خروج النساء إلى المساجد



روى مسلم في صحيحه بسنده عن سالم بن عبد الله بن عمر أن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما قال:" سمعت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يقول:" لا تمنعوا نساءكم المساجد إذا استأذنكم إليها" قال: فقال بلال بن عبد الله: والله لنمنعهن. قال: فأقبل عليه عبد الله فسبه سبا سيئا ما سمعته سبه مثله قط، وقال: أخبرك عن رسول الله صلى الله عليه و آله وسلم وتقول: والله لنمنعهن".



الشرح:

قد صح من السنة العملية والسنة القولية خروج النساء إلى المساجد وحضورهن مشاهد الخير، وثبت نهى الرجال عن منعهن من ذلك، ومنه ما في هذا الحديث. وعليهن قبل الخروج أن يستأذن الرجال كما هو مقتضى قوله:" إذا استأذنكم إليها" كما ثبت أيضا نهيهن عن مس الطيب إذا أردن الخروج، وعليهن أن لا يبدين زينتهن إلا ما ظهر منها، وأن يضربن بخمرهن على جيوبهن، وأن يدنين عليهن من جلابيبهن، وهي ما يجعل فوق الثياب كلها كالملاءة ونحوها، وأن لا يضربن بأرجلهن ليعلم ما يخفين من زينتهن، فلا يسمع منها خشخشة الحلي؛ ولا رنين الخلخال، وان يمشين في حافات الطريق، ولا يحاققن الطريق، أي لا يمشين في وسطه. وهذه كلها مأخوذة من الآيات والأحاديث في هذا الباب. ولما سمع بلال بن عبد الله لمنعهن، فغضب أبوه غضبا شديدا وسبه وشتمه سبا سيئا مقابلا لقوله السيئ ومقابلته للحديث النبوي بالمعارضة.



نفى تعارض:

ثبت عن عائشة أنها قالت لو أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم رأى ما أحدث النساء لمنعهن المسجد كما منعت نساء بني إسرائيل، وهذا لا يعارض ما تقدم لأن الذي أحدثنه هو الطيب والزينة، وهو نهى عن منعهن ونهاهن عن مس الطيب عند إرادة الخروج، فلو رأى ما أحدثن لمنعهن لإخلالهن بالشرط حتى يلتزمه، ولا يمنعهن منعا يكون إبطالا لنهيه الأول عن منعهن.



قدوة:

لما سمع عبد الله بن عمر ابنه بلالا يصارحه بمعارضة السنة ومخالفتها لم يملك نفسه واشتاط غضبا حتى سبه سبا سيئا لم يكن من عادة ابن عمر صدور مثله منه.

وهكذا كل مسلم غيور على الإسلام والكتاب والسنة يسمع من أهل الإسلام التكذيب بهما أو التعدي عليهما أو المعارضة لهما بالرأي والهوى أو تحريفهما عن مواضعهما كذلك، فإنه لا يملك نفسه أن يدافع عنهما، وقد يملكه الغضب لله فيكون منه بعض ما ليس من عادته أن يصدر منه من قول.



تحذير وإرشاد:

هذا الذي وقع من بلال كثيرا ما يقع مثله أو نحوه من أهل الجهل والبدعة الذين شبوا عليهما وشاخوا حتى صارت البدعة عندهم سنة والسنة بدعة، فإذا ذكرت لهم الحكم الشرعي بدليله من الكتاب والسنة صدوا ونفروا وأبوا واستكبروا وصارحوا بالمخالفة أو سكتوا وأضمروا الخلاف وما هذا شأن المؤمنين.

فحذار إذا سمعت حكما شرعيا ونصا قرآنيا أو حديثا صحيحا نبويا أن تقابل بالخلاف أو تضمر الخلاف، بل انشرح بذلك صدرا، ولا يكن في صدرك من حرج مما قضى الله ورسوله وسلم تسليما.

(من مجالس التذكير من حديث البشير النذير للإمام المصلح الشيخ عبد الحميد بن باديس - ص 175 إلى 177).

http://merathdz.com/amah/play-178.html