قال الشيخ الامامالعلامة عبد الرحمن بن حسن بن الشيخ المجدد شيخ الاسلام محمد بن عبد الوهاب رحمهم الله تعالى أجمعين :
بسم الله الرحمن الرحيم
و به نستعين
قوله رحمه الله تعالى : « أصل دين الايلام وقاعدته أمران :
الأول : الأمر بعبادة الله وحده لا شريك له ، والتحريض على ذلك ، والموالاة فيه ، وتكفير من تركه » .
قلت : وأدلة هذا في القرآن أكثر من أن تحصر، كقوله تعالى : { قل يا أهل الكتاب تعالوا إلى كلمة سواء بيننا وبينكم ألا نعبد إلا الله ولا نشرك به شيئا ولا يتخذ بعضنا بعضا أربابا من دون الله } الآية [آل عمران : 64] أمر الله تعالى نبيه صلى الله عليه و سلم : أن يدعو أهل الكتاب إلى معنى لا إله إلا الله الذي دعا إليه العرب وغيرهم , و الكلمة هي : لا إله إلا الله ؛ ففسرها بقوله : { ألا نعبد إلا الله }
فقوله : { ألا نعبد }فيه معنى( لا إله ) ؛ وهي نفي العبادة عما سوى الله تعالى .
قوله : ( إلا الله ) هو المستثنى في كلمة الإخلاص , فأمره تعالى : أن يدعوهم إلى قصر العبادة عليه وحده، ونفيها عمن سواه ؛ ومثل هذه الآية كثير، يبين أن الإلهية هي العبادة ، وأنها لا يصلح منها شيء لغير الله ، كما قال تعالى : { وقضى ربك ألا تعبدوا إلا إياه } [الإسراء: 23]
معنى { قضى } : أمر ووصى ؛ قولان ؛ ومعناهما واحد .
وقوله : { ألا تعبدوا } فيه معنى لا إله .
وقوله : { إلا إياه } فيه معنى : إلا الله , وهذا : هو توحيد العبادة ، وهو دعوة الرسل ، إذ قالوا لقومهم: { أن اعبدوا الله مالكم من إله غيره } [المؤمنون: 32] . فلا بد من نفى الشرك في العبادة رأسا ، والبراءة منه وممن فعله، كما قال تعالى عن خليله إبراهيم عليه السلام : { وإذ قال إبراهيم لأبيه وقومه إنني براء مما تعبدون . إلا الذي فطرني } [الزخرف: 26-27] فلا بد من البراءة من عبادة ما كان يعبد من دون الله .
وقال عنه عليه السلام : { وأعتزلكم وماتدعون من دون الله } [مريم: 48] فيجب اعتزال الشرك وأهله بالبراءة منهما ، كما صرح به في قوله تعالى : { قد كانت لكم أسوة حسنة في إبراهيم والذين معه إذ قالوا لقومهم إنا برآء منكم ومما تعبدون من دون الله كفرنا بكم وبدا بيننا وبينكم العداوة والبغضاء أبدا حتى تؤمنوا بالله وحده } [الممتحنة: 4] . والذين معه هم الرسل ، كما ذكره ابن جرير.
وهذه الآية تتضمن جميع ما ذكره شيخنا رحمه الله ، من التحريض على التوحيد ، ونفي الشرك ، والموالاة لأهل التوحيد ، وتكفير من تركه بفعل الشرك المنافى له ، فإن من فعل الشرك ، فقد ترك التوحيد ؛ فإنهما ضدان لا يجتمعان ، فمتى وجد الشرك ، انتفى التوحيد.
وقد قال تعالى في حق من أشرك : { وجعل لله أندادا ليضل عن سبيله قل تمتع بكفرك قليلا إنك من أصحاب النار } [الزمر: 8] . فكفره تعالى باتخاذ الأنداد ، وهم الشركاء في العبادة ، وأمثال هذه الآيات كثير ، فلا يكون موحدا إلا بنفي الشرك ، والبراءة منه ، وتكفير من فعله .
ثم قال رحمه الله تعالى:« الثاني :الإنذار عن الشرك في عبادة الله ، والتغليظ في ذلك ، والمعاداة فيه ، وتكفير من فعله »فلا يتم مقام التوحيد إلا بهذا ؛ وهو دين الرسل , أنذروا قومهم عن الشرك ، كما قال تعالى : { ولقد بعثنا في كل أمة رسولا أن اعبدوا الله واجتنبوا الطاغوت } [النحل: 36 ]
وقال تعالى : { وما أرسلنا من قبلك من رسول إلا نوحي إليه أنه لا إله إلا أنا فاعبدون } [الأنبياء: 25] وقال تعالى : { واذكر أخا عاد إذ أنذر قومه بالأحقاف وقد خلت النذر من بين يديه ومن خلفه أن لا تعبدوا إلا الله } [الأحقاف: 2 ] .
قوله : « في عبادة الله » ؛ العبادة اسم جامع لكل ما يحبه الله ويرضاه ، من الأقوال والأعمال الباطنة والظاهرة .
قوله : « والتغليظ في ذلك » ؛ وهذا موجود في الكتاب والسنة ، كقوله تعالى : { ففروا الى الله إني لكم منه نذير مبين . ولا تجعلوا مع الله إلها آخر إنى لكم منه نذير مبين } [الذاريات: 50-51] ولولا التغليظ ، لما جرى على النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه من قريش ماجرى من الأذى العظيم ، كما هو مذكور في السير مفصلا ، فإنه بادأهم بسب دينهم وعيب آلهتهم.
قوله رحمه الله تعالى : « والمعاداة فيه » ؛ كما قال تعالى : { فاقتلوا المشركين حيث وجدتموهم وخذوهم واحصروهم واقعدوا لهم كل مرصد } [التوبة: 5] . والآيات في هذا كثيرة جدا ، كقوله : { وقاتلوهم حتى لا تكون فتنة ويكون الدين كله لله } [الأنفال: 39] والفتنة: الشرك .
ووسم تعالى أهل الشرك ، بالكفر فيما لا يحصى من الآيات , فلا بد من تكفيرهم أيضا , هذا هو مقتضى : لا إله إلا الله كلمة الإخلاص ، فلا يتم معناها إلا بتكفير من جعل لله شريكا في عبادته ، كما في الحديث الصحيح : "من قال لا إله إلا الله وكفر بما يعبد من دون الله حرم ماله ودمه وحسابه على الله" , فقوله : " وكفر بما يعبد من دون الله " تأكيد للنفي ، فلا يكون معصوم الدم والمال إلا بذلك ، فلو شك أو تردد ، لم يعصم دمه وماله .
فهذه الأمور : هي تمام التوحيد ؛ لأن لا إله إلا الله ، قيدت في الأحاديثبقيود ثقال ؛ بالعلم ، والإخلاص ، والصدق ، واليقين ، وعدم الشك ، فلا يكون المرء موحدا إلا باجتماع هذا كله ، واعتقاده ، وقبوله ، ومحبته ، والمعاداة فيه ، والموالاة ، فبمجموع ماذكره شيخنا رحمه الله يحصل ذلك.