قال الغزالي رحمه الله في إحياء علوم الدين 4 / 370 :
القسم الثاني- أي من الأعمال - الطاعات :
وهي مرتبطة بالنيات في أصل صحتها وفي تضاعف فضلها.
أما الأصل فهو أن ينوى بها عبادة الله تعالى لا غير ، فإن نوى الرياء صارت معصية.
وأما تضاعف الفضل فبكثرة النيات الحسنة ، فإن الطاعة الواحدة يمكن أن ينوى بها خيرات كثيرة ، فيكون له بكل نية ثواب إذ كل واحدة منها حسنة ثم تضاعف كل حسنة عشر أمثالها ، كما ورد به الخبر.
ومثاله : القعود فى المسجد فإنه طاعة ويمكن أن ينوى فيه نيات كثيرة حتى يصير من فضائل أعمال المتقين ويبلغ به درجات المقربين:

أولها : أن يعتقد أنه بيت الله وأن داخله زائر الله فيقصد به زيارة مولاه رجاء لما وعده به رسول الله صلى الله عليه وسلم حيث قال: (من قعد فى المسجد فقد زار الله تعالى وحق على المزور أن يكرم زائره). ( وهو حديث مختلف فيه ، والأقرب عدم صحته )
وثانيها : أن ينتظر الصلاة بعد الصلاة فيكون في جملة انتظاره في الصلاة وهو معنى قوله تعالى ورابطوا.
وثالثها : الترهب بكف السمع والبصر والأعضاء عن الحركات والترددات فإن الاعتكاف كف وهو في معنى الصوم وهو نوع ترهب ولذلك قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : (رهبانية أمتي القعود في المساجد). ( وهو حديث لا يصح )
ورابعها : عكوف الهم على الله ولزوم السر للفكر في الآخرة ودفع الشواغل الصارفة عنه بالاعتزال إلى المسجد.
وخامسها : التجرد لذكر الله أو لاستماع ذكره وللتذكر به كما روي في الخبر :" من غدا إلى المسجد ليذكر الله تعالى أو يذكر به كان كالمجاهد في سبيل الله تعالى. ( لا يصح مرفوعا )
وسادسها : أن يقصد إفادة العلم بأمر بمعروف ونهي عن منكر إذ المسجد لا يخلو عمن يسئ في صلاته أو يتعاطى مالا يحل له فيأمره بالمعروف ويرشده إلى الدين فيكون شريكا معه في خيره الذي يعلم منه فتتضاعف خيراته.
وسابعها : أن يستفيد أخا في الله فإن ذلك غنيمة وذخيرة للدار الآخرة والمسجد معشش أهل الدين المحبين لله وفي الله.
وثامنها : أن يترك الذنوب حياء من الله تعالى وحياء من أن يتعاطى في بيت الله ما يقتضي هتك الحرمة وقد قال الحسن بن علي رضي الله عنهما : من أدمن الاختلاف إلى المسجد رزقه الله إحدى سبع خصال أخا مستفادا في الله أو رحمة مستنزلة أو علما مستظرفا أو كلمة تدل على هدى أو تصرفه عن ردى أو يترك الذنوب خشية أو حياء.

فهذا طريق تكثير النيات وقس به سائر الطاعات والمباحات إذ ما من طاعة إلا وتحتمل نيات كثيرة وإنما تحضر في قلب العبد المؤمن بقدر جده في طلب الخير وتشمره له وتفكر فيه فبهذا تزكوا الأعمال وتتضاعف الحسنات.