قد جاء في الحديث: (ثم يجيء ملك الموت إلى الجبار ، فيقول : يا رب ، قد مات حملة العرش ، فيقول الله وهو أعلم : من بقي ؟ ، فيقول : بقيت أنت يا رب ، الحي الذي لا تموت ، وبقي جبريل وميكائيل ، وبقيت أنا ، فيقول الله : فليمت جبريل وميكائيل ، فيموتان ، وينطق الله العرش فيقول : يا رب ، تميت جبريل وميكائيل ؟ فيقول الله له : اسكت ، فإني كتبت الموت على من تحت عرشي ، ثم يجيء ملك الموت إلى الجبار فيقول : يا رب ، مات جبريل وميكائيل ، فيقول الله وهو أعلم : فمن بقي ؟ فيقول : بقيت أنت الحي الذي لا تموت ، وبقيت أنا ، فيقول الله : أنت خلق من خلقي ، خلقتك لما قد ترى ، مت ... ثم قال : أنا الجبار ، ثم ينادي : لمن الملك اليوم ؟ ثم يرد على نفسه : لله الواحد القهار ، يقول ذلك ثم ينادي : ألا من كان لي شريكا فليأت ، فلا يأتيه أحد ، قال ذلك ثلاثا )
هذا الحديث أخرجه ابن أبي الدنيا في "الأهوال" (54) وهذا لفظه ، وإسحاق بن راهويه – كما في "المطالب العالية" (7/555) – وابن أبي حاتم في "تفسيره" (9/2928-2931) وأبو يعلى – كما عزاه إليه "إتحاف المهرة" (8/56) – والطبري في "تفسيره" (21/331) والطبراني في "الأحاديث الطوال" (36) ، واللالكائي في "شرح أصول اعتقاد أهل السنة والجماعة" (2/222) والبيهقي في "البعث والنشور" (رقم 593) وأبو الشيخ في "العظمة" (3/821-839) وعزاه الحافظ ابن حجر في "فتح الباري" (11/368) لعبد بن حميد وعلي بن معبد في كتاب "الطاعة والمعصية"
كما عزاه السيوطي في "الدر المنثور" (7/256) لأبي الحسن القطان في "المطولات" وابن المنذر وأبي موسى المديني في "المطولات" .
جميعهم من طرق تلتقي في إسماعيل بن رافع المدني أبو رافع الأنصاري عن محمد بن يزيد بن أبي زياد عن محمد بن كعب القرظي عن رجل من الأنصار عن أبي هريرة به .
وهذا الحديث منكر معلول ، علته محمد بن يزيد بن أبي زياد ، فقد جاء في ترجمته في "تهذيب التهذيب" (9/524) : " قال البخارى : روى حديث الصور ولم يصح .
وقال الخلال : سئل أحمد عن حديثه ، فقال : رجاله لا يعرفون . وقال ابن حبان : لست أعتمد على إسناد خبره . وقال الأزدى : ليس بالقائم ، فى إسناده نظر . وقال الدارقطنى : إسناده لا يثبت ، ومحمد و أيوب والراوى عنه مجهولون " انتهى .
وكذلك الراوي عنه إسماعيل بن رافع اتفقت كلمة المحدثين على تضعيفه ، حتى قال النسائي : متروك الحديث . وقال أبو حاتم : منكر الحديث . انظر "تهذيب التهذيب" (1/295)
يقول ابن حجر في "فتح الباري" (11/368) :
" مداره على إسماعيل بن رافع : واضطرب في سنده مع ضعفه ، فرواه عن محمد بن كعب القرظي تارة بلا واسطة ، وتارة بواسطة رجل مبهم ، ومحمد عن أبي هريرة تارة بلا واسطة ، وتارة بواسطة رجل من الأنصار مبهم أيضا .
وأخرجه إسماعيل بن أبي زياد الشامي أحد الضعفاء أيضا في تفسيره عن محمد بن عجلان عن محمد بن كعب القرظي .
واعترض مغلطاي على عبد الحق في تضعيفه الحديث بإسماعيل بن رافع وخفي عليه أن الشامي أضعف منه ، ولعله سرقه منه فألصقه بابن عجلان . وقد قال الدار قطني : إنه متروك يضع الحديث . وقال الخليلي : شيخ ضعيف شحن تفسيره بما لا يتابع عليه .
وقال الحافظ عماد الدين ابن كثير في حديث الصور : جمعه إسماعيل ابن رافع من عدة آثار وأصله عنده عن أبي هريرة فساقه كله مساقًا واحدًا .
وقد صحح الحديث من طريق إسماعيل بن رافع القاضي أبو بكر بن العربي في "سراجه" وتبعه القرطبي في "التذكرة" وقول عبد الحق في تضعيفه أولى ، وضعفه قبله البيهقي " انتهى .
قلت : وضعفه إضافة زيادة على من سبق ذكرهم - أحمد والبخاري وابن حبان وأبو الفتح الأزدي والدارقطني - : ابن جرير الطبري فقال (18/558) : في إسناده نظر . وقال البيهقي في "شعب الإيمان" (1/309) : في إسناده مقال . وكذا ابن القيم في "حادي الأرواح" (87) ، وابن رجب في "التخويف من النار" (229) ، وقال الألباني في "ضعيف الترغيب والترهيب" (2/252) : منكر . وقال أحمد شاكر في "عمدة التفسير" (1/778) : ظاهر النكارة .
وحديث أبي هريرة له شاهدان اثنان :
الأول : عن أنس بن مالك بلفظ قريب مختصر ، يرويه الطبري في "تفسيره" (21/330) والبيهقي في "البعث" وابن مردويه كذا عزاه السيوطي في "الدر المنثور" (7/250)
ضعفه الحافظ في فتح الباري" (11/371) إذ فيه يزيد الرقاشي وهو ضعيف كما في "تهذيب التهذيب" (11/311) وابن أخيه الفضل بن عيسى اتفقت كلمة المحدثين على تضعيفه ونكارة حديثه . "تهذيب التهذيب" (8/284)
والثاني : عن ابن عباس ، يرويه البيهقي في "شعب الإيمان" (1/261) وقال : ضعيف بمرة . لأنه فيه مجاشع بن عمرو أحد الكذابين .
فيتبين بهذا أن الشاهدين ساقطان لا يصلحان لتقويه أصل الحديث بوجه من الوجوه . والله أعلم .
وقد سبق ذكر تضعيف الحديث في جواب السؤال رقم (
49009)
أما اللفظ الذي ساقه السائل الكريم ، فلم يروه أحد من أهل العلم فيما نعلم ، ولم يذكره إلا ابن الجوزي في كتابه "بستان الواعظين" (فقرة 35 – 39 ) ، مطلقا هكذا من غير إسناد ولا توثيق ، وقد عرفت أن أصل الحديث المسند منكر لا يصح ، فكيف بلفظ لم يرد بإسناد أصلا.
3- ويستدلون من السنة أيضا بحديث لقيط بن عامر الطويل في قدوم وفد بني المنتفق على رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وفيه قول النبي صلى الله عليه وسلم :
( تَلْبَثُونَ مَا لَبِثْتُمْ ، ثُمَّ يُتَوَفَّى نَبِيُّكُم ، ثُمَّ تَلْبَثُونَ مَا لَبِثْتُمْ ، ثُمَّ تُبْعَثُ الصَّائِحةُ ، فَلَعَمْرُ إلهِكَ ما تَدَعُ عَلى ظَهّرِها شَيْئاً إلا مَاتَ ، والمَلائِكَةُ الَّذِينَ مَعَ رَبِّكَ ..الخ )
أخرجه عبد الله بن أحمد في "زوائد المسند" (4/13-14) ، وابن أبي عاصم في السنة (951) والطبراني في "الكبير" (19/477) وابن خزيمة في "التوحيد" (122-125) والحاكم في "المستدرك" (4/560) ، وأخرجه البخاري في "التاريخ الكبير" (3/249) وأبو داود (3266) مختصرا ليس فيه محل الشاهد .
جميعهم من طريق عبد الرحمن بن عياش السمعي عن دلهم بن الأسود ، عن أبيه .
وهؤلاء ثلاثتهم مجاهيل لم يوثقهم أحد من أهل العلم إلا ذكر ابن حبان لهم في الثقات ، وذلك غير كاف في التوثيق ، خاصة وأن في الحديث من الألفاظ المنكرة ما يقتضي رده وتضعيفه .
يقول الحافظ ابن كثير في "البداية والنهاية" (5/82) : غريب جدًا ، وألفاظه في بعضها نكارة . وقال الحافظ ابن حجر في "تهذيب التهذيب" (5/57) : وهو حديث غريب جدًا . وضعفه محققو مسند أحمد (26/121).
https://islamqa.info/ar/105309