الحمد لله رب العالمين وصلى الله على سيدنا محمد وآله وصحبه ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين
أما بعد
فقد كنت زمانا أعتقد استحالة دخول الجان جسد الإنسان إلا أنه منذ أشهر قليلة جاءني بعض العمال الذين يسكنون بجوارنا فأخبروني أن عندهم مريض يريدونني أن أراه فذهبت معهم فقالوا: هو في المسجد، فذهبت إليه فإذا هو نائم على بطنه لا يتحرك فظننته قد أغمي عليه فلما اقتربت منه قالوا: انتبه يا دكتور فإنه ربما بطش بيديه بطشا شديدا وظلوا مبتعدين عنه فاقتربت أنا منه وأمسكت يده فاختبرت نبضه وهززْتُه مناديا باسمه فإذا به يبكي وفي أثناء ذلك جاء أخوه فوضع يده على رأسه وقرأ عليه بعض الآيات فأفاق وقال: (فيه إيه) قالوا: لا شيء ثم أخذوه للمنزل وكان قد جاء لصلاة المغرب ولكن بعد أن انتهت الجماعة، ثم أخبروني أن به مسًّا من الشيطان
ثم منذ يومين وبعد صلاة العشاء جاؤوني فظننت أن معهم مريضا يريد دواء ولكنهم قالوا: ليتك تأتي معنا للمنزل واجعل أولادك الصغار يبتعدون وقد كانوا نزلوا معي من الشقة لمقابلة العمال، المهم أني ذهبت معهم فقالوا: إن فلانا هذا مصروع صرعا شديدا وقد احترنا فيه ولم نقدر على صنع شيء وقد جئنا بهذا الباكستاني ليقرأ عليه ولكنه طلب أن تأتي أنت فقلت لهم: لا بأس، وقلت في نفسي: أنا لم أقرأ على أحد قبل ذلك ولكن لا بأس
فدخلت على هذا المصروع فإذا به شديد الهياج ولكن أمسك به أربع رجال كل واحد من طرف ونام على الأرض وكأنه اشتد هياجه لما رآني فبدأت فقرأت الفاتحة وأول خمس آيات من البقرة ثم {واتبعوا ما تتلوا الشياطين ...} الآية ثم آية الكرسي ثم الآيتين من آخر البقرة ثم أول آل عمران ثم الإخلاص فالمعوذتين
كل هذا لم يؤثر فيه أعني لم يزل مصروعا هائجا ولا يزداد إلا هياجا، فقلت في نفسي ماذا أفعل، فرجعت أقرأ الفاتحة وقلت قد ورد في حديث أبي سعيد الخدري أنها رقية، وأنا في كل هذا لم أتوقف عن القراءة للتفكير بل أستمر بصوت عالٍ متحديا له بما معي من القرآن فقرأت الفاتحة مرة ثم أخرى فثالثة فرابعة إلى عشر مرات دون جدوى والناس ينظرون إليّ ويرجون من الله أن تذهب هذه الصرعة الشديدة على يديّ
ولم أدْرِ ما أفعل، لكن لم يذهب يقيني أن ما أفعله رقية وأن القرآن شفاء للناس وللمؤمنين وذكرتُ حديث مواعدة جبريلَ للنبي صلى الله عليه وسلم ثم لم يأتِهِ في الساعة التي واعده فيها فقال صلى الله عليه وسلم: (ما يخلف الله وعده ولا رسله) أو كما قال، ثم بحث فوجد جرو كلب فأخرجه ونضح مكانه بالماء فأتاه جبريل ...الحديث فاستنبط منه العلماء أن السبب قد يتخلف عن المسبب لوجود مانع، فقلت: لعل تأخر الشفاء هنا لوجود مانع، وإلا فالقرآن الذي قرأته ينبغي أن يذهب مس الشيطان.
فلما انتهيت من عشر مرات من قراءة الفاتحة افتتحت سورة البقرة وقلت لا أقف عند خمس آيات بل أزيد عليها خمس أخرى فلما شرعت في القراءة أكملت وقلت أكمل منها ربعين أو ثلاثة أو ما تيسر فلما وصلت إلى قوله تعالى: {يا أيها الناس اعبدوا ربكم الذي خلقكم ...} إذا به ينفعل انفعالا شديدا فقلت: لقد بدأت سورة البقرة تؤثر فيه لا غرو سأقرأها كلها فبدأ ينظر إلي نظرات شديدة ليخيفني كأنه يريد أن يفتك بي فظللت أنظر إليه مثلها وأشتد في القراءة فجعل يبكي وأنا أقرأ لا أتوقف فجعل يتحرك تحركا شديدا يكاد أن ينفلت ممن يمسكونه فأخذت أنا الأهبة والاستعداد أنْ لو تركوه فسأظل وحدي أقاومه بيدي مع استمرار بالقراءة
ثم في أثناء ذلك قلت لهم: سأقرأ البقرة كلها سأحرقه اليوم
ثم لما وصلت إلى قوله تعالى: {إن الذين آمنوا والذين هادوا والنصارى والصابئين ...} الآية، أشكلت عليّ الآية التي تليها فلم أذكرها فقلت لهم: إيتوني بمصحف حتى لا أتوقف فأعطاني أحدهم جواله وفيه المصحف مكتوبا فأخذته وظللت أقرأ فحاول الانفلات من الناس فلم يستطع فظل يبصق عليّ فلم أتوقف عن القراءة إلا أحيانا يسيرة أشرب ماء أو أقول لهم شيئا فلما وجد أن لا فائدة من تركي للقراءة تظاهر بأنه لا يؤثر فيه ذلك فظل يضحك ضحكا عاليه فظللت أنظر إليه نظرات مَنْ يهاجم خصمه وأقرأ بلساني وأشير إليه بالسبابة، فترك الضحك وجعل ينظر إلي فقط نظرات مخيفة ولكني ولله الحمد كنت ثابتا جدا غير أني لا أنكر أنه قد أصابني شيء من الخوف لا أدري ما سببه ولعل سببه الخوف أن يتركوه فإنه كان يتظاهر بالنوم حتى يتركوه فكنت أنا على أتم استعداد أن لو تركوه وهربوا لم أكن مثلهم إذ كيف وهذا صراع بين الحق والباطل، وربما كان لأني لم أتعرض لمثل هذا الموقف في حياتي وليست عندي خبرة مطلقا عنه
المهم أني ظللت أقرأ فجعلت بطنه تنتفخ كأن فيها كرة وتتحرك كأنها محصورة تنزل إلى أسفل بطنه ثم تصعد إلى معدته ثم يمينا ثم شمالا ثم تحجرت بطنه تحجرا شديدا وفي الحقيقة فإني خشيت على المَرْقِيِّ أن يصاب بأذى
ثم تظاهر بأنه قد أفاق فرفع المسبحة كأنه يتشهد فقالوا: ها هو قد أفاق، فقلت لهم: كلا لم يفق بعد، وكنتُ مصيبا في هذا إذ كيف يكون قد أفاق وما زالت فيه القوة الكبيرة التي نراها
فلما انتهيت من قوله تعالى: {واتبعوا ما تتلوا الشياطين ...} الآيتين أفاق الرجل حقا وقال: (فيه إيه) قلنا: لا شيء
وكان قد بدا عليه التعب الشديد فطلب ماء فشرب ثم قلت له: يا فلان أنا الآن أقرأ عليك هل أكمل القراءة قال: لا بأس، فعلمت أنه قد أفاق ولكني كنت مصرا على إكمال السورة كلها فبدأت في القراءة فلم أُكْمِلْ بضع آيات حتى بدأ الرجل في القيء والصياح من بطنه، وعاد ما كان فيه كما كان، فظللت أقرأ أقطع القراءة أحيانا لِمَا أرى من شدة تعبه وأسأله هل أكمل القراءة فيقول لي: لا، فكنت أكمل حتى وصلت إلى قوله تعالى: {كتب عليكم القتال وهو كره لكم ...} الآية إذا به يمسك صدره ويقول: (إحنا بنموت يا جدعان) فلم أدرِ هل الجني هو الذي يموت أو الإنسي أو كلاهما فتوقفت سريعا ثم قلت له: إن هدأت ورجعت لحالتك الطبيعية تركتك، فكأنما نشط من عقال فقام واعتدل على سريره وقال: (خلاص خلاص أَهُهْ) ثم بكى وأمسك بثيابه ليقطعها وقال: (أنا متضايق) فقال له أخوه: من ماذا؟ فقال: من الدنيا والناس وكل شيء، فقلت له: لقد نكثت وعدك فإن لم تهدأ وتترك ما أنت فيه رجعت للقراءة، فقال: (لا لا، خلاص أنا ساكت أهه)
وقد ذكرتُ هنا قول الشيخ الخضير حفظه الله في شرح كتاب التوحيد: إن الجني يقتل، وأنه تلبس بامرأة فقرأوا عليها فقال: إن لم تتركوني قتلتها
فلهذا خشيتُ على المَرْقِيّ أن يناله أذى بسببي فلهذا تركته، وهم يريدون مني أن أكمل القراءة فقلت لهم: لا كفى ما أصابه

والذي أريد السؤال عنه:
1- هل أنا مصيب في تركي القراءة لما أخبر أنه يموت؟
2- هل الذي يموت هو الجني أو الإنسي أو كلاهما؟
3- هل خدعني بقوله هذا؟
4- هل عليّّ حرجٌ في الخوف الذي أصابني رغم ما كان عندي من القوة من منازلته يدا بيد فلم أكن أخشى منه حقا إلا أنه اعتراني بعض الخوف؟
5- ما حكم هذا المصروع من حيث الصلاة إذ إنه إذا داوم على الصلاة صرعه الشيطان؟ فهل يجوز له ترك الصلاة؟
6- وما حكم المرأة إذا تلبس بها الشيطان فزنى بها فقد ذكر الشيخ الخضير في الموضع السابق أن العلماء قالوا: إنه يجب الغسل على المرأة إذا أنزلت من فعل الشيطان بها، فهل يجوز ترك مثل هذه المرأة خوفا من أن يقتلها الشيطان إن لم يتركوه، وهذا الذي يحدث زنا، وإن كان لا يقام عليها الحد
7- لو أصيب هذا المصروع ثانية فما هي آيات الرقية التي تركتها؟ وكيف يستطيع هذا الشيطان أن يقاوم كل هذه القراءة مما قرأه الناس قبلي ثم قراءتي عليه بالآيات قبل أن أشرع في البقرة كاملة؟
8- ورد في الحديث أن من قرأ آية الكرسي لم يقربه شيطان، ولكن أحيانا وربما كثيرا، يصاب المرء بالأحلام المزعجة ونحوها مما يعلم يقينا أنه من الشيطان مع قراءته لآية الكرسي، لكن عندما يقرأ الإخلاص والمعوذات لا يحدث شيء من ذلك، فما الخلل الواقع أو ما المانع الذي يمنع من تحقق هذا السبب وهو عدم اقتراب الشيطان ممن قرأ آية الكرسي فقط
9- كيف يستطيع الشيطان أن يقتل إنسانا وكبيرهم يقول يوم القيامة: {وما كان لي عليكم من سلطان إلا أن دعوتكم فاستجبتم لي} وأي سلطان (غير سلطان الله عز وجل) أشد من هذا أعني قدرته على القتل؟
أرجو ممن عنده علم في هذه المسألة أن يفيدنا مشكورا
وجزاكم الله خيرا