كتب د. طارق عبد الحليم*
13/02/2008
اتفاقية كامب ديفيد لا تمثل شرعية إسلامية ولا شرعية دولية إذ إنها تمت برعاية العدو الصليبيّ لصالح العدو الصهيونيّ، فالمسلمون ملزمون بالخروج عليها ما استطاعوا إلى ذلك سبيلا. وكان أحقّ بمن يتباكى على السيادة المصرية التي نالت منها أيدي النساء والأطفال الجياع من أبناء غزّة، أن يتباكى على ضياع هذه السيادة بالكلية في اتفاقية معسكر داود التي منحت ومنعت للسيادة المصرية ما أرادت الصهيونية والصليبية أن تمنح وتمنع.

--------------------

علت في الأسابيع الأخيرة، أصوات ناعقة تندد بالعبور الفلسطينيّ إلى أرض مصر للتزود باحتياجاتها الضرورية بعدما تكاثرت عليها أمم الكفر الصليبية والصهيونية ومنعت عنها الغذاء والدواء تحت سمع وبصر دول الجوار العربية والحكومات "المسلمة!" وتزعم أن هذا اعتداء على السيادة المصرية وأن مصر ملتزمة بنصوص اتفاقيات المعابر التي تعبر عن الشرعية الدولية! وهذا الهراء قد عبر عنه وزير الخارجية المصرية أحمد أبو الغيط.

والشرعية الدولية تعبير يتركب من كلمتين تعبّر كلّ منهما عن معنى محدد، ثم يعبر اجتماعهما عن المقصود الكليّ من التعبير. فلفظ "الشرعية" يعنى – في حديث المسلمين ولغة خطابهم – ما هو مبنيّ على الشرع ومقبول في حدوده التي لا تنصّ إلا على الحقّ، وهو يعنى كذلك – في حديث المجتمع الدوليّ – ما هو متفق عليه اختياراً، بين الدول في حدود الحقّ. والمسافة بين التفسيرين قريبة إن فرضنا أنّ الحق واحد لا يتعدد وأنه مقصود للمجتمع الدوليّ كما هو مقصود بالضرورة للشرع الحنيف، وهو ما نصّ عليه النظام الأساسيّ لمحكمة العدل الدولية.

والقانون الدوليّ – خلافاً للقوانين الداخلية – مبنيّ على الأعراف السائدة في المجتمع الدوليّ في زمن من الأزمنة كما معلوم لفقهائه، وتتغير هذه الأعراف حسب توازن القوى ومصالح الدول القوية مقابل الدول الضعيفة. ومن ثمّ، فبالرغم من أنه قد وُضِع أصلاً لتحقيق العدالة وتنظيم العلاقات بين المجتمعات الإنسانية حسب أصول الحق ومقاطعه، فإنه ككلّ حقّ لا تسنده قوة تنفيذية، عرضة للتغاضي وليس له أيّ تأثير في مجريات الأحداث على أرض الواقع.

والمنطقة العربية بعامة، ومصر بخاصة، ليست غريبة على هذا القانون ولا على ما يفرزه هذا القانون من اتفاقيات يفترض أنها تنظم هذه العلاقات وتحددها، في ظل الحقّ وحدود العدل. بل إن أول اتفاقية في تاريخ البشرية كانت بين ملك مصر رمسيس الثاني وملك الحيثيين، منذ ما يقرب من خمسة عشر قرنا قبل الميلاد، لتنظيم العلاقة بينهما والحد من الإعتداءات المتكررة بين الجانبين.

ويجب على الناظر في أمر هذا القانون والمخدوع في تطبيقه، أن يدرك أن هؤلاء الناعقين بضرورة الالتزام ببنوده هم من يتخذه ذريعة لخيانة الأمة وبيع قضيتها واللحاق بركب الصهاينة والصليبيين، وعليه أن يضع في حسبانه ما يلي:

• أنّ الشرعية الدولية الحقة تقف إلى صفّ حكومة الأغلبية التي شكلتها حماس بعد أن اكتسحت الانتخابات الفلسطينية بنسبة أكثر من 70%، ولكن كونها حكومة تعلن الإسلام مرجعاً لها، فقد اعترضت عليها الشرعية العلمانية الفلسطينية المتمثلة في عباس ميرزا كما اعترضت عليها "الشرعية الدولية" الزائفة ووقفت إلى جانب الأقلية العلمانية.

• أن الشرعية الدولية الحقّة تنكر احتلال الأرض بالقوة وطرد أبنائها ومنع حقهم في العودة لأراضيهم وتغيير معالمها وحدودها، وهو ما نصّت عليه قرارات الأمم المتحدة التي ضربت بها إسرائيل عرض الحائط على مدى العقود الخمسة الماضية. فلماذا يا ترى لم يتباكى المتباكون على أطلال الشرعية الدولية وعلى أكفان قراراتها التي بصقت عليها إسرائيل؟ وليس ببعيد رفض إسرائيل لقرار العدل الدولية لبناء الجدار الفاصل عام 2003 بدعوى عدم وجود صلاحية للمحكمة للبحث في هذه القضية وهو الأمر الذي ردته محكمة العدل الدولية وقتها.

• أن الاتفاقيات التي تبرمها الدول تحت مظلة القانون الدوليّ، لا تكون لها أية قوة إلزام تنفيذية أو أخلاقية إن كانت اتفاقيات إذعان، أي ناشئة عن إذعان الضعيف المغلوب للقوى الغالب. مثل هذه الاتفاقيات لا أثر لها حين يتمكن صاحب الحقّ من إعادة حقه، تماما كما أفتى الفقهاء بعدم إنفاذ بيعة المكره في الشريعة الإسلامية وكما نصّ القانون الوضعي على فسخ العقود المبرمة تحت التهديد. وعلى هذا يجب أن ينظر المسلمون للاتفاقيات التي تبرمها سلطات الاحتلال في فلسطين أو العراق أو في غيرها من البلاد الواقعة تحت السيطرة الاقتصادية أو السياسية أو العسكرية للدول الغربية. ولا يشفع في هذا أن الحكومات المعنية قد وقّعت هذه المعاهدات إذ إنها ذاتها لا تتمتع بشرعية في بلادها في غالب الأمر.

• أن الشرعية الإسلامية، التي هي أحق بالإتّباع من أي شرعية دولية زائفة، هي الأحق أن تتبع سواء فيما بين المسلمين بعضهم البعض أو بين المسلمين وبين غيرهم من المجتمعات البشرية. على هذا المبدأ يدور معنى التوحيد وجوداً وعدماً. وهو أمر يجب أن يكون مرجعاً لكل من افترض في نفسه، أو افترض فيه الغير، الإسلام. والشرعية الإسلامية تفرض موالاة المسلمين خاصة حين تتكاثف عليهم قوى البغي والكفر ويحاصرون من كلّ جهة، حتى من جهة من يليهم من المسلمين الذين اتخذوا هذا العبور الاضطراري ذريعة للتباكي على السيادة المصرية، وماذا عن السيادة الإسلامية إذن، والمصريون لا يقدرون على أن يعبؤوا أكثر من 750 ضابط أمن في سيناء حسب اتفاقية الخيانة في معسكر داود "كامب ديفيد".

• أن معبر رفح يمتدّ بين أرضين يفترض أنهما تحت سيادة إسلامية، واتفاقية المعابر إنما هي اتفاقية إذعان تمّت تحت السيطرة الصهيونية وبرعاية العدو الصليبيّ وبموافقة عملاء العلمانية في حكومة الأقلية السابقة برئاسة فتح، فليس لها أيّ إلزام شرعيّ ولا وضعيّ ولا أخلاقيّ، ولا يصح أصلا أن يطلق عليها لفظ "اتفاقية" الموهم بأن هناك رضا بين الطرفين المتنازعين، بل الأخرى أن تسمى إملاءً.

• أن اتفاقية كامب ديفيد لا تمثل شرعية إسلامية ولا شرعية دولية إذ إنها تمت برعاية العدو الصليبيّ لصالح العدو الصهيونيّ، فالمسلمون ملزمون بالخروج عليها ما استطاعوا إلى ذلك سبيلا. وكان أحقّ بمن يتباكى على السيادة المصرية التي نالت منها أيدي النساء والأطفال الجياع من أبناء غزّة، أن يتباكى على ضياع هذه السيادة بالكلية في اتفاقية معسكر داود التي منحت ومنعت للسيادة المصرية ما أرادت الصهيونية والصليبية أن تمنح وتمنع.

• أنّ تلك التمثيلية الخائبة التي صورتها السلطات المصرية عقب العبور الفلسطينيّ عن تسرب مسلحين فلسطينيين في أسيوط! لا تنطلي إلا على ساذج أو مخبول. فالعبور الفلسطيني قد حدث بعد عدة أيام من الحصار رفض خلالها النظام المصري السماح لأحد بالعبور لقضاء احتياجاته. ثم لمّا حدث العبور رغم أنف النظام، ادعى أنه قد سمح بهذا لمعاني إنسانية! وبات النظام يبحث عن ذريعة يبرر بها إعادة غلق المعابر لتنفيذ المخطط الصهيوني ضد الفلسطينيين عامة وضد الإسلاميين منهم خاصة، وليس هناك أبسط من إدعاء التخريب من ناحية وإحياء نعرة القومية المصرية والسيادة المزعومة من ناحية أخرى لينخدع الساذج ويصدق المخبول مثل هذه الترهات. وماذا بالله عليكم يفعل مخربون في أسيوط؟ الأوفق أن يكون هناك أفراد عائلة فلسطينية يقطن بعضها أرض مصر وحاول هؤلاء – إن صحّ وجودهم – أن يجتمعوا مع أهلهم وأقاربهم، لا أكثر ولا أقلّ.

• أنّ السيطرة على أرض الواقع هي بالفعل لحكومة الأغلبية برئاسة حماس، والتي أبدى أعضاؤها تعاوناً كاملاً مع السلطات المصرية لإغلاق الحدود وتنظيمها، فما هو مبرر دعوة الأوروبيين للتدخل فيما بين المصريين والفلسطينيين؟ وهل فلسطينيو غزة غير فلسطينييّ الضفة؟ علماً بأن غالب فلسطينييّ الضفة صوّتوا لصالح حكومة الأغلبية كما في غزة. فما دور عباس في هذا الأمر إلا تمزيق الفلسطينيين وضمان تحقيق أهداف الصهاينة والصليبيين، وهو لا يتمتع إلا بأقلية علمانية بين الفلسطينيين. أهذه هي الشرعية الدولية التي ينعق بضرورة الحرص عليها من ادعى الإسلام ديناً وأبطن العلمانية والنفاق بعلم أو بغير علم.

الكرامة المصرية تكمن في مدّ يد العون لإخواننا في غزة في مواجهة أبشع حصار لشعب كامل، حصار يأباه أي قانون أو عقل أو ضمير، الكرامة المصرية تكمن في فرض السيادة المصرية على أرض سيناء بدلا من التباكي على عبور مدنيين مسلمين للتبضع ضد الجوع والعري. الكرامة المصرية لا تكمن في تلك المشاعر القومية الساذجة ضد نساء جُوّع وأطفال رُضّع، بل تكمن في إحياء مشاعر الولاء للإخوة المسلمين الرابضين في وجه الصهاينة بعد أن تخلت عن هذا الواجب المقدس حكومات الأنظمة بلا استثناء.


نقلا عن موقع الحملة العالمية لمقاومة العدوان