يقول الامام إبن حزم رحمه الله-: اختلف المتكلمون في معنى عبروا عنه بلفظالموافاةوهم أنهم قالوا فيإنسان مؤمن صالح مجتهد في العبادة ثم مات مرتدا كافراوآخر كافر متمردا وفاسق ثم مات مسلما تائبا كيف كان حكم كل واحد منهما قبل أن ينتقل إلى ما مات عليه عند الله تعالىفذهب هشام ابن عمرو والفوطي وجميع الأشعرية إلى أن الله عز و جل لم يزل راضيا عن الذي مات مسلما تائبا ولم يزل ساخط على الذي مات كافرا أو فاسقاواحتجوا في ذلك بأن الله عز و جل لا يتغير علمه ولا يرضى ما سخط ولا يسخط ما رضي وقالت الأشعرية الرضا من الله عز و جل لا يتغير منه تعالى صفات الذات لا يزولان ولا يتغيران .---------------------------يقول بن حزم رحمه الله: احتجاج الأشعريه هاهنا هو احتجاج اليهود في إبطال النسخ ولا فرقونحن نبين بطلان احتجاجهم وبطلان قولهم وبالله تعالى التوفيقفنقول وبالله عز و جل نتأيد أما قولهم عن علم الله عز و جل لا يتغير فصحيح ولكن معلوماته تتغير ولم نقل أن علمه يتغير ومعاذ الله من هذا ولم يزل علمه تعالى واحدا يعلم كل شيء على تصرفه في جميع حالاته فلم يزل يعلم أن زيدا سيكون صغيرا ثم شابا ثم كهلا ثم شيخا ثم ميتا ثم مبعوثا ثم في الجنة أو في النار ولم يزل يعلم أنه سيؤمن ثم يكفر أو أنه يكفر ثم يؤمن أو أنه يكفر ولا يؤمن أو أنه يؤمن ولا يكفر وكذلك القول في الفسق والصلاح ومعلوماته تعالى في ذلك متغيرة مختلفة ومن كابر هذا فقد كابر العيان والمشاهدات وأما قولهم أن الله تعالى لا يسخط ما رضي ولا يرضى ما سخط فباطل وكذب بل قد أمر الله تعالى اليهود بصيانة السبت وتحريم الشحوم ورضي لهم ذلك وسخط منهم خلافه وكذلك أحل لنا الخمر ولم يلزمنا الصلاة ولا الصوم برهة من زمن الإسلام ورضي لنا شرب الخمر وأكل رمضان والبقاء بلا صلاة وسخط تعالى بلا شك المبادرة بتحريم ذلك كما قال تعالى ولا تعجل بالقرآن من قبل أن يقضي إليك وحيه ثم فرض علينا الصلاة والصوم وحرم علينا الخمر فسخط لنا ترك الصلاة وأكل رمضان وشرب الخمر ورضي لنا خلاف ذلك ,وهذا لا ينكره مسلم ولم يزل الله تعالى عليما أنه سيحل ما كان أحل من ذلك مدة كذا وأنه سيرضى منه ثم أنه سيحرمه ويسخطه وأنه سيحرم ما حرم من ذلك ويسخطه مدة ثم أنه يحله ويرضاه كما علم عز و جل أنه سيحي من أحياه مدة كذا وأنه يعز من أعزه مدة ثم يذلهوهكذا جميع ما في العالم من آثار صنعته عز و جل لا يخفى ذلك على من له أدنى حسوهكذا المؤمن يموت مرتدا والكافر يموت مسلما فإن الله تعالى لم يزل يعلم أنه سيسخطه فعل الكافر ما دام كافرا ثم أنه يرضى عنه إذا أسلم وأن الله تعالى لم يزل يعلم أنه يرضى عن أفعال المسلم وأفعال البر ثم أنه يسخط أفعاله إذا ارتد أو فسقونص القرآن يشهد بذلك قال تعالى{ولا يرضى لعباده الكفر وأن تشكروا يرضه لكم} فصح يقينا أن الله تعالى يرضى الشكر ممن شكره فيما شكره ولا يرضى الكفر ممن كفر إذا كفر متى كفر كيف كان انتقال هذه الأحوال من الإنسان الواحدوقوله تعالى { ومن يرتد منكم عن دينه فيمت وهو كافر فأولئك حبطت أعمالهم } فالبضرورة يدري كل ذي حس سليم أن لا يمكن أن يحبط عمل إلا وقد كان غير حابط ومن المحال أن يحبط عمل لم يكن محسوبا قط فصح أن عمل المؤمن الذي ارتد ثم مات كافر أنه كان محسوبا ثم حبط إذا ارتد وكذلك قال تعالى { يمحوا الله ما يشاء ويثبت وعنده أم الكتاب} فصح أنه لا يمحو إلا ما كان قد كتبه ومن المحال أن يمحي ما لم يكن مكتوبا وهذا بطلان قولهم يقينا ولله الحمدوكذلك نص قوله تعالى{ أولئك يبدل الله سيئاتهم حسنات} فهذا نص قولنا وبطلان قولهم لأن الله تعالى سمى أفعالهم الماضية سيئات والسيئات مذمومة عنده تعالى بلا شك ثم أخبر تعالى أنه أحالها وبدلها حسنات مرضية فمن أنكر هذا فهو مكذب لله تعالى والله تعالى مكذب له وكذلك قال الله تعالى أنه سخط أكل آدم من الشجرة وذهاب يونس مغاضبا ثم أخبر عز و جل أنه تاب عليهما واجتبى يونس بعد أن لامه ولا يشك كل ذي عقل أن اللائمة غير الاجتباء .[الفصل في الملل والنحل-4-50]---------------------------------------------------------------------