وقال شيخ الإسلام ابن تيمية في منهاج السنة النبوية 7 / 36 :
*فصل:
قال الرافضي : البرهان الثالث قوله تعالى : ( اليوم أكملت لكم دينكم وأتممت عليكم نعمتي ورضيت لكم الإسلام دينا ) روى أبو نعيم بإسناده إلى أبي سعيد الخدري رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم دعا الناس إلى غدير خم وأمر بإزالة ما تحت الشجر من الشوك فقام فدعا عليا فاخذ بضبعيه فرفعهما حتى نظر الناس إلى بياض إبطي رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم لم يتفرقوا حتى نزلت هذه الآية : ( اليوم أكملت لكم دينكم و أتممت عليكم نعمتي و رضيت لكم الإسلام دينا ) فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : الله اكبر على إكمال الدين وإتمام النعمة ورضا الرب برسالتي وبالولاية لعلي من بعدي ثم قال : من كنت مولاه فعلي مولاه اللهم وال من والاه عاد من عاداه وانصر من نصره واخذل من خذله.
*والجواب من وجوه...
أحدها: أن المستدل عليه بيان صحة الحديث ومجرد عزوه إلى رواية أبي نعيم لا تفيد الصحة باتفاق الناس علماء السنة والشيعة ، فان أبا نعيم روى كثيرا من الأحاديث التي هي ضعيفة بل موضوعة باتفاق علماء أهل الحديث السنة والشيعة وهو وإن كان حافظا كثير الحديث واسع الرواية لكن روى كما عادة المحدثين أمثاله يروون جميع ما في الباب لأجل المعرفة بذلك وإن كان لا يحتج من ذلك إلا ببعضه والناس في مصنفاتهم منهم من لا يروي عمن يعلم انه يكذب مثل مالك وشعبة ويحيى بن سعيد وعبد الرحمن بن مهدي وأحمد بن حنبل فان هؤلاء لا يروون عن شخص ليس بثقة عندهم ولا يروون حديثا يعلمون انه عن كذاب فلا يروون أحاديث الكذابين الذين يعرفون بتعمد الكذب لكن قد يتفق فيما يروونه ما يكون صاحبه أخطأ فيه وقد يروي الإمام أحمد واسحاق وغيرهما أحاديث تكون ضعيفة عندهم لاتهام رواتها بسوء الحفظ ونحو ذلك ليعتبر بها ويستشهد بها فانه قد يكون لذلك الحديث ما يشهد له انه محفوظ وقد يكون له ما يشهد بأنه خطا وقد يكون صاحبها كذبها في الباطن ليس مشهورا بالكذب بل يروى كثيرا من الصدق فيروى حديثه وليس كل ما رواه الفاسق يكون كذبا بل يجب التبين من خبره كما قال تعالى : ( يا أيها الذين آمنوا أن جاءكم فاسق بنبأ فتبينوا ) فيروى لتنظر سائر الشواهد هل تدل على الصدق أو الكذب وكثير من المصنفين يعز عليه تمييز ذلك على وجهه بل يعجز عن ذلك فيروي ما سمعه كما سمعه والدرك على غيره لا عليه وأهل العلم ينظرون في ذلك وفي رجاله و إسناده.
الوجه الثاني: أن هذا الحديث من الكذب الموضوع باتفاق أهل المعرفة بالموضوعات وهذا يعرفه أهل العلم بالحديث والمرجع إليهم في ذلك ولذلك لا يوجد هذا في شيء من كتب الحديث التي يرجع إليها أهل العلم بالحديث.
الوجه الثالث: انه قد ثبت في الصحاح والمساند والتفسير أن هذه الآية نزلت على النبي صلى الله عليه وسلم وهو واقف بعرفة وقال رجل من اليهود لعمر بن الخطاب يا أمير المؤمنين آية في كتابكم تقرؤونها لو علينا معشر اليهود نزلت لاتخذنا ذلك اليوم عيدا فقال له عمر وأي آية هي قال قوله : اليوم أكملت لكم دينكم وأتممت عليكم نعمتي ورضيت لكم الإسلام دينا فقال عمر : إني لأعلم أي يوم نزلت وفي أي مكان نزلت نزلت يوم عرفة بعرفة و رسول الله صلى الله عليه وسلم واقف بعرفة وهذا مستفيض من زيادة و وجوه أخر و هو منقول في كتب المسلمين الصحاح والمساند والجوامع والسير والتفسير وغير ذلك وهذا اليوم كان قبل غدير خم بتسعة أيام فانه كان يوم الجمعة تاسع ذي الحجة فكيف يقال أنها نزلت يوم الغدير.
لوجه الرابع: أن هذه الأيه ليس فيها دلالة على علي ولا إمامته بوجه من الوجوه بل فيها إخبار الله بإكمال الدين وإتمام النعمة على المؤمنين ورضا الإسلام دينا فدعوى المدعي أن القران يدل على إمامته من هذا الوجه كذب ظاهر وإن قال الحديث يدل على ذلك فيقال الحديث أن كان صحيحا فتكون الحجة من الحديث لا من الآية وإن لم يكن صحيحا فلا حجة في هذا ولا في هذا فعلى التقديرين لا دلالة في الآية على ذلك وهذا مما يبين به كذب الحديث فان نزول الأية لهذا السبب وليس فيها ما يدل عليه أصلا تناقض .... إلخ .