بسم الله الرحمن الرحيم

لا ريب ان البعث واقع كما اخبرنا به ربنا سبحانه ورسوله صلى الله عليه وسلم ونحن نؤمن بذلك ونصدق به والله سبحانه لما أخبر بالمعاد وتفاصيله تابع بالأدلة للعلم بإمكانه ولم يكتف في بيان إمكان المعاد فقط بالإخبار عنه، إذ يمكن أن يكون الشيء ممتنعا وإن لم يعلم الذهن امتناعه، والإمكان على وجهين:

1- " ذهني " وهو أن يعرض الشيء على الذهن فلا يعلم امتناعه بل يقول يمكن هذا، لا لعلمه بإمكانه بل لعدم علمه بامتناعه مع أن ذلك الشيء قد يكون ممتنعا في الخارج
مثال ذلك ان نسأل احد الفلاسفة هل يمكن وجود ذات في الخارج مجردة من صفاتها وهو ما يسمونه بالماهية فيقول يمكن هذا، لا لعلمه بامكانه بل لعدم علمه بامتناعه، وهو حقيقة ممتنع لأن الذات اسم لمن اجتمعت فيه صفات تقيمه على هيئته فان عدمت الصفات فلا وجود للذات وهذا فقط في الداخل أي في الذهن اما في الخارج اي المشاهد فلا وجود لذات بلا صفات.

2- " خارجي " وهو أن يعلم إمكان الشيء في الخارج وهذا يكون :

أ) بأن يعلم وجوده في الخارج
ب) أو وجود نظيره
ج) أو وجود ما هو أبعد عن الوجود منه. فإذا كان الأبعد عن قبول الوجود موجودا ممكن الوجود فالأقرب إلى الوجود منه أولى.

أمثلة ذلك ان نقول :
أ) هل يمكن وجود حيوان يعيش في البحر والبر ؟ فنقول نعم يوجد السيسليان، السلمندر، الضفادع والعلاجيم... وعدم رؤيتك لها لا يعني عدم وجودها!
ب) هل يمكن لفلانة المصابة بسرطان الثدي ان تنجو من مرضها فنقول نعم يمكن لوجود الكثير من النساء التي نجون من هذا المرض الخبيث .
ج) هل يمكن لفلان الذي صعد على جبل إفرست (8,848 م) أن يصعد على جبل إلبروس (5,642 م) طبعا هو أهون عليه.

فاذا علم الإمكان الخارجي بطل أن يكون الامكان ممتنعا وهذه طريقة القرآن في بيان " إمكان المعاد " فقد بين ذلك بالإمكان الخارجي بطرقه الثلاثة المذكورة سابقا:

أ) قلنا أن يعلم إمكان الشيء بأن يعلم وجوده في الخارج :

فقد أخبرنا الله سبحانه عمن أماتهم ثم أحياهم كما أخبر

عن قوم موسى الذين قالوا: {أرنا الله جهرة} قال تعالى: وَإِذْ قُلْتُمْ يَامُوسَى لَنْ نُؤْمِنَ لَكَ حَتَّى نَرَى اللَّهَ جَهْرَةً فَأَخَذَتْكُمُ الصَّاعِقَةُ وَأَنْتُمْ تَنْظُرُونَ (55) ثُمَّ بَعَثْنَاكُمْ مِنْ بَعْدِ مَوْتِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ (56)

وعن القوم الذين فروا من الطاعون قال تعالى: أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ خَرَجُوا مِنْ دِيَارِهِمْ وَهُمْ أُلُوفٌ حَذَرَ الْمَوْتِ فَقَالَ لَهُمُ اللَّهُ مُوتُوا ثُمَّ أَحْيَاهُمْ إِنَّ اللَّهَ لَذُو فَضْلٍ عَلَى النَّاسِ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَشْكُرُونَ (243)

وعن الذي مر على قرية فشك بقدرة الله قال تعالى: أَوْ كَالَّذِي مَرَّ عَلَى قَرْيَةٍ وَهِيَ خَاوِيَةٌ عَلَى عُرُوشِهَا قَالَ أَنَّى يُحْيِي هَذِهِ اللَّهُ بَعْدَ مَوْتِهَا فَأَمَاتَهُ اللَّهُ مِائَةَ عَامٍ ثُمَّ بَعَثَهُ قَالَ كَمْ لَبِثْتَ قَالَ لَبِثْتُ يَوْمًا أَوْ بَعْضَ يَوْمٍ قَالَ بَلْ لَبِثْتَ مِائَةَ عَامٍ فَانْظُرْ إِلَى طَعَامِكَ وَشَرَابِكَ لَمْ يَتَسَنَّهْ وَانْظُرْ إِلَى حِمَارِكَ وَلِنَجْعَلَكَ آيَةً لِلنَّاسِ وَانْظُرْ إِلَى الْعِظَامِ كَيْفَ نُنْشِزُهَا ثُمَّ نَكْسُوهَا لَحْمًا فَلَمَّا تَبَيَّنَ لَهُ قَالَ أَعْلَمُ أَنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (259)

وعن إبراهيم قال تعالى: وَإِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ رَبِّ أَرِنِي كَيْفَ تُحْيِ الْمَوْتَى قَالَ أَوَلَمْ تُؤْمِنْ قَالَ بَلَى وَلَكِنْ لِيَطْمَئِنَّ قَلْبِي قَالَ فَخُذْ أَرْبَعَةً مِنَ الطَّيْرِ فَصُرْهُنَّ إِلَيْكَ ثُمَّ اجْعَلْ عَلَى كُلِّ جَبَلٍ مِنْهُنَّ جُزْءًا ثُمَّ ادْعُهُنَّ يَأْتِينَكَ سَعْيًا وَاعْلَمْ أَنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ (260).

وكما أخبر عن المسيح أنه كان يحيي الموتى بإذن الله قال تعالى: إِذْ قَالَ اللَّهُ يَاعِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ اذْكُرْ نِعْمَتِي عَلَيْكَ وَعَلَى وَالِدَتِكَ إِذْ أَيَّدْتُكَ بِرُوحِ الْقُدُسِ تُكَلِّمُ النَّاسَ فِي الْمَهْدِ وَكَهْلًا وَإِذْ عَلَّمْتُكَ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَالتَّوْرَاةَ وَالْإِنْجِيلَ وَإِذْ تَخْلُقُ مِنَ الطِّينِ كَهَيْئَةِ الطَّيْرِ بِإِذْنِي فَتَنْفُخُ فِيهَا فَتَكُونُ طَيْرًا بِإِذْنِي وَتُبْرِئُ الْأَكْمَهَ وَالْأَبْرَصَ بِإِذْنِي وَإِذْ تُخْرِجُ الْمَوْتَى بِإِذْنِي وَإِذْ كَفَفْتُ بَنِي إِسْرَائِيلَ عَنْكَ إِذْ جِئْتَهُمْ بِالْبَيِّنَاتِ فَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْهُمْ إِنْ هَذَا إِلَّا سِحْرٌ مُبِينٌ (110)

وعن أصحاب الكهف: أنهم بعثوا بعد ثلاثمائة سنة وتسع سنين قال تعالى: أَمْ حَسِبْتَ أَنَّ أَصْحَابَ الْكَهْفِ وَالرَّقِيمِ كَانُوا مِنْ آيَاتِنَا عَجَبًا (9) إِذْ أَوَى الْفِتْيَةُ إِلَى الْكَهْفِ فَقَالُوا رَبَّنَا آتِنَا مِنْ لَدُنْكَ رَحْمَةً وَهَيِّئْ لَنَا مِنْ أَمْرِنَا رَشَدًا (10) فَضَرَبْنَا عَلَى آذَانِهِمْ فِي الْكَهْفِ سِنِينَ عَدَدًا (11) ثُمَّ بَعَثْنَاهُمْ لِنَعْلَمَ أَيُّ الْحِزْبَيْنِ أَحْصَى لِمَا لَبِثُوا أَمَدًا (12)

وغيرهم وعدم رؤية هذه الحوادث لا يعني عدم وقوعها وهذه الإخبارات من أشد وأخوف الأدلة.

ب) أن يعلم إمكان الشيء بأن يعلم وجود نظيره :
1- استحالة الإنسان من جنس الى جنس منذ خلقه الى عودته الى التراب تزيل الإمتناع عن امكانية استحالته من تراب في حال مماته الى جسد وروح عند بعثه.
قال الله تعالى :هلْ أتى على الْإِنْسانِ حِينٌ مِن الدّهْرِ لمْ يكُنْ شيْئًا مذْكُورًا (1) الإنسان

وقال تعالى: يَاأَيُّهَا النَّاسُ إِنْ كُنْتُمْ فِي رَيْبٍ مِنَ الْبَعْثِ فَإِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ تُرَابٍ ثُمَّ مِنْ نُطْفَةٍ ثُمَّ مِنْ عَلَقَةٍ ثُمَّ مِنْ مُضْغَةٍ مُخَلَّقَةٍ وَغَيْرِ مُخَلَّقَةٍ لِنُبَيِّنَ لَكُمْ وَنُقِرُّ فِي الْأَرْحَامِ مَا نَشَاءُ إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى ثُمَّ نُخْرِجُكُمْ طِفْلًا ثُمَّ لِتَبْلُغُوا أَشُدَّكُمْ وَمِنْكُمْ مَنْ يُتَوَفَّى وَمِنْكُمْ مَنْ يُرَدُّ إِلَى أَرْذَلِ الْعُمُرِ لِكَيْلَا يَعْلَمَ مِنْ بَعْدِ عِلْمٍ شَيْئًا وَتَرَى الْأَرْضَ هَامِدَةً فَإِذَا أَنْزَلْنَا عَلَيْهَا الْمَاءَ اهْتَزَّتْ وَرَبَتْ وَأَنْبَتَتْ مِنْ كُلِّ زَوْجٍ بَهِيجٍ (5)

وقال تعالى: وَلَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسَانَ مِنْ سُلَالَةٍ مِنْ طِينٍ (12) ثُمَّ جَعَلْنَاهُ نُطْفَةً فِي قَرَارٍ مَكِينٍ (13) ثُمَّ خَلَقْنَا النُّطْفَةَ عَلَقَةً فَخَلَقْنَا الْعَلَقَةَ مُضْغَةً فَخَلَقْنَا الْمُضْغَةَ عِظَامًا فَكَسَوْنَا الْعِظَامَ لَحْمًا ثُمَّ أَنْشَأْنَاهُ خَلْقًا آخَرَ فَتَبَارَكَ اللَّهُ أَحْسَنُ الْخَالِقِينَ (14) ثُمَّ إِنَّكُمْ بَعْدَ ذَلِكَ لَمَيِّتُونَ (15) ثُمَّ إِنَّكُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ تُبْعَثُونَ (16)

وقال تعالى: الَّذِي أَحْسَنَ كُلَّ شَيْءٍ خَلَقَهُ وَبَدَأَ خَلْقَ الْإِنْسَانِ مِنْ طِينٍ (7) ثُمَّ جَعَلَ نَسْلَهُ مِنْ سُلَالَةٍ مِنْ مَاءٍ مَهِينٍ (8)

وقال تعالى: هُو الّذِي خلقكُمْ مِنْ تُرابٍ ثُمّ مِنْ نُطْفةٍ ثُمّ مِنْ علقةٍ ثُمّ يُخْرِجُكُمْ طِفْلًا ثُمّ لِتبْلُغُوا أشُدّكُمْ ثُمّ لِتكُونُوا شُيُوخًا ومِنْكُمْ منْ يُتوفّى مِنْ قبْلُ ولِتبْلُغُوا أجلًا مُسمًّى ولعلّكُمْ تعْقِلُون (67) هُو الّذِي يُحْيِي ويُمِيتُ فإِذا قضى أمْرًا فإِنّما يقُولُ لهُ كُنْ فيكُونُ (68) غافر.

فهذا الإنسان وهذه هي أطواره اولا لم يكن شيئا موجودا ثم خلق الله آدم من التراب وخلق منه زوجه وجعل نسله من سلالة من ماء مهين ثم عند التزاوج جعل النطفة في قرار مكين اي الرحم فاستحالت النطفة الى علقة ثم العلقة الى مضعة ثم الى عظام ثم كسيت العظام لحما ثم نفخ فيه الروح فأحياه الله ثم أخرجه طفلا ضعيفا ثم اشتد واستوى فكان قويا ثم رد الى أرذل العمر فكان ضعيفا ثم مات فاصبح ترابا.. فما يمنعه من طورٍ آخر ومن حياة ثانية !!!! كل هذه المراحل والإنقلابات من حال الى حال ألا تزيل الشك عن امكان بعثه من التراب قال الله : كَيْفَ تَكْفُرُونَ بِاللَّهِ وَكُنْتُمْ أَمْوَاتًا فَأَحْيَاكُمْ ثُمَّ يُمِيتُكُمْ ثُمَّ يُحْيِيكُمْ ثُمَّ إِلَيْهِ تُرْجَعُونَ (28) البقرة. أي كيف تجحدون وتكذبون بعهد الله عليكم وهو العبادة وقدرته على بعثكم وقد كنتم أمواتا لا وجود لكم ثم لا أرواح في أجسادكم التي في بطون أمهاتكم ثم أحياكم فنفخ فيكم الروح وجعل لكم السمع والأبصار والأفئدة ثم أماتكم وهي الموتة الحق وهي المعروفة ثم يحيكم جسدا وروحا فاليه ترجعون!

- استحالة الأرض التي اليها يعود بني آدم من ميتة الى حية في كل فصل بإخراج زرعها بمختلف الألوان تزيل الإمتناع عن امكانية استحالة البشر من تراب في حال مماتهم الى جسد وروح بمختلف ألوانهم عند البعث.
قال تعالى: ومِنْ آياتِهِ أنّك ترى الْأرْض خاشِعةً فإِذا أنْزلْنا عليْها الْماء اهْتزّتْ وربتْ إِنّ الّذِي أحْياها لمُحْيِ الْموْتى إِنّهُ على كُلِّ شيْءٍ قدِيرٌ (39) فصلت .

وقال تعالى: وَهُوَ الَّذِي يُرْسِلُ الرِّيَاحَ بُشْرًا بَيْنَ يَدَيْ رَحْمَتِهِ حَتَّى إِذَا أَقَلَّتْ سَحَابًا ثِقَالًا سُقْنَاهُ لِبَلَدٍ مَيِّتٍ فَأَنْزَلْنَا بِهِ الْمَاءَ فَأَخْرَجْنَا بِهِ مِنْ كُلِّ الثَّمَرَاتِ كَذَلِكَ نُخْرِجُ الْمَوْتَى لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ (57)

وقال تعالى: وَالَّذِي نَزَّلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً بِقَدَرٍ فَأَنْشَرْنَا بِهِ بَلْدَةً مَيْتًا كَذَلِكَ تُخْرَجُونَ (11)

وقال تعالى: يَاأَيُّهَا النَّاسُ إِنْ كُنْتُمْ فِي رَيْبٍ مِنَ الْبَعْثِ فَإِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ تُرَابٍ ثُمَّ مِنْ نُطْفَةٍ ثُمَّ مِنْ عَلَقَةٍ ثُمَّ مِنْ مُضْغَةٍ مُخَلَّقَةٍ وَغَيْرِ مُخَلَّقَةٍ لِنُبَيِّنَ لَكُمْ وَنُقِرُّ فِي الْأَرْحَامِ مَا نَشَاءُ إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى ثُمَّ نُخْرِجُكُمْ طِفْلًا ثُمَّ لِتَبْلُغُوا أَشُدَّكُمْ وَمِنْكُمْ مَنْ يُتَوَفَّى وَمِنْكُمْ مَنْ يُرَدُّ إِلَى أَرْذَلِ الْعُمُرِ لِكَيْلَا يَعْلَمَ مِنْ بَعْدِ عِلْمٍ شَيْئًا وَتَرَى الْأَرْضَ هَامِدَةً فَإِذَا أَنْزَلْنَا عَلَيْهَا الْمَاءَ اهْتَزَّتْ وَرَبَتْ وَأَنْبَتَتْ مِنْ كُلِّ زَوْجٍ بَهِيجٍ (5)
ولم يقل بعد قوله: ..وَمِنْكُمْ مَنْ يُتَوَفَّى وَمِنْكُمْ مَنْ يُرَدُّ إِلَى أَرْذَلِ الْعُمُرِ لِكَيْلَا يَعْلَمَ مِنْ بَعْدِ عِلْمٍ شَيْئًا.. ثم تكونوا ترابا بل قال :وَتَرَى الْأَرْضَ هَامِدَةً فَإِذَا أَنْزَلْنَا عَلَيْهَا الْمَاءَ اهْتَزَّتْ وَرَبَتْ وَأَنْبَتَتْ مِنْ كُلِّ زَوْجٍ بَهِيجٍ (5) وهي اشارة الى بعثه من الأرض كما تبعث النبات. ثم قال تعالى: ذَلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ هُوَ الْحَقُّ وَأَنَّهُ يُحْيِ الْمَوْتَى وَأَنَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (6) وَأَنَّ السَّاعَةَ آتِيَةٌ لَا رَيْبَ فِيهَا وَأَنَّ اللَّهَ يَبْعَثُ مَنْ فِي الْقُبُورِ (7)

وقال الله : ألمْ تر أنّ اللّه أنْزل مِن السّماءِ ماءً فسلكهُ ينابِيع فِي الْأرْضِ ثُمّ يُخْرِجُ بِهِ زرْعًا مُخْتلِفًا ألْوانُهُ ثُمّ يهِيجُ فتراهُ مُصْفرًّا ثُمّ يجْعلُهُ حُطامًا إِنّ فِي ذلِك لذِكْرى لِأُولِي الْألْبابِ (21) الزمر

وقال تعالى: ومِنْ آياتِهِ أنّك ترى الْأرْض خاشِعةً فإِذا أنْزلْنا عليْها الْماء اهْتزّتْ وربتْ إِنّ الّذِي أحْياها لمُحْيِ الْموْتى إِنّهُ على كُلِّ شيْءٍ قدِيرٌ (39) فصلت .

فهذه الأرض مثلا كانت بفصل من الفصول ميتة خاشعة هامدة ليس عليها شيء ثم بفصل آخر ينزل الله عليها الماء من السماء فيسلكه ينابيع في الأرض فتحيا وتهتز وتربو بالنبات ثم بفصل آخر تكتمل فيصبح النبات زرعا مختلفا ألوانه ثم بفصل آخر يصفر الزرع ثم تعود الأرض الى فصلها الأول ميتة خاشعة هامدة والزرع قد تحطم ثم تبدأـ الفصول من جديد.

وكذلك البشر لهم فصول، فصل كانوا فيه أمواتا ثم فصل كانوا فيه أحياءا قد خلقوا من ماء أبائهم الذي هو كالماء من السماء ومن أرحام أمهاتهم التي هن كالينابيع في الأرض فنبتوا في بطونهن ثم أحياهم الله ونفخت فيهم الأرواح فاهتزت وربت البطون ثم بفصل آخر أخرجهم بمختلف الألوان فشبوا واشتدوا ثم فصل فيه يشيخون وهو كاصفرار الزرع ثم يعودون الى فصلهم الأول أمواتا ترابا كحطام الزرع فما يمنعهم من فصل جديد يحيون فيه.
وهذه من الحكم في جعل 4 فصول في السنة وهي لتذكير الناس بلقاء ربهم. فاسأل العادين.

- النوم والإستيقاظ منه نظير الموت والبعث منه

قال الله تعالى: اللَّهُ يَتَوَفَّى الْأَنْفُسَ حِينَ مَوْتِهَا وَالَّتِي لَمْ تَمُتْ فِي مَنَامِهَا فَيُمْسِكُ الَّتِي قَضَى عَلَيْهَا الْمَوْتَ وَيُرْسِلُ الْأُخْرَى إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ (42) الزمر.

يخبر تعالى أنه المتفرد بالتصرف بالعباد، في حال يقظتهم ونومهم، وفي حال حياتهم وموتهم،

قال السعدي رحمه الله في تفسيره: قال: {اللَّهُ يَتَوَفَّى الأنْفُسَ حِينَ مَوْتِهَا} وهذه الوفاة الكبرى، وفاة الموت.
وإخباره أنه يتوفى الأنفس وإضافة الفعل إلى نفسه، لا ينافي أنه قد وكل بذلك ملك الموت وأعوانه، كما قال تعالى: {قُلْ يَتَوَفَّاكُمْ مَلَكُ الْمَوْتِ الَّذِي وُكِّلَ بِكُمْ} {حَتَّى إِذَا جَاءَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ تَوَفَّتْهُ رُسُلُنَا وَهُمْ لا يُفَرِّطُونَ} لأنه تعالى يضيف الأشياء إلى نفسه، باعتبار أنه الخالق المدبر، ويضيفها إلى أسبابها، باعتبار أن من سننه تعالى وحكمته أن جعل لكل أمر من الأمور سببا.
وقوله: {وَالَّتِي لَمْ تَمُتْ فِي مَنَامِهَا} وهذه الموتة الصغرى، أي: ويمسك النفس التي لم تمت في منامها، {فَيُمْسِكُ} من هاتين النفسين النفس {الَّتِي قَضَى عَلَيْهَا الْمَوْتَ} وهي نفس من كان مات، أو قضي أن يموت في منامه.{وَيُرْسِل ُ} النفس {الأخْرَى إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى} أي: إلى استكمال رزقها وأجلها. {إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَاتٍ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ} على كمال اقتداره، وإحيائه الموتى بعد موتهم. (انتهى)

فالحاصل أن النوم آية تدل على الموت لأن المشترك بينهما هو ذهاب الحركة الارادية التي تدل على وجود الأرواح في الأجساد.
والإستيقاظ من النوم آية تدل على البعث بعد الموت لعودة الحركة الارادية اي لعودة الأرواح الى الاجساد .

وفي الاية نفسها دليل عقلي على وجود الحياة البرزخية وهي الحياة الفاصلة بين الدنيا والآخرة وهي التي تكون بين الموت والبعث قال تعالى: حَتَّى إِذَا جَاءَ أَحَدَهُمُ الْمَوْتُ قَالَ رَبِّ ارْجِعُونِ (99) لَعَلِّي أَعْمَلُ صَالِحًا فِيمَا تَرَكْتُ كَلَّا إِنَّهَا كَلِمَةٌ هُوَ قَائِلُهَا وَمِنْ وَرَائِهِمْ بَرْزَخٌ إِلَى يَوْمِ يُبْعَثُونَ (100)

فان الإنسان عند نومه بعد قبض روحه يرى منامات يكون فيها باماكن عجيبة ومع اناس غريبة وتحصل معه امور مخيفة ومؤلمة او امور جميلة ومريحة حتى يستيقظ من منامه،

كذلك عند موته وقبض روحه يرى الملائكة واماكن عجيبة كابواب السماء والجنة والنار والقبر... ثم يصبح اما في عذاب مخيف أليم واما في نعيم مريح مقيم حتى يبعث من قبره

قال تعالى: وَلَوْ تَرَى إِذْ يَتَوَفَّى الَّذِينَ كَفَرُوا الْمَلَائِكَةُ يَضْرِبُونَ وُجُوهَهُمْ وَأَدْبَارَهُمْ وَذُوقُوا عَذَابَ الْحَرِيقِ (50) ذَلِكَ بِمَا قَدَّمَتْ أَيْدِيكُمْ وَأَنَّ اللَّهَ لَيْسَ بِظَلَّامٍ لِلْعَبِيدِ (51) وقال تعالى: النَّارُ يُعْرَضُونَ عَلَيْهَا غُدُوًّا وَعَشِيًّا وَيَوْمَ تَقُومُ السَّاعَةُ أَدْخِلُوا آلَ فِرْعَوْنَ أَشَدَّ الْعَذَابِ (46)

وقال تعالى: إِنَّ الَّذِينَ قَالُوا رَبُّنَا اللَّهُ ثُمَّ اسْتَقَامُوا تَتَنَزَّلُ عَلَيْهِمُ الْمَلَائِكَةُ أَلَّا تَخَافُوا وَلَا تَحْزَنُوا وَأَبْشِرُوا بِالْجَنَّةِ الَّتِي كُنْتُمْ تُوعَدُونَ (30) نَحْنُ أَوْلِيَاؤُكُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الْآخِرَةِ وَلَكُمْ فِيهَا مَا تَشْتَهِي أَنْفُسُكُمْ وَلَكُمْ فِيهَا مَا تَدَّعُونَ (31) نُزُلًا مِنْ غَفُورٍ رَحِيمٍ (32)

وفي الحديث الصحيح المجموع بطرقه عن البراء بن عازب - رضي الله عنه - قال: (خرجنا مع النبي - صلى الله عليه وسلم - في جنازة رجل من الأنصار, فانتهينا إلى القبر ولم يلحد بعد , " فجلس رسول الله - صلى الله عليه وسلم -) (على شفير القبر) (مستقبل القبلة ") (وجلسنا حوله كأن على رءوسنا الطير " وفي يده - صلى الله عليه وسلم - عود ينكت به في الأرض) (فبكى حتى بل الثرى من دموعه) (ثم رفع رأسه فقال (" يا إخواني , لمثل هذا اليوم فأعدوا) (ثم قال: استعيذوا بالله من عذاب القبر , استعيذوا بالله من عذاب القبر) (ثم قال: إن العبد المؤمن إذا كان في انقطاع من الدنيا وإقبال من الآخرة , نزل إليه) (ملائكة الرحمة) (من السماء , بيض الوجوه, كأن وجوههم الشمس , معهم كفن) حريرة بيضاء (من أكفان الجنة , وحنوط من حنوط الجنة , حتى يجلسوا منه مد البصر , ثم يجيء ملك الموت - عليه السلام - حتى يجلس عند رأسه , فيقول (اخرجي أيتها النفس الطيبة كانت في الجسد الطيب، اخرجي حميدة) (اخرجي راضية مرضيا عنك) (اخرجي إلى مغفرة من الله ورضوان) (وأبشري بروح وريحان ورب غير غضبان , فلا يزال يقال لها ذلك حتى تخرج) (قال: فتخرج تسيل كما تسيل القطرة من في السقاء , فيأخذها ملك الموت - عليه السلام - ويخرج منها كأطيب ريح مسك وجدت على وجه الأرض , فإذا أخذها , لم يدعوها في يده طرفة عين حتى يأخذوها) (حتى أنه ليناول بعضهم بعضا) (ثم يجعلونها في ذلك الكفن , وفي ذلك الحنوط) (فيتلقاها ملكان يصعدانها) (حتى ينتهوا بها إلى [باب] السماء الدنيا , فيستفتحون له فيفتح لهم) (فيقول أهل السماء (ما أطيب هذه الريح) (روح طيبة) (جاءتكم من الأرض) (من هذا؟) (فيقولون: فلان بن فلان - بأحسن أسمائه التي كانوا يسمونه بها في الدنيا -) (فيقال: مرحبا بالنفس الطيبة كانت في الجسد الطيب) (صلى الله عليك , وعلى جسد كنت تعمرينه) (ادخلي حميدة، وأبشري بروح وريحان , ورب غير غضبان) (ويشيعه من كل سماء مقربوها إلى السماء التي تليها) (قال: فلا يزال يقال لها ذلك) (حتى ينتهى بها إلى السماء السابعة) (التي فيها الله - عز وجل -) (فينطلق به إلى ربه - عز وجل -) (فيقول الله - عز وجل -: اكتبوا كتاب عبدي في عليين , وأعيدوه إلى الأرض , فإني منها خلقتهم , وفيها أعيدهم , ومنها أخرجهم تارة أخرى , قال: فتعاد روحه في جسده) (إذا وضع في قبره) (وإنه ليسمع قرع نعالهم إذا ولوا مدبرين , فيأتيه ملكان) (أسودان أزرقان يقال لأحدهما: المنكر، والآخر: النكير) (فيجلسانه) (غير فزع ولا مشعوف) (فيقولان له: من ربك؟ فيقول: ربي الله) (فيقولان له: هل رأيت الله؟ , فيقول: ما ينبغي لأحد أن يرى الله) (فيقولان له: ما دينك؟ , فيقول: ديني الإسلام) (فيقولان له: ما كنت تقول في هذا الرجل) (الذي بعث فيكم ؟) (فيقول: هو عبد الله ورسوله , أشهد أن لا إله إلا الله، وأن محمدا عبده ورسوله) (فيقولان له: وما يدريك ؟ , فيقول: قرات كتاب الله فآمنت به) (وجاءنا بالبينات من عند الله فصدقناه) (قال: فذلك قول الله - عز وجل -: {يثبت الله الذين آمنوا بالقول الثابت في الحياة الدنيا وفي الآخرة} فينادي مناد في السماء أن: صدق عبدي , فأفرشوه من الجنة , وألبسوه من الجنة , وافتحوا له بابا إلى الجنة) (فيقولان له: قد كنا نعلم أنك تقول هذا) (فيفرج له فرجة قبل النار، فينظر إليها يحطم بعضها بعضا، فيقال له: انظر إلى ما وقاك الله، ثم يفرج له قبل الجنة، فينظر إلى زهرتها وما فيها، فيقال له: هذا مقعدك) (فيأتيه من روحها وطيبها) (ويفسح له في قبره مد بصره) (ثم ينور له فيه) (ويقال له: على اليقين كنت، وعليه مت، وعليه تبعث إن شاء الله) (ثم يقال له: نم) (فيقول: دعوني) (أرجع إلى أهلي) (فأبشرهم) (فيقولان له: نم كنومة العروس الذي لا يوقظه إلا أحب أهله إليه حتى يبعثه الله من مضجعه ذلك) (قال: ويأتيه رجل حسن الوجه , حسن الثياب , طيب الريح , فيقول: أبشر بالذي يسرك , هذا يومك الذي كنت توعد , فيقول له: من أنت؟ , فوجهك الوجه يجيء بالخير , فيقول: أنا عملك الصالح , فيقول: رب أقم الساعة , حتى أرجع إلى أهلي ومالي) وفي رواية: (فيأتون به أرواح المؤمنين، فلهم أشد فرحا به من أحدكم بغائبه يقدم عليه، فيسألونه ماذا فعل فلان؟ , ماذا فعل فلان؟) (فيقول بعضهم لبعض: أنظروا أخاكم حتى يستريح , فإنه كان في كرب , فيقبلون عليه يسألونه: ما فعل فلان؟ , ما فعلت فلانة؟ , هل تزوجت؟ , فإذا سألوا عن الرجل قد مات قبله , قال لهم: إنه قد هلك) (أما أتاكم؟) (قالوا: إنا لله وإنا إليه راجعون , ذهب به إلى أمه الهاوية، فبئست الأم، وبئست المربية، قال: فيعرض عليهم أعمالهم، فإذا رأوا حسنا , فرحوا واستبشروا , وقالوا: اللهم هذه نعمتك على عبدك فأتمها، وإن رأوا سوءا قالوا: اللهم راجع بعبدك) (قال: وإن الكافر الرجل السوء إذا احتضر أتته ملائكة العذاب) (سود الوجوه , معهم المسوح فيجلسون منه مد البصر , ثم يجيء ملك الموت حتى يجلس عند رأسه , فيقول (اخرجي أيتها النفس الخبيثة كانت في الجسد الخبيث، اخرجي ذميمة) (اخرجي ساخطة مسخوطا عليك إلى عذاب الله - عز وجل -) (وأبشري بحميم وغساق، وآخر من شكله أزواج) (قال: فتفرق في جسده , فينتزعها كما ينتزع السفود من الصوف المبلول) (فتتقطع معها العروق والعصب) (ويخرج منها كأنتن ريح جيفة وجدت على وجه الأرض , فإذا أخذها لم يدعوها في يده طرفة عين حتى يجعلوها في تلك المسوح) (ثم يعرج بها) (حتى يأتون باب الأرض) (فيقول أهل السماء (ما أنتن هذه الريح) (روح خبيثة جاءت من قبل الأرض - قال أبو هريرة: فرد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ريطة كانت عليه على أنفه هكذا -) (من هذا؟) (فيقولون: فلان بن فلان - بأقبح أسمائه التي كان يسمى بها في الدنيا -) (فيقال: لا مرحبا بالنفس الخبيثة كانت في الجسد الخبيث، ارجعي ذميمة، فإنها لا تفتح لك أبواب السماء) (ثم قرأ رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: {إن الذين كذبوا بآياتنا واستكبروا عنها لا تفتح لهم أبواب السماء ولا يدخلون الجنة حتى يلج الجمل في سم الخياط وكذلك نجزي المجرمين} فيقول الله - عز وجل -: اكتبوا كتابه في سجين في الأرض السفلى , فتطرح روحه طرحا , ثم قرأ رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: {ومن يشرك بالله فكأنما خر من السماء, فتخطفه الطير أو تهوي به الريح في مكان سحيق}) (فيرسل بها من السماء , ثم تصير إلى القبر) (فتعاد روحه في جسده , ويأتيه الملكان فيجلسانه) (في قبره فزعا مشعوفا) (فيقولان له: من ربك؟ , فيقول: هاه , هاه لا أدري، فيقولان له: ما دينك؟ , فيقول: هاه , هاه , لا أدري) (فيقولان له: ما كنت تقول في هذا الرجل) (الذي بعث فيكم؟ , فيقول: هاه , هاه , لا أدري) (سمعت الناس يقولون [قولا] فقلت مثله) (فيقولان له: لا دريت ولا تليت) (قد كنا نعلم أنك تقول ذلك) (ثم يضرب بمطرقة من حديد ضربة بين أذنيه , فيصيح صيحة يسمعها) (الخلق) (إلا الثقلين) (فيفرج له قبل الجنة، فينظر إلى زهرتها وما فيها، فيقولان له: انظر إلى ما صرف الله عنك، ثم يفرج له فرجة قبل النار، فينظر إليها يحطم بعضها بعضا، فيقولان له: هذا مقعدك، على الشك كنت، وعليه مت، وعليه تبعث إن شاء الله تعالى) (فينادي مناد من السماء أن كذب) (انطلقوا به إلى آخر الأجل) (حتى تاتوا به أرواح الكفار) (فافرشوا له من النار , وألبسوه من النار , وافتحوا له بابا إلى النار , فيأتيه من حرها وسمومها ويضيق عليه قبره) (فيقال للأرض: التئمي عليه فتلتئم عليه حتى تختلف فيها أضلاعه فلا يزال فيها معذبا حتى يبعثه الله من مضجعه ذلك) (ويأتيه رجل قبيح الوجه , قبيح الثياب , منتن الريح , فيقول: أبشر بالذي يسوءك , هذا يومك الذي كنت توعد , فيقول: من أنت؟ , فوجهك الوجه الذي يجيء بالشر , فيقول: أنا عملك الخبيث , فيقول: رب لا تقم الساعة) وفي رواية: (ثم يقيض له أعمى أبكم) (لا يسمع صوته فيرحمه) (معه مرزبة من حديد , لو ضرب بها جبل لصار ترابا , فيضربه بها ضربة يسمعها ما بين المشرق والمغرب , إلا الثقلين , فيصير ترابا , ثم تعاد فيه الروح ") (أخرجه البخاري ومسلم والترمذي والإمام احمد(

فالمنامات ايات دالة على الحياة البرزخية

- اخراج الشيء من ضده نظير اخراج الناس من التراب
قال تعالى: إِنَّ اللَّهَ فَالِقُ الْحَبِّ وَالنَّوَى يُخْرِجُ الْحَيَّ مِنَ الْمَيِّتِ وَمُخْرِجُ الْمَيِّتِ مِنَ الْحَيِّ ذَلِكُمُ اللَّهُ فَأَنَّى تُؤْفَكُونَ (95)
وقال تعالى: يُخْرِجُ الْحَيَّ مِنَ الْمَيِّتِ وَيُخْرِجُ الْمَيِّتَ مِنَ الْحَيِّ وَيُحْيِ الْأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا وَكَذَلِكَ تُخْرَجُونَ (19)
أمثلة ذلك أنه يخرج الشجرة الحية والسنبلة الحية، من النواة والحبة الميتة، ويخرج النواة الميتة والحبة الميتة، من الشجرة والسنبلة الحية ويخرج أيضا الإنسان الحي من النطفة الميتة، والنطفة الميتة من الإنسان الحي. ولا ريب أنّ النخلة ما هي من جنس النواة، ولا السنبلة من جنس الحبّة، ولا الإنسان من جنس المني، ولا المني من جنس الإنسان. وهو يخرج هذا من هذا، وهذا من هذا؛ فيخرج كلّ جنسٍ من جنسٍ آخر بعيد عن مماثلته، قال تعالى:{هَذَا خَلْقُ اللهِ فَأَرُونِي مَاذَا خَلَقَ الَّذِينَ مِنْ دُونِهِ}.
فهو الذي يخلق الضدّ من ضدّه؛ كما جعل من الشجر الأخضر ناراً، فإذا حك الأخضر بالأخضر، سخن ما يسخنه بالحركة، حتى ينقلب نفس الأخضر فيصير ناراً. قال تعالى: وَضَرَبَ لَنَا مَثَلًا وَنَسِيَ خَلْقَهُ قَالَ مَنْ يُحْيِ الْعِظَامَ وَهِيَ رَمِيمٌ (78) قُلْ يُحْيِيهَا الَّذِي أَنْشَأَهَا أَوَّلَ مَرَّةٍ وَهُوَ بِكُلِّ خَلْقٍ عَلِيمٌ (79) الَّذِي جَعَلَ لَكُمْ مِنَ الشَّجَرِ الْأَخْضَرِ نَارًا فَإِذَا أَنْتُمْ مِنْهُ تُوقِدُونَ (80)
قال ابن تيمية: ..فإن قول الله تعالى {من يحيي العظام وهي رميم} قياس حذفت إحدى مقدمتيه لظهورها، والأخرى سالبة كلية قرن معها دليلها، وهو المثل المضروب الذي ذكره بقوله {وضرب لنا مثلا ونسي خلقه قال من يحيي العظام وهي رميم} وهذا استفهام إنكار متضمن للنفي، إي لا أحد يحيي العظام وهي رميم، فإن كونها رميماً يمنع عنده إحياءها لمصيرها إلي حال اليبس والبرودة المنافية للحياة التي مبناها علي الحرارة والرطوبة، ولتفرق أجزائها واختلاطها بغيرها، ولنحو ذلك من الشبهات.
والتقدير: هذه العظام رميم، ولا أحد يحيي العظام وهي رميم، فلا أحد يحييها.
ولكن هذه السالبة كاذبة، ومضمونها امتناع الإحياء، فبين سبحانه إمكانه من وجوه بيان إمكان ما هو أبعد من ذلك وقدرته عليه فقال {يحييها الذي أنشأها أول مرة} وقد أنشأها من التراب، ثم قال {وهو بكل خلق عليم} ليبين علمه بما تفرق من الأجزاء أو استحال، ثم قال {الذي جعل لكم من الشجر الأخضر نارا} فبين أنه أخرج النار الحارة
اليابسة من البارد الرطب، وذلك أبلغ في المنافاة، لأن اجتماع الحرارة والرطوبة أيسر من اجتماع الحرارة واليبوسة، إذ الرطوبة تقبل من ما لا تقبله اليبوسة، ولهذا كان تسخين الهواء والماء أيسر من تسخين التراب، وإن كانت النار نفسها حارة يابسة، فإنها جسم بسيط، واليبس ضد الرطوبة يعني بها البلة كرطوبة الماء، ويعني بها سرعة الانفعال، فيدخل في ذلك الهواء ن فكذلك يعني باليبس عدم البلة، فتكون النار يابسة، ويراد باليبس بطء الشكل والانفعال، فيكون التراب يابساً دون النار، فالتراب فيه اليبس بالمعنيين، بخلاف النار، لكن الحيوان الذي فيه حرارة ورطوبة يكون من العناصر الثلاثة: التراب، والماء، والهواء.
وأما الجزء الناري فللناس فيه قولان، قيل: فيه حرارة نارية وإن يكن فيه جزء من النار، وقيل: بل فيه جزء من النار.
وعلى كل تقدير فتكون الحيوان من العناصر أولي بالإمكان من تكون النار من الشجر الأخضر، فالقادر علي أن يخلق من الشجر الأخضر ناراً أولي بالقدرة أن يخلق من التراب حيواناً، فإن هذا معتاد، وإن كان ذلك بما يضم إليه من الأجزاء الهوائية والمائية، والمقصود الجمع في المولدات.

ج) قلنا: أو وجود ما هو أبعد عن الوجود منه. فإذا كان الأبعد عن قبول الوجود موجودا ممكن الوجود فالأقرب إلى الوجود منه أولى. أمثلة ذلك:

- إعادة الخلق أهون من الإبتداء قال تعالى: وَقَالُوا أَإِذَا كُنَّا عِظَامًا وَرُفَاتًا أَإِنَّا لَمَبْعُوثُونَ خَلْقًا جَدِيدًا (49) قُلْ كُونُوا حِجَارَةً أَوْ حَدِيدًا (50) أَوْ خَلْقًا مِمَّا يَكْبُرُ فِي صُدُورِكُمْ فَسَيَقُولُونَ مَنْ يُعِيدُنَا قُلِ الَّذِي فَطَرَكُمْ أَوَّلَ مَرَّةٍ فَسَيُنْغِضُونَ إِلَيْكَ رُءُوسَهُمْ وَيَقُولُونَ مَتَى هُوَ قُلْ عَسَى أَنْ يَكُونَ قَرِيبًا (51)
وقال تعالى: وَضَرَبَ لَنَا مَثَلًا وَنَسِيَ خَلْقَهُ قَالَ مَنْ يُحْيِ الْعِظَامَ وَهِيَ رَمِيمٌ (78) قُلْ يُحْيِيهَا الَّذِي أَنْشَأَهَا أَوَّلَ مَرَّةٍ وَهُوَ بِكُلِّ خَلْقٍ عَلِيمٌ (79)
وقال تعالى: وَهُوَ الَّذِي يَبْدَأُ الْخَلْقَ ثُمَّ يُعِيدُهُ وَهُوَ أَهْوَنُ عَلَيْهِ وَلَهُ الْمَثَلُ الْأَعْلَى فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ (27)
وقال تعالى: أَوَلَيْسَ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ بِقَادِرٍ عَلَى أَنْ يَخْلُقَ مِثْلَهُمْ بَلَى وَهُوَ الْخَلَّاقُ الْعَلِيمُ (81) إِنَّمَا أَمْرُهُ إِذَا أَرَادَ شَيْئًا أَنْ يَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ (82)
وقال تعالى: أَفَعَيِينَا بِالْخَلْقِ الْأَوَّلِ بَلْ هُمْ فِي لَبْسٍ مِنْ خَلْقٍ جَدِيدٍ (15)
وقال تعالى :يوْم نطْوِي السّماء كطيِّ السِّجِلِّ لِلْكُتُبِ كما بدأْنا أوّل خلْقٍ نُعِيدُهُ وعْدًا عليْنا إِنّا كُنّا فاعِلِين (104)

- اعادة خلق الإنسان اهون من خلق السماوات والأرض
قال تعالى: أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّ اللَّهَ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَلَمْ يَعْيَ بِخَلْقِهِنَّ بِقَادِرٍ عَلَى أَنْ يُحْيِيَ الْمَوْتَى بَلَى إِنَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (33)
وقال تعالى: لَخَلْقُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ أَكْبَرُ مِنْ خَلْقِ النَّاسِ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ (57)

فهذه أمور متحققة في الأعيان والأذهان فلما التكذيب؟