تابعونا على المجلس العلمي على Facebook المجلس العلمي على Twitter
الدكتور سعد بن عبد الله الحميد


النتائج 1 إلى 3 من 3

الموضوع: حديث : أخذ الله تبارك وتعالى الميثاق من ظهر آدم بـ ( نعمان )

  1. #1
    تاريخ التسجيل
    Nov 2012
    المشاركات
    13,804

    افتراضي حديث : أخذ الله تبارك وتعالى الميثاق من ظهر آدم بـ ( نعمان )

    1623 - " أخذ الله تبارك و تعالى الميثاق من ظهر آدم بـ ( نعمان ) - يعني عرفة - فأخرج
    من صلبه كل ذرية ذرأها ، فنثرهم بين يديه كالذر ، ثم كلمهم قبلا قال : *( ألست
    بربكم قالوا : بلى شهدنا أن تقولوا يوم القيامة إنا كنا عن هذا غافلين . أو
    تقولوا إنما أشرك آباؤنا من قبل و كنا ذرية من بعدهم أفتهلكنا بما فعل المبطلون
    )* " .

    قال الألباني في " السلسلة الصحيحة " 4 / 158 :
    أخرجه أحمد ( 1 / 272 ) و ابن جرير في " التفسير " ( 15338 ) و ابن أبي عاصم في " السنة " ( 17 / 1 ) و الحاكم ( 2 / 544 ) و البيهقي في " الأسماء و الصفات " ( ص 326 - 327 ) كلهم من طريق الحسين بن محمد المروذي حدثنا جرير بن حازم عن كلثوم بن جبر عن سعيد بن جبير عن ابن عباس عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : فذكره . قال الحاكم : " صحيح الإسناد " . ووافقه الذهبي .
    قلت : وحقهما أن يقيداه بأنه على شرط مسلم ، فإن كلثوم بن جبر من رجاله وسائرهم من رجال الشيخين . و تابعه وهب بن جرير حدثنا أبي به دون ذكر " نعمان " وقال أيضا : " صحيح الإسناد ، وقد احتج مسلم بكلثوم بن جبر " . ووافقه
    الذهبي أيضا .
    و أما ابن كثير فتعقبه بقوله في " التفسير " ( 2 / 262 ) :
    " هكذا قال ، و قد رواه عبد الوارث عن كلثوم بن جبر عن سعيد بن جبير عن ابن عباس فوقفه . و كذا رواه إسماعيل بن علية و وكيع عن ربيعة بن كلثوم بن جبر عن أبيه به ، و كذا رواه عطاء بن السائب و حبيب بن أبي ثابت و علي بن بذيمة عن سعيد بن جبير عن ابن عباس ، و كذا رواه العوفي و علي بن أبي طلحة عن ابن عباس ، فهذا أكثر و أثبت . و الله أعلم " .
    قلت : هو كما قال رحمه الله تعالى ، ولكن ذلك لا يعني أن الحديث لا يصح مرفوعا
    و ذلك لأن الموقوف في حكم المرفوع ، لسببين :
    الأول : أنه في تفسير القرآن ، و ما كان كذلك فهو في حكم المرفوع ، ولذلك
    اشترط الحاكم في كتابه " المستدرك " أن يخرج فيه التفاسير عن الصحابة كما ذكر
    ذلك فيه ( 1 / 55 ) .
    الآخر : أن له شواهد مرفوعة عن النبي صلى الله عليه وسلم عن جمع من الصحابة ،
    وهم عمر بن الخطاب وعبد الله بن عمرو وأبو هريرة وأبو أمامة وهشام بن حكيم
    أو عبد الرحمن بن قتادة السلمي على خلاف عنهما - ومعاوية بن أبي سفيان وأبو
    الدرداء وأبو موسى ، وهي إن كان غالبها لا تخلوا أسانيدها من مقال ، فإن بعضها يقوي بعضا ، بل قال الشيخ صالح المقبلي في " الأبحاث المسددة " : " ولا يبعد دعوى التواتر المعنوي في الأحاديث والروايات في ذلك " <1> ، ولاسيما وقد تلقاها أو تلقى ما اتفقت عليه من إخراج الذرية من ظهر آدم وإشهادهم على أنفسهم ، السلف الصالح من الصحابة و التابعين دون اختلاف بينهم ، منهم عبد الله بن عمرو وعبد الله بن مسعود ، وناس من الصحابة ، وأبي بن كعب وسلمان الفارسي ومحمد بن كعب والضحاك بن مزاحم والحسن البصري وقتادة وفاطمة بنت الحسين وأبو جعفر الباقر وغيرهم ، وقد أخرج هذه الآثار الموقوفة وتلك الأحاديث المرفوعة الحافظ السيوطي في " الدر المنثور " ( 3 / 141 - 145 ) ، وأخرج بعضها الشوكاني في " فتح القدير " ( 2 / 215 - 252 ) و من قبله الحافظ ابن كثير في " تفسيره ( 2 / 261 - 164 ) و خرجت أنا حديث عمر في " الضعيفة " ( 3070 ) و صححته لغيره في " تخريج شرح الطحاوية " ( 266 ) وحديث أبي هريرة في تخريج السنة لابن أبي عاصم ( 204 و 205 - بتحقيقي ) وصححته أيضا هناك ( ص 267 ) و في الباب عن أبي الدرداء مرفوعا ، و قد سبق برقم ( 49 ) و عن أنس ، وسبق برقم ( 172 ) و هو متفق عليه ، فهو أصحها و فيه : " إن الله تعالى يقول للرجل من أهل النار يوم القيامة : أرأيت لو كان لك ما على الأرض من شيء أكنت مفتديا ؟ فيقول : نعم . فيقول الله : قد أردت منك أهون من ذلك ، قد أخذت عليك في ظهر آدم أن لا تشرك بي شيئا فأبيت إلا أن تشرك بي " . إذا عرف هذا فمن العجيب قول الحافظ ابن كثير عقب الأحاديث و الآثار التي سبقت الإشارة إلى أنه أخرجها : " فهذه الأحاديث دالة على أن الله عز وجل استخرج ذرية آدم من صلبه ، و ميز بين أهل الجنة وأهل النار ، وأما الإشهاد عليهم هناك بأنه ربهم فما هو إلا في حديث كلثوم بن جبر عن سعيد بن جبير عن ابن عباس ، و في حديث عبد الله بن عمرو ، وقد بينا أنهما موقوفان لا مرفوعان كما تقدم " .
    قلت : وليس الأمر كما نفى ، بل الإشهاد وارد في كثير من تلك الأحاديث :
    الأول : حديث أنس هذا ، ففيه كما رأيت قول الله تعالى : " قد أخذت عليك في ظهر آدم أن لا تشرك بي شيئا " . قال الحافظ ابن حجر في " فتح الباري " ( 6 / 284 ) : " فيه إشارة إلى قوله تعالى : *( و إذا أخذ ربك من بني آدم من ظهورهم ذريتهم وأشهدهم على أنفسهم )* الآية .
    قلت : ولفظ حديث ابن عمرو الذي أعله ابن كثير بالوقف إنما هو : أخذ من ظهره .
    .. " ، فأي فرق بينه و بين لفظ حديث أنس الصحيح ؟ !
    الثاني : حديث عمر بلفظ : ( ثم مسح ظهره بيمينه فاستخرج منه ذرية ... "
    الثالث : حديث أبي هريرة الصحيح : " ... مسح ظهره فسقط من ظهره كل نسمة هو خالقها من ذريته إلى يوم القيامة ... " .
    الرابع : حديث هشام بن حكيم : " إن الله قد أخذ ذرية آدم من ظهورهم ، ثم أشهدهم على أنفسهم ... "
    الخامس : حديث أبي أمامة : " لما خلق الله الخلق و قضى القضية ، أخذ أهل اليمين
    بيمينه ، و أهل الشمال بشماله ، فقال : ... ألست بربكم ، قالوا : بلى ... " .
    ففي ذلك رد على قول ابن القيم أيضا في كتاب " الروح " ( ص 161 ) بعد أن سرد
    طائفة من الأحاديث المتقدمة : " وأما مخاطبتهم واستنطاقهم وإقرارهم له بالربوبية و شهادتهم على أنفسهم بالعبودية - فمن قال من السلف فإنما هو بناء منه على فهم الآية ، و الآية لم تدل على هذا بل دلت على خلافه " .
    وقد أفاض
    جدا في تفسير الآية و تأويلها تأويلا ينافي ظاهرها بل و يعطل دلالتها أشبه ما يكون بصنيع المعطلة لآيات و أحاديث الصفات حين يتأولونها ، و هذا خلاف مذهب ابن القيم رحمه الله الذي تعلمناه منه و من شيخه ابن تيمية ، فلا أدري لماذا خرج عنه هنا لاسيما و قد نقل ( ص 163 ) عن ابن الأنباري أنه قال : " مذهب أهل الحديث و كبراء أهل العلم في هذه الآية أن الله أخرج ذرية آدم من صلبه و صلب
    أولاده وهم في صور الذر فأخذ عليهم الميثاق أنه خالقهم و أنهم مصنوعون ، فاعترفوا بذلك و قبلوا ، و ذلك بعد أن ركب فيهم عقولا عرفوا بها ما عرض عليهم كما جعل للجبل عقلا حين خوطب ، و كما فعل ذلك للبعير لما سجد ، و النخلة حتى سمعت و انقادت حين دعيت " . كما نقل أيضا عن إسحاق بن راهويه : " و أجمع أهل العلم أن الله خلق الأرواح قبل الأجساد ، و أنه استنطقهم و أشهدهم " .
    قلت : وفي كلام ابن الأنباري إشارة لطيفة إلى طريقة الجمع بين الآية و الحديث
    وهو قوله : " إن الله أخرج ذرية آدم من صلبه و أصلاب أولاده " . و إليه ذهب
    الفخر الرازي في " تفسيره " ( 4 / 323 ) و أيده العلامة ملا على القاري في "
    مرقاة المفاتيح " ( 1 / 140 - 141 ) و قال عقب كلام الفخر : " قال بعض المحققين : إن بني آدم من ظهره ، فكل ما أخرج من ظهورهم فيما لا يزال إلى يوم القيامة هم الذين أخرجهم الله تعالى في الأزل من صلب آدم ، و أخذ منهم الميثاق الأزلي ليعرف منه أن النسل المخرج فيما لا يزال من أصلاب بنيه هو المخرج في الأزل من صلبه ، و أخذ منهم الميثاق الأول ، و هو المقالي الأزلي ، كما أخذ منهم فيما لا
    يزال بالتدريج حين أخرجوا الميثاق الثاني ، و هو الحالي الإنزالي . و الحاصل أن الله تعالى لما كان له ميثاقان مع بني آدم أحدهما تهتدي إليه العقول من نصب الأدلة الحاملة على الاعتراف الحالي ، و ثانيهما المقالي الذي لا يهتدي إليه العقل ، بل يتوقف على توقيف واقف على أحوال العباد من الأزل إلى الأبد ، كالأنبياء عليهم الصلاة و السلام ، أراد عليه الصلاة و السلام أن يعلم الأمة ويخبرهم أن وراء الميثاق الذي يهتدون إليه بعقولهم ميثاقا آخر أزليا فقال ( ما ) قال من مسح ظهر آدم في الأزل و إخراج ذريته و أخذه الميثاق عليهم و بهذا يزول كثير من الإشكالات ، فتأمل فيها حق التأمل " .
    وجملة القول أن الحديث صحيح ، بل هو متواتر المعنى كما سبق ، و أنه لا تعارض
    بينه وبين آية أخذ الميثاق ، فالواجب ضمه إليها ، و أخذ الحقيقة من مجموعها
    وقد تجلت لك إن شاء الله مما نقلته لك من كلام العلماء ، و بذلك ننجو من مشكلتين بل مفسدتين كبيرتين :
    الأولى : رد الحديث بزعم معارضته للآية .
    والأخرى : تأويلها تأويلا يبطل معناها ، أشبه ما يكون بتأويل المبتدعة
    والمعتزلة . كيف لا و هم أنفسهم الذين أنكروا حقيقة الأخذ و الإشهاد و القول
    المذكور فيها بدعوى أنها خرجت مخرج التمثيل ! و قد عز علي كثيرا أن يتبعهم في
    ذلك مثل ابن القيم و ابن كثير ، خلافا للمعهود منهم من الرد على المبتدعة ما هو
    هو دون ذلك من التأويل . و العصمة لله وحده . ثم إنه ليلوح لي أننا و إن كنا لا
    نتذكر جميعا ذلك الميثاق الرباني و قد بين العلماء سبب ذلك - فإن الفطرة التي
    فطر الله الناس عليها ، و التي تشهد فعلا بأن الله هو الرب وحده لا شريك له ،
    إنما هي أثر ذلك الميثاق ، و كأن الحسن البصري رحمه الله أشار إلى ذلك حين روى
    عن الأسود بن سريع مرفوعا : " ألا إنها ليست نسمة تولد إلا ولدت على الفطرة ...
    " الحديث ، قال الحسن عقبه : " و لقد قال الله ذلك في كتابه : *( و إذ أخذ ربك
    ... )* الآية " . أخرجه ابن جرير ( 15353 ) ، و يؤيده أن الحسن من القائلين
    بأخذ الميثاق الوارد في الأحاديث ، كما سبقت الإشارة إلى ذلك ، و عليه فلا يصح
    أن يقال : إن الحسن البصري مع الخلف القائلين بأن المراد بالإشهاد المذكور في
    الآية إنما هو فطرهم على التوحيد ، كما صنع ابن كثير . و الله أعلم .
    ----------------------------------
    [1] نقلته من " فتح البيان " لصديق حسن خان " ( 3 / 406 ) . اهـ .

  2. #2
    تاريخ التسجيل
    Mar 2010
    المشاركات
    7,532

    افتراضي

    هل أخذ الله الميثاق على الناس جميعا أول الخلق : أنه ربهم ؟


    السؤال:
    هل خلق الله أرواح الآدميين كلها جميعاً ، ثم أخذ عليهم العهد بأنه ربهم في لحظة واحدة ؟

    الجواب :
    الحمد لله
    أولا :
    قال الله تعالى :( وَإِذْ أَخَذَ رَبُّكَ مِنْ بَنِي آدَمَ مِنْ ظُهُورِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ وَأَشْهَدَهُمْ عَلَى أَنْفُسِهِمْ أَلَسْتُ بِرَبِّكُمْ قَالُوا بَلَى شَهِدْنَا أَنْ تَقُولُوا يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِنَّا كُنَّا عَنْ هَذَا غَافِلِينَ * أَوْ تَقُولُوا إِنَّمَا أَشْرَكَ آبَاؤُنَا مِنْ قَبْلُ وَكُنَّا ذُرِّيَّةً مِنْ بَعْدِهِمْ أَفَتُهْلِكُنَا بِمَا فَعَلَ الْمُبْطِلُونَ ) الأعراف/ 172، 173 .

    قال الشنقيطي رحمه الله :
    " فِي هَذِهِ الْآيَةِ الْكَرِيمَةِ وَجْهَانِ مِنَ التَّفْسِيرِ مَعْرُوفَانِ عِنْدَ الْعُلَمَاءِ :
    أَحَدُهُمَا : أَنَّ مَعْنَى أَخْذِهِ ذُرِّيَّةَ بَنِي آدَمَ مِنْ ظُهُورِهِمْ : هُوَ إِيجَادُ قَرْنٍ مِنْهُمْ بَعْدَ قَرْنٍ ، وَإِنْشَاءُ قَوْمٍ بَعْدَ آخَرِينَ كَمَا قَالَ تَعَالَى : (كَمَا أَنْشَأَكُمْ مِنْ ذُرِّيَّةِ قَوْمٍ آخَرِينَ) ، وَقَالَ: (هُوَ الَّذِي جَعَلَكُمْ خَلَائِفَ فِي الْأَرْضِ) ، وَنَحْوَ ذَلِكَ مِنَ الْآيَاتِ ، وَعَلَى هَذَا الْقَوْلِ فَمَعْنَى قَوْلِهِ: ( وَأَشْهَدَهُمْ عَلَى أَنْفُسِهِمْ أَلَسْتُ بِرَبِّكُمْ قَالُوا بَلَى ) : أَنَّ إِشْهَادَهُمْ عَلَى أَنْفُسِهِمْ إِنَّمَا هُوَ بِمَا نُصِبَ لَهُمْ مِنَ الْأَدِلَّةِ الْقَاطِعَةِ بِأَنَّهُ رَبُّهُمُ الْمُسْتَحِقُّ مِنْهُمْ لِأَنْ يَعْبُدُوهُ وَحْدَهُ ، وَعَلَيْهِ فَمَعْنَى (قَالُوا بَلَى) أَيْ: قَالُوا ذَلِكَ بِلِسَانِ حَالِهِمْ لِظُهُورِ الْأَدِلَّةِ عَلَيْهِ .
    الْوَجْه الْآخَر فِي مَعْنَى الْآيَةِ : أَنَّ اللَّهَ أَخْرَجَ جَمِيعَ ذُرِّيَّةِ آدَمَ مِنْ ظُهُورِ الْآبَاءِ فِي صُورَةِ الذَّرِّ ، وَأَشْهَدَهُمْ عَلَى أَنْفُسِهِمْ بِلِسَانِ الْمَقَالِ : (أَلَسْتُ بِرَبِّكُمْ قَالُوا بَلَى) ثُمَّ أَرْسَلَ بَعْدَ ذَلِكَ الرُّسُلَ مُذَكِّرَةً بِذَلِكَ الْمِيثَاقِ الَّذِي نَسِيَهُ الْكُلُّ وَلَمْ يُولَدْ أَحَدٌ مِنْهُمْ وَهُوَ ذَاكِرٌ لَهُ، وَإِخْبَارُ الرُّسُلِ بِهِ يَحْصُلُ بِهِ الْيَقِينُ بِوُجُودِهِ .
    وهَذَا الْوَجْهُ الْأَخِيرُ يَدُلُّ لَهُ الْكِتَابُ وَالسُّنَّةُ " انتهى من " أضواء البيان " (2/ 42-43) .


    وقال الحافظ ابن كثير رحمه الله :
    " يُخْبِرُ تَعَالَى أَنَّهُ اسْتَخْرَجَ ذُرِّيَّةَ بَنِي آدَمَ مِنْ أَصْلَابِهِمْ ، شَاهِدِينَ عَلَى أَنْفُسِهِمْ أَنَّ اللَّهَ رَبُّهُمْ وَمَلِيكُهُمْ ، وَأَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ، كَمَا أَنَّهُ تَعَالَى فَطَرَهُمْ عَلَى ذَلِكَ وَجَبَلَهُمْ عَلَيْهِ " انتهى من " تفسير ابن كثير" (3/ 500) .
    وروى الإمام أحمد (2455) ، والحاكم (75) عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: ( أَخَذَ اللهُ الْمِيثَاقَ مِنْ ظَهْرِ آدَمَ ، فَأَخْرَجَ مِنْ صُلْبِهِ كُلَّ ذُرِّيَّةٍ ذَرَأَهَا، فَنَثَرَهُمْ بَيْنَ يَدَيْهِ كَالذَّرِّ ، ثُمَّ كَلَّمَهُمْ قِبَلًا ، قَالَ : أَلَسْتُ بِرَبِّكُمْ ؟ قَالُوا بَلَى شَهِدْنَا أَنْ تَقُولُوا يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِنَّا كُنَّا عَنْ هَذَا غَافِلِينَ ، أَوْ تَقُولُوا إِنَّمَا أَشْرَكَ آبَاؤُنَا مِنْ قَبْلُ وَكُنَّا ذُرِّيَّةً مِنْ بَعْدِهِمْ أَفَتُهْلِكُنَا بِمَا فَعَلَ الْمُبْطِلُونَ ) .
    وصححه الحاكم ، ووافقه الذهبي ، وأعله ابن كثير في "تفسيره" (3/502) بالوقف على ابن عباس ، قال الألباني :
    " هو كما قال رحمه الله تعالى ، ولكن ذلك لا يعني أن الحديث لا يصح مرفوعا
    وذلك لأن الموقوف في حكم المرفوع ، لسببين :
    الأول : أنه في تفسير القرآن ، وما كان كذلك فهو في حكم المرفوع .
    الآخر: أن له شواهد مرفوعة عن النبي صلى الله عليه وسلم عن جمع من الصحابة،
    وهم عمر بن الخطاب وعبد الله بن عمرو وأبو هريرة وأبو أمامة وهشام بن حكيم
    أو عبد الرحمن بن قتادة السلمي - على خلاف عنهما - ومعاوية بن أبي سفيان وأبو الدرداء وأبو موسى ، وهي إن كان غالبها لا تخلو أسانيدها من مقال ، فإن
    بعضها يقوي بعضا ، بل قال الشيخ صالح المقبلي في " الأبحاث المسددة " : " ولا
    يبعد دعوى التواتر المعنوي في الأحاديث والروايات في ذلك " ، ولاسيما
    وقد تلقاها أو تلقى ما اتفقت عليه من إخراج الذرية من ظهر آدم وإشهادهم على
    أنفسهم ، السلف الصالح من الصحابة والتابعين دون اختلاف بينهم ، منهم عبد الله
    بن عمرو وعبد الله بن مسعود وأبي بن كعب وسلمان الفارسي ومحمد بن كعب والضحاك بن مزاحم والحسن البصري وقتادة وفاطمة بنت الحسين وأبو جعفر الباقر وغيرهم " انتهى من " سلسلة الأحاديث الصحيحة " (4/ 159) .


    ويشهد لهذا المعنى ما رواه مسلم (2805) عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: ( يَقُولُ اللهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى لِأَهْوَنِ أَهْلِ النَّارِ عَذَابًا: لَوْ كَانَتْ لَكَ الدُّنْيَا وَمَا فِيهَا، أَكُنْتَ مُفْتَدِيًا بِهَا ؟ فَيَقُولُ: نَعَمْ ، فَيَقُولُ : قَدْ أَرَدْتُ مِنْكَ أَهْوَنَ مِنْ هَذَا وَأَنْتَ فِي صُلْبِ آدَمَ : أَنْ لَا تُشْرِكَ - أَحْسِبُهُ قَالَ: وَلَا أُدْخِلَكَ النَّارَ - فَأَبَيْتَ إِلَّا الشِّرْكَ ) .

    وروى الفريابي في "القدر" (53) بسند صحيح عَنْ أُبَيِّ بْنِ كَعْبٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ فِي قَوْلِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ : ( وَإِذْ أَخَذَ رَبُّكَ مِنْ بَنِي آدَمَ مِنْ ظُهُورِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ ... ) قَالَ :
    " جَمَعَهُمْ ثُمَّ جَعَلَهُمْ أَرْوَاحًا فَاسْتَنْطَقَهُ مْ فَتَكَلَّمُوا وَأَخَذَ عَلَيْهِمُ الْعَهْدَ وَالْمِيثَاقَ ، (وَأَشْهَدَهُمْ عَلَى أَنْفُسِهِمْ أَلَسْتُ بِرَبِّكُمْ قَالُوا بَلَى شَهِدْنَا أَنْ تَقُولُوا يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِنَّا كُنَّا عَنْ هَذَا غَافِلِينَ) .

    ورواه الدولابي في " الكني " (1222) بنفس السند ، ولفظه : ( جَمَعَهُمْ فَجَعَلَهُمْ أَرْوَاحًا ثُمَّ صَوَّرَهُمْ ) .
    وقال الإمام إِسْحَاق بْنِ رَاهَوَيْهِ في قوله : ( وَإِذْ أَخَذَ رَبُّكَ مِنْ بَنِي آدَمَ مِنْ ظُهُورِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ) قَالَ إِسْحَاقُ : " أَجْمَعَ أَهْلُ الْعِلْمِ أَنَّهَا الْأَرْوَاحُ قَبْلَ الْأَجْسَادِ ، فَاسْتَنْطَقَهُ مْ وَأَشْهَدَهُمْ عَلَى أَنْفُسِهِمْ ( أَلَسْتُ بِرَبِّكُمْ قَالُوا بَلَى ) فَقَالَ : انْظُرُوا أَنْ لَا تَقُولُوا ( إِنَّا كُنَّا عَنْ هَذَا غَافِلِينَ أَوْ تَقُولُوا إِنَّمَا أَشْرَكَ آبَاؤُنَا مِنْ قَبْلُ وَكُنَّا ذُرِّيَّةً مِنْ بَعْدِهِمْ) "
    انتهى من " الاستذكار" (3/ 107) .

    فعلى هذا القول المشهور المروي عن كثير من السلف : فقد جمع الله تعالى ذرية آدم في أول الخلق في صورهم - وقيل أرواحهم ، وقيل أرواحهم ثم صورهم - وأشهدهم على أنفسهم : ألست بربكم ؟ قالوا : بلى .
    ولكن أحدا من بني آدم لا يتذكر هذا الميثاق .

    واختار شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله القول الآخر ، وأن هذا الإشهاد والإقرار : إنما هو خلقهم على الفطرة الحنيفية ، قبل أن يتهودوا أو يتنصروا ، أو يتحولوا إلى غيرها من الأديان .
    قال رحمه الله ، في تفسير قوله تعالى : ( وَقَالُوا اتَّخَذَ اللَّهُ وَلَدًا سُبْحَانَهُ بَلْ لَهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ كُلٌّ لَهُ قَانِتُونَ ) البقرة/116:
    " وَهَذَا إِخْبَار عَمَّا فطروا عَلَيْهِ من الْإِقْرَار بِأَن الله رَبهم ، كَمَا قَالَ : ( وَإِذ أَخذ رَبك من بني آدم من ظُهُورهمْ ذُرِّيتهمْ وأشهدهم على أنفسهم أَلَسْت بربكم قَالُوا بلَى ) الْآيَة [سُورَة الْأَعْرَاف 172] ؛ فَإِن هَذِه الْآيَة بَينه فِي إقرارهم وشهادتهم على أنفسهم بالمعرفة الَّتِي فطروا عَلَيْهَا : أَن الله رَبهم .
    وَقَالَ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم : ( كل مولولد يولد على الْفطْرَة ) .
    وَطَائِفَة من الْعلمَاء جعلُوا هَذَا الْإِقْرَار لما اسْتخْرجُوا من صلب آدم وَأَنه أنطقهم وأشهدهم ، لَكِن هَذَا لم يثبت بِهِ خبر صَحِيح عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم ، وَالْآيَة لَا تدل عَلَيْهِ .
    وَإِنَّمَا الَّذِي جَاءَت بِهِ الْأَحَادِيث الْمَعْرُوفَة أَنه استخرجهم وأراهم لآدَم وميز بَين أهل الْجنَّة وَأهل النَّار مِنْهُم فعرفوا من يَوْمئِذٍ ، هَذَا فِيهِ مأثور من حَدِيث أبي هُرَيْرَة ، رَوَاهُ التِّرْمِذِيّ وَغَيره بِإِسْنَاد جيد ، وَهُوَ أَيْضا من حَدِيث عمر بن الْخطاب الَّذِي رَوَاهُ أهل السّنَن وَمَالك فِي الْمُوَطَّأ ، وَهُوَ يصلح للاعتضاد .
    وَأما إنطاقهم وإشهادهم فروى عَن بعض السّلف ، وَقد روى عَن أبيّ وَابْن عَبَّاس "
    انتهى من "جامع الرسائل" (1/ 11-12) ، وينظر : " درء تعارض العقل والنقل" (8/482) وما بعدها .
    والله تعالى أعلم .

    https://islamqa.info/ar/211560
    اللهم اغفر لأبي وارحمه وعافه واعف عنه اللهم اجعل ولدي عمر ذخرا لوالديه واجعله في كفالة إبراهيم عليه السلام

  3. #3
    تاريخ التسجيل
    Nov 2012
    المشاركات
    13,804

    افتراضي

    نفع الله بكم .

الكلمات الدلالية لهذا الموضوع

ضوابط المشاركة

  • لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
  • لا تستطيع الرد على المواضيع
  • لا تستطيع إرفاق ملفات
  • لا تستطيع تعديل مشاركاتك
  •