بسم الله الرحمن الرحيم
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته

عَامِل نَفسَكَ بِالأَشَدّ وعَسَاك تَنجُو
الشيخ/
عبد الكريم الخضير

((ومن وَقَع في الشُّبُهات وَقَعَ في الحرام)) السَّلَف -رَحِمَهُمُ الله- يَترُكُونَ كَمَا نُقِل عنهم واستَفَاض تِسعَة أَعشَار الحلال؛ خَشيَةَ أن يُوقِعَهم في الحرام! كيف الحلال يُوقِع في الحرام؟! نعم – الاسترسال في المُباحات، وتَعوِيد النَّفس عليها؛ قَد تَكُون فِي مَكَان يَصعُب عَلَيكَ الحُصُول عَلَيهَا، وتَجِد مَسلَك فيه كلام - يعني مَكرُوه - مَا تَملِك نَفسَك، تبي تَجرُؤ على هذا المَكرُوه، تقول مكروه، لا عِقَابَ فيه وإن كان تركُهُ أفضل! ثُمَّ بعد ذلك إذا جَرُؤتَ على المَكرُوه؛ تَدَرَّجَت النَّفس، واستَشرَهَت؛ بِحَيث تَكُون فِي مَكَانٍ لَا تَصِل إلى هذا الذِّي عَوَّدتَ نَفسكَ عَلَيهِ؛ إِلاَّ مِن طَرِيقٍ حَرَام! ثُمَّ تأتي تُعلِّل للنَّفس، تقول: اللهُ غفورٌ رَحِيم! الحمد لله، ما أشركنا ولا كفرنا ونُصلِّي ونصوم ونسمي ولا علينا شيء! ما عندنا مشكلة، يعني المسألة قد يظن بعض النَّاس أنَّ هذا تَعَنُّت، وهذا تشديد! ما هو بصحيح، يعني الإنسان يجد هذا من نَفسِهِ! لما استَرسَلنا وتَوَسَّعنا في المُباحات؛ جَرَّنا هذا إلى ارتِكَاب المَكرُوهات هذا أمرٌ مَفرُوغٌ منهُ، ما أحد بيترَدَّد فيهِ إلاَّ القليل النَّادر! لكن المُحرَّمات! وهذا تَجِدُهُ في كافَّة القِطاعات! اللي يشتغل في المُعاملة مع النَّاس أوَّل الأمر، أوَّل ما يفتح المحل تَجِدُهُ تَحَرَّز، ثُمَّ بعد ذلك مع الوقت يتوَسَّع في الأمر، ثُمَّ يأتي التَّأويل المكرُوه، يقول: لا عِقَابَ فيهِ! سهل! ثُمَّ بعد ذلك يَتَجَاوَزُهُ إلى ما بعدَهُ! يعني على سبيل المثال المُقاول يأخُذ من فُلان، ومن فُلان أعمال يُنَفِّذُها أو يُشرِف عليها وما أشبَهَ ذلك، تَجِدُهُ في أوَّلِ الأمر من الإخوان اللي ما عندهم حلّ وسَط! في أوَّل الأمر، كل شخص حِسَابُهُ بدفتر! ما هو بصفحة! لِئِلَّا يَلتَبِس! نعم – أخذ من زيد من النَّاس عَمارة يُشرِف عليها، وأخذ من فُلان عمارة يُنَفِّذُها، وأخذ من فُلان استراحة، كل واحد بدفتر! تمضي الأُمُور شهر، شهرين؛ يَجِد مَشَقَّة ، الدَّراهم تدخل الحِسَاب، وحساب هذا يجتمع مع حساب هذا، ثُم ينقص على هذا شيء، يقترض له من فُلان، هذا فلان توه ، الآن ما بعد صبينا! ما حنا محتاجين دراهم الآن نبي نأخذ من هالفلان اللي الآن ال البمم واقف على الصبة تَجِدُهُ يقترض من هذا لهذا! يعني إلى هذا الحد شيءٍ ما هو بكبير ترى!! ويقترض من هذا ويُعطيه هذا! ثُمّ بعد ذلك يبدأ هو! هو احتاج! اليوم والله أهله عندهم مُناسبة والله يناظر الجيب ما فيه شيء!! حِسَابُهُ ما فيه شيء! هات من حساب الأخوان والمسألة ما حنا نبي ناكل بهم شيء! ما حنا ماكلين شيء! نبي نرجعه عليهم، وحسابهم مضبُوط وكل شيء وشيكات واللوائح وكل شيء موجود! ثُم يسترسل بعد ذلك إلى أن يصل به الحد إلى أن يأكُل أموال النَّاس! وهذا شيء مُجرَّب ومُشاهد! لماذا ؟! لأنَّ التَّساهُل بهذهِ الأُمُور يَجُرُّ إلى ما وَرَاءَهُ! قد يقول قائل: نترُك التَّعامل مع الناس؟! – لا - لا تترُك؛ لكن لا تَفتَح على نَفسِك باب التَّأوِيل، كُن على حَذَر شديد، وعَامِل نَفسَك بالأَشَدّ؛ وعَسَاك تَنجُوا! لأنَّ هذهِ حُقُوق العِباد ((ومَن وَقَعَ في الشُّبُهات، وَقَعَ في الحرام، كالرَّاعي يرعى حول الحِمَى يُوشِكُ أن يَقَعَ فيهِ))، ((كالرَّاعي يرعى حول الحِمَى)) يعني الذِّي يَمتهن الصَّيد مثلاً على حُدُود الحرم مثلاً، يقول أنا لا أصيد في الحرم، الصِّيد في الحرم حرام – نعم – وش يبي تسوي؟! على الحدود وهو يصيد في أوَّل الأمر يبي يصير ظهره للحرم؛ علشان ما يصيد إلى الجهة الثَّانية! ثمَّ بعد يعتدل يصير الحرم عن يمينه وعن يسارِهِ، ويجرب على شوي شوي، ثم طارت هذهِ ووقعت، قال: هذا احتمال ما هو بالحرم! شيءٍ يسير! ثم المرَّة الثَّانية يدخل الصِّيد في الحرم، يقول: أنا برى ما أنا بداخل الحرم! والصِّيد ما هو مكلف، والمُكلَّف أنا، وأنا خارج الحرم! ترى الشِّيطان يأتي بهذه الطَّريقة يُسهِّل الأُمُور بهذهِ الطَّريقة؛ المَقصُود أنَّ ((مَن وَقَعَ في الشُّبُهات وَقَعَ في الحرام)) ولا بُدّ! لأنَّ النَّفس لا بُدَّ لها من حَاجِز قويّ؛ دُونها ودُون الحرام! فليكُن بينَكَ وبينَ الحرام بَرزَخ؛ بِحيث لو اضطررت تَكُون في حُدُود هذا البَرزَخ، ثُمَّ تَعُود إذا انتَهَت الضرورة .. ((وَقَعَ في الحرام، كالرَّاعي يرعى حول الحِمَى، يُوشِكُ أن يَقَعَ فيهِ)) يعني إذا وَقَعت في الحرام يمكن تقول: الله يَغفُل! {وَلاَ تَحْسَبَنَّ اللّهَ غَافِلاً عَمَّا يَعْمَلُ الظَّالِمُونَ} [(42) سورة إبراهيم]، {لَا تَخْفَى عليه خَافِيَةٌ}، يعني إذا كنت تبي تلبِّس على الملك أو تبي تجيه بوقت غَفلَتِهِ، طيب رجاله عندهُ حرس وعنده... لكن هُناك مَن لا يَغفُل، ولا يَنَام، ولا تَخفَى عليهِ خَافِيَة، تَجِد مُجرَّد ما تَقَع يُسَجَّل عليك! ولَيسَت مثل عُقُوبة الدُّنيا، عُقُوبة الدُّنيا قد يَضرِبك الملك ويمكن بعد تمُوت من الضَّرب أو تُشَلّ أو يجيك أمر عظيم؛ لكن أين هذا من عُقُوبةِ الآخرة؟! عُقُوبة الدُّنيا لا شيء بالنِّسبة لِعُقُوبة الآخرة! فعلى الإنسَان أن يَحتَاط ويَستَبرِأ لِدِينِهِ وعِرضِهِ.