستئذانها هي البالغ، إذ لا معنى لاستئذان من لا تدري ما الإذن، ومن يستوي سكوتها وسخطها" اهـ.

يقول كاتبه: أمّا الآية ففي دلالتها على صحة زواج الصغار نظر؛ وذلك أنّ قوله: {وَاللَّائِي لَمْ يَحِضْنَ} يصدق على اللائي لم يحضن لِعِلّة، مع أنهنَّ بالغات، وعلى اللائي لم يحضن لصغرهنّ، فليست خاصة بالصغار.
فإن قيل: نعم، ولكنها تعمُّهنّ.

قلت: العموم هنا مقيّد بكونهن أزواجًا؛ لأنّ المعنى: واللائي لم يحضن من نسائكم المطلقات، فلا تعمّ إلا اللائي لم يحضن وهنّ أزواج.
فمعنى الآية: أن كل من لم تَحِضْ من أزواجكم عدتها ثلاثة أشهر. ولا يلزم من هذا أنّ كلّ مَنْ لم تحض يصحّ أن تكون زوجة، كما تقول: كل طويل من بني تميم شريف. فلا يلزم منه أنّ كل طويل من الناس يمكن أن يُجعل من بني تميم. فتأمّله، فإنّه دقيق!

ثم لو فرض أنّ الآية تدل بعمومها على صحة زواج الصغار، فللمخالف أن يقول: هي مخصصة بقوله - صلى الله عليه وسلم -: "ولا تنكح البكر حتى تستأذن". إذ معناه: حتى يطلب منها الإذن فتأذن. والصغيرة إنّما يصدق عليها شرعًا أنها أذنت بعد بلوغها، فيلزم منه: لا تنكح الصغيرة حتى تبلغ، فتُستأذن فتأذن.

وقد تقدم في الكلام "الفتح" أنّه لا معنى لاستئذان الصغيرة، وأنّه لا عبارة لها.
ولكنهم حاولوا بذلك إخراجها من الحديث، وهو مردود لدخولها في عموم البكر. وعدمُ صحة استئذانها وإذنها في حال الصغر لا يكفي في إخراجها؛ لأنّ استئذانها وإذنها ممكن بعد أن تبلغ.

وفي كلام "الفتح" في باب تزويج الصغار من الكبار ما يتضمن الاعتراف بهذا، كما تقدم. فقد ثبت أن لا دلالة في الآية.
وبقي زواجه - صلى الله عليه وسلم - عائشةَ

فأمّا ما نُقِل عن ابن شبرمة أنّه من خصائصه - صلى الله عليه وسلم -، فلم يذكروا دليله، فإن كان قاله بلا دليل، فهو مردود عليه لأنّ الخصوصية لا تثبت بمجرد الاحتمال، بل فعله - صلى الله عليه وسلم - حجة ما لم يثبت الاختصاص. وإن كان قاله بدلالة قوله - صلى الله عليه وسلم -: "ولا تنكح البكر حتى تستأذن" على ما قدّمنا، ففيه نظر؛ لما ذكره الحافظ من أنّ زواج عائشة كان قبل هذا الحديث.

فإذا كان الحديث يدلّ على المنع فيحتمل أن يكون المنع إنّما لزم من حينئذ، ولم يكن المنع سابقًا.
وحينئذٍ يكون زواج عائشة جاريًا على الحكم السابق، وهو عدم المنع، فلا خصوصية. وقد يؤيد هذا ما روي عنه - صلى الله عليه وسلم - أنّه قال في بعض بنات عمِّه العباس: "إن أدركَتْ وأنا حيّ تزوَّجتُها" أو كما قال (أخرجه أحمد (26870) وأبو يعلى (7075) وغيرهما من حديث ابن عباس بلفظ: "لئن بلغتْ بُنيَّة العباس هذه وأنا حيّ، لأتزوجنَّها". قال الهيثمي في "مجمع الزوائد" (4/ 276): "في إسنادهما الحسين بن عبد الله بن عباس، وهو متروك، وقد وثقه ابن معين في رواية"

نعم، مقصود ابن شبرمة من ردّ الاستدلال بزواج عائشة حاصل على كلّ حال؛ لأنّه إن لم يكن على وجه الخصوصية فهو منسوخ.
ولا يقال: كان يجب لو كان منسوخًا أن يفارقها النبي - صلى الله عليه وسلم - عند ورود النسخ، لِما هو ظاهر من أنّ النسخ إنّما يتسلط على ما يتجدّد من الأعمال، لا على ما تقدّم قبله.

ثم إنّه لم يرد النسخ حتى بلغت عائشة - رضي الله عنها -. ومع هذا، فيحتمل أن يكون معنى قوله - صلى الله عليه وسلم -: "لا تنكح البكر حتى تستأذن" أي لا يبتّ نكاحها، فأمّا أن يقع العقد من الوليِّ ويكون البتُّ موقوفًا على رضاها = فلا، كما يقوله بعض الفقهاء في البكر البالغة، بل وفي الثيب، وعلى قياس ما يقولونه في بيع الفضولي.
فإن صحّ هذا الاحتمال فلا مانع من أن يكون عقدُ أبي بكر بعائشة من هذا القبيل، ثم حين بلغت تسع سنين، بلغت وأقرَّت العقد.

وعليه فلا مخالفة، ولا نسخ، ولا خصوصية.
لكن ظاهر قوله - صلى الله عليه وسلم -: "ولا تنكح البكر" يأبى ما ذُكر. فتأمّل.
وعلى كل حال، فليس بيد الجمهور دليل على صحة زواج الصغيرة إلا الإجماع. ولم يثبت في المسألة إجماع إذا عرَّفنا الإجماع بما كان يعرِّفه به الشافعي وأحمد. بل غايته أنّه قول لم يُعرف له مخالف قبل ابن شبرمة.
والشافعي وأحمد لا يعتبران مثل هذا إجماعًا تردُّ به دلالة السنة. فمذهب ابن شبرمة قويٌّ، والله أعلم.