تابعونا على المجلس العلمي على Facebook المجلس العلمي على Twitter
الدكتور سعد بن عبد الله الحميد


صفحة 8 من 8 الأولىالأولى 12345678
النتائج 141 إلى 153 من 153

الموضوع: قصص الملائكة

  1. #141
    تاريخ التسجيل
    Jan 2008
    الدولة
    مصر
    المشاركات
    1,396

    افتراضي رد: قصص الملائكة

    [فصل]


    [التوفيق بين ما ظاهره التعارض من هذه الأحاديث]



    تقدم في بعض الروايات:
    أن عائشة رضي الله عنهـا لما سألت النبي صلى الله عليه وسلم عن فتنة عذاب القبر
    قال: "فأما فتنة القبر فبي تفتنون وعنى تسألون.."
    فهذا معناه أنه صلى الله عليه وسلم كان على علم بذلك.




    وجاء فى الرواية الأخرى: فارتاع رسول الله صلى الله عليه وسلم وقال: "إنما تفتن يهود."


    وأصرح من ذلك قوله صلى الله عليه وسلم: "لا عذاب دون يوم القيامة."


    فظاهر أن بين هذه الروايات مخالَفَةً؛ إذ إنه صلى الله عليه وسلم أنكر على اليهودية في الروايتين الأخيرتين وأقرها في الأولى.


    وقد أجاب الإمام النووي تبعا للإمام الطحاوي وغيره بأنهما قصتان فأنكر النبي صلى الله عليه وسلم قول اليهودية في القصة الأولى
    ثم أُعْلَمَ بذلك ولم يُعْلِمْ عائشةَ
    فجاءت اليهودية مرة فذكرت لها ذلك فأنكرت عليها مستندة إلى الإنكار الأول فأعلمها النبي صلى الله عليه وسلم بأن الوحي نزل بإثباته.[1]









    [1] انظر مسلم بشرح النووى ( 3 / 5 / 71 ) وفتح البارى ( 3 / 281 )

  2. #142
    تاريخ التسجيل
    Jan 2008
    الدولة
    مصر
    المشاركات
    1,396

    افتراضي رد: قصص الملائكة

    [فصل]


    [السؤال في القبر يكون للمسلمين والمنافقين والكافرين]



    اعلم أن السؤال في القبر يكون للمؤمنين والمنافقين والكافرين وإلى هذا ذهب جمهور علماء المسلمين.


    وخالف في ذلك ابن عبد البر حيث قال[1]: الآثار الثابتة تدل على أن الفتنة في القبر لا تكون إلا لمؤمن أو منافق ممن كان منسوبا إلى أهل القبلة ودين الإسلام من حقن دمه بظاهر الشهادة.


    وأما الكافر الجاحد المبطل فليس ممن يسأل عن ربه ودينه ونبيه وإنما يسأل عن هذا أهل الإسلام، والله أعلم، فيثبت الله الذين آمنوا بالقول الثابت ويرتاب المبطلون.




    قال أبو محمد عبد الحق: واعلم أن عذاب القبر ليس مختصا بالكافرين ولا موقوفا على المنافقين بل يشاركهم فيه طائفة من المؤمنين وكل على حاله من عمله وما استوجبه من خطيئته وزَلَـلِـهِ.


    وقال الإمام القرطبي[2]: إن الأحاديث التي ذكرناها من قبل تدل على أن الكافر يسأله الملكان ويختبرانه بالسؤال ويضرب بمطارق من حديد. والله أعلم.


    قلت: وقد تقدم الدليل على إثبات سؤال القبر من الكتاب والسنة
    وذكرنا من الأحاديث الثابتة ما يدل على أن الكافر يسأل ويعذب في قبره فمن ذلك:
    - عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ قَالَ: إِنَّ نَبِيَّ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم دَخَلَ نَخْلًا لِبَنِي النَّجَّارِ فَسَمِعَ صَوْتًا فَفَزِعَ فَقَالَ: "مَنْ أَصْحَابُ هَذِهِ الْقُبُورِ؟"
    قَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ نَاسٌ مَاتُوا فِي الْجَاهِلِيَّةِ .
    فَقَالَ: "تَعَوَّذُوا بِاللَّهِ مِنْ عَذَابِ النَّارِ وَمِنْ فِتْنَةِ الدَّجَّالِ"
    قَالُوا وَمِمَّ ذَاكَ يَا رَسُولَ اللَّهِ؟
    قَالَ: "إِنَّ الْمُؤْمِنَ إِذَا وُضِعَ فِي قَبْرِهِ أَتَاهُ مَلَكٌ فَيَقُولُ لَهُ: مَا كُنْتَ تَعْبُدُ؟
    فَإِنِ اللَّهُ هَدَاهُ قَالَ: كُنْتُ أَعْبُدُ اللَّهَ.
    فَيُقَالُ لَهُ: مَا كُنْتَ تَقُولُ فِي هَذَا الرَّجُلِ؟
    فَيَقُولُ: هُوَ عَبْدُ اللَّهِ وَرَسُولُهُ.
    فَمَا يُسْأَلُ عَنْ شَيْءٍ غَيْرِهَا.
    فَيُنْطَلَقُ بِهِ إِلَى بَيْتٍ كَانَ لَهُ فِي النَّارِ فَيُقَالُ لَهُ: هَذَا بَيْتُكَ كَانَ لَكَ فِي النَّارِ وَلَكِنَّ اللَّهَ عَصَمَكَ وَرَحِمَكَ فَأَبْدَلَكَ بِهِ بَيْتًا فِي الْجَنَّةِ.
    فَيَقُولُ دَعُونِي حَتَّى أَذْهَبَ فَأُبَشِّرَ أَهْلِي.
    فَيُقَالُ لَهُ: اسْكُنْ.
    وَإِنَّ الْكَافِرَ إِذَا وُضِعَ فِي قَبْرِهِ أَتَاهُ مَلَكٌ فَيَنْتَهِرُهُ فَيَقُولُ لَهُ: مَا كُنْتَ تَعْبُدُ؟
    فَيَقُولُ: لَا أَدْرِي.
    فَيُقَالُ لَهُ: لَا دَرَيْتَ[3] وَلَا تَلَيْتَ.[4]
    فَيُقَالُ لَهُ: فَمَا كُنْتَ تَقُولُ فِي هَذَا الرَّجُلِ؟
    فَيَقُولُ: كُنْتُ أَقُولُ مَا يَقُولُ النَّاسُ.
    فَيَضْرِبُهُ بِمِطْرَاقٍ مِنْ حَدِيدٍ بَيْنَ أُذُنَيْهِ، فَيَصِيحُ صَيْحَةً يَسْمَعُهَا الْخَلْقُ غَيْرُ الثَّقَلَيْنِ
    ."[5]


    وقول أبى عمر ابن عبد البر – رحمه الله تعالى –: وأما الكافر الجاحد فليس ممن يسأل عن ربه ودينه ونبيه.
    فيقال له: ليس كذلك بل هو من جملة المسئولين وأولى بالسؤال من غيره.


    وقد أخبر الله في كتابه أنه يسأل الكافر يوم القيامة: {وَيَوْمَ يُنَادِيهِمْ فَيَقُولُ مَاذَا أَجَبْتُمُ الْمُرْسَلِينَ} [القصص: 65]
    وقال تعالى: {فَلَنَسْأَلَنَّ الَّذِينَ أُرْسِلَ إِلَيْهِمْ وَلَنَسْأَلَنَّ الْمُرْسَلِينَ} [الأعراف: 6]
    وقال تعالى: {فَوَرَبِّكَ لَنَسْأَلَنَّهُ مْ أَجْمَعِيْنَ عَمَّا كَانُوا يَعْمَلُونَ} [الحجر: 92 - 93]
    فإذا كان الكافر يسأل يوم القيامة فما المانع من سؤاله في القبر؟
    خاصة وقد ثبت بما تقدم من الأحاديث الصحيحة سؤالهم؛
    فليس لما ذكره أبو عمر – رحمه الله تعالى – وجه.
    والله أعلم.







    [1] التمهيد لابن عبد البر: 22 / 252


    [2] التذكرة: 127


    [3] لا دريتَ: دعاء عليه والمعنى لا كنت داريا فلا توفق في هذا الموقف ولا تنتفع بما كنت تسمع أو تقرأ.


    [4] ولا تليت: أي قرأتَ أصلها تلوت بالواو، أي لم تدر ولم تتل القرآن فلم تنتفع بدرايتك ولا تلاوتك.
    وقيل تليتَ: أي تبعت من حَقَّق الأمر على وجهه.


    [5] صحيح: تقدم

  3. #143
    تاريخ التسجيل
    May 2013
    المشاركات
    1,056

    افتراضي رد: قصص الملائكة

    اقتباس المشاركة الأصلية كتبت بواسطة د:ابراهيم الشناوى مشاهدة المشاركة
    [فصل]


    [التوفيق بين ما ظاهره التعارض من هذه الأحاديث]

    تقدم في بعض الروايات:
    أن عائشة رضي الله عنهـا لما سألت النبي صلى الله عليه وسلم عن فتنة عذاب القبر
    قال: "فأما فتنة القبر فبي تفتنون وعنى تسألون.."
    فهذا معناه أنه صلى الله عليه وسلم كان على علم بذلك.
    وجاء فى الرواية الأخرى: فارتاع رسول الله صلى الله عليه وسلم وقال: "إنما تفتن يهود."
    وأصرح من ذلك قوله صلى الله عليه وسلم: "لا عذاب دون يوم القيامة."
    فظاهر أن بين هذه الروايات مخالَفَةً؛ إذ إنه صلى الله عليه وسلم أنكر على اليهودية في الروايتين الأخيرتين وأقرها في الأولى.
    وقد أجاب الإمام النووي تبعا للإمام الطحاوي وغيره بأنهما قصتان فأنكر النبي صلى الله عليه وسلم قول اليهودية في القصة الأولى
    ثم أُعْلَمَ بذلك ولم يُعْلِمْ عائشةَ
    فجاءت اليهودية مرة فذكرت لها ذلك فأنكرت عليها مستندة إلى الإنكار الأول فأعلمها النبي صلى الله عليه وسلم بأن الوحي نزل بإثباته.[1]


    [1] انظر مسلم بشرح النووى ( 3 / 5 / 71 ) وفتح البارى ( 3 / 281 )
    عن عروة بن الزبير ، أن عائشة قالت : دخل علي رسول الله صلى الله عليه وسلم وعندي امرأة من اليهود ، وهي تقول : هل شعرت أنكم تفتنون في القبور ؟ قالت : فارتاع رسول الله صلى الله عليه وسلم وقال : " إنما تفتن يهود " قالت عائشة : فلبثنا ليالي ، ثم قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " هل شعرت أنه أوحي إلي أنكم تفتنون في القبور ؟ " قالت عائشة : " فسمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم ، بعد يستعيذ من عذاب القبر " *صحيح مسلم - كتاب المساجد ومواضع الصلاة

  4. #144
    تاريخ التسجيل
    Jan 2008
    الدولة
    مصر
    المشاركات
    1,396

    افتراضي رد: قصص الملائكة

    [فصل]
    [هل يُسْأَلُ الأطفال فى قبورهم]

    اختلف العلماء فى هذه المسألة على قولين:
    أحدهما: أنهم يسألون فى قبورهم كالبالغين.
    قالوا: إن العقل يكمل لهم ليعرفوا بذلك منزلتهم وسعادتهم ويلهمون الجواب عما يسألون.
    وممن ذهب إلى هذا الرأى الإمام القرطبى فى التذكرة(1).


    أدلتهم: قالوا: هذا ما تقتضيه ظواهر الأخبار ومنها:
    عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيَّبِ عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ رضي الله عنه: أَنَّهُ صَلَّى عَلَى الْمَنْفُوسِ، ثُمَّ قَالَ: اللَّهُمَّ أَعِذْهُ مِنْ عَذَابِ الْقَبْرِ(2).
    وفى لفظ عن سعيد بن المسيب قال: رأيت أبا هريرة يُصَلِّي على المنفوس الذي لم يعمل خطيئة قط فيقول: اللهم أعذه من عذاب القبر.


    قال السيوطي: قال الباجي: يحتمل أن يكون أبو هريرة اعتقده لشيء سمعه من النبي صلى الله عليه وسلم أن عذاب القبر أمر عام في الصغير والكبير وأن الفتنة فيه لا تسقط عن الصغير لعدم التكليف في الدنيا(3). ا.هـ
    قالوا: وقد دل على ذلك الأحاديث الكثيرة التي فيها أنهم يمتحنون في الآخرة وحكاه الأشعري عن أهل الحديث والسنة. قالوا: فإذا امتحنوا في الآخرة لم يمتنع امتحانهم في القبور.


    ثانيهما: أن السؤال يختص بمن كان مكلفا بخلاف الأطفال.
    وبه جزم الجلال السيوطي وغيره.
    قالوا: كيف يقال للطفل الذي لا تمييز له بوجه ما: ما كنت تقول في هذا الرجل الذى بعث فيكم؟!
    ولو رُدَّ إليه عقله في القبر فإنه لا يسأل عما لم يتمكن من معرفته والعلم به، ولا فائدة في هذا السؤال.
    وهذا بخلاف امتحانهم في الآخرة؛ فإن ذلك امتحان بأمر يأمرهم به ويفعلونه ذلك الوقت، فمن أطاعه نجا، ومن عصاه دخل النار.
    قالوا: وأما حديث أبى هريرة فليس المراد بعذاب القبر فيه عقوبة الطفل على ترك طاعة أو فعل معصية قطعا؛ فإن الله لا يعذب أحدا بلا ذنب عمله، بل عذاب القبر قد يراد به الألم الذى يحصل للميت بسبب غيره وإن لم يكن عقوبة على عمله هذا، كقوله صلى الله عليه وسلم: "السفر قطعة من العذاب" فالعذاب أعم من العقوبة، ولا ريب أن فى القبر من الآلام والهموم والحسرات ما قد يسرى أثره إلى الطفل فيتألم به فيشرع للمصلي عليه أن يسأل الله تعالى أن يقيه ذلك العذاب.


    أقول: حديثنا عن سؤال القبر وفتنته وليس عن عذاب القبر غير أنه مَنْ لا يُسْأَلُ في قبره لا يعذب.
    وأما الترجيح فالظاهر أن الأدلة مع الرأي الأول.
    والله أعلم.



    ______________________________ ______
    (1) التذكرة: 111.
    (2) صحيح موقوفا: رواه مالك في الموطأ (1 / 227 / تنوير الحوالك ) والبيهقي في الكبرى ( 6793 ) وعبد الرزاق في المصنف ( 6610 ) و هناد بن السرى في الزهد ( 351 )
    (3) تنوير الحوالك شرح على موطأ مالك: 1 / 227 - 228.

  5. #145
    تاريخ التسجيل
    Jan 2008
    الدولة
    مصر
    المشاركات
    1,396

    افتراضي رد: قصص الملائكة

    [فصل]



    كيف يسأل الملكان جميع الموتى في وقت واحد مع اختلاف الأماكن وتباعد القبور؟


    قلت: هذا ليس بأعجب من حال ملك الموت وقبضه جميع أرواح من حانت وفاته في وقت واحد وفى أماكن مختلفة بعضها بالمشرق وبعضها بالمغرب وقد تقدم الجواب عن ذلك فراجعه هناك.


    وأجاب القرطبي عن ذلك بقوله: ما جرى ذكره في الخبر من عِظَمِ جثتيهما فيخاطبان الخلق الكثير الذين في الجهة الواحدة منهم في المرة الواحدة مخاطبة واحدة يخيل لكل واحد أن المخاطب هو دون سواه ويمنع الله سمعه من مخاطبة الموتى لهما ويسمع هو مخاطبتهما أن لو كانوا معه في قبر واحد وقد تقدم أن عذاب القبر يسمعه كل شيء إلا الثقلين، والله - سبحانه وتعالى - يسمع من يشاء وهو على كل شيء قدير.[1]




    وذهب السيوطي والحليمي إلى احتمال تعدد الملائكة المعدة لذلك.
    قال الحليمي: والذى يشبه أن يكون ملائكة السؤال جماعة كثيرة ويسمى بعضهم منكرا وبعضهم نكيرا فيبعث إلى كل ميت اثنان منهم. والله أعلم.




    قلت: بل الظاهر أنهما اثنان فقط كما أن ملك الموت واحد فقط وليس متعددا لكل ميت ملك فهذا لم يقل به أحد فكذلك الحال مع فتانَىْ القبر: منكرٍ ونكير،
    والله أعلم.





    _____________________


    [1] التذكرة: 114

  6. #146
    تاريخ التسجيل
    Jan 2008
    الدولة
    مصر
    المشاركات
    1,396

    افتراضي رد: قصص الملائكة

    [فصل]



    جاء في حديث أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ رضي الله عنه أَنَّ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ: "إِنَّ الْعَبْدَ إِذَا وُضِعَ فِي قَبْرِهِ، وَتَوَلَّى عَنْهُ أَصْحَابُهُ، وَإِنَّهُ لَيَسْمَعُ قَرْعَ نِعَالِهِمْ، أَتَاهُ مَلَكَانِ، فَيُقعِدَانِهِ..."[1]




    وفى حديث أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: "إِذَا قُبِرَ الْمَيِّتُ أَوْ قَالَ أَحَدُكُمْ أَتَاهُ مَلَكَانِ أَسْوَدَانِ أَزْرَقَانِ يُقَالُ لِأَحَدِهِمَا الْمُنْكَرُ وَالْآخَرُ النَّكِيرُ..."[2]


    إلى غير ذلك من الأحاديث التي تدل على أن السائل في القبر ملكان اثنان هما منكر ونكير.


    ولكن جاء في حديث أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ أن رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ: "... إِنَّ الْمُؤْمِنَ إِذَا وُضِعَ فِي قَبْرِهِ أَتَاهُ مَلَكٌ..."
    وفيه: "... وَإِنَّ الْكَافِرَ إِذَا وُضِعَ فِي قَبْرِهِ أَتَاهُ مَلَكٌ فَيَنْتَهِرُهُ..."[3]


    فقد ذكر في هذا الحديث أن السائل ملك واحد وليس ملكان كما في الأحاديث السابقة.


    والجواب على ذلك من وجهين:


    أحدهما: أن الملكين يأتيانه جميعا ويكون السائل أحدهما فيكون الراوي قد اقتصر على ذكر الملك السائل فقط؛ فإن الراوي لم ينف وجود الملك الآخر ولم يقل إنه لا يأتيه إلى قبره إلا ملك واحد.


    ثانيهما: أن ذلك يختلف باختلاف أحوال الناس:
    - فمن الناس من يأتيه الملكان ويسألانه جميعا لتكون الفتنة في حقه أشد وأعظم،
    - ومنهم من يأتيه ملك واحد فيكون ذلك أخف عليه في السؤال وأقل في المراجعة والعتاب، وذلك لما عمله من صالح الأعمال.


    - وكذلك الأمر بالنسبة للكافر فإن الكفر دركات فليس من ادعى الألوهية كمثل من كان يصل رحمه ويعفو عمن ظلمه،
    وإن كانا جميعا كافرين مستحقين التخليد في النار ولكن ليس عذاب هذا كعذاب ذلك.


    وكذلك لا يمتنع أن تكون فتنة القبر أشد في حق الأول وأخف في حق الثاني. فتأمل.
    والله أعلم.





    __________________________


    [1] صحيح: تقدم تخريجه وانظر اللؤلؤ والمرجان (1824)


    [2] صحيح لغيره: تقدم تخريجه


    [3] صحيح: تقدم تخريجه

  7. #147
    تاريخ التسجيل
    Jan 2008
    الدولة
    مصر
    المشاركات
    1,396

    افتراضي رد: قصص الملائكة

    [فصل]

    اختلفت الأحاديث في كيفية السؤال والجوب: فمن الناس من يسأل عن بعض اعتقاداته ومنهم من يسأل عنها كلها.
    قال ابن عباس: يسألون عن الشهادتين.
    وقال عكرمة: يسألون عن الإيمان بمحمد صلى الله عليه وسلم.


    والجواب على ذلك أن نقول:
    كما ذكر في الفصل قبله من أنه يجوز أن يكون بعض الرواة اقتصر على ذكر بعض السؤال، وذَكَرَهُ غيرُه كاملا فيكون الإنسان مسئولا عن الجميع.


    ووجه آخر: وهو أنه يجوز أن يختلف السؤال باختلاف أحوال الناس: فمنهم يسأل عن بعض اعتقاداته ومنهم من يسأل عنها كلها.
    والله أعلم.

  8. #148
    تاريخ التسجيل
    Jun 2022
    المشاركات
    2,228

    افتراضي رد: قصص الملائكة

    فظاهر أن بين هذه الروايات مخالَفَةً؛ إذ إنه صلى الله عليه وسلم أنكر على اليهودية في الروايتين الأخيرتين وأقرها في الأولى.


    وقد أجاب الإمام النووي تبعا للإمام الطحاوي وغيره بأنهما قصتان فأنكر النبي صلى الله عليه وسلم قول اليهودية في القصة الأولى
    ثم أُعْلَمَ بذلك ولم يُعْلِمْ عائشةَ
    فجاءت اليهودية مرة فذكرت لها ذلك فأنكرت عليها مستندة إلى الإنكار الأول فأعلمها النبي صلى الله عليه وسلم بأن الوحي نزل بإثباته.[1]
    هذا الكلام باطل وغير صحيح أخي . .
    فلا تضيعكم قصور أو ضعف بعض الرواة . . ونحذر "تغفيل" رسول الله صلى الله عليه وسلم . .حيث أنه (إن هو إلا وحي يوحى)
    . .
    ولاشك في خطأ هؤلاء الجهال الطحاوي و النووي . . والغالب عليهم الخطأ . .
    لعلك تقرأ مشكل الآثار للطحاوي لترى التعسف . . وكأنه لايفهم الابجديات وهو أن هناك روايات لم تأت على وجهها وويات صحيحة . . كل شيء عنده صحيح !!
    والنووي الذي يذكر في الأصول!! وقال بعض أصحابنا "الله يحب المعاصي" . . هذا يرمى قوله . .
    بل يكفيك شرحه لصحيح مسلم . . كل صفحتين يوجد طامة!
    . .

  9. #149
    تاريخ التسجيل
    Jun 2022
    المشاركات
    2,228

    افتراضي رد: قصص الملائكة

    اتهموا الشيوخ ولا تلزمون الغفلة أو التعارض أو الجهل لرسول الله صلى الله عليه وسلم . .
    والنووي وغيره لو كان عل درب العلماء . .لسلم . . ولكن يحتهدون فيأمر هم ليسوا لها اهلاً !!
    !
    . .

  10. #150
    تاريخ التسجيل
    Jan 2008
    الدولة
    مصر
    المشاركات
    1,396

    افتراضي رد: قصص الملائكة

    [فصل]

    هل السؤال للروح والبدن؟ أو لأحدهما؟


    فيها ثلاثة أقوال:


    أحدها: أن السؤال للبدن بلا روح.
    وقد ذهب إليه ابن جرير وجماعة من الكرامية وقد أنكر الجمهور ذلك.


    ثانيها: أن السؤال للروح بلا بدن.
    وهو قول ابن هبيرة وابن حزم.


    قال ابن تيمية: وكلاهما غلط، والأحاديث الصحيحة ترده؛ ولو كان ذلك على الروح فقط لم يكن للقبر بالروح اختصاص.


    ثالثها: أن السؤال للروح والبدن جميعا.
    وهو قول أهل السنة والحديث
    والأحاديث الصحيحة تدل على عود الروح إلى البدن وقت السؤال كما في حديث البراء المشهور وقد تقدم.


    وقال ابن القيم: وهذا عود غير التعلق الذى كان في الدنيا بالبدن، وهو نوع آخر غير تعلقها به حال النوم، وغير تعلقها به وهى فى مقرها، بل هو عود خاص للمسائله.[1]


    وقال أيضا: والروح لا تزال متعلقة ببدنها وإن بلى وتمزق. والروح لها بالبدن خمسة أنواع من التعلق متغايرة الأحكام:


    أحدها: تعلقها به فى بطن الأم جنينا.


    الثاني: تعلقها به بعد خروجه إلى الحياة.


    الثالث: تعلقها به في حال النوم فلها به تعلق من وجه ومفارقة من وجه.


    الرابع: تعلقها به في البرزخ، فإنها وإن فارقته وتجردت عنه فإنها لم تفارقه فراقا كليا؛ فإنه قد ورد أنه يسمع خفق نعالهم حين يولون عنه. وهذا الرد إعادة خاصة لا يوجب حياة البدن قبل يوم القيامة.


    الخامس: تعلقها به يوم بعث الأجساد، وهو أكمل أنواع التعلق ؛ إذ هو تعلق لا يقبل معه البدن موتا ولا نوما ولا فسادا.[2]



    __________________________
    [1] الروح: 63


    [2] السابق: 54

  11. #151
    تاريخ التسجيل
    Jan 2008
    الدولة
    مصر
    المشاركات
    1,396

    افتراضي رد: قصص الملائكة

    [فصل]



    سؤال القبر لكل من مات قُبِرَ أم لم يُقْبَر


    اعلم -رحمك الله- أن كل من مات جاءه الملكان يسألانه إلا المستثنى من ذلك
    سواء قبر الميت؟ أم لم يقبر؟
    وسواء أكلته السباع؟ أم حُرِّقَ وذُرِّى في الرياح؟
    والله على كل شيء قدير.


    فعَنْ أَبِي سَعِيدٍ: عَنْ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم أَنَّهُ ذَكَرَ رَجُلًا فِيمَنْ سَلَفَ أَوْ فِيمَنْ كَانَ قَبْلَكُمْ قَالَ كَلِمَةً: يَعْنِي: "أَعْطَاهُ اللَّهُ مَالًا وَوَلَدًا فَلَمَّا حَضَرَتْ الْوَفَاةُ قَالَ لِبَنِيهِ أَيَّ أَبٍ كُنْتُ لَكُمْ؟
    قَالُوا خَيْرَ أَبٍ
    قَالَ فَإِنَّهُ لَمْ يَبْتَئِرْ أَوْ لَمْ يَبْتَئِزْ عِنْدَ اللَّهِ خَيْرًا وَإِنْ يَقْدِرْ اللَّهُ عَلَيْهِ يُعَذِّبْهُ
    فَانْظُرُوا إِذَا مُتُّ فَأَحْرِقُونِي حَتَّى إِذَا صِرْتُ فَحْمًا فَاسْحَقُونِي أَوْ قَالَ فَاسْحَكُونِى فَإِذَا كَانَ يَوْمُ رِيحٍ عَاصِفٍ فَأَذْرُونِي فِيهَا
    ".
    فَقَالَ نَبِيُّ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: "فَأَخَذَ مَوَاثِيقَهُمْ عَلَى ذَلِكَ وَرَبِّي فَفَعَلُوا
    ثُمَّ أَذْرَوْهُ فِي يَوْمٍ عَاصِفٍ
    فَقَالَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ: كُنْ
    فَإِذَا هُوَ رَجُلٌ قَائِمٌ.
    قَالَ اللَّهُ: أَيْ عَبْدِي مَا حَمَلَكَ عَلَى أَنْ فَعَلْتَ مَا فَعَلْتَ؟
    قَالَ: مَخَافَتُكَ أَوْ فَرَقٌ مِنْكَ
    .
    قَالَ: فَمَا تَلَافَاهُ أَنْ رَحِمَهُ عِنْدَهَا."
    وَقَالَ مَرَّةً أُخْرَى: "فَمَا تَلَافَاهُ غَيْرُهَا."
    فَحَدَّثْتُ بِهِ أَبَا عُثْمَانَ فَقَالَ سَمِعْتُ هَذَا مِنْ سَلْمَانَ غَيْرَ أَنَّهُ زَادَ فِيهِ: أَذْرُونِي فِي الْبَحْرِ أَوْ كَمَا حَدَّثَ.


    حَدَّثَنَا مُوسَى حَدَّثَنَا مُعْتَمِرٌ وَقَالَ: لَمْ يَبْتَئِرْ. وَقَالَ خَلِيفَةُ: حَدَّثَنَا مُعْتَمِرٌ وَقَالَ: لَمْ يَبْتَئِزْ. فَسَّرَهُ قَتَادَةُ لَمْ يَدَّخِرْ.[1]


    وقد جاء هذا الحديث عن عدد من الصحابة منهم:
    1- أبو هريرة عند البخاري ومسلم وغيرهما،
    2- وحذيفة بن اليمان عند البخاري والنسائي وأحمد،
    3- ومعاوية بن حيدة عند أحمد،
    4- وبهز بن حكيم عن أبيه عن جده عند الطبراني في الكبير،
    5، 6- وحذيفة وأبو بكر الصديق عند الطحاوي في مشكل الآثار.
    وفى هذه الروايات زيادات كثيرة منها:
    - أن هذا الرجل كان من بنى إسرائيل


    - وأنه كان نباشا للقبور


    - وأنه لم يعمل حسنة قط وفى رواية خيرا قط إلا التوحيد،


    - وأنه قال لبنيه: لَتَفْعَلُنَّ ما آمركم به أو لَأُوَلِّيَنَّ ميراثي غيركم،


    - وفى لفظ: فوالله لا أدع عند رجل منكم مالا هو مني إلا أخذته، أو لتفعلن ما آمركم به.


    - وأنه أمر بنيه أن يذروا نصفه في البر ونصفه في البحر.


    - وفى رواية أنه قال: انْظُرُوا إِذَا أَنَا مُتُّ أَنْ تُحَرِّقُونِي حَتَّى تَدَعُونِي حُمَمًا ثُمَّ اهْرُسُونِي بِالْمِهْرَاسِ وَأَدَارَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَدَيْهِ حِذَاءَ رُكْبَتَيْهِ
    قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: "فَفَعَلُوا وَاللَّهِ" وَقَالَ نَبِيُّ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم بِيَدِهِ هَكَذَا.
    "ثُمَّ اذْرُونِي فِي يَوْمٍ رَاحٍ لَعَلِّي أَضِلُّ اللَّهَ تَعَالَى". كَذَا قَالَ عَفَّانُ
    قَالَ أَبِي وَقَالَ مُهَنَّا أَبُو شِبْلٍ عَنْ حَمَّادٍ: "أَضِلُّ اللَّهَ"
    فَفَعَلُوا وَاللَّهِ ذَاكَ فَإِذَا هُوَ قَائِمٌ فِي قَبْضَةِ اللَّهِ تَعَالَى...


    - وفى رواية: "فقال الله - تعالى - لكل شيء أخذ منه شيئا: أَدَّ ما أخذتَ منه، فإذا هو قائم، فقال الله: ما حملك على الذي صنعت؟"



    _______________________
    [1] صحيح: رواه البخاري (3478، 6481، 7508) وهو لفظه ومسلم (2757).

  12. #152
    تاريخ التسجيل
    Jan 2008
    الدولة
    مصر
    المشاركات
    1,396

    افتراضي رد: قصص الملائكة

    فوائد وتنبيهات:


    الأولى: قوله: "لئن قدر عليّ ربي" اختلف العلماء في تأويله:


    قال ابن عبد البر: هو من القَدَر الذي هو القضاء، وليس من باب القدرة والاستطاعة كقوله تعالى: {فَظَنَّ أَن لَّن نَّقْدِرَ عَلَيْهِ} [الأنبياء: 87]
    وقيل: قدر هنا بمعنى ضيق كقوله تعالى: {وَمَن قُدِرَ عَلَيْهِ رِزْقُهُ} [الطلاق: 7]
    قلت: وكلا التأويلين خطأ.[1]


    قال الإمام النووي[2]: وقد جاء في هذا الحديث في غير مسلم "فلعلى أضل الله" أى أغيب عنه وهذا يدل على أن قوله: "لئن قدر الله" على ظاهره.


    وقال الحافظ[3]: وأظهر الأقوال أنه قال ذلك في حال دهشته وغلبة الخوف عليه حتى ذهب بعقله لما يقول، ولم يقله قاصدا لحقيقة معناه بل في حالة كان فيها كالغافل والذاهل والناسي الذي لا يؤاخذ بما يصدر منه.
    قال: وأبعد الأقوال قول من قال: إنه كان في شرعهم جواز المغفرة للكافر.


    الثانية: قوله: "لعلى أضل الله."
    معناه لعلى أفوته. يقال: ضل الشيء إذا فات وذهب وهو كقوله: {لَّا يَضِلُّ رَبِّي وَلَا يَنسَى} [طـه: 52]


    الثالثة: قال الخطابي: قد يستشكل هذا فيقال: كيف يغفر له وهو منكر للبعث والقدرة على إحياء الموتى؟
    والجواب: أنه لم ينكر البعث؛ فإنه ما أوصى بما أوصى به إلا خوفا من البعث والحساب.
    وقد يقال: إنه أنكر القدرة على البعث لمن هذا حاله؛ فيكفر أيضا.
    والجواب: أن قوله: "لئن قدر الله" لا يلزم منه نفى القدرة وذلك لأنه ما نفى القدرة على ممكن، فمن نفى القدرة على ممكن كفر، بخلاف من نفى القدرة على مستحيل، وقد فرض هذا الرجلُ غير المستحيل مستحيلا فيما لم يثبت عنده أنه ممكن من الدين بالضرورة.


    وأجاب الخطابي وغيره: بأنه إنما جهل صفة من صفات الله تعالى وهي صفة القدرة. وقد اختلف العلماء في تكفير جاهل الصفة:


    - فذهب بعضهم إلى أنه يكفر بهذا الجهل. وممن ذهب إلى ذلك ابن جرير الطبري وأبو الحسن الأشعري في أول أمره.


    - وذهب آخرون إلى أنه لا يكفر بجهل الصفة ولا يخرج به عن سمة الإيمان بخلاف جاحد الصفة فإنه كافر اتفاقا. وإلى هذا الرأي رجع أبو الحسن الأشعري، وعليه استقر قوله.


    وقال ابن قتيبة: قد يغلط في بعض الصفات قوم من المسلمين فلا يكفرون بذلك. وقالت هذه الطائفة: لو سئل الناس عن الصفات لوجد العالم بها قليلا.




    وقد تقدم أن أظهر الأقوال أنه قال ما قال في حال شدة الخوف الذى ذهب بعقله فقال ما قال كما غلط الآخر الذى قال: ربى أنت عبدى وأنا ربك ولم يكفر بذلك.[4]


    قال الإمام الطحاوي: فتأملنا ما في هذا الحديث من وصية هذا الموصي بنيه:
    - بإحراقهم إياه بالنار
    - وبطحنهم إياه حتى يكون مثل الكحل
    - وبتذريهم إياه في البحر في الريح
    ومن قوله لهم بعد ذلك: فوالله لا يقدر علي رب العالمين أبدا فوجدنا ذلك محتملا أن يكون كان من شريعة ذلك القرن الذي كان ذلك الموصي منه القربة بمثل هذا إلى ربهم - جل وعز - خوف عذابه إياهم في الآخرة ورجاء رحمته إياهم فيها بتعجيلهم لأنفسهم ذلك في الدنيا كما يفعل من أمتنا من يوصي منهم بوضع خده إلى الأرض في لحده رجاء رحمة الله - عز وجل - إياه بذلك
    فقال قائل: وكيف جاز لك أن تحمل تأويل هذا الحديث على ما تأولته عليه في ذلك من وصية ذلك الموصي ما ينفي عنه الإيمان بالله تعالى؛ لأن فيه: فوالله لا يقدر علي رب العالمين أبدا. ومَنْ نَفَى عن الله تعالى القدرة في حال من الأحوال كان بذلك كافرا؟
    وكان جوابنا له في ذلك: أن الذي كان من ذلك الموصي من قوله لبنيه: فوالله لا يقدر عليَ رب العالمين. ليس على نفي القدرة عليه في حال من الأحوال
    ولو كان ذلك كذلك لكان كافرا ولما جاز أن يغفر الله له ولا أن يدخله جنته لأن الله تعالى لا يغفر أن يشرك به
    ولكن قوله: فوالله لا يقدر عليَ رب العالمين أبدا. هو عندنا - والله أعلم - على التضييق أي: لا يضيق الله علي أبدا فيعذبني بتضييقه علىّ لما قد قدمت في الدنيا من عذابي نفسي الذي أوصيتكم به فيها
    والدليل على ما ذكرنا قول الله تعالى: {فَأَمَّا الْإِنسَانُ إِذَا مَا ابْتَلَاهُ رَبُّهُ...} إلى قوله: {فَقَدَرَ عَلَيْهِ رِزْقُهُ} أى: فضيق عليه رزقه
    وقوله تعالى في نبيه ذي النون وهو يونس - عليه السلام -: {وَذَا النُّونِ إِذْ ذَهَبَ مُغَاضِبا فَظَنَّ أَن لَّن نَّقْدِرَ عَلَيْهِ} في معنى أن لن نضيق عليه
    وقوله تعالى: {يبسط الرزق لمن يشاء من عباده ويقدر له}
    فكان البسط هو التوسعة وكان قوله: {ويقدر} هو التضييق
    فكان مثل ذلك قول ذلك الموصي: فوالله لا يقدر علي رب العالمين أبدا أى: لا يضيق علىّ أبدا لما قد فعلته بنفسي رجاء رحمته وطلب غفرانه ثقة منه به ومعرفة منه برحمته وعفوه وصفحه بأقل من ذلك الفعل.[5]


    ثم ذكر ألفاظ الحديث الأخرى
    ثم قال في الجواب عن قوله: "لعلى أضل الله" وقوله: "فإن يقدر الله علىَّ": لم نجد هذا في شيء مما قد روي في هذا الباب إلا في هذا الحديث
    وهذا الحديث فإنما رواه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم رجل واحد وهو معاوية بن حيدة جد بهز
    وقد خالفه في ذلك عن النبي عليه السلام أبو بكر الصديق وحذيفة وأبو مسعود وأبو سعيد وسلمان وأبو هريرة
    وإنما جعلنا ما روى حذيفة في ذلك غير ما روى أبو بكر فيه وإن كان حديث حذيفة الذي رواه عنه والان[6] هو عن أبي بكر عن النبي عليه السلام لأن حذيفة في حديث ربعي[7] قد قال فيه إنه سمعه من رسول الله صلى الله عليه وسلم
    فدلنا ذلك أن الذي حمله مع سماعه إياه من رسول الله صلى الله عليه وسلم سماعه إياه من أبي بكر عن رسول الله عليه السلام إنما كان لمعنى زاده عليه أبو بكر فأخذه عنه لزيادته التي فيه عليه
    وستة أولى بالحفظ من واحد
    غير أن قوما أخرجوا لحديث معاوية بن حيدة معنى وهو أنهم جعلوا قوله: لعلي أضل الله. جهلا منه بلطيف قدرة الله تعالى مع إيمانه به جل وعز فجعلوه بخشيته عقوبتَه مؤمنا وبطمعه أن يضله جاهلا فكان الغفران من الله تعالى له بإيمانه ولم يؤاخذه بجهله الذي لم يخرجه من الإيمان به إلى الكفر به تعالى
    وقد يحتمل أن يكون الذي سمعه الستة الأولون من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم ومعاوية بن حيدة هو اللفظ الذي ذكره الستة الأولون
    ولا يجوز أن يكون ذلك إلا كذلك لأنهم حدثوا به عنه في أزمنة مختلفة بألفاظ مؤتلفة فلم يكن ذلك إلا بحفظهم إياه عن رسول الله عليه السلام بتلك الألفاظ
    وسمعه معاوية بن حيدة منه كذلك فوقع بقلبه أن المعنى الذي أراده رسول الله صلى الله عليه وسلم بقوله: إن يقدر الله علي. أراد به القدرة فكان ضدها عنده أن يضله وهو أن يفوته ولم يكن مراد رسول الله صلى الله عليه وسلم بالمقدرة ذلك وإنما هو التضييق
    وكان الذي أتى فيه معاوية هو هذا المعنى وكان ما حدث به الستة الأولون عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أولى من ذلك لا سيما ومنهم الصدِّيق الذي هو أحد الاثنين اللذين أمر رسول الله عليه السلام بالاقتداء بهما بعده وبالله التوفيق.[8]





    _____________________________
    [1] تنوير الحوالك للسيوطي: 1 / 238


    [2] مسلم بشرح النووي: 9 / 17 / 63


    [3] فتح الباري: 6 / 631


    [4] انظر فتح الباري: 6 / 631، ومسلم بشرح النووي: 9 / 17 / 63، وحاشية السندي على النسائي: 2 / 566، والأسماء والصفات للبيهقي: 500.


    [5] شرح مشكل الآثار: 2 / 28 - 29


    [6] والان: هو والان بن بيهس أو ابن قرفة العدوى، وثقه ابن معين وابن حبان.


    [7] ربعي: هو ربعي بن حراش التابعي الجليل.


    [8] شرح مشكل الآثار للإمام الطحاوي: 2 / 37 - 38

  13. #153
    تاريخ التسجيل
    Jan 2008
    الدولة
    مصر
    المشاركات
    1,396

    افتراضي رد: قصص الملائكة

    الرابعة: ذكر الإمام ابن شهاب الزهري هذا الحديث ثم ذكر حديث المرأة التي دخلت النار وعذبت بسبب هرة حبستها حتى ماتت جوعا ثم قال: لئلا يتكل رجل ولا ييأس رجل.


    قال الإمام النووي[1]: معناه أن ابن شهاب لما ذكر الحديث الأول خاف أن سامعه يتكل على ما فيه من سعة الرحمة وعظم الرجاء فضم إليه حديث الهرة الذي فيه التخويف ضد ذلك ليجتمع الخوف والرجاء وهذا معنى قوله: "لئلا يتكل ولا ييأس"
    وهكذا معظم آيات القرآن العزيز يجتمع فيها الخوف والرجاء
    وكذا قال العلماء: يستحب للواعظ أن يجمع في موعظته بين الخوف والرجاء لئلا يقنط أحد ولا يتكل.
    قالوا: وليكن التخويف أكثر لأن النفوس إليه أحوج لميلها إلى الرجاء والراحة والاتكال وإهمال بعض الأعمال.




    الخامسة: قال ابن عقيل: وهذا جميعه إخبار عما سيقع له يوم القيامة وليس كما قال بعضهم إنه خاطب روحه؛ فإن ذلك لا يناسب قوله: "فجمعه الله"؛ لأن التحريق والتفريق إنما وقع على الجسد وهو الذي يجمع ويعاد عند البعث.[2]


    أقول: قد وقع التصريح بذلك عند أحمد من حذيفة بن اليمان قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "يؤتى يوم القيامة برجل قد قال لأهله: إذا أنا مت فأحرقوني... وفيه: "فيجمعه الله –تبارك وتعالى– يوم القيامة فيقول له: لم فعلت؟ ... الحديث.[3]
    ومن حديث حُذَيْفَةَ عن أبي بَكْرٍ الصِّدِّيقِ رضي الله عنه قال أَصْبَحَ رسول اللهِ صلى الله عليه وسلم ذَاتَ يَوْمٍ فذكر حَدِيثًا طَوِيلا من حديث يَوْمِ الْقِيَامَةِ
    ثُمَّ ذَكَرَ فيه شَفَاعَةَ الشُّهَدَاءِ
    قال: "ثُمَّ يقول اللَّهُ: أنا أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ اُنْظُرُوا في النَّارِ هل فيها من أَحَدٍ عَمِلَ خَيْرًا قَطُّ
    فَيَجِدُونَ في النَّارِ رَجُلا
    فَيُقَالُ له: هل عَمِلْت خَيْرًا قَطُّ؟
    فيقول: لا، غير أَنِّي كُنْت أَمَرْت وَلَدِي إذَا مِتُّ فَأَحْرِقُونِي بِالنَّارِ ثُمَّ اطْحَنُونِي حتى إذَا كنت مِثْلَ الْكُحْلِ فَاذْهَبُوا بِي إلَى الْبَحْرِ فَاذْرُونِي في الرِّيحِ فَوَاَللَّهِ لاَ يَقْدِرُ عَلَيَّ رَبُّ الْعَالَمِينَ أَبَدًا فَيُعَاقِبَنِي إذْ عَاقَبْت نَفْسِي في الدُّنْيَا عليه.
    قال اللَّهُ تَعَالَى له: لِمَ فَعَلْت هذا؟
    قال: من مَخَافَتِك
    فيقول: اُنْظُرْ مَلِكًا بِأَعْظَمِ مُلْكٍ فإن لَك مثله وَعَشَرَةَ أَمْثَالِهِ."[4]


    قلت: إذا كان هذا إنما يقع يوم القيامة فقط كما ذكر ابن عقيل، ونقله عنه الحافظ وسكت عليه، وأيده لفظ الحديث السابق فليس مما نحن فيه.

    ______________________________ __


    [1] مسلم بشرح النووي: 9 / 17 / 63 - 64


    [2] فتح الباري: 6 / 631


    [3] رواه أحمد (23523)


    [4] حسن: رواه ابن حبان (2589، 2590 / موارد) وحسنه الشيخ الألباني والطحاوي في شرح مشكل الآثار: (556) وقال الشيخ شعيب الأرنؤوط: إسناده جيد.

الكلمات الدلالية لهذا الموضوع

ضوابط المشاركة

  • لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
  • لا تستطيع الرد على المواضيع
  • لا تستطيع إرفاق ملفات
  • لا تستطيع تعديل مشاركاتك
  •