السؤال
فضيلة الشيخ : ما حكم المستورد من اللحوم والدجاج والطيور وما يشتق من بعضها ؟ ونأمل من فضيلتكم بيان هذه المسألة بيانا شافيا

وفقكم الله ، ونفع بكم الإسلام والمسلمين .

الاجابة


حكم المستورد من اللحوم والدجاج والطيور وما يشتق من بعضها ، فما كان ذابحه مسلماً فلا شك في إباحته لأن الأصل فيما يذبح المسلم الحل ، وما كان ذابحه كتابياً وقد ذبحه بالطريقة الشرعية فهو حلال كذلك بنص القرآن ، وأما إذا جُهل الأمر بحيث لا يدري هل الذي ذبحه ممن تباح ذبيحته أو لا - كما هو الغالب في الأسواق من المستورد - فلعلماء هذا العصر قولان :




الأول : أنه يباح عملاً بقوله تعالى ( وطعام الذين أوتوا الكتاب حل لكم ) وطعامهم : ذبائحهم



الثاني : أنه محرم لأن الأصل في الحيوانات التحريم فلا يحل شيء منها إلا بذكاة شرعية متيقنة ، فتنقلها من التحريم إلى الإباحة ، وكذا الذكاة مشكوك فيها بالنسبة لهذه اللحوم ، بل يغلب على الظن عدم وجودها ، فتبقى على الأصل قال تعالى ( حرمت عليكم الميتة والدم ........ إلا ما ذكيتم ) فدلت الآية على أنه إذا لم يتحقق في هذه اللحوم الذكاة الشرعية فهي محرمة بناءً على الأصل ، سواء كانت ذبيحة مسلم أو كتابي



وهذا القول قوي ، ويؤيده ما يلي :


1- أن القاعدة الشرعية في باب الأطعمة : أنه إذا اجتمع حاظر ومبيح غلب جانب الحظر ، وهذه القاعدة دل عليها حديث عدي بن حاتم رضي الله عنه وغيره من الأحاديث الصحيحة ، وهذه اللحوم ترددت بين كونها مذكاة ذكاة شرعية مبيحة فتحل ، وكونها غير مذكاة فلا تحل ، تغليباً لجانب التحريم


2- أن طرق الذبح قد تنوعت ، وأصبح معظمها لا يوافق الطريقة الشرعية ، لا سيما مع هذه الكميات الهائلة التي تمتلئ بها الأسواق العالمية ، وقد ذكر بعض الباحثين أن المسالخ الصغيرة تذبح ألفي دجاجة في الساعة

و هذا يستبعد معه حصول الذكاة الشرعية بأوصافها المعلومة ، ومنها التسمية وإنهار الدم ، وهذا مما يطيب المذكاة ، وتركه يكسبه خبثاً ، يوجب التحريم


3- أنه لم يبق الأمر محل شك وتردد ، لأن كثيراً من الباحثين المهتمين اطلعوا على كيفية الذبح في المجازر الموجودة خارج البلاد الإسلامية إما بالمشاهدة وإما بإخبار هذه المجازر أنفسهم ، مما يفيد عدم الثقة ببقية مصدري هذه اللحوم ، لما يغلب على الظن من أن طريقتهم واحدة



4- أن الإلحاد والتحلل من العُهد الدينية والأحكام الشرعية قد غلب على الناس في هذا الزمان ، حتى إن النصارى خرجوا على مبادئ أهل الكتب فصاروا إلى الشيوعيين والوثنين منهم أقرب إلى النصارى ، وقد ضعفت الأمانة ، وقل الصدق ، بحيث لا يعتمد على أقوال المصدرين لهذه اللحوم ولا على كتاباتهم على ظهر أغلفتها بأنها ذبحت على الطريقة الإسلامية ، لا سيما وقد وجد بعض الدجاج برأسه لم يقطع شيء من رقبته ، كما وجدت هذه العبارة مكتوبة على أغلفة ما لا يحتاج إلى ذكاة كالسمك ، وحتى لو كانت تأتي من بلاد كتابية فإنها لا تذبح على الطريقة الشرعية


5- أن المطلوب من المسلم أن يسلك سبيل الاحتياط ، ويجتنب ما يشك في حله ، لقول الرسول صلى الله عليه وسلم " دع ما يريبك إلى ما لا يريبك " وكما قال صلى الله عليه وسلم " من اتقى الشبهات فقد استبرأ لدينه وعرضه " وقال صلى الله عليه وسلم " إذا أرسلت كلبك المعلم فاذكر اسم الله ، فإن وجدت مع كلبك كلباً غيره فلا تأكل فإنك لا تدري أيهما قتله " ولا ريب أن المطاعم الخبيثة لها تأثير كبير على الأبدان والعقول والأخلاق ، ولهذا حرمها الله تعالى على عباده ،ثم إن في الموجود من اللحوم والدجاج ما يغني عن المستورد وما فيه من الشبهة


وأما تمسك من أحل هذه اللحوم بقوله تعالى ( وطعام الذين أوتوا الكتاب حل لكم ) فيه نظر ، لأن هذا العموم قد خُصَّ بنصوص كثيرة كقوله تعالى ( حرمت عليكم الميتة .....إلى قوله إلا ما ذكيتم ) وطعام الذين أوتوا الكتاب وهي ذبائحهم يشترط له الذكاة المبيحة ، والمسلم لو ذكى ذكاة غير شرعية ما أبيحت ذبيحته ، فكذلك الكتابي



والله أعلم .