قال شيخ الاسلام محمد بن عبد الوهاب-- لا إله إلا الله، هي: العروة الوثقى؛ وهي: كلمة التقوى؛ وهي: الحنيفية، ملة إبراهيم؛ وهي: التي جعلها الله عزَّ وجلَّ، كلمة باقية في عقبه؛ وهي: التي خلقت لأجلها المخلوقات؛ وبها قامت الأرض والسماوات؛ ولأجلها أرسلت الرسل، وأنزلت الكتب؛ قال الله تعالى: (وما خلقت الجن والإنس إلا ليعبدون) [الذاريات: 56] وقال تعالى: (ولقد بعثنا في كل أمة رسولاً أن اعبدوا الله واجتنبوا الطاغوت) [النحل: 36] والمراد: معنى هذه الكلمة؛ وأما: التلفظ باللسان، مع الجهل بمعناها، فلا ينفع؛ فإن المنافقين يقولونها، وهم تحت الكفار، في الدرك الأسفل من النار -
فاعلم: أن معنى هذه الكلمة: نفي الإلهية عما سوى الله تبارك وتعالى، وإثباتها لله وحده، لا شريك له، ليس فيها حق لغيره، وإثباتها كلها لله وحده، لا شريك له، ليس فيها حق لغيره، لا لملك مقرب، ولا لنبي مرسل، كما قال تعالى: (إن كل من في السموات والأرض إلا آت الرحمن عبداً، لقد أحصاهم وعدهم عدا، وكلهم آتيه يوم القيامة فرداً) [مريم: 93 – 95] وقال تعالى: (يوم يقوم
الروح والملائكة صفاً لا يتكلمون إلا من أذن له الرحمن وقال صواباً) [النبأ: 38] وقال تعالى: (يوم تأتي كل نفس تجادل عن نفسها) الآية [النحل: 111]
فإذا قيل: لا خالق إلا الله، فهذا معروف، لا يخلق الخلق إلا الله، لا يشاركه في ذلك ملك مقرب، ولا نبي مرسل؛ وإذا قيل: لا يرزق إلا الله، فكذلك؛ فإذا قيل: لا إله إلا الله، فكذلك؛ فتفكر رحمك الله، في هذا، واسأل عن معنى الإله، كما تسأل عن معنى الخالق، والرازق
واعلم: أن معنى الإله، هو: المعبود؛ هذا هو تفسير هذه اللفظة، بإجماع أهل العلم، فمن عبد شيئاً، فقد اتخذه إلهاً من دون الله، وجميع ذلك باطل، إلا إله واحد، وهو: الله وحده، تبارك وتعالى، علوا كبيراً
والعبادة: أنواع كثيرة؛ لكني أمثلها بأنواع ظاهرة، لا تنكر، من ذلك: السجود؛ فلا يجوز لعبد، أن يضع وجهه على الأرض، ساجداً، إلا لله وحده، لا شريك له، لا لملك مقرب، ولا لنبي مرسل، ولا لولي
ومن ذلك: الذبح؛ فلا يجوز لأحد، أن يذبح إلا لله وحده؛ كما قرن الله بينهما في القرآن، في قوله تعالى: (قل إن صلاتي ونسكي ومحياي ومماتي لله رب العالمين، لا شريك له) [الأنعام: 162 – 163] والنسك، هو: الذبح؛ وقال: (فصلِ لربك وانحر) [الكوثر: 2] فتفطن لهذا،
و اعلم: أن من ذبح لغير الله، من جنى، أو قبر، فكما لو سجد له؛ وقد لعنه رسول الله في الحديث الصحيح، قال: " لعن الله من ذبح لغير الله ".
ومن أنواع العبادة: الدعاء؛ كما كان المؤمنون، يدعون الله وحده، ليلاً، ونهاراً، في الشدة، والرخاء؛ لا يشك أحد، أن هذا من أنواع العبادة؛ فتفكر ـ رحمك الله ـ فيما حدث في الناس اليوم، من دعاء غير الله، في الشدة، والرخاء؛ هذا: يريد سفراً، فيأتي عند قبر، أو غيره، فيدخل عليه بما له، عمن ينهبه؛ وهذا تلحقه: الشدة، في البر، أو البحر؛ فيستغيث بعبد القادر، أو شمسان، أو نبي من الأنبياء، أو ولي من الأولياء، أن ينجيه من هذه الشدة.
فيقال لهذا الجاهل: إن كنت تعرف، أن الإله، هو: المعبود؛ وتعرف: أن الدعاء من العبادة؛ فكيف تدعو مخلوقاً، ميتاً، عاجزاً ؟ ! وتترك: الحي، القّيوم، الحاضر، الرؤف، الرحيم، القدير ؟ ! فقد يقول ـ هذا المشرك ـ إن الأمر بيد الله، ولكن هذا العبد الصالح، يشفع لي عند الله، وتنفعني شفاعته، وجاهه؛ ويظن أن ذلك: يسلمه من الشرك.
فيقال لهذا الجاهل: المشركون، عباد الأصنام، الذين قاتلهم رسول الله وغنم أموالهم، وأبناءهم، ونساءهم، كلهم يعتقدون: أن الله هو النافع، الضار، الذي يدبر الأمر، وإنما أرادوا: ما أردت، من الشفاعة عند الله، كما قال
تعالى: (ويعبدون من دون الله ما لا يضرهم ولا ينفعهم ويقولون هؤلاء شفعاؤنا عند الله) [يونس: 18] وقال تعالى: (والذين اتخذوا من دونه أولياء ما نعبدهم إلا ليقربونا إلى الله زلفى) [الزمر: 3] وإلا فهم يعترفون: بأن الله، هو الخالق، الرازق، النافع الضار، كما أخبر الله عنهم، بقوله: (قل من يرزقكم من السماء والأرض أمن يملك السمع والأبصار ومن يخرج الحي من الميت ويخرج الميت من الحي ومن يدير الأمر فسيقولون الله فقل أفلا تتقون) [يونس: 31].