تحية المسجد
قال الإمام البخاريُّ في "صحيحه": بَابٌ: إِذَا رَأَى الإِمَامُ رَجُلًا جَاءَ وَهُوَ يَخْطُبُ، أَمَرَهُ أَنْ يُصَلِّيَ رَكْعَتَيْنِثُمَّ ساق حديث جابر بن عبد الله أنّـه قال: "جاء رجل إلي النبي صلي الله عليه وسلم يخطبُ النَّاسَ يومَ الجمعة، فقال: أصَلَّيْتَ يا فلان؟، قال: لا، قال: قُمْ فارْكعْ ركعتين". (البخاري 2/12).
قال الحافظ ابن حجرٍ-رحمه الله-: وفي هذا الحديث من الفوائد غير ما تقدم جواز صلاة التحية في الأوقات المكروهة لأنها إذا لم تسقط في الخطبة مع الأمر بالإنصات لها فغيرها أولى. وفيه أن التحية لا تفوت بالقعود لكن قيده بعضهم بالجاهل أو الناسي كما تقدم. أ.هـ (فتح الباري 2/412)
وقال الإمام البخاريُّ أيضا في "كتاب التهجد": (باب ما جاء في التطوع مثني مثني): ثم ساق بسنده عن النبي صلي الله عليه وسلم: "إذا دخل أحدكم المسجدَ فلا يجْلس حتَّي يُصَلِّي رَكْعَتين". (البخاري 2/56)، ورواه الترمذيُّ بلفظِ: "إذا جاء أحدكم المسجدَ فلْيرْكَعْ رَكْعتين قبل أن يجْلِسْ". (الترمذي 1/416).
وقال الإمام مسلمٌ في "صحيحه": (بابُ التَّحيَّة والإمام يخطُبُ) ثمَّ ساق بسنده حديث جابر بن عبد الله أنَّه قال: جاء سليك الغطفاني يوم الجمعة ورسول الله صلى الله عليه وسلم يخطبُ، فَجَلَسَ، فقال له: " يا سُلَيْكُ، قُمْ فارْكعْ ركعتين وتجَوَّزْ فيهما" ثمَّ قال: "إذا جاء أحدُكُم يومَ الجمعةِ والإمام يخطب فلْيركعْ ركعتين ولْيتجوَّزْ فيهما". (صحيح مسلم 2/597).
قال الإمام النووي –رحمه الله-: " هذه الأحاديث كلها صريحةٌ في الدَّلالَةِ لمذهب الشافعي وأحمد وإسحاق وفقهاء المحدثين أنَّه إذا دخل الجامع يومَ الجمعةِ والإمامُ يخطبُ اسْتُحِبَّ له أن يصلي ركعتين تحية المسجد، ويُكْرَهُ الجلوس قبل أن يُصَلِّيهِمَا وأنَّه يُسْتَحبُّ أن يتجوز فيهما ليسمع بعدهما الخطبة، وحُكِيَ هذا المذهب أيضا عن الحسن البصري وغيره من المتقدمين، قال القاضي وقال مالكُ والليثُ وأبو حنيفةَ والثوريُّ وجمهورُ السَّلَفِ من الصحابة والتابعين لا يصلِّيهما، وهو مَرْوِيٌّ عن عمر وعثمان وعلي رضي الله عنهم، وحجَّتُهُم الأَمْرُ بالإنصاتِ للإمامِ، وتأولوا هذه الأحاديث أنَّهُ كان عُرْيَانًا فأمره النبيُّ صلى الله عليه وسلم بالقيام ليراه الناسُ ويتصدَّقُوا عليه وهذا تأويلٌ باطلٌ يَرُدُّهُ صريحُ قولِه صلى الله عليه وسلم: "إذا جاء أحدُكُم يوم الجمعة والإمامُ يخطبُ فَلْيرْكَع ركعتين ولْيَتَجوَّز فيهما" وهذا نص لا يتطرق إليه تأويلٌ ولا أظن عالما يبلغه هذا اللفظ صحيحا فيخالِفَهُ، وفي هذه الأحاديث أيضا جواز الكلام في الخطبة لحاجة، وفيها جوازه للخطيب وغيره وفيها الأمر بالمعروف والإرشاد إلى المصالح في كل حال وموطن وفيها أن تحية المسجد ركعتان وأن نوافل النهار ركعتان وأن تحية المسجد لا تفوت بالجلوس في حق جاهل حكمها وقد أطلق أصحابنا فواتها بالجلوس وهو محمول على العالم بأنها سنة أما الجاهل فيتداركها على قرب لهذا الحديث والمستنبط من هذه الأحاديث أن تحية المسجد لا تترك في أوقات النهي عن الصلاة وأنها ذات سبب تباح في كل وقت ويلحق بها كل ذوات الأسباب كقضاء الفائتة ونحوها لأنها لو سقطت في حال لكان هذا الحال أولى بها فإنه مأمور باستماع الخطبة فلما ترك لها استماع الخطبة وقطع النبي صلى الله عليه وسلم لها الخطبة وأمره بها بعد أن قعد وكان هذا الجالس جاهلا حكمها دل على تأكدها وأنها لا تترك بحال ولا في وقت من الأوقات والله أعلم. أ.هـ (شرح النووي علي مسلم 6/164)
قال الشَّوكانِيُّ –رحمه الله-: " وَلَمْ يَتْرُكْ التَّحِيَّةَ فِي حَالٍ مِنْ الْأَحْوَالِ بَلْ أَمَرَ الَّذِي دَخَلَ الْمَسْجِدَ وَهُوَ يَخْطُبُ فَجَلَسَ قَبْلَ أَنْ يَرْكَعَ أَنْ يَقُومَ فَيَرْكَعَ رَكْعَتَيْنِ مَعَ أَنَّ الصَّلَاةَ فِي حَالِ الْخُطْبَةِ مَمْنُوعٌ مِنْهَا إلَّا التَّحِيَّةَ وَلِأَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَطَعَ خُطْبَتَهُ وَأَمَرَهُ أَنْ يُصَلِّيَ التَّحِيَّةَ، فَلَوْلَا شِدَّةُ الِاهْتِمَامِ بِالتَّحِيَّةِ فِي جَمِيعِ الْأَوْقَاتِ لَمَا اهْتَمَّ هَذَا الِاهْتِمَام. (نيل الأوطار للشوكاني 3/84).
التنبيه علي حديث ضعيف: روى الطبراني من حديث ابن عمر رَفْعَهُ: "إذا دخل أحدكم والإمام على المنبر فلا صلاة ولا كلام حتى يفرغ الإمام"، قال الحافظ: والجواب عن حديث ابن عمر بأنه ضعيف فيه أَيوب بْن نَهِيك.وهو منكر الحديث، قاله أبو زرعة وأبو حاتم والأحاديث الصحيحة لا تعارض بمثله. (فتح الباري 2/409)

الداخل للحرم هل تجزئه ركعتا تحية المسجد أم يلزمه الطواف:
قال الشيخ ابن عثيمين : فالذي ترجح عندي أخيراً أن تحية المسجد سنة مؤكدة، وليست بواجبة.
وقال بعض العلماء: تسن تحية المسجد لكل داخل مسجد إلا المسجد الحرام، فإن تحيته الطواف، ولكن هذا ليس على إطلاقه، بل نقول: إلا المسجد الحرام، فإن تحيته الطواف لمن دخل ليطوف، فإنه يستغنى بالطواف عن الركعتين؛ لأن النبي صلّى الله عليه وسلّم لما دخل المسجد الحرام لطواف العمرة والحج لم يصل ركعتين، أما من دخل ليصلي، أو ليستمع إلى علم أو ليقرأ القرآن، أو ما أشبه ذلك فإن المسجد الحرام كغيره من المساجد تحيته ركعتان؛ لعموم قول النبي صلّى الله عليه وسلّم: «إذا دخل أحدكم المسجد فلا يجلس حتى يصلي ركعتين»
(الشرح الممتع 5-106)
وقال أيضا :
وقوله: «يبتدئ المعتمر بطواف العمرة» ظاهره أنه لا يصلي تحية المسجد وهو كذلك، فإن من دخل المسجد للطواف أغناه الطواف عن تحية المسجد، ومن دخله للصلاة، أو الذكر أو القراءة أو ما أشبه ذلك فإنه يصلي ركعتين، كما لو دخل أي مسجد آخر.(الشرح الممتع 7-231)
التنبيه علي حديث لا يصح اشتهر بين الناس :" تحية البيت الطواف "
.قال الشيخ الألباني :
لا أعلم له أصلا.
وإن اشتهر على الألسنة، وأورده صاحب " الهداية " من الحنفية بلفظ:
" من أتى البيت فليحيه بالطواف ".
وقد أشار الحافظ الزيلعي في تخريجه إلى أنه لا أصل له، بقوله (2/51) :
غريب جدا، وأفصح عن ذلك الحافظ ابن حجر فقال في " الدراية " (ص 192) :
لم أجده.
قلت: ولا أعلم في السنة القولية أوالعملية ما يشهد لمعناه، بل إن عموم الأدلة الواردة في الصلاة قبل الجلوس في المسجد تشمل المسجد الحرام أيضا، والقول بأن تحيته الطواف مخالف للعموم المشار إليه، فلا يقبل إلا بعد ثبوته وهيهات، لا سيما وقد ثبت بالتجربة أنه لا يمكن للداخل إلى المسجد الحرام الطواف كلما دخل المسجد في أيام المواسم، فالحمد لله الذي جعل في الأمر سعة، (وَجاهِدُوا فِي اللَّهِ حَقَّ جِهادِهِ هُوَ اجْتَباكُمْ وَما جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ مِلَّةَ أَبِيكُمْ إِبْراهِيمَ هُوَ سَمَّاكُمُ الْمُسْلِمِينَ مِنْ قَبْلُ وَفِي هذا لِيَكُونَ الرَّسُولُ شَهِيداً عَلَيْكُمْ وَتَكُونُوا شُهَداءَ عَلَى النَّاسِ فَأَقِيمُوا الصَّلاةَ وَآتُوا الزَّكاةَ وَاعْتَصِمُوا بِاللَّهِ هُوَ مَوْلاكُمْ فَنِعْمَ الْمَوْلى وَنِعْمَ النَّصِيرُ )سورة الحج الآية (78)
وإن مما ينبغي التنبه له أن هذا الحكم إنما هو بالنسبة لغير المحرم، وإلا فالسنة في حقه أن يبدأ بالطواف ثم بالركعتين بعده، انظر بدع الحج والعمرة في رسالتي " مناسك الحج والعمرة "، رقم البدعة (37) .
السلسلة الضعيفة 3-73
وصلي الله علي نبينا محمد وآله وصحبه وسلم أجمعين