قصيدة ( في ظلال البردة )



القصيدة الفائزة بالمرتبة الثالثة في جائزة البردة الحموية في مدح خير البرية دورة 1436 هـ



ناجيتُ طيفـكَ في صحْوٍ وفـي حُلُـمِ

يا مـنْ هواهُ جـرى شُهداً بنبضِ دَمِي



ناجيتُ طيـفكَ لا أبغـي سـواكَ فمـا

أهـيمُ للـبان شَـوقاً أو لـذي سَلَمِ



فما نظمـتُ الـقوافـي فيكَ مُشرقـةً

إلا تفـتَّـح نسـرينٌ بـروضِ فمـي



ولأْلأَتْ فِي حروفـي أنْجـمٌ سَطَعـتْ

وانسابَ فـي السِّفْر ياقوتٌ من الكَلِمِ



فَظِلُّ نورِكَ أهـدى النَّــيِّرينِ ســناً

وللضُّـحـى ألـقاً والـجودَ للـدِّيَمِِ

ناجيتُ طيفـكَ أبغي الـوصلَ فانتثرتْ

روحـي مبعـثرةً ترنـو إلـى الـخِيَمِ

جذلى تداعبُ أوتـارَ الْجَـوى طَـرَباً

بـغـيْـر حبِّ نَبـيِّ الـلهِ لَم تـهِمِ

فمَــنْ يُلمـلمُ روحي بعد ما عَلِـقَتْ

بروضةِ المـصطفى , بالبـيت ,بالحرمِ ؟

دعني أبثُّ الـدُّجى شـوقاً يُـتَيِّمُنـي

وقـل لِمَن لامَ شـوقي للحبيـب : لُمِ

وسَلْ عُيوني التي فاضَ السُّـهادُ بـهـا

لظىً , وسـلْ جَفْنِيَ المَقـروحَ عن وَرَمِ

لَمّا تـذكرتُ والـذكرى لـها شَجَنٌ

عهداً بطيـبـةَ طرْفُ الشَّـوق لم ينَـمِ

وأمطـرَ القلبُ تَـحنـاناً فجرَّعـنِي

كـأساً من البَـيْـنِ بل من وابلِ السَّقمِ

وسافر الليلُ فـي عينـي.. فلا وَسَـنٌ

وحبـلُ دمْـعـي بـخدِّي غيرُ مُنصرمِ

ناجيتُ طيفكَ فالدنيا تضـوعُ شــذاً

يا مَـن صفـاتُـك في الأشعـارِ لم تُرَمِ

كانـوا على سَـفَهٍ فـي جـاهليتهم

ولم يريقوا الـدِّمـا في الأشهرِ الْحُـرُمِِ

كم قطَّعوا رَحِماً ! كـم دَنَّسـوا شَـرَفاً

من زهرةٍ سُبِيَتْ والكـونُ في صَـمَمِ!

كم عابدٍ صنـماً يرجـو نـدى يـدِه

يُـغضي له وَجِلاً من خشـيـةِ النِّقَم !

تبكي الـرمـالُ إذا مـوءودةٌ دُفِـنَتْ

ولَم تَسِـلْ من أبيهـا عَـبْـرةُ النَّـدمِ

...ظلوا إلى أن أتى غيثُ النبـيِّ هـدىً

يروي قلـوباً قَسَتْ من مَنهـلٍ شَبِـمِ

بلمـسـةٍ من شـريـفِ الكفِّ حانيةٍ

يـجلو شـقـاءً لطفـلٍ شاخَ في اليُتُمِ

به امـتطــتْ أُمَّـةٌ هـامَ العُـلا نُجُباً

وقبلُ كانـوا رعاةَ العِيْسِ والـدُّهُـمِ

كم أنـجـبـتْ رجلاً باهـى الزمانُ به

ذُرا العلا كـأبـي بكرٍ ومعـتصمِ !

وها هي اليـومَ تَمضي في غَـوايـتهـا

سَكـرى أ تُروى صديداً من خمورِ دمِ ؟

فطرْفُها عـن هُـدى خيـرِ الأنام عَمي

وقلبُـها بسهـامِ الـمعـتـديْن رُمِي

تَـئِـنُّ مُطـرقـةً ثكـلى مُـمَـزَّقةً

فـي صدرها حجَرٌ , والأُذْن في صَمَمِ

تُقَدِّسُ الغـربَ تتـلو نُصـحَـهُ سُوَراً

أينصـحُ الـذئـبُ قُطعاناً من الغَنَمِ ؟

فلتنهضِ اليـومَ مــن أوهـام غفلتها

حتـى تعـانقَ فجـراً فِي دُجى الظُّلَمِ

معاً سنـروي جراحـاتِ الأسى أَمَـلاً

معـاً نُضَـمِّـدُ جـرحَ البؤس والألَمِ

نبني منـاراتِ حُبٍّ فـي ضـمـائرنا

حتى نُـحطِّـمَ ما فـي النفس من صنمِ

بُحورُ شعـريَ حَيْرى فَهْيَ عـاجـزةً

عن وصـفِ حِـبٍّ بكلِّ الْحُسن مُتَّسِمِ

قِيْلت قوافٍ فشابت في سـواهُ علـى

مـرِّ الدهورِ ومـأواها إلـى العــدَمِ

فأيـن ما قال فـي النُّعمانِ نابـغـةٌ؟

وأين ما قيل فـي سـيـفٍ وفـي هَرِمِ

أمامَ سؤُدَدِ أشعــارٍ به مُـدِحَـتْ ؟

فما اكتسـتْ أبداً بالشَّيب والـهَـرَمِ

عليه صلى إلهُ العـرش مـا صدحتْ

عنـادلُ الأيـكِ تُهـدي أعـذبَ النَّغم

والآلِ والصحبِ ما هَبَّ الهوى سَحَراً

أو قُبِّلتْ حَجَرٌ سـوداءُ فـي الـحـرمِ



شعر : مصطفى قاسم عباس