الرد على العلماني ( إسلام بحيري )
في طعنه على حديث البخاري في بيان (عقوبة المرتد)

إن من العار على بلد الأزهر أن يخرج المدعو إسلام البحيري بهذا العفن الفكري والذي يأتي به من زبالات المستشرقين والرافضة، ليطعن في دين الله عز وجل بما طعن به أعداء الإسلام على مر التاريخ، ويوهم مستمعه بأن ما يأتي به ابتكارا من عنده، بيد أن شبهه هذه قديمة معروفة للدارسين لكتاب الله وسنة رسوله ﷺ ومعروف عندهم من أين يأتي بها.
قال هذا الجاهل الجهول: قد قُدِّمت عدة قراءات معاصرة لمفهوم الردة تركزت حول اتجاهين، كلاهما صحيح, أولهما تحقيق ضعف سند الحديث الذى أخرجه «البخاري» ...
ثم قال – خيبه الله -: الحديث أخرج البخارى: «حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ عَبْدِ اللهِ حَدَّثَنَا سُفْيَانُ عَنْ أَيُّوبَ عَنْ عِكْرِمَةَ أَنَّ عَلِيَّاً رَضِيَ اللهُ عَنْهُ حَرَّقَ قَوْمَاً فَبَلَغَ ابْنَ عَبَّاسٍ فَقَالَ لَوْ كُنْتُ أَنَا لَمْ أُحَرِّقْهُمْ لأَنَّ النَّبيَّ ﷺ قَالَ: لا تُعَذِّبُواْ بِعَذَابِ اللهِ وَلَقَتَلْتُهُم ْ كَمَا قَالَ النَّبىُّ ﷺ: «مَنْ بَدَّلَ دِينَهُ فَاقْتُلُوهُ».
وكما ذكرنا فقد اتجهت أغلب الدراسات المعاصرة لتضعيف الحديث وهم على حق فيما ذهبوا, حيث إن تضعيف السند فى ذلك الحديث لا يتطلب كثير جهد ولا احتمال عناء, فهو حديث آحاد يدور على راو واحد وهو «عكرمة» مولى الصحابى «عبد الله ابن عباس» ويعرف كل باحث ومتخصص أن «عكرمة» راو متهم فى عقيدته أولا ثم فى حفظه وضبطه بالكذب الصراح، وقد نعجز عن نقل الأقوال فى تضعيفه وتوهينه من كثرتها وطولها, حتى إن «على بن عبد الله بن عباس» كان يوثقه فى باب الحش ببيته جزاء له وكان يقول فى ذلك: «إنه يكذب على أبى». ( ذكر ذلك في مقال له في جريدة اليوم السابع العلمانية بتاريخ 14 مايو 2009 م ).
وقد تبنت هذا الجهول المغرض إحدى قنوات الضلالة ( القاهرة والناس ) حيث خصصت له برنامج لإلقاء هذه السخافات والمغالطات، أذيعت في شهر رمضان، وما زالت تكرر حتى الآن.
وقد ذهب هذا المغرور يلبس على عوام الناس ويدلس بجهل مركب أن الإمام البخاري قد روى الضعيف، وأن «حد الردة» لم يروى إلا من طريق عكرمة عن ابن عباس، وقد أخذ يطعن في عكرمة – رحمه الله – ويضعفه ببعض الكلام.
ونحن من خلال هذا البحث سنبين جهل المدعو إسلام بالسنة وعلم الحديث من خلال تفنيد كلامه والرد عليه رد علمي ومنطقي على حد فهمه وبنفس أسلوبه – إلا أننى سأتجنب سوء أدبه ولن أعامله بنفس الوقاحة التي تعامل بها مع الأئمة، وإن كان هو أهل لذلك -، فالله المستعان وبه التوفيق .
قال الجهول: «اتجهت أغلب الدراسات المعاصرة لتضعيف الحديث وهم على حق فيما ذهبوا».
ولم يبين لنا أين تقع هذا الدراسات، ومن قال بها من علماء المسلمين المعاصرين في الأزهر الشريف، أو أي من الجامعات الإسلامية المتخصصة في دراسة علوم الشريعة، لم يذكر لنا حتى لا يفتضح، لأنه لو ذكر لقال: هذا الدراسات تمت على يد المستشرقين الغربيين من أبناء اليهود والنصارى، والذين تخرج على أيديهم هذا المتغطرس في جامعة «ولز البريطانية»، الذين يحيكون بالإسلام وأهله.
قال الجهول: «حيث إن تضعيف السند فى ذلك الحديث لا يتطلب كثير جهد ولا احتمال عناء, فهو حديث آحاد يدور على راو واحد وهو «عكرمة» مولى الصحابى «عبد الله ابن عباس» ويعرف كل باحث ومتخصص أن «عكرمة» راو متهم فى عقيدته أولا ثم فى حفظه وضبطه».
وهذا هو مربط الفرس وبيان جهله وخيبت أمله، فنقول وبالله تعالى التوفيق: قوله:« فهو حديث آحاد» قول باطل حيث أن هذا الحديث تواتر لفظي ومعنوي عن النبي ﷺ، وإليك بيان ذلك:
وقبل الشرع في ذلك لابد من توضيح بعض المصطلحات:
فالمتواتر: هو الخبر الذي انتشر نقله عن جماعة يستحيل تواطئهم على الكذب، ولا حد لهذه الجماعة في الرواية، والمعتبر في ذلك أن يكون عدد الرواة في كل طبقة من طبقات السند كافياً في الثقة بهم، والاطمئنان إلى صدقهم واستحالة إمكان اتفاقهم على الكذب فيما رووه.
المتواتر يفيد العلم الضروري القطعى، ولذلك يجب العمل بالحديث المتواتر اتفقاً.
والمتواتر نوعين: الأول: المتواتر اللفظي: وهو ما اتفق الرواة على لفظه وتوافرت فيه شروط التواتر.
والثاني: وهو ما اتفق الرواة على معناه دون لفظه حتى أصبح المعنى مقطوعا به وإن كان اللفظ لم يبلغ درجه القطع.
وإليك بيان تواتر هذا الحديث من حيث اللفظ:
1 - أخرج البخاري بإسنادين، الأول: عَلِيُّ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ، حَدَّثَنَا سُفْيَانُ، عَنْ أَيُّوبَ، عَنْ عِكْرِمَةَ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، ... به .
الثاني: أَبُو النُّعْمَانِ مُحَمَّدُ بْنُ الفَضْلِ، حَدَّثَنَا حَمَّادُ بْنُ زَيْدٍ، عَنْ أَيُّوبَ، عَنْ عِكْرِمَةَ، ... به .
وهذين الإسنادين لم يستطع ( إسلام ) أن يتكلم في أحد من منهما غير كلامه في عكرمة مولى ابن عباس رضى الله عنه، وسيأتي الرد على ذلك.
2 – أبو داود: أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ حَنْبَلٍ، حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ، أَخْبَرَنَا أَيُّوبُ، عَنْ عِكْرِمَةَ، ... به.
3 – الترمذي: أَحْمَدُ بْنُ عَبْدَةَ الضَّبِّيُّ البَصْرِيُّ قَالَ: حَدَّثَنَا عَبْدُ الوَهَّابِ الثَّقَفِيُّ قَالَ: حَدَّثَنَا أَيُّوبُ، عَنْ عِكْرِمَةَ، ... به .
4 – النسائي: عِمْرَانُ بْنُ مُوسَى قَالَ: حَدَّثَنَا عَبْدُ الْوَارِثِ قَالَ: حَدَّثَنَا أَيُّوبُ، عَنْ عِكْرِمَةَ ... به .
وأيضاً: مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الْمُبَارَكِ قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو هِشَامٍ قَالَ: حَدَّثَنَا وُهَيْبٌ قَالَ: حَدَّثَنَا أَيُّوبُ، عَنْ عِكْرِمَةَ، ...
وأيضاً: أَخْبَرَنَا مَحْمُودُ بْنُ غَيْلَانَ قَالَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ بَكْرٍ قَالَ: أَنْبَأَنَا ابْنُ جُرَيْجٍ قَالَ: أَنْبَأَنَا إِسْمَاعِيلُ، عَنْ مَعْمَرٍ، عَنْ أَيُّوبَ، عَنْ عِكْرِمَةَ، ...
5 – ابن ماجه: مُحَمَّدُ بْنُ الصَّبَّاحِ قَالَ: أَنْبَأَنَا سُفْيَانُ بْنُ عُيَيْنَةَ، عَنْ أَيُّوبَ، عَنْ عِكْرِمَةَ، ... به.
بهذا يتبين لك تواتر جميع طبقات السند إلى أيوب عن عكرمة.
ففي الطبقة الأخيرة: على بن عبد الله، ومحمد بن الفضل، وأحمد بن حنبل، وأحمد بن عبدة الضبي، وعمران بن موسى، وأبو هشام، وابن جريج، ومحمد بن الصباح.
كما أخرجه من هذه الطبقة عبد الرزاق، عَنْ مَعْمَرٍ، عَنْ أَيُّوبَ، عَنْ عِكْرِمَةَ ... به .
وابن أبي شيبة: حَدَّثَنَا ابْنُ عُيَيْنَةَ، عَنْ أَيُّوبَ، عَنْ عِكْرِمَةَ، ... به.
والحميدي: ثنا سُفْيَانُ قَالَ: ثنا أَيُّوبُ، عَنْ عِكْرِمَةِ ... به .
وإسحاق بن راهويه: حَدَّثَنَا ابْنُ عُيَيْنَةَ، عَنْ أَيُّوبَ، عَنْ عِكْرِمَةَ، ... به.
والطيالسي: حَدَّثَنَا أَبُو دَاوُدَ قَالَ: حَدَّثَنَا حَمَّادُ بْنُ زَيْدٍ، عَنْ أَيُّوبَ، عَنْ عِكْرِمَةَ، .. به.
والشافعي: أَخْبَرَنَا ابْنُ عُيَيْنَةَ، عَنْ أَيُّوبَ بْنِ أَبِي تَمِيمَةَ، عَنْ عِكْرِمَةَ ... به.
أما عن الطبقة التي قبلها ففيها: سفيان بن عيينة، وحماد بن زيد، وإسماعيل بن إبراهيم، ومعمر، ووهيب .
وهؤلاء كلهم ثقات أثبات .
بقي في الإسناد أيوب، وعكرمة، فإليك متابعة هذين الإمامين على هذا الحديث: أخرج الإمام أحمد في مسنده قال: حَدَّثَنَا عَبْدُ الصَّمَدِ، حَدَّثَنَا هِشَامُ بْنُ أَبِي عَبْدِ اللهِ، عَنْ قَتَادَةَ، عَنْ أَنَسٍ، أَنَّ عَلِيًّا، أُتِيَ بِأُنَاسٍ مِنَ الزُّطِّ يَعْبُدُونَ وَثَنًا، فَأَحْرَقَهُمْ، فَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: إِنَّمَا قَالَ رَسُولُ اللهِ ﷺ:«مَنْ بَدَّلَ دِينَهُ فَاقْتُلُوهُ».
وأخرجه أيضاً بهذا الإسناد البزار، والنسائي، وأبي يعلى، والطبراني، والبيهقي.
وأخرج الإمام أحمد في مسنده قال: حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ، أَخْبَرَنَا مَعْمَرٌ، عَنْ أَيُّوبَ، عَنْ حُمَيْدِ بْنِ هِلَالٍ الْعَدَوِيِّ، عَنْ أَبِي بُرْدَةَ، قَالَ: قَدِمَ عَلَى أَبِي مُوسَى مُعَاذُ بْنُ جَبَلٍ، بِالْيَمَنِ، فَإِذَا رَجُلٌ عِنْدَهُ، قَالَ: مَا هَذَا؟ قَالَ: رَجُلٌ كَانَ يَهُودِيًّا، فَأَسْلَمَ، ثُمَّ تَهَوَّدَ، وَنَحْنُ نُرِيدُهُ عَلَى الْإِسْلَامِ مُنْذُ، قَالَ: أَحْسَبُهُ، شَهْرَيْنِ. فَقَالَ: وَاللَّهِ لَا أَقْعُدُ حَتَّى تَضْرِبُوا عُنُقَهُ. فَضُرِبَتْ عُنُقُهُ، فَقَالَ: قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ: «أَنَّ مَنْ رَجَعَ عَنْ دَيْنِهِ فَاقْتُلُوهُ» أَوْ قَالَ: «مَنْ بَدَّلَ دَيْنَهُ فَاقْتُلُوهُ».
وأخرج الطبراني قال: حَدَّثَنَا مَسْعُودُ بْنُ مُحَمَّدٍ الرَّمْلِيُّ، نا عِمْرَانُ بْنُ هَارُونَ، نا ابْنُ لَهِيعَةَ، حَدَّثَنِي بُكَيْرُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الْأَشَجِّ، عَنْ سُلَيْمَانَ بْنِ يَسَارٍ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ قَالَ: «مَنْ بَدَّلَ دِينَهُ فَاقْتُلُوهُ». وإسناده حسن.
وتابع سليمان، صالح مولى التوأمة عن أبي هريرة كما عند أبو نعيم في أخبار أصبهان ( 1/423 ).
وأخرج عبد الرزاق بسند حسن عَنْ عُرْوَةَ, عَنْ عَائِشَةَ أَنَّ النَّبِيَّ ﷺ قَالَ: «مَنِ ارْتَدَّ عَنْ دِينِهِ فَاقْتُلُوهُ». وقد تابع عروة شهر بن حوشب عن عائشة كما عند الطبراني في الأوسط برقم ( 9230 ).
وأخرج النسائي بسند حسن عن عَنْ قَتَادَةَ، عَنْ الْحَسَنِ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: «مَنْ بَدَّلَ دِينَهُ فَاقْتُلُوهُ».
وأخرجه الطبراني في الكبير برقم (497): عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ مَوْهَبٍ، عَنْ عِصْمَةَ بْنِ مَالِكٍ الْخَطْمِيِّ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ ﷺ: «مَنِ ارْتَدَّ عَنْ دِينِهِ فَاقْتُلُوهُ».
وأخرج الطبراني في المعجم الكبير 19/419 برقم ( 1013 ) ط / م . ابن تيمية : قال : حَدَّثَنَا دَاوُدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ صَالِحٍ الْمَرْوَزِيُّ، ثنا حَوْثَرَةُ بْنُ أَشْرَسَ، ثنا حَمَّادُ بْنُ سَلَمَةَ، عَنْ بَهْزِ بْنِ حَكِيمٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ جَدِّهِ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ ﷺ: «مَنْ بَدَّلَ دِينَهُ فَاقْتُلُوهُ، ... الحديث».
قال الهيثمي: إسناده حسن، وذكره الألباني في السلسة الصحيحة وصححه ، وقد روى الإمام أحمد بعضه في مسنده وحسنه الأرنؤوط .
ومالك في الموطأ برقم ( 2726 ) ت/الأعظمي: عَنْ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ؛ أَنَّ رَسُولَ اللهِ ﷺ قَالَ: «مَنْ غَيَّرَ دِينَهُ فَاضْرِبُوا عُنُقَهُ». وفيه انقطاع .
وعند ابن الأعرابي في معجمه 2|567 : نا إِبْرَاهِيمُ، نا قُرَّةُ بْنُ حَبِيبٍ، نا أَبُو الْأَشْهَبِ، عَنْ أَبِي رَجَاءٍ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: «مَنْ بَدَّلَ دِينَهُ فَاقْتُلُوهُ». وهذا إسناد رجاله ثقات تابع فيه أبو رجاء عكرمة.
وأبو رجاء هذا هو: عمران بن ملحان و يقال ابن تيم و يقال ابن عبد الله ، أبو رجاء العطاردى البصري ( مشهور بكنيته ) أدرك زمن النبي ﷺ وأسلم زمن الصديق رضي الله عنه سمع ابن عباس وأخذ عليه القرآن وحدث عنه وعن غيره من الصحابة .
وقد زعم المدعو إسلام بأن أحد من أصحاب ابن عباس لم يروى هذا الحديث غير عكرمة . وهذا لجهله وعدم تتبعه للحق، وما ذلك إلا لسوء قصده وبحثه عن أي عوار في أسانيد السنة النبوية، ومن ثم يقدح في الأئمة ويتهمهم وحاشهم رضي الله عنهم وسخط عليه .
مما تقدم يتبين لك أن عكرمة رحمه الله لم ينفرد بروايته عن ابن عباس بل تابعه أنس عن ابن عباس، وأبي رجاء عن ابن عباس، كما أن ابن عباس لم ينفرد به عن النبي ﷺ بل تابعه أبي موسى الأشعري، ومعاذ بن جبل، وأنس بن مالك، وأبي هريرة، وعائشة، ومعاوية بن قرة، والحسن، وعصمت بن مالك، كلهم عن رسول الله ﷺ بلفظ البخاري الذي طعن فيه هذا الجاهل.
فهؤلاء عشرة من أصحاب النبي ﷺ .، وعنهم إحدى عشر تابعي .
يزيدك يقيناً ما تواتر أيضاً في هذا الحكم عن الصحابة والتابعين وتابعي التابعين، بلفظ:«لَا يَحِلُّ دَمُ امْرِئٍ مُسْلِمٍ، يَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ وَأَنِّي رَسُولُ اللهِ، إِلَّا بِإِحْدَى ثَلَاثٍ: الثَّيِّبُ الزَّانِي، وَالنَّفْسُ بِالنَّفْسِ، وَالتَّارِكُ لِدِينِهِ الْمُفَارِقُ لِلْجَمَاعَةِ».
البخاري: عُمَرُ بْنُ حَفْصٍ، حَدَّثَنَا أَبِي، حَدَّثَنَا الأَعْمَشُ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مُرَّةَ، عَنْ مَسْرُوقٍ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ... به، إلا أنه قال: «وَالمَارِقُ مِنَ الدِّينِ التَّارِكُ لِلْجَمَاعَةِ».
مسلم: حَدَّثَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ، حَدَّثَنَا حَفْصُ بْنُ غِيَاثٍ، وَأَبُو مُعَاوِيَةَ، وَوَكِيعٌ، عَنِ الْأَعْمَشِ،... به . وهذا سند كالشمس .
أبو داود: كإسناد مسلم .
وأيضاً: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ سِنَانٍ الْبَاهِلِيُّ، حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ طَهْمَانَ، عَنْ عَبْدِ الْعَزِيزِ بْنِ رُفَيْعٍ، عَنْ عُبَيْدِ بْنِ عُمَيْرٍ، عَنْ عَائِشَةَ، مثله. ورجاله ثقات .
وأيضاً: حَدَّثَنَا سُلَيْمَانُ بْنُ حَرْبٍ، حَدَّثَنَا حَمَّادُ بْنُ زَيْدٍ، عَنْ يَحْيَى ابْنِ سَعِيدٍ، عَنْ أَبِي أُمَامَةَ بْنِ سَهْلٍ، عن عثمان، .... نحوه . ورجاله ثقات .
والترمذي، وابن ماجه: كما عند أبي داود .
النسائي: مثلهما .
وأيضاً: أَخْبَرَنَا أَبُو الْأَزْهَرِ أَحْمَدُ بْنُ الْأَزْهَرِ النَّيْسَابُورِ يُّ قَالَ: حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ بْنُ سُلَيْمَانَ
الرَّازِيُّ قَالَ: أَنْبَأَنَا الْمُغِيرَةُ بْنُ مُسْلِمٍ، عَنْ مَطَرٍ الْوَرَّاقِ، عَنْ نَافِعٍ، عَنْ ابْنِ عُمَرَ، ... مثله .
وأيضاً: أَخْبَرَنَا مُؤَمَّلُ بْنُ إِهَابٍ قَالَ: حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ قَالَ: أَخْبَرَنِي ابْنُ جُرَيْجٍ، عَنْ أَبِي النَّضْرِ، عَنْ بُسْرِ بْنِ سَعِيدٍ، عَنْ عُثْمَانَ بْنِ عَفَّانَ ... به.
وعنده أيضاً: أَخْبَرَنَا عَمْرُو بْنُ عَلِيٍّ قَالَ: حَدَّثَنَا يَحْيَى قَالَ: حَدَّثَنَا سُفْيَانُ ..
وعند أحمد في مسنده: حَدَّثَنَا وَكِيعٌ، قَالَ: حَدَّثَنَا سُفْيَانُ، عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ، عَنْ عَمْرِو بْنِ غَالِبٍ، عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ«لَا يَحِلُّ دَمُ امْرِئٍ مُسْلِمٍ إِلَّا رَجُلٍ قَتَلَ فَقُتِلَ، أَوْ رَجُلٍ زَنَى بَعْدَمَا أُحْصِنَ، أَوْ رَجُلٍ ارْتَدَّ بَعْدَ إِسْلَامِهِ».
فهذا الحديث في حكم المرتد تواتر نقل الصحابة له عن النبي ﷺ، وتواتر نقله عن الصحابة، وتواتر نقله من بعدهم .
كما ورد التواتر المعنوي لهذا الحكم عن الصحابة والتابعين، وعمل أئمة المسلمين وولاتهم به على مر التاريخ، لم ينكر ذلك أحد عليهم.
وإليك بيان عمل الصحابة بحكم القتل للمرتد:
البخاري ومسلم قالا: حَدَّثَنَا قُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ، حَدَّثَنَا لَيْثُ بْنُ سَعْدٍ، عَنْ عُقَيْلٍ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، قَالَ: أَخْبَرَنِي عُبَيْدُ اللهِ بْنُ عَبْدِ اللهِ بْنِ عُتْبَةَ بْنِ مَسْعُودٍ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ: لَمَّا تُوُفِّيَ رَسُولُ اللهِ ﷺ، وَاسْتُخْلِفَ أَبُو بَكْرٍ بَعْدَهُ، «وَكَفَرَ مَنْ كَفَرَ مِنَ الْعَرَبِ»، - وعند أحمد وغيره - «وَارْتَدَّ مَنْ ارْتَدَّ، أَرَادَ أَبُو بَكْرٍ قِتَالَهُمْ »، قَالَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ لِأَبِي بَكْرٍ: كَيْفَ تُقَاتِلُ النَّاسَ، وَقَدْ قَالَ رَسُولُ اللهِ ﷺ:«أُمِرْتُ أَنْ أُقَاتِلَ النَّاسَ حَتَّى يَقُولُوا: لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ، فَمَنْ قَالَ: لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ، فَقَدْ عَصَمَ مِنِّي مَالَهُ، وَنَفْسَهُ، إِلَّا بِحَقِّهِ وَحِسَابُهُ عَلَى اللهِ »، فَقَالَ أَبُو بَكْرٍ: وَاللهِ لَأُقَاتِلَنَّ مَنْ فَرَّقَ بَيْنَ الصَّلَاةِ، وَالزَّكَاةِ، فَإِنَّ الزَّكَاةَ حَقُّ الْمَالِ، وَاللهِ لَوْ مَنَعُونِي عِقَالًا كَانُوا يُؤَدُّونَهُ إِلَى رَسُولِ اللهِ ﷺ لَقَاتَلْتُهُمْ عَلَى مَنْعِهِ، فَقَالَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ: فَوَاللهِ، مَا هُوَ إِلَّا أَنْ رَأَيْتُ اللهَ عَزَّ وَجَلَّ قَدْ شَرَحَ صَدْرَ أَبِي بَكْرٍ لِلْقِتَالِ، فَعَرَفْتُ أَنَّهُ الْحَقُّ .
فهذا أبو بكر الصديق وكل الصحابة معه على قتال المرتدين، وهذا إسناد ذهبي.
فماذا يقول هذا الجاهل لمثل ذلك وقد تعددت أسانيده عن الثقات الذين لا يتواطئون على الكذب، فما قوله .
أما في خلافة عمر رضى الله عنه: عبد الرزاق عَنْ مَعْمَرٍ , قَالَ: أَخْبَرَنِي مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَبْدِ الْقَارِيِّ , عَنْ أَبِيهِ , قَالَ: قَدِمَ مَجْزَأَةُ بْنُ ثَوْرٍ - أَوْ شَقِيقُ بْنُ ثَوْرٍ - عَلَى عُمَرَ يُبَشِّرُهُ بِفَتْحِ تُسْتَرَ, فَقَالَ عُمَرُ: «مَا عِنْدَكَ؟» قَالَ: أَنْشُدُكَ اللَّهَ يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ , إِنَّ اللَّهَ فَتَحَ عَلَيْنَا تُسْتَرَ , وَهِي كَذَا وَهِي كَذَا , وَهِي مِنْ أَرْضِ الْبَصْرَةِ - وَكَانَ يَخَافُ أَنْ يُحَوِّلَهَا إِلَى الْكُوفَةِ - فَقَالَ: «نَعَمْ , هِيَ مِنْ أَرْضِ الْبَصْرَةِ , هِيهْ هَلْ كَانَتْ مَغْرَبَةٌ تُخْبِرُنَاهَا؟ » قَالَ: لَا , إِلَّا أَنَّ رَجُلًا مِنَ الْعَرَبِ ارْتَدَّ , فَضَرَبْنَا عُنُقَهُ, قَالَ عُمَرُ: «وَيْحَكُمْ فَهَلَّا طَيَّنْتُمْ عَلَيْهِ بَابًا , وَفَتَحْتُمْ لَهُ كَوَّةً , فَأَطْعَمْتُمُو هُ كُلَّ يَوْمٍ مِنْهَا رَغِيفًا , وَسَقَيْتُمُوهُ كُوزًا مِنْ مَاءٍ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ , ثُمَّ عَرَضْتُمْ عَلَيْهِ الْإِسْلَامَ فِي الْيَوْمِ الثَّالِثِ , فَلَعَلَّهُ أَنْ يُرَاجِعَ» , ثُمَّ قَالَ: «اللَّهُمَّ لَمْ أَحْضُرْ , وَلَمْ آمُرْ , وَلَمْ أَعْلَمْ».
ففي هذا أن قتل المرتد كان معلوماً عندهم، وقد أنكر عمر عدم الاستتابة له.
وعن على بن أبي طالب رضى الله عنه: ما أخرجه عبد الرزاق قال: أَخْبَرَنَا مَعْمَرٌ، عَنِ الْأَعْمَشِ، عَنْ أَبِي عَمْرٍو الشَّيْبَانِيِّ قَالَ: أُتِيَ عَلِيٌّ بِشَيْخٍ كَانَ نَصْرَانِيًّا ثُمَّ أَسْلَمَ، ثُمَّ ارْتَدَّ عَنِ الْإِسْلَامِ، فَقَالَ لَهُ عَلِيٌّ: «لَعَلَّكَ إِنَّمَا ارْتَدَدْتَ لِأَنْ تُصِيبَ مِيرَاثًا ثُمَّ تَرْجِعُ إِلَى الْإِسْلَامِ» قَالَ: لَا قَالَ: «فَلَعَلَّكَ خَطَبْتَ امْرَأَةً فَأَبَوْا أَنْ يُنْكِحُوكَهَا فَأَرَدْتُ أَنْ تَزَوَّجَهَا ثُمَّ تَرْجِعَ إِلَى الْإِسْلَامِ» قَالَ: لَا قَالَ: «فَارْجِعْ إِلَى الْإِسْلَامِ» قَالَ: أَمَا حَتَّى أَلْقَى الْمَسِيحَ فَلَا، فَأَمَرَ بِهِ عَلِيٌّ فَضُرِبَتْ عُنُقُهُ، وَدُفِعَ مِيرَاثُهُ إِلَى وَلَدِهِ الْمُسْلِمِينَ .
معاذ بن جبل وأبي موسى الأشعري رضى الله عنهما: ما أخرجه البخاري وغيره بأسانيدهم الصحيحة، وهذا سند البخاري: حَدَّثَنَا مُسْلِمٌ، حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، حَدَّثَنَا سَعِيدُ بْنُ أَبِي بُرْدَةَ، عَنْ أَبِيهِ، أَنَّ مُعَاذَ بْنَ جَبَلٍ أَتَى أَبَا مُوسَى وَعِنْدَهُ رَجُلٌ يَهُودِيٌّ، فَقَالَ: مَا هَذَا؟، فَقَالَ: هَذَا يَهُودِيٌّ أَسْلَمَ، ثُمَّ ارْتَدَّ وَقَدِ اسْتَتَابَهُ أَبُو مُوسَى شَهْرَيْنِ، قَالَ: فَقَالَ مُعَاذٌ: «لَا أَجْلِسُ حَتَّى أَضْرِبُ عُنُقَهُ، قَضَى اللَّهُ وَقَضَى رَسُولُهُ».
قال: تَابَعَهُ العَقَدِيُّ، وَوَهْبٌ، عَنْ شُعْبَةَ، وَقَالَ وَكِيعٌ، وَالنَّضْرُ، وَأَبُو دَاوُدَ، عَنْ شُعْبَةَ، عَنْ سَعِيدٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ جَدِّهِ، عَنِ النَّبِيِّ ﷺ.
وعن ابن عباس رضى الله عنه: ما أخرجه ابن أبي شيبة قَالَ: حَدَّثَنَا شَرِيكٌ، عَنْ لَيْثٍ، عَنْ طَاوُسٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ: «لَا تُسَاكِنُكُمْ الْيَهُودُ وَالنَّصَارَى إِلَّا أَنْ يُسْلِمُوا، فَمَنْ أَسْلَمَ مِنْهُمْ ثُمَّ ارْتَدَّ، فَلَا تَضْرِبُوا إِلَّا عُنُقَهُ».
وعن عمر بن عبد العزيز رضى الله عنه: ما أخرجه عبد الرزاق عَنْ مَعْمَرٍ , عَنْ سِمَاكِ بْنِ الْفَضْلِ , أَنَّ عُرْوَةَ , كَتَبَ إِلَى عُمَرَ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ فِي رَجُلٍ أَسْلَمَ , ثُمَّ ارْتَدَّ , فَكَتَبَ إِلَيْهِ عُمَرُ أَنْ: «سَلْهُ عَنْ شَرَائِعِ الْإِسْلَامِ , فَإِنْ كَانَ قَدْ عَرَفَهَا , فَاعْرِضْ عَلَيْهِ الْإِسْلَامَ , فَإِنْ أَبَى, فَاضْرِبْ عُنُقَهُ, وَإِنْ كَانَ لَمْ يَعْرِفْهَا , فَغَلِّظِ الْجِزْيَةَ , وَدَعْهُ».
ومن تتبع التاريخ على مر عصوره ودوله يجد أن الحكام المسلمين كانوا يقيمون هذا الحد على الزنادقة والمرتدين، وأنه ما كثرة الزندقة والإلحاد والطعن في الأديان والشرائع إلا بترك الحكام المسلمين للحكم بشرع الله، وإعمال الحدود الشرعية، وارتضوا لأنفسهم الحكم الوضعي، فركبت العلمانية على أكتافهم، وانتشرت الردة والزندقة في زمانهم، وإنا لله وإنا إليه راجعون.
بهذا الذي ذكرنا لك من روايات وطرق وألفاظ ونقل من عمل الصحابة، يبين ويوضح بما لا يدع لمسلم شك في أن حد المرتد قد تواتر تواتراً لفظياً ومعنوياً، وأنه مقطوع به لذا فقد اتفق عليه جميع الأئمة والعلماء، ولم ينكره إلا زنديق يريد أن يؤمن نفسه من هذه العقوبة، حتى يطعن في الدين ويدعوا للكفر والإلحاد والأفكار الهدامة التي تخالف عقيدة التوحيد، فبإسقاط مثل هذا الحد يخلوا الجو للزندقة والردة .
الرد على تضعيف ( عكرمة مولى ابن عباس )
قال الجاهل الجهول: «ويعرف كل باحث ومتخصص أن «عكرمة» راو متهم فى عقيدته أولاً ثم فى حفظه وضبطه بالكذب الصراح، .... الخ». هذا ما جاء في مقاله لليوم السابع.
أما على القاهرة والناس فقد ذكر الأقوال التي وردت في عكرمة، وتهكم على الإمام البخاري بأن الدراقطني قد تتبعه في أحاديث، وبأن الإمام مالك لم يروي لعكرمة غير حديث واحد، والإمام مسلم لم يروي له.
ونحن نجيب عليه كالتالي:
أما الكلام في كون الإمام عكرمة متهم في عقيدته وضبطه، فسأرجئ الكلام عنه لأنه سيطول، لكن العجيب من – إسلام – أنه يرد على نفسه بنفسه حين يطعن في التراث، لأنه ينتقد العلماء من خلال علماء آخرين ويرد على نقض الحديث بعلماء الحديث وعلماء الجرح والتعديل فهو يرد من التراث على التراث، وهذا يثبت أن العلماء في علم التراث يردون على آراء غيرهم، وأن هناك آلاف من العلماء لا يستطيع هذا الرجل أن يحيط بآرائهم وأقوالهم.
لكن هذا ليس هو محور الكلام، إذا أننا بصدد دفع شبهته حول « حد الردة »، فنقول له - يا إسلام – تعلم قبل أن تتكلم فهذا الدراقطني الذي استشهدت به أنه قد انتقد البخاري، ها هو يخرج حديث عكرمة الذي تطعن فيه ويصححه، فقد أخرج في سننه جـ4/108، ط/الرسالة، كتاب: الحدود، برقم ( 3182 ) قال: نا الْحُسَيْنُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ , نا يَعْقُوبُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ, نا إِسْمَاعِيلُ ابْنُ عُلَيَّةَ, نا أَيُّوبُ, عَنْ عِكْرِمَةَ , أَنَّ عَلِيًّا رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ حَرَّقَ نَاسًا ارْتَدُّوا عَنِ الْإِسْلَامِ, فَبَلَغَ ذَلِكَ ابْنَ عَبَّاسٍ, فَقَالَ: لَمْ أَكُنْ لِأُحَرِّقَهُمْ بِالنَّارِ, إِنَّ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ قَالَ: «لَا تُعَذِّبُوا بِعَذَابِ اللَّهِ» وَكُنْتُ أَقْتُلُهُمْ لِقَوْلِ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ: «مَنْ بَدَّلَ دِينَهُ فَاقْتُلُوهُ», قَالَ: فَبَلَغَ ذَلِكَ عَلِيًّا , فَقَالَ: وَيْحَ ابْنِ عَبَّاسٍ. – قال الدراقطني -: هَذَا ثَابِتٌ صَحِيحٌ .
فهذا الداقطني الذي استشهد به – اسلام – يصحح حديث عكرمة في قتل المرتد.
أما قوله أن الإمام مالك لم يروى عنه إلا حديثا واحدا، فالصحيح أنه لم يصرح باسم عكرمة إلا في حديث واحد، إلا أننا نجد الإمام مالك – رحمه الله – يروي في الردة جـ2/736 ، ط/إحياء التراث – بيروت، باب: القضاء فيمن ارتد عن الإسلام، قال: عَنْ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ قَالَ: «مَنْ غَيَّرَ دِينَهُ فَاضْرِبُوا عُنُقَهُ».
قال مالك عقب هذا الحديث: «من خرج من الإسلام إلى غيره، مثل الزنادقة وأشباههم. فإن أولئك، إذا ظهر عليهم قتلوا، ولم يستتابوا، لأنه لا تعرف توبتهم، وأنهم كانوا يسرون الكفر ويعلنون الإسلام، فلا أرى أن يستتاب هؤلاء. ولا يقبل منهم قولهم. وأما من خرج من الإسلام إلى غيره، وأظهر ذلك، فإنه يستتاب. فإن تاب. وإلا قتل».أهـ
فهذا كلام الإمام مالك ورواية في حكم المرتد، فماذا سيقول الجهول في ذلك وهو الذي استشهد به على ضعف حديث البخاري، فافهم ذلك رحمك الله.
أما قوله بأن الإمام مسلم لم يروى عن عكرمة فصحيح، لكن يا جاهل الإمام مسلم لم ينكر حد الردة مثلك بل أخرج في باب: ما يباح به دم المسلم، برقم ( 1676 ): حَدَّثَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ، حَدَّثَنَا حَفْصُ بْنُ غِيَاثٍ، وَأَبُو مُعَاوِيَةَ، وَوَكِيعٌ، عَنِ الْأَعْمَشِ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ مُرَّةَ، عَنْ مَسْرُوقٍ، عَنْ عَبْدِ اللهِ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ ﷺ:«لَا يَحِلُّ دَمُ امْرِئٍ مُسْلِمٍ، يَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ وَأَنِّي رَسُولُ اللهِ، إِلَّا بِإِحْدَى ثَلَاثٍ: الثَّيِّبُ الزَّانِي، وَالنَّفْسُ بِالنَّفْسِ، وَالتَّارِكُ لِدِينِهِ الْمُفَارِقُ لِلْجَمَاعَةِ ».
فهؤلاء الأئمة الذين استشهد بهم الأفاك على ضعف عكرمة مولى ابن عباس .
بل إليك أخي القاريء الكريم قاصمة ظهر هذا الجهول، فقد استشهد بقصة عبد الله بن أبي السرح في دفعه لحد الردة في نفس المقال حيث ذكر الدليل الثالث التطبيق النبوي لمفهوم الردة استشهد فيه بقصة ابن أبي السرح، وقصة عبد الله بن خطل .
وستعجب أشد العجب أن قصة ابن أبي السرح من رواية عكرمة عن ابن عباس وبإسناد أقل درجة من إسناد الإمام البخاري ونحن لا ننكرها، ولكن نقول – لإسلام – كيف تضعفه وتستشهد بحديثه، أقول لكم الحقيقة هى أن إسلام بحيرى كان يجهل ذلك.
وإليك القصة بإسنادها : أخرج أبو داود حدَّثنا أحمدُ بنُ محمَّد المروزيُّ، حدَّثنا عليُّ بنُ الحسينِ بنِ واقِدٍ، عن أبيه، عن يزيدَ النحويِّ، عن عكرمة عن ابنِ عباس، قال: كان عبدُ اللهِ بنُ سعْد بن أبي السَّرحِ يكتبُ لرسولِ الله ﷺ، فأزلَّهُ الشيطانُ، فلَحِقَ بالكُفَّار، فأمرَ به رسولُ الله ﷺ أن يقتل يومَ الفتحِ، فاستجارَ له عثمانُ بن عفان، فأجاره رسولُ الله ﷺ .
وإسناده حسن، فإن قال – بحيري- للقصة طريق آخر عند أبو داود والنسائي من طريق أحمدُ بنُ المُفَضَّل، حدَّثنا أسباطُ بنُ نصرٍ، قال: زعم السُّدِّيُّ، عن مصعب بنِ سعدٍ عن سعد، .. نحوه . وهو أيضاً إسناد حسن .
قلنا: سند البخاري أعلى صحة من هذا وقد تعددت طرقه وشواهده، فهو أعلى حجة من هذا واحتججت به، مع سوء فهمك له لأنه لا يدل على ما أردته، بل هو حجة عليك – يا إسلام – حيث أن النبي ﷺ أمر بقتل الرجلين – أعني ابن خطل، وابن أبي السرح – فقتل سعد ابن خطل، أما ابن أبي السرح فقد جاء به عثمان تائباً ومجيراً له، فقبل النبي ﷺ توبته بعد إلحاح عثمان عليه، فما يأخذ من فقه الحديث – يا جاهل – هو أن حد المرتد القتل وأنه إن تاب قبلت توبته وهذا محل خلاف بين أهل العلم كما تقدم عن الإمام مالك. والله أعلم
أما ما ذكره من كلام بعض الأئمة في عكرمة – رحمه الله – فسنذكره ونبين الرد عليه وتوضيحه فيما يأتي إن شاء الله تعالى، والحمد لله رب العالمين .
رد ما اتهم به عكرمة رحمه الله
رد الفرية الأولى عن عكرمة رحمه الله
ذكر – إسلام – أن عكرمة متهم في عقيدة، ذلك بناءً على نقل بعض الأئمة أنه كان يقول برأى الخوارج، وهذا الاتهام مدفوع وليست عليه بينة واضحة، وبيانه كالتالى:
العجيب من - إسلام - أنه كان يقدح في التراث فاستشهد من التراث، وذلك بما ذكره الإمام الذهبي في سير أعلام النبلاء ( 5/20 ط/الرسالة ):
قال ابن لهيعة: كان يحدث برأي نجدة الحروري، وأتاه، فأقام عنده ستة أشهر .
قلت: ونجدة هذا كان رأس في فرقة الخوارج الحرورية، وهم يكفرون على وعثمان وعامة الصحابة.
قال ابن لهيهة أيضاً: أنه أول من أحدث رأى الصفرية في أهل المغرب.
قلت: الصفرية فرقة من فرق الخوارج.
ونقل الذهبي – رحمه الله- مثل هذا عن يحيى بن بكير، وعلى بن المدينى، وساق الكلام في عكرمة، ثم عقب قائلاً – رحمه الله -: «هذه حكاية بلا إسناد».
فهلا نقل للناس هذا الخبيث كلام الذهبي، وهل يتهم الثقة بكلام لا يعلم مصدره، وهل ترد الأسانيد الصحيحة بكلام ليس له سند، والله هذا بهتان عظيم.
رد هذه الفرية القبيحة :
كما علمت رد الإمام الذهبي - رحمه الله – لهذه الفرية وأنها لم ترد بسندٍ إلى قائلها، وقد استشهد الجهول بما نقل الإمام الذهبي، ودلس على عوام الناس ولم ينقل ما قاله الذهبي في هذا الكلام.
وليس الذهبي وحده من رد هذا الكلام المفترى به على عكرمة – رحمه الله – بل سبقه إلى ذلك الإمام أحمد العجلى – رحمه الله – حيث قال: عكرمة مولى ابن عباس: ثقة، وهو بريء مما يرميه الناس به من الحرورية، وهو تابعي.
قال الحافظ ابن حجر العسقلاني في مقدمة الفتح : لم يثبت عنه من وجه قاطع أنه كان يرى ذلك – أي رأي الخوارج - وإنما كان يوافق في بعض المسائل فنسبوه إليهم وقد برأه أحمد والعجلي من ذلك.
وقال ابن جرير: لو كان كل من ادعى عليه مذهب من المذاهب الرديئة ثبت عليه ما ادعى به وسقطت عدالته وبطلت شهادته بذلك للزم ترك أكثر محدثي الأمصار لأنه ما منهم إلا وقد نسبه قوم إلى ما يرغب به عنه.
قلت: ويكفي في ذلك اضطراب هذا الاتهام فمرة يقال: من الحرورية، ومرة من الصفرية، ومرة من الإباضية، وهذه كلها من فرق الخوارج إلا أنهم مختلفون في التوجهات الفكرية، يعلم ذلك من هو مطلع على مذاهب الفرق، فالحرورية تكفر الحكام وترى قتالهم، وتنكر الشفاعة، ويسبون ويستحلون الأموال والفروج ويأخذون بالقرآن ولا يقولون بالسنة أصلا.
والذين رووا عن عكرمة أنه يقول بقولهم هم من رووا أن يدخل عليهم ويأخذ عطاياهم وهو يكفرهم ويريد قتالهم.
أما الصفرية فهم يكفرون أصحاب الذنوب إلا أنهم لا يرون قتل نساء وأطفال مخالفيهم.
وأما الإباضية فقتلوا الناس وسبوا الذرية وقتلوا الأطفال وكفروا الأمة وأفسدوا في العباد والبلاد. ( انظر في ذلك: الرد على أهل الأهواء والبدع للملطي 1/52 – 53 ).
فكيف يكون عكرمة من جميعها وهى مختلفة، وأنت لو تتبعت كل من نقل أنه تكلم في عكرمة أو اتهمه، لوجدته روى عن عكرمة حديثه.
ومثال ذلك أنه قد نقل عن ابن لهيعة عن ابي الأسود، الكلام في عكرمة، وكذا نقل عن عبد العزيز بن أبي رواد .
في حين نجد أن هؤلاء رووا عن عكرمة عن ابن عباس، وإليك ذلك:
1 – أخرج أحمد في مسنده: حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ إِسْحَاقَ، أَخْبَرَنَا ابْنُ لَهِيعَةَ، عَنْ أَبِي الْأَسْوَدِ، عَنْ عِكْرِمَةَ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ:«أَنَّ رَسُولَ اللهِ ﷺ، لَعَنَ الْوَاصِلَةَ وَالْمَوْصُولَة َ، وَالْمُتَشَبِّه ِينَ مِنَ الرِّجَالِ بِالنِّسَاءِ، وَالْمُتَشَبِّه َاتِ مِنَ النِّسَاءِ بِالرِّجَالِ ».
ولو تتبعنا رواية ابن لهيعة عن أبي الأسود عن عكرمة لطال المقال، فكيف يتهمونه ويرووا عنه إلا أنهم يرونه ثقة يحتج بحديثه، فهلا فهم هذا الجاهل.
2 – عبد العزيز بن أبي رواد، ابن ماجه في سننه: حَدَّثَنَا جَمِيلُ بْنُ الْحَسَنِ، قَالَ حَدَّثَنَا أَبُو الْمُنْذِرِ الْهُذَيْلُ بْنُ الْحَكَمِ قَالَ: حَدَّثَنَا عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ أَبِي رَوَّادٍ، عَنْ عِكْرِمَةَ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: «مَوْتُ غُرْبَةٍ شَهَادَةٌ».
وعبد العزيز هذا مجروح ولا يقبل جرح المجروح .
ونحن نقول لهذا الجاهل الجهول كيف يكون عكرمة يرى رأى الخوارج وهو من روى ما يقدح في رأى الخوارج من ذلك ما يأتي:
1 – ما أخرج أحمد وابن ماجه: حَدَّثَنَا أَبُو الْأَحْوَصِ، عَنْ سِمَاكٍ، عَنْ عِكْرِمَةَ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: «لَيَقْرَأَنَّ الْقُرْآنَ نَاسٌ مِنْ أُمَّتِي، يَمْرُقُونَ مِنَ الْإِسْلَامِ كَمَا يَمْرُقُ السَّهْمُ مِنَ الرَّمِيَّةِ». وهذا معلوم أنه ثابت في الخوارج .
2 – وأخرج ابن ماجه بسند صحيح: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الْأَعْلَى الصَّنْعَانِيُّ قَالَ: حَدَّثَنَا مُعْتَمِرُ بْنُ سُلَيْمَانَ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ حَنَشٍ، عَنْ عِكْرِمَةَ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، عَنِ النَّبِيِّ ﷺ قَالَ: «لَا يُقْتَلُ مُؤْمِنٌ بِكَافِرٍ، وَلَا ذُو عَهْدٍ فِي عَهْدِهِ». وهذا مخالف لرأى الخوارج.
3 – وأخرج أحمد والنسائي: حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ عَاصِمٍ، عَنْ دَاوُدَ بْنِ أَبِي هِنْدَ، عَنْ عِكْرِمَةَ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ: أَنَّ رَجُلًا مِنَ الْأَنْصَارِ ارْتَدَّ عَنِ الْإِسْلامِ، وَلَحِقَ بِالْمُشْرِكِين َ، فَأَنْزَلَ اللهُ تَعَالَى: {كَيْفَ يَهْدِي اللهُ قَوْمًا كَفَرُوا بَعْدَ إِيمَانِهِمْ} [آل عمران: 86] إِلَى آخِرِ الْآيَةِ، فَبَعَثَ بِهَا قَوْمُهُ، فَرَجَعَ تَائِبًا، فَقَبِلَ النَّبِيُّ ﷺ، ذَلِكَ مِنْهُ وَخَلَّى عَنْهُ.
فلو كان عكرمة يرى رأى الخوارج وأنه دموي كما قال هذا المفتري فلم يروى حديث توبة المرتد.
4 – وأخرج الطبراني في الدعاء بسند حسن: عَنْ عِكْرِمَةَ، فِي قَوْلِهِ عَزَّ وَجَلَّ {هَلْ جَزَاءُ الْإِحْسَانِ إِلَّا الْإِحْسَانُ} [الرحمن: 60] قَالَ:«هَلْ جَزَاءُ مَنْ قَالَ: لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ إِلَّا الْجَنَّةُ». فهذا رأى مخالف تماماً لرأى الخوارج .
5 – وأخرج أحمد وابن أبي شيبة والترمذي وغيرهم بسند صحيح: حَدَّثَنَا ابْنُ نُمَيْرٍ، حَدَّثَنَا فُضَيْلٌ يَعْنِي ابْنَ غَزْوَانَ، عَنْ عِكْرِمَةَ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ فِي حَجَّةِ الْوَدَاعِ: «يَا أَيُّهَا النَّاسُ أَيُّ يَوْمٍ هَذَا؟» قَالُوا: هَذَا يَوْمٌ حَرَامٌ، قَالَ: «أَيُّ بَلَدٍ هَذَا» قَالُوا: بَلَدٌ حَرَامٌ، قَالَ: «فَأَيُّ شَهْرٍ هَذَا؟» قَالُوا: شَهْرٌ حَرَامٌ، قَالَ: «إِنَّ أَمْوَالَكُمْ، وَدِمَاءَكُمْ، وَأَعْرَاضَكُمْ عَلَيْكُمْ حَرَامٌ كَحُرْمَةِ يَوْمِكُمْ هَذَا فِي بَلَدِكُمْ هَذَا فِي شَهْرِكُمْ هَذَا» ثُمَّ أَعَادَهَا مِرَارًا، ثُمَّ رَفَعَ رَأْسَهُ إِلَى السَّمَاءِ، فَقَالَ: «اللَّهُمَّ هَلْ بَلَّغْتُ» مِرَارًا - قَالَ: يَقُولُ ابْنُ عَبَّاسٍ: وَاللَّهِ إِنَّهَا لَوَصِيَّةٌ إِلَى رَبِّهِ عَزَّ وَجَلَّ، ثُمَّ قَالَ: «أَلا فَلْيُبَلِّغِ الشَّاهِدُ الْغَائِبَ، لَا تَرْجِعُوا بَعْدِي كُفَّارًا يَضْرِبُ بَعْضُكُمْ رِقَابَ بَعْضٍ».
فبالله عليكم هل من روى هذا الحديث يقول بقول الخوارج، وينشر الإرهاب ويحرض عليه كما يدعى هذا الكذوب اللعوب، المفترى على أئمة المسلمين.
ووالله لو تتبعنا مثل هذا لطال بنا المقام، وفي هذا كفاية لمن يريد الحق ويبحث عن الصدق، بما لا يدع مجالا للشك في أن ما نسب إلى التابعي الجليل (عكرمة مولى ابن عباس) نسبة باطلة، وفرية واهية، ليس لها أساس من صحة النقل، ويكذبها مفهوم العقل لما صح عنه رحمه الله .
رد الفرية الثانية عن عكرمة رحمه الله
ذكر – إسلام – أن عكرمة متهم بالكذب وذلك بناءًا على ما نقل من كلام بعض الأئمة فيه مما نقل بأسانيد ضعيف لا تصح عن قائلاها، وما صح منه فليس على سبيل التكذيب ولكن على سبيل التخطئة، وغالباً ما يكون عكرمة في المسألة هو المصيب، والعجيب أن كل من نقل عنه أنه تكلم في عكرمة فقد روى عنه، وهذا وحده كافٍ في رد هذا الفرية، إذ كيف يكذبه ويروى عنه، ومن خلال هذا البحث سنوضح جهل هذا الدعي – إسلام – وأنه مفترٍ على إمام من أئمة المسلمين، وأن غرضه ما هو إلا القدح في السنة النبوية عن طريق القدح في صحيح البخاري وفي أئمة السنة، وسأورد ما نقله من الكلام في عكرمة وأرده وأبين ضعفه، وبالله تعالى التوفيق ومن الهدى والسداد .
نقل – إسلام – أن ابن عمر قال لنافع: «اتق الله، ويحك، لا تكذب علي كما كذب عكرمة على ابن عباس» .
وهذا كلام نقله هذا الأفاك من سير الذهبي 5\22 : قال أبو خلف عبد الله بن عيسى الخزاز، عن يحيى البكاء: سمعت ابن عمر يقول ... فذكره .
ولقبيح فعله وانطواءه على الكذب لم ينقل لنا كلام الذهبي رحمه الله في هذا الخبر، فقد قال الذهبي عقبه : والبكاء واه .
قلت: هو يحيى بن مسلم، ويقال ابن سليم الأزدي، البَصْرِيّ، المعروف بيحيى البكاء.
قال النسائي: متروك الحديث، وذكر الدارقطني في الضعفاء والمتروكين، وقال ابن حبان: يروي المعضلات عن الثقات، لا يجوز الاحتجاج به، وقال أبو زرعة: ليس بالقوي.
أما أبو خلف الراوي عن يحيى البكاء، فهو أيضاً متهم ، قال أبو زرعة: منكر الحديث، وقال النسائي: ليس بثقة، وقال ابن عدي: مضطرب الحديث لا يحتج به، وقال العقيلي: لا يتابع على أكثر حديثه، وقال ابن حبان: يخطيء ويخالف.
( انظر: تهذيب الكمال للمزي 15| 417 ط | الرسالة ).
ذكر – إسلام – ما جاء في سير الذهبي عن جرير بن عبد الحميد: عن يزيد بن أبي زياد، قال: دخلت على علي بن عبد الله بن عباس، وعكرمة مقيد على باب الحش. قال: قلت: ما لهذا كذا. قال: «إنه يكذب على أبي».
وأخذ هذا الجاهل يصيح بهذا الكلام ويقبل فهذا على بن عبد الله بن عباس، يتهم عكرمة بالكذب، وما علم هذا الجاهل أن هذا النقل ضعيف، ذلك أن يزيد بن أبي زياد، ضعيف ومتهم بالتشيع، ذكره الحاكم في المدلسين، وقال الإمام أحمد: لم يكن بالحافظ، وقال ابن معين: لا يحتج بحديثه، وقال الدارمي: ليس بالقوي، وقال ابن المبارك: أرم به، وقال ابن حجر: ضعيف كبر فتغير.
وأنا أقول لهذا الجاهل ولو صح حديث يزيد هذا فهو ممن روى عن ابن عباس، فكيف يكون عنده كذاب ويروى عنه.
فعند أبى داود في السنن برقم ( 1881 ): حدَّثنا مُسَدد، حدَّثنا خالدُ بن عبد الله، حدَّثنا يزيدُ بن أبي زيادٍ، عن عكرمة عن ابنِ عباس: أن رسولَ الله ﷺ قَدِمَ مكة وهو يشتكي، فطافَ على راحلته، .... الحديث .
وحديثه عن عكرمة كثير جداً يكفى هذا كمثال لإيضاح جهل هذا المدعي .
ذكر أيضاً: هشام بن سعد عن عطاء الخراساني، قال: قلت لسعيد بن المسيب: إن عكرمة يزعم أن رسول الله ﷺ تزوج ميمونة وهو محرم.
فقال: كذب مخبثان ، اذهب إليه، فسبه، سأحدثكم: قدم رسول الله ﷺ وهو محرم، فلما حل، تزوجها.
وهذا أيضاً إسناده ضعيف عطاء الخرساني، صدوق يهم ويدلس، وقد روى عن عكرمة كثيراً، وهام بن سعد ضعيف الحديث، قال أحمد: لم يكن بالحافظ. وكان يحيى القطان لا يحدث عنه. وقال أحمد أيضا: لم يكن محكم الحديث. وقال ابن معين: ليس بذاك القوى، وليس بمتروك. وقال النسائي: ضعيف. وقال - مرة: ليس بالقوى. ( انظر: ميزان الاعتدال للذهبي 4| 299 ).
قال الشيخ شعيب الأرنؤوط في تحقيق لسير النبلاء رداً على قول سعيد بن المسيب: لقد ظلم عكرمة في ذلك، فإن هذا مروي عن ابن عباس من طرق كثيرة أنه كان يقول: إن النبي ﷺ تزوجها وهو محرم. وهو معدود في أوهامه رضي الله عنه – أي ابن عباس -.
وسيأتي بسند صحيح ثناء سعيد ابن المسيب على عكرمة .
وقوله كذب أي: أخطأ كما سيأتي توضيحه بأدلته .
ونحوه قال مطر: قلت لعطاء: إن عكرمة قال: قال ابن عباس: سبق الكتاب المسح على الخفين ، فقال: كذب عكرمة، سمعت ابن عباس يقول: امسح على الخفين وإن خرجت من الخلاء.
ومثله بشر بن المفضل: عن عبد الله بن عثمان بن خثيم: سألت عكرمة، أنا وعبد الله بن سعيد، عن قوله: {والنخل باسقات} [ق: 10] ، قال: بسوقها كبسوق النساء عند ولادتها. فرحت إلى سعيد، فأخبرته، فقال: كذب.
وكل هذا من قبيل أخطأ فإن العرب تعبر أحياناً عن الخطأ بالكذب، ومنه حديث صلاة الوتر قال عبادة : «كَذِبَ أبُو محَمَّد» قال ابن الأثير : أي أخطأ. سماه كذبا، لأنه يشبهه في كونه ضد الصواب، كما أن الكذب ضد الصدق وإن افترقا من حيث النية والقصد؛ لأن الكاذب يعلم أن ما يقوله كذب، والمخطىء لا يعلم. وهذا الرجل ليس بمخبر، وإنما قاله باجتهاد أداه إلى أن الوتر واجب، والاجتهاد لا يدخله الكذب وإنما يدخله الخطأ.
( انظر: النهاية في غريب الحديث 4|159 مادة : كذب، ولسان العرب 1|709 فصل الكاف ).
وقال الخطابي: وقوله: كذب أَبُو مُحَمَّد لم يذهب به إلى الكذب الَّذِي هو الانحراف عَنِ الصدق والتعمد للزور وإنما أراد به أنه زل في الرأي وأخطأ في الفتوى. ( غريب الحديث للخطابي 2|302 )
ومن ذلك أيضاً ما أخرجه أحمد والشافعي والبيهقي عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ، عَنْ أَبِيهِ، أَنَّ سُبَيْعَةَ بِنْتَ الْحَارِثِ، وَضَعَتْ، بَعْدَ وَفَاةِ زَوْجِهَا بِلَيَالٍ، فَمَرَّ بِهَا أَبُو السَّنَابِلِ بْنُ بَعْكَكٍ فَقَالَ: قَدْ تَصَنَّعْتِ لِلْأَزْوَاجِ إِنَّهَا أَرْبَعَةُ أَشْهُرٍ وَعَشْرٌ، فَذَكَرَتْ ذَلِكَ سُبَيْعَةُ لِرَسُولِ اللَّهِ ﷺ فَقَالَ: «كَذَبَ أَبُو السَّنَابِلِ، أَوْ لَيْسَ كَمَا قَالَ أَبُو السَّنَابِلِ، قَدْ حَلَلْتِ فَتَزَوَّجِي»
فقول النبي ﷺ : كذب أبو السنابل : أي : أخطأ .
وأخرج أحمد والنسائي وغيرهما بسند صحيح : عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، أَنَّهُ قَالَ: خَرَجْتُ إِلَى الطُّورِ، فَلَقِيتُ كَعْبَ الْأَحْبَارِ، فَجَلَسْتُ مَعَهُ، فَحَدَّثَنِي عَنِ التَّوْرَاةِ، وَحَدَّثْتُهُ عَنِ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ، فَكَانَ فِيمَا حَدَّثْتُهُ أَنْ قُلْتُ: إِنَّ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ قَالَ: «خَيْرُ يَوْمٍ طَلَعَتْ فِيهِ الشَّمْسُ يَوْمُ الْجُمُعَةِ، فِيهِ خُلِقَ آدَمُ، وَفِيهِ أُهْبِطَ، وَفِيهِ تِيبَ عَلَيْهِ، وَفِيهِ مَاتَ، وَفِيهِ تَقُومُ السَّاعَةُ، وَمَا مِنْ دَابَّةٍ إِلَّا وَهِيَ مُسِيخَةٌ يَوْمَ الْجُمُعَةِ مِنْ حِينِ تُصْبِحُ حَتَّى تَطْلُعَ الشَّمْسُ، شَفَقًا مِنَ السَّاعَةِ، إِلَّا الْجِنَّ وَالْإِنْسَ، وَفِيهَا سَاعَةٌ لَا يُصَادِفُهَا عَبْدٌ مُسْلِمٌ وَهُوَ يُصَلِّي، يَسْأَلُ اللَّهَ شَيْئًا إِلَّا أَعْطَاهُ إِيَّاهُ»، قَالَ كَعْبٌ: «ذَلِكَ فِي كُلِّ سَنَةٍ مَرَّةً» ، فَقُلْتُ: بَلْ هِيَ فِي كُلِّ جُمُعَةٍ، فَقَرَأَ كَعْبٌ التَّوْرَاةَ، فَقَالَ: «صَدَقَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ» ، قَالَ أَبُو هُرَيْرَةَ: ثُمَّ لَقِيتُ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ سَلَامٍ، فَحَدَّثْتُهُ بِمَجْلِسِي مَعَ كَعْبٍ، وَمَا حَدَّثْتُهُ فِي يَوْمِ الْجُمُعَةِ، فَقُلْتُ لَهُ: قَالَ كَعْبٌ: «ذَلِكَ فِي كُلِّ سَنَةٍ يَوْمٌ»، قَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ سَلَامٍ: كَذَبَ كَعْبٌ، ثُمَّ قَرَأَ كَعْبٌ التَّوْرَاةَ، فَقَالَ: «بَلْ هِيَ فِي كُلِّ جُمُعَةٍ» ، فَقَالَ: عَبْدُ اللَّهِ بْنُ سَلَامٍ صَدَقَ كَعْبٌ .
والطيالسي عن أَبِي زُرْعَةَ بْنِ عَمْرِو بْنِ جَرِيرٍ، قَالَ: كُنَّا عِنْدَ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو، فَجَاءَ رَجُلَانِ فَقَالَا: أَتَيْنَاكَ مِنْ عِنْدِ مَرْوَانَ، فَسَمِعْنَاهُ يَقُولُ: إِنَّ أَوَّلَ الْآيَاتِ خُرُوجًا خُرُوجُ الدَّجَّالِ فَقَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَمْرٍو: كَذَبَ مَرْوَانُ، لَقَدْ سَمِعْتُ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ حَدِيثًا مَا نَسِيتُهُ، سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ يَقُولُ: «إِنَّ أَوَّلَ الْآيَاتِ خُرُوجًا طُلُوعُ الشَّمْسِ مِنْ مَغْرِبِهَا .... الحديث .
وقوله كذب مروان ، أي: أخطأ وهذا واضح بين .
عبد الرزاق عَنْ مُوسَى بْنِ عُقْبَةَ قَالَ: سَأَلْتُ عَطَاءَ بْنَ أَبِي رَبَاحٍ: عَنِ الطَّوَافِ بَعْدَ الْعَصْرِ وَبَعْدَ الصُّبْحِ فَقَالَ: «رَأَيْتُ ابْنَ عُمَرَ طَافَ بَعْدَ الْفَجْرِ، ثُمَّ صَلَّى» قَالَ: مُوسَى فَأَتَيْتُ نَافِعًا فَأَخْبَرْتُهُ فَقَالَ: كَذَبَ عَطَاءٌ فَرَجَعْتُ إِلَى عَطَاءٍ فَأَخْبَرْتُهُ، فَقَالَ: لَقَدْ رَأَيْتُ ابْنَ عُمَرَ يَصْنَعُ ذَلِكَ قَبْلَ أَنْ يُسْبَى نَافِعٌ، قَالَ مُوسَى: فَأَتَيْتُ سَالِمَ بْنَ عَبْدِ اللَّهِ فَسَأَلْتُهُ، فَقَالَ: صَدَقَ عَطَاءٌ، «كَانَ ابْنُ عُمَرَ يَطُوفُ بَعْدَ الصُّبْحِ .
والمتتبع لمثل هذا يجده كثيراً مأثوراً من كلام العرب فهلا فهم هذا الجهول.
ذكر أيضاً: مسلم بن إبراهيم: عن الصلت بن دينار: سألت ابن سيرين، عن عكرمة، فقال: «ما يسوؤني أن يكون من أهل الجنة، ولكنه كذاب».
وهذا أيضاً ضعيف جداً، الصلت بن دينار : متروك الحديث، عَن أحمد بْن حنبل: متروك الحديث، ترك الناس حديثه، وقال ابن معين: ليس بشيء، وقال عمرو بن علي: كثير الغلط متروك الحديث، وَقَال أَبُو زُرْعَة: لين. وَقَال أبو حاتم: لين الحديث إلى الضعف، ما هو مضطرب الحديث.
فهو مما أجمعوا على ضعفه . ( انظر: تهذيب الكمال 13| 334 )
يزيدك يقيناً أنه لو كان عكرمة عندهم كذاب ما رووا عنه ولا أثنوا عليه، فإن أغلب من نقل عنه كلام في عكرمة رحمه الله قد روى عنه عن ابن عباس، أو قد صح عنه ثناءه عليه والاعتراف بعلمه، وهذا ما سنوضحه وننقله عن الأئمة حتى تنجلي هذا الشبهة التي رمى بها هذا المتغطرس، وحتى يعلم الناس أن البخاري رحمه الله ما كان ليروى إلا عن ثقة .
أقوال الأئمة في توثيق عكرمة رحمه الله
- عن عمرو بن دينار: دفع إلي جابر بن زيد مسائل، أسأل عكرمة، وجعل يقول: هذا عكرمة مولى ابن عباس، هذا البحر، فسلوه.
- عن عمرو بن دينار، سمع أبا الشعثاء يقول: هذا عكرمة مولى ابن عباس، هذا أعلم الناس.
- عن مغيرة بن مقسم: قيل لسعيد بن جبير: تعلم أحدا أعلم منك؟ قال: نعم، عكرمة.
- عن إسماعيل بن أبي خالد: سمعت الشعبي يقول: ما بقي أحد أعلم بكتاب الله من عكرمة.
- عن أيوب السختياني: اجتمع حفاظ ابن عباس فيهم سعيد بن جبير وعطاء وطاوس على عكرمة، فقعدوا فجلسوا يسألونه عن حديث ابن عباس، قال: وكلما حدثهم حديثا، قال سعيد بن جبير هكذا، فعقد ثلاثين، حتى سئل عن الحوت، فقال عكرمة: كان يسايرهما في ضحضاح من الماء فقال سعيد: أشهد على ابن عباس أنه قال كانا يحملانه في مكتل، فقال أيوب: أراه كان يقول القولين جميعا.
- شيبان بن عبد الرحمن، عن أبي إسحاق: سمعت سعيد بن جبير يقول: إنكم لتحدثون عن عكرمة بأحاديث لو كنت عنده ما حدث بها. قال: فجاء عكرمة فحدث بتلك الأحاديث كلها، قال: والقوم سكوت، فما تكلم سعيد، قال: ثم قام عكرمة، فقالوا: يا أبا عبد الله ما شأنك؟ قال: فعقد ثلاثين، وقال: أصاب الحديث.
- عن حبيب بن أبي ثابت: اجتمع عندي خمسة لا يجتمع عندي مثلهم أبدا: عطاء، وطاوس، ومجاهد، وسعيد بن جبير وعكرمة، فأقبل مجاهد وسعيد بن جبير يلقيان على عكرمة التفسير، فلم يسألاه عن آية إلا فسرها لهما، فلما نفد ما عندهما جعل يقول: أنزلت آية كذا في كذا، وأنزلت آية كذا في كذا .
- عن حبيب بن أبي ثابت: مر عكرمة بعطاء وسعيد بن جبير، فحدثهم، فلما قام، قلت لهما: تنكران مما حدث شيئا؟ قالا: لا.
- عن يحيى بن معين: حدثني من سمع حماد بن زيد يقول: سمعت أيوب وسئل عن عكرمة كيف هو؟ فقال أيوب: لو لم يكن عندي ثقة لم أكتب عنه.
- وعن ابن أبي حاتم سئل أبى عن عكرمة وسعيد ابن جبير أيهما اعلم بالتفسير؟ فقال أصحاب ابن عباس عيال على عكرمة.
- قال المروذي قلت لأحمد يحدث بأحاديث عكرمة فقال نعم يحتج به .
- وقال عثمان الدارمي قلت لابن معين فعكرمة أحب إليك عن بن عباس أو عبيد الله فقال كلاهما ولم يخير قلت فعكرمة أو سعيد بن جبير قال ثقة وثقة ولم يخير قال فسألته عن عكرمة بن خالد هو أصح حديثا أو عكرمة مولى بن عباس فقال كلاهما ثقة .
- وقال جعفر الطيالسي عن بن معين إذا رأيت إنسانا يقع في عكرمة وفي حماد بن سلمة فاتهمه على الإسلام .
- وقال يعقوب بن أبي شيبة عن بن المديني لم يكن في موالي بن عباس أغزر من عكرمة كان عكرمة من أهل العلم .
- وقال العجلي مكي تابعي ثقة بريء مما يرميه الناس من الحرورية .
- وقال البخاري ليس أحد من أصحابنا إلا وهو يحتج بعكرمة .
- وقال النسائي ثقة .
- قال الحافظ ابن عدي: وعكرمة لم أخرج هنا من حديثه شيئا؛ لأن الثقات إذا رووا عنه، فهو مستقيم الحديث، إلا أن يروي عنه ضعيف، فيكون قد أتي من قبل الضعيف، لا من قبله، ولم يمتنع الأئمة من الرواية عنه، وأصحاب الصحاح أدخلوا أحاديثه إذا روى عنه ثقة في صحاحهم، وهو أشهر من أن أحتاج أن أخرج له شيئا من حديثه، وهو لا بأس به.
- وذكره بن حبان في الثقات وقال كان من علماء زمانه بالفقه والقرآن وكان جابر بن زيد يقول عكرمة من أعلم الناس ولا يجب لمن شم رائحة العلم أن يعرج على قول يزيد بن أبي زياد يعني المتقدم لأن يزيد بن أبي زياد ليس ممن يحتج بنقل مثله لأن من المحال أن يجرح العدل بكلام المجروح.
- قال بن مندة في صحيحه أما حال عكرمة في نفسه فقد عدله أمة من نبلاء التابعين فمن بعدهم وحدثوا عنه واحتجوا بمفاريده في الصفات والسنن والأحكام روى عنه زهاء ثلاثمائة رجل من البلدان منهم زيادة على سبعين رجلا من خيار التابعين ورفعائهم وهذه منزلة لا تكاد توجد لكثير أحد من التابعين على أن من جرحه من الأئمة لم يمسك من الرواية عنه ولم يستغنوا عن حديثه وكان يتلقى حديثه بالقبول ويحتج به قرنا بعد قرن وإماما بعد إمام إلى وقت الأئمة الأربعة الذين اخرجوا الصحيح وميزوا ثابتة من سقيمه وخطأه من صوابه واخرجوا روايته وهم البخاري ومسلم وأبو داود والنسائي فأجمعوا على إخراج حديثه واحتجوا به على أن مسلما كان أسوأهم رأيا فيه وقد أخرج عنه مقرونا وعدله بعدما جرحه .
- قال أبو عبد الله محمد بن نصر المروزي قد أجمع عامة أهل العلم بالحديث على الاحتجاج بحديث عكرمة واتفق على ذلك رؤساء أهل العلم بالحديث من أهل عصرنا منهم أحمد بن حنبل وابن راهويه ويحيى بن معين وأبو ثور ولقد سألت إسحاق بن راهويه عن الاحتجاج بحديثه فقال عكرمة عندنا إمام الدنيا وتعجب من سؤالي إياه.
كل هذه النقول عن الأئمة الثقات لم يظهرها هذا الخبيث، ولم يتكلم بها وما ذلك إلا دليلاً على سوء قصده وقبح سريرته. نعوذ بالله من سوء القصد وقبح السريرة، ونسأله سبحانه أن يحينا على السنة، وأن يتوفانا على الملة، والحمد لله رب العالمين ، والصلاة والسلام على البشير النذير، وفي هذا ذكرى للذاكرين، وموعظة للمتقين، ومعذرة لرب العالمين .

كتبه
الفقير إلى رضا مولاه/أبو عمار محمد بن عبد الستار الفيديميني
مصر الفيوم - فيديمين