محظورات الإحرام:
ما يُمنع منه المُحرم بحج أو عمرة وهي ثلاثة أقسام:
قسمٌ محرّمٌ على الذكور والإناث.
قسمٌ محرّمٌ على الذكور فقط.
قسمٌ محرّمٌ على الإناث فقط.
فأما المُحَرَّمُ على الذكور والإناث فهو:
1 ـ إزالةُ شعر الرأس بحلق أو غيره لقوله تعالى: { وَلاَ تَحْلِقُواْ رُءُوسَكُمْ حَتَّى يَبْلُغَ الْهَدْىُ مَحِلَّهُ فَمَن كَانَ مِنكُم مَّرِيضًا أَوْ بِهِ أَذًى مِّن رَّأْسِهِ فَفِدْيَةٌ مِّن صِيَامٍ أَوْ صَدَقَةٍ أَوْ نُسُكٍ فَإِذَآ أَمِنتُمْ فَمَن تَمَتَّعَ بِالْعُمْرَةِ إِلَى الْحَجِّ فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنَ الْهَدْىِ فَمَن لَّمْ يَجِدْ فَصِيَامُ ثَلَـثَةِ أَيَّامٍ فِي الْحَجِّ وَسَبْعَةٍ إِذَا رَجَعْتُمْ تِلْكَ عَشَرَةٌ كَامِلَةٌ ذَلِكَ لِمَن لَّمْ يَكُنْ أَهْلُهُ حَاضِرِى الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ وَاتَّقُواْ اللَّهَ وَاعْلَمُواْ أَنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ } [البقرة: 196]
ألحق جمهور أهل العلم رحمهم الله تعالى شعرَ بقية الجسم بشعر الرأس، وعلى هذا فلا يجوز للمحرمِ أن يُزيل أي شعر كان من بدنه. وقد بيّن الله سبحانه وتعالى فدية حلق الرأس بقوله: { فَمَن كَانَ مِنكُم مَّرِيضًا أَوْ بِهِ أَذًى مِّن رَّأْسِهِ فَفِدْيَةٌ مِّن صِيَامٍ أَوْ صَدَقَةٍ أَوْ نُسُكٍ فَإِذَآ أَمِنتُمْ فَمَن تَمَتَّعَ بِالْعُمْرَةِ إِلَى الْحَجِّ فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنَ الْهَدْىِ فَمَن لَّمْ يَجِدْ فَصِيَامُ ثَلَـثَةِ أَيَّامٍ فِي الْحَجِّ وَسَبْعَةٍ إِذَا رَجَعْتُمْ تِلْكَ عَشَرَةٌ كَامِلَةٌ ذَلِكَ لِمَن لَّمْ يَكُنْ أَهْلُهُ حَاضِرِى الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ وَاتَّقُواْ اللَّهَ وَاعْلَمُواْ أَنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ } [البقرة: 196].
وأوضح النبي صلى الله عليه وسلّم أن الصيام مقداره ثلاثة أيام، وأن الصدقة مقدارُها ثلاثة آصع من الطعام لستة مساكين، لكل مسكين نصف صاع، وأن النسك شاة، والمراد شاة تبلغ السن المعتبر في الهدي، وتكونُ سليمة من العيوب المانعة من الإجزاء. ويُسمّي العلماء هذه الفدية فدية الأذى لقوله تعالى: { أَوْ بِهِ أَذًى مِّن رَّأْسِهِ فَفِدْيَةٌ مِّن صِيَامٍ أَوْ صَدَقَةٍ أَوْ نُسُكٍ فَإِذَآ أَمِنتُمْ فَمَن تَمَتَّعَ بِالْعُمْرَةِ إِلَى الْحَجِّ فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنَ الْهَدْىِ فَمَن لَّمْ يَجِدْ فَصِيَامُ ثَلَـثَةِ أَيَّامٍ فِي الْحَجِّ وَسَبْعَةٍ إِذَا رَجَعْتُمْ تِلْكَ عَشَرَةٌ كَامِلَةٌ ذَلِكَ لِمَن لَّمْ يَكُنْ أَهْلُهُ حَاضِرِى الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ وَاتَّقُواْ اللَّهَ وَاعْلَمُواْ أَنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ }.
2 ـ تقليم الأظافر أو قلعُها أو قصُّها قياساً على حلق الشعر؛ على المشهور عند أهل العلم. ولا فرق بين أظفار اليدين والرجلين، لكن لو انكسر ظُفُرهُ وتأذى به فلا بأسَ أن يقص القدر المؤذي منه، ولا فدية عليه.
3 ـ استعمال الطيب بعد الإحرام في ثوبه أو بدنه أو غيرهما مما يتصل به لحديث ابن عمر رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلّم قال في المُحرِم: « لا يلبس ثوباً مسه زعفران ولا ورس »، وقال في المُحرم الذي وقَصَتْهُ راحلته وهو واقف بعرفة : « لا تُقربوه طيباً » وعلل ذلك بكونه يُبعث يوم القيامة مُلبياً. والحديثان صحيحان. فدل هذا على أن المُحرِم ممنوع من قُربان الطيب.
ولا يجوز للمحرم شمُّ الطيب عمداً ولا خلط قهوته بالزعفران الذي يُؤثر في طعم القهوة أو رائحتها، ولا خَلطُ الشاي بماء الورد ونحوه مما يظهر فيه طعمه أو ريحه. ولا يستعمل الصابون المُمَسك إذا ظهرت فيه رائحة الطيب، وأما الطيب الذي تطيب به قبل إحرامه فلا يضُرُّ بقاؤه بعد الإحرام لقول عائشة رضي الله عنها: « كنت أنظرُ إلى وبيص المسك في مفارق رسول الله صلى الله عليه وسلّم وهو مُحرم » متفق عليه.
4 ـ عقد النكاحلقول النبي صلى الله عليه وسلّم : « لا يَنكح المحرم ولا يُنكح ولا يخطب » رواه مسلم. فلا يجوز للمُحرم أن يتزوج امرأةً ولا أن يعقدَ لها النكاحَ بولايةٍ ولا بوكالةٍ، ولا يخطبُ امرأةً حتى يُحِلَّ من إحرامه. ولا تُزوَّج المرأةُ وهي محرمةٌ. وعقدُ النكاح حالَ الإحرام فاسدٌ غير صحيح، لقول النبي صلى الله عليه وسلّم: « مَن عمل عملاً ليس عليه أمُرنا فهو رد ».
5 ـ المباشرةُ لشهوةٍ بتقبيل أو لمسٍّ أو ضمٍّ أو نحوه لقوله تعالى: { فَمَن فَرَضَ فِيهِنَّ الْحَجَّ فَلاَ رَفَثَ وَلاَ فُسُوقَ وَلاَ جِدَالَ فِي الْحَجِّ وَمَا تَفْعَلُواْ مِنْ خَيْرٍ يَعْلَمْهُ اللَّهُ وَتَزَوَّدُواْ فَإِنَّ خَيْرَ الزَّادِ التَّقْوَى وَاتَّقُونِ يأُوْلِي الأَلْبَـبِ } [البقرة: 197].
ويدخل في الرّفث مقدمات الجماع كالتقبيل والغمز والمُداعبة لشهوة. فلا يحل للمحرم أن يُقبّل زوجَته لشهوة، أو يمسها لشهوة، أو يغمزها لشهوة، أو يداعبها لشهوة. ولا يحلُّ لها أن تمكنه من ذلك وهي مُحرمة. ولا يحل النظر لشهوة أيضاً لأنه يستمتع به كالمباشرة.
6 ـ الجماع لقوله تعالى: { فَمَن فَرَضَ فِيهِنَّ الْحَجَّ فَلاَ رَفَثَ وَلاَ فُسُوقَ وَلاَ جِدَالَ فِي الْحَجِّ وَمَا تَفْعَلُواْ مِنْ خَيْرٍ يَعْلَمْهُ اللَّهُ وَتَزَوَّدُواْ فَإِنَّ خَيْرَ الزَّادِ التَّقْوَى وَاتَّقُونِ يأُوْلِي الأَلْبَـبِ } [البقرة: 197]. والرفث الجماع ومقدماته.
والجماع أشد محظورات الإحرام تأثيراً على الحج وله حالان:
الحال الأولى: أن يكون قبلَ التحللِ الأول فيترتب عليه شيئان:
أ ـ وجوب الفدية وهي بَدنَة أو بقرة تُجزىء في الأضحية يذبحها ويُفرقها كلها على الفقراء، ولا يأكل منها شيئاً.
ب ـ فساد الحج الذي حصل فيه الجماع، لكن يلزم إتمامه وقضاؤه من السنة القادمة بدون تأخير. قال مالك في
(الموطأ): بلغني أن عمر وعلياً وأبا هريرة سُئلوا عن رجلٍ أصاب أهله وهو مُحرم؟
فقالوا: يَنفذان لوجههما حتى يقضيا حَجهما، ثم عليهما حجٌّ قابل والهدي. قال: وقال عليٌّ: وإذا أهلا بالحج من عامٍ قابلٍ تفرقا حتى يقضيا حَجّهما. ولا يفسدُ النُّسُكُ في باقي المحظورات.
الحال الثانية: أن يكونَ الجماع بعد التحلل الأول، أي بعد رمي جمرةِ العقبة والحلق، وقبل طواف الإفاضة، فالحج صحيح، لكن يلزمه شيئان على المشهور من المذهب:
أ ـ فديةٌ شاة يذبحها ويُفرقها جميعاً على الفقراء، ولا يأكل منها شيئاً.
ب ـ أن يخرج إلى الحل، أي: إلى ما وراء حدود الحرم فَيُجدد إحرامه، ويلبس إزراً ورداءً ليطوف للإفاضة مُحرماً.
7 ـ من محظورات الإحرام: قتل الصيد، والصيد: كل حيوان بري حلال متوحش طبعاً كالظباء والأرانب والحمام، لقوله تعالى: {وَحُرِّمَ عَلَيْكُمْ صَيْدُ الْبَرِّ مَا دُمْتُمْ حُرُماً وَاتَّقُواْ اللَّهَ الَّذِى إِلَيْهِ تُحْشَرُونَ}، وقوله : {يَـأَيُّهَا الَّذِينَ ءَامَنُواْ لاَ تَقْتُلُواْ الصَّيْدَ وَأَنْتُمْ حُرُمٌ وَمَن قَتَلَهُ مِنكُم مُّتَعَمِّداً فَجَزَآءٌ مِّثْلُ مَا قَتَلَ مِنَ النَّعَمِ يَحْكُمُ بِهِ ذَوَا عَدْلٍ مِّنْكُمْ هَدْياً بَـلِغَ الْكَعْبَةِ أَوْ كَفَّارَةٌ طَعَامُ مَسَـكِينَ أَو عَدْلُ ذلِكَ صِيَاماً لِّيَذُوقَ وَبَالَ أَمْرِهِ عَفَا اللَّهُ عَمَّا سَلَف وَمَنْ عَادَ فَيَنْتَقِمُ اللَّهُ مِنْهُ وَاللَّهُ عَزِيزٌ ذُو انْتِقَامٍ} [المائدة: 96-97]
فلا يجوز للمُحْرِم اصطياد الصيد المذكور، ولا قتلُه بمباشرةٍ أو تسبب أو إعانةٍ على قتلهِ بدلالةٍ أو إشارةٍ أو مناولةِ سلاحٍ أو نحو ذلك.
وأما الأكل منه فهو أقسامٌ ثلاثةٌ:
الأول: ما قتله المُحرمُ أو شاركَ في قتله فأكله حرامٌ على المحرم وغيره.
الثاني: ما صاده حلالٌ بإعانة المُحرم، مثل أن يدله المُحرم على الصيد، أو يناوله آلةَ الصيد، فهو حرامٌ على المُحرمِ دون غيره. الثالث: ما صاده الحلالُ للمحرمِ، فهو حرامٌ على المُحرِمِ دون غيره، لقول النبي صلى الله عليه وسلّم: « صيد البرِّ لكم حلالٌ ما لم تَصيدوه أو يُصَد لكم ».
وعن أبي قتادة رضي الله عنه أنه صاد حماراً وحشيًّا، وكان أبو قتادة غيرَ محرمٍ وأصحابه مُحرمين، فأكلوا منه، ثم شكوا في أكلهم، فسألوا النبي صلى الله عليه وسلّم؟
فقال: « هل أشار إليه إنسانٌ أو أمره بشيء »
قالوا: لا
قال: « فكلوه ».
وإذا قتل المُحرمُ الصيد متعمداً فعليه جزاؤه، لقوله تعالى: {وَمَن قَتَلَهُ مِنكُم مُّتَعَمِّداً فَجَزَآءٌ مِّثْلُ مَا قَتَلَ مِنَ النَّعَمِ يَحْكُمُ بِهِ ذَوَا عَدْلٍ مِّنْكُمْ هَدْياً بَـلِغَ الْكَعْبَةِ أَوْ كَفَّارَةٌ طَعَامُ مَسَـكِينَ أَو عَدْلُ ذلِكَ صِيَاماً لِّيَذُوقَ وَبَالَ أَمْرِهِ عَفَا اللَّهُ عَمَّا سَلَف وَمَنْ عَادَ فَيَنْتَقِمُ اللَّهُ مِنْهُ وَاللَّهُ عَزِيزٌ ذُو انْتِقَامٍ} [المائدة: 95].
فإذا قتلَ حمامة مثلاً فمثلها الشاة فَيُخير بين أن يذبح الشاة ويُفرقها على الفقراء فديةً عن الحمامة، وبين أن يُقومها ويُخرج ما يقابل القيمة طعاماً للمساكين، لكل مسكين نصف صاع، وبين أن يصوم عن إطعام كل مسكين يوماً.
وأما قطع الشجر فليس حراماً على المُحرم من أجل الإحرام، لأنه لا تأثير للإحرام فيه، وإنما يَحرمُ على من كان داخل حدود الحرَمِ سواءٌ أكان محرِماً أم غيرَ محرم، وعلى هذا يجوز قطع الشجر في عرفة للمُحرِم وغير المُحرِم، ويحرَّم في مزدلفة ومنى على المحرم وغير المحرم لأن عرفة خارجُ حدودِ الحرم، ومزدلفة ومنى داخل حدودِ الحرمِ.
فهذه المحظورات السبعة حرامٌ على الرجال والنساء.
ويختص الرجال بمحظورين حرامٌ عليهم دونَ النساء وهما:
1 ـ تغطية الرأس، لقول النبي صلى الله عليه وسلّم في المُحرِم الذي وقصته راحلته بعرفة : « اغسلوه بماء وسدر، وكفنوه في ثوبيه، ولا تُخَمِّروا رأسَه ـ أي لا تُغطوه »، متفق عليه. فلا يجوز للرجل أن يُغطي رأسَه بما يلاصقه كالعمامة ـ والقُبع والطاقية والغُترة ونحوها، فأما غير الملاصق كالشمسية وسقف السيارة والخيمة ونحوها فلا بأسَ به لقول أم حصين رضي الله عنها: « حجَجنا مع النبي صلى الله عليه وسلّم حجة الوداع فرأيته حين رمى جمرة العقبة وانصرف وهو على راحلته ومعه بلالٌ وأسامة أحدُهما يقود راحلته والاخر رافعٌ ثوبه على رأس النبي صلى الله عليه وسلّم يُظلله من الشمس » رواه مسلم. وفي رواية : «يستره من الحرّ حتى رمى جمرة العقبة».
ولا بأس أن يحمل متاعه على رأسه وإن تغطى بعض الرأس لأن ذلك لا يُقصد به الستر غالباً. ولا بأسَ أن يغوص في الماء ولو تغطى رأسه بالماء.
2 ـ مما يختص به الرجال من محظورات الإحرام لُبس المخيط، وهو أن يلبس ما يلبس عادةً على الهيئة المُعتادة، سواء كان شاملاً للجسم كله، كالبرنس والقميص، أو لجزء منه كالسراويل والفنايل والخفاف والجوارب وشراب اليدين والرجلين، لحديث ابن عمر رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلّم سُئل: ما يلبس المُحرِم من الثياب؟
قال: « لا يلبسُ القميص ولا العمامة ولا البرانس ولا السراويل ولا الخفاف ولا ثوباً مسّه زعفرانٌ ولا ورس » متفق عليه.
لكن إذا لم يجد الإزار ولا ثَمنه لبس السراويل، وإذا لم يجد النعلين ولا ثَمنهما لبس الخفين ولا شيء عليه؛ لحديث ابن عباس رضي الله عنهما قال: سمعت النبي صلى الله عليه وسلّم يخطب بعرفات يقول: « من لم يجد إزاراً فليلبس سراويل، ومن لم يجد نعلين فليلبس خُفين » متفق عليه.
ولا بأس أن يلف القميص على جسمه بدون لبس. ولا بأس أن يجعل العباءة رداءً بحيث لا يلبسها كالعادة. ولا بأس أن يلبس رداءً أو إزاراً مُرقعاً. ولا بأس أن يعقد على إزاره خيطاً أو نحوه. ولا بأس أن يلبس الخاتم وساعة اليد ونظارةَ العين وسماعة الأُذن، ويُعلق القِربَة ووعاء النفقة في عنقه. ولا بأس أن يعقد رداءه عند الحاجة مثل أن يخاف سقوطه، لأن هذه الأمور لم يرد فيها منعٌ عن الرسول صلى الله عليه وسلّم، وليست في معنى المنصوص عليه، بل لقد سُئل النبي صلى الله عليه وسلّم عما يلبس المُحرم؟
فقال: « لا يلبس القيمص ولا العمامة ولا البرانس ولا السراويل ولا الخفاف ». فإجابته صلى الله عليه وسلّم بما لا يُلْبسُ عن السؤالِ عما يُلْبسُ دليلٌ على أن كل ما عدا هذه المذكوراتِ فإنه يَلْبسهُ المُحرِم.
وقد أجازَ النبي صلى الله عليه وسلّم للمُحرم أن يلبس الخفين إذا عدم النعلين لاحتياجه إلى وقاية رجليه، فمثل ذلك لبس نظارة العين لاحتياج لابسها إلى حفظ عينيه. وهذان المحظوران خاصان بالرجال، أما المرأة فلها أن تغطي رأسها، ولها أن تلبس في الإحرام ما شاءت من الثياب، غير أن لا تتبرج بالزينة، ولا تلبس القفازين، وهما شراب اليدين، ولا تنتقب ولا تُغطي وجهها إلا أن يمر الرجال قريباً منها فتغطي وجهها حيئنذٍ، لأنه لا يجوزُ كشفُ الوجه للرجال الأجانب أي غير المحارم. ويجوز للرجال والنساء تغيير ثياب الإحرام إلى غيرها مما لا يمتنعُ عليهما لُبسه حال الإحرام.
وإذا فعل المُحرم شيئًا من المحظورات السابقة من الجماع أو قتلِ الصيد أو غيرهما فله ثلاث حالاتٍ:
الأولى: أن يكون ناسيًا أو جاهلاً أو مُكرَهًا أو نائمًا، فلا شيء عليه، لا إثم ولا فدية ولا فساد نسك، لقوله تعالى: { رَبَّنَا لاَ تُؤَاخِذْنَآ إِن نَّسِينَآ أَوْ أَخْطَأْنَا رَبَّنَا وَلاَ تَحْمِلْ عَلَيْنَآ إِصْرًا كَمَا حَمَلْتَهُ عَلَى الَّذِينَ مِن قَبْلِنَا رَبَّنَا وَلاَ تُحَمِّلْنَا مَا لاَ طَاقَةَ لَنَا بِهِ وَاعْفُ عَنَّا وَاغْفِرْ لَنَا وَارْحَمْنَآ أَنتَ مَوْلَـنَا فَانْصُرْنَا عَلَى الْقَوْمِ الْكَـفِرِينَ }
وقوله: { وَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ فِيمَآ أَخْطَأْتُمْ بِهِ وَلَـكِن مَّا تَعَمَّدَتْ قُلُوبُكُمْ وَكَانَ اللَّهُ غَفُوراً رَّحِيماً}، وقوله : {مَن كَفَرَ بِاللَّهِ مِن بَعْدِ إيمَـنِهِ إِلاَّ مَنْ أُكْرِهَ وَقَلْبُهُ مُطْمَئِنٌّ بِالإِيمَـنِ وَلَـكِن مَّن شَرَحَ بِالْكُفْرِ صَدْرًا فَعَلَيْهِمْ غَضَبٌ مِّنَ اللَّهِ وَلَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ بِالْكُفْرِ صَدْرًا فَعَلَيْهِمْ غَضَبٌ مِّنَ اللَّهِ وَلَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ }.
فإذا انتفى حُكم الكفر عمن أُكره عليه، فما دونه من الذنوب أولى. وهذه نصوصٌ عامةٌ في محظورات الإحرام وغيرها، تفيدُ رفع الحكم عمن كان معذوراً بها. وقال الله تعالى في خُصوص المحظورات في الصيد: { وَمَن قَتَلَهُ مِنكُم مُّتَعَمِّداً فَجَزَآءٌ مِّثْلُ مَا قَتَلَ مِنَ النَّعَمِ يَحْكُمُ بِهِ ذَوَا عَدْلٍ مِّنْكُمْ هَدْياً بَـلِغَ الْكَعْبَةِ أَوْ كَفَّارَةٌ طَعَامُ مَسَـكِينَ أَو عَدْلُ ذلِكَ صِيَاماً لِّيَذُوقَ وَبَالَ أَمْرِهِ عَفَا اللَّهُ عَمَّا سَلَف وَمَنْ عَادَ فَيَنْتَقِمُ اللَّهُ مِنْهُ وَاللَّهُ عَزِيزٌ ذُو انْتِقَامٍ } [المائدة: 95]، فقيَّد وجوب الجزاء بكون القاتل متعمداً، والتعمد وصف مناسب للعقوبة والضمان، فوجب اعتباره وتعليق الحكم به وإن لم يكن متعمداً فلا جزاء عليه ولا إثم، لكن متى زال العذر فعلم الجاهل، وذكر الناسي، واستيقظ النائم، وزال الإكراه وجب عليه التخلي عن المحظور فورًا. فإن استمر عليه مع زوال العذر كان آثمًا، وعليه ما يترتب على فعله من الفدية وغيرها. مثال ذلك أن يُغطي المُحرمُ رأسه وهو نائم، فلا شيء عليه ما دام نائمًا، فإذا استيقظ لزمه كشف رأسه فورًا، فإن استمر في تغطيته مع علمه بوجوب كشفه كان آثما، وعليه ما يترتب على ذلك.
الثانية: أن يفعل المحظور عمدًا لكن لِعُذرٍ يبيحُه، فعليه ما يترتب على فعل المحظور ولا إثم عليه لقوله تعالى: { وَلاَ تَحْلِقُواْ رُءُوسَكُمْ حَتَّى يَبْلُغَ الْهَدْىُ مَحِلَّهُ فَمَن كَانَ مِنكُم مَّرِيضًا أَوْ بِهِ أَذًى مِّن رَّأْسِهِ فَفِدْيَةٌ مِّن صِيَامٍ أَوْ صَدَقَةٍ أَوْ نُسُكٍ فَإِذَآ أَمِنتُمْ فَمَن تَمَتَّعَ بِالْعُمْرَةِ إِلَى الْحَجِّ فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنَ الْهَدْىِ فَمَن لَّمْ يَجِدْ فَصِيَامُ ثَلَـثَةِ أَيَّامٍ فِي الْحَجِّ وَسَبْعَةٍ إِذَا رَجَعْتُمْ تِلْكَ عَشَرَةٌ كَامِلَةٌ ذَلِكَ لِمَن لَّمْ يَكُنْ أَهْلُهُ حَاضِرِى الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ وَاتَّقُواْ اللَّهَ وَاعْلَمُواْ أَنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ } [البقرة: 196] .
الثالثة: أن يفعل المحظور عَمدًا بلا عُذرٍ يبيحه، فعليه ما يترتب على فعله مع الإثم.
أقسام المحظورات باعتبار الفدية:
تنقسم محظورات الإحرام باعتبار الفدية إلى أربعة أقسام:
أولاً: ما لا فدية فيه، وهو عقدُ النكاح.
ثانيًا: ما فديته بدنة، وهو الجماع في الحج قبل التحلل الأول.
ثالثًا: ما فديته جزاؤه أو ما يقوم مقامَه، وهو قتل الصيد.
رابعًا: ما فديته صيامٌ أو صدقةٌ أو نُسكٌ حَسَب البيان السابق في فدية الأذى، وهو حلقُ الرأس. وأَلْحَقَ به العلماء بقيةَ المحظورات سوى الثلاثة السابقة.
محمد بن صالح العثيمين
<span style="color: #0000ff">http://ar.islamway.net/article/2612/...B1%D8%A7%D9%85