المَقَالَةُ الحَادِيَةَ عَشَرَةَ فِي المَدْخَلْ :
" كِتَابُ شَرْحِ
" المَرْوِيَّاتِ عَنِ الإمامِ الكبيرِ أبِي زَكَرِيَّا يَحْيَى بنِ مَعِيْنٍ البَغْدَادِيِّ
فِي الجَرْحِ والتَّعْدِيْلِ وعِلَلِ الحَدِيْث
واصْطِلاحَاتِ أهْلِ الحَدِيْث "
مُقَدِّمَةُ الكِتَابِ :
وهَذِه المُقَدِّمَةُ تَتَضَمَّنُ ثَلاثَةَ مَطَالِبَ ، وهِيَ :
المَطْلَبُ الأوَّل : تَرْجَمَةُ أبِي زَكَرِيَّا يَحْيَى بنِ مَعِيْنٍ البَغْدَادِيِّ - رحمةُ اللهِ عليه – .
المَطْلَبُ الثَّاني : سَبَبُ اخْتِيَارِ أبِي زَكَرِيَّا يَحْيَى بنِ مَعِيْنٍ البَغْدَادِيِّ - رحمةُ اللهِ عليه – للبدءِ بِشَرْحِ بَعْضِ مَرْوِيَّاتِه التَّي رَوَاهَا عَنْهُ أصْحَابُهُ والرُّوَاةُ عَنْهُ .
المَطْلَبُ الثَّالث : أَشْهَرُ الرِوَايَاتِ عَنْ أبِي زَكَرِيَّا يَحْيَى بنِ مَعِيْنٍ البَغْدَادِيِّ - رحمةُ اللهِ عليه – التَّي رَوَاهَا عَنْهُ أصْحَابُهُ والرُّوَاةُ عَنْهُ ، وهُم كُثُرٌ ، وسأختارُ مِنْهَا أَبْرَزَهَا لِتَكُوْنَ أُنْمُوْذَجَاً لِغَيْرِهَا ، وأُكْمِلُ بَاقِيَهَا لاحِقَاً .
المَطْلَبُ الأوَّل : تَرْجَمَةُ أبِي زَكَرِيَّا يَحْيَى بنِ مَعِيْنٍ البَغْدَادِيِّ - رحمةُ اللهِ عليه – :
في أواخِرِ القَرْنِ الثَّاني وأوائِلِ الثَّالثِ بَرَزَ ثَلاثَةٌ مِنَ المُحَدِّثِيْنَ عَلَى أقرانِهِم ، وانْتَشَرَت مَعْرِفَتُهُم بالحَدِيْثِ ورِجَالِه وعِلَلِه ، والدِّرَايَةِ بِرُوَاتِه وشُيُوْخِه ، فَصَارَت شُهْرَتُهُم فِيْه كَالشَمْسِ فِي رَابِعَةِ النَّهَار، حَتَّى شُيُوْخهم عَرَفُوْا ذَلِكَ وسُرُّوا بِِهِ ، وتَوَقَّاهُمُ الكَذَبَةُ وأَشْبَاهُهُم ، خَشْيَةَ كَشْفِهِم عُوَارَهُمْ وفَضْحِهِمْ ، وهَؤلاءِ الثَّلاثَةُ هُم : الإمامُ الكبيرُ أبِو زَكَرِيَّا يَحْيَى بنُ مَعِيْنٍ ( 158 – 234 هـ ) والإمَامُ المُبَجَّلُ أبِو عَبْدِ اللهِ أحمدُ بنُ حَنْبَلٍ ( 164 – 241 هـ ) البَغْدَادِيَّا نِ ، وثَالِثُهُمَا أبِو الحَسَنِ عَلِيُّ بنُ عبدِ اللهِ ابنُ المَدِيْنِيِّ نَزِيْلُ البَصْرَةِ ( 161 – 234 هـ ) .
وأَمَّا تَرْجَمَةُ أبِي زَكَرِيَّا يَحْيَى بنِ مَعِيْنٍ رَحْمَةُ اللهِ تَعَالى عَلَيْه – وهُوَ المُبْتَدَأُ بِه فِي هَذَا الشَّرْحِ لِمَا سَيَأتِي ذِكْرُ أَسْبَابِه – فَقَدْ تَقَدَّمَتْ تَرْجَمَتُهُ فِي مُقَدِّمَةِ هَذَا الشَّرْحِ فِي المَقَالَتِيْنِ الرَّابِعَةِ والخَّامِسَةِ .
وسَيَأتِي كَذَلِكَ فِي المَطْلَبِ الثَّالِثِ مُهِمَّاتٌ تَتَعَلَّقُ بِتَرْجَمَتِهِ .
المَطْلَبُ الثَّاني : سببُ اختيارِ أبِي زَكَرِيَّا يَحْيَى بنِ مَعِيْنٍ البَغْدَادِيِّ - رحمةُ اللهِ عَلَيْهِ – للبدءِ بِشَرْحِ بَعْضِ مَرْوِيَّاتِه التي رواها عنه أصْحَابُه والرُّوَاةُ عَنْه :
بالإمْكَانِ إجْمَالُ الأَسْبَابِ[1] التَّي أَوْجَبَتْ اخْتِيَارَ أبِي زَكَرِيَّا يَحْيَى بنِ مَعِيْنٍ البَغْدَادِيِّ لِلْبَدْءِ بِشَرْحِ بَعْضِ مَرْوِيَّاتِهِ التَّي رَوَاهَا عَنْهُ أصْحَابُهُ والرُّوَاةُ عَنْهُ إلى قِسْمَيْنِ عَامَّيْنِ ، وهُمَا :
القِسْمُ الأوَّل : تَقْدِيْمُ الأَئِمَّةِ لأبِي زَكَرِيَّا يَحْيَى بنِ مَعِيْنٍ فِيْ هَذَا الشَّأنِ عَلَى غَيْرِهِ مِنْ الأَئِمَّةِ .
القِسْمُ الثَّانِي : اسْتِحْقَاقُ أبِي زَكَرِيَّا يَحْيَى بنِ مَعِيْنٍ الإمَامَةَ بِشُرُوْطِهَا فِيْ هَذَا الشَّأنِ .
القِسْمُ الأوَّل : تَقْدِيْمُ الأَئِمَّةِ لأبِي زَكَرِيَّا يَحْيَى بنِ مَعِيْنٍ فِيْ هَذَا الشَّأنِ عَلَى غَيْرِهِ مِنْ الأَئِمَّةِ :
وهَذَا القِسْمُ يُمْكِنُ تَلْخِيْصُهُ فِي ثَلاثَةِ أُمُوْرٍ ، وهِيَ :
الأوَّلُ : اتِّفَاقُ الأَئِمَّةِ عَلَى إمَامَةِ أبِي زَكَرِيَّا يَحْيَى بنِ مَعِيْنٍ فِي الجَرْحِ والتَّعْدِيْلِ وعِلَلِ الحَدِيْثِ .
الثَّانِي : أوَّلُ مَنْ جَلَسَ لِلنَّاسِ فِي الجَرْحِ والتَّعْدِيْلِ وعِلَلِ الحَدِيْثِ أَبُوْ زَكَرِيَّا يَحْيَى بنُ مَعِيْنٍ.
الثَّالِثُ : كَثْرَةُ كَلامِ أبِي زَكَرِيَّا يَحْيَى بنِ مَعِيْنٍ فِي الجَرْحِ والتَّعْدِيْلِ وعِلَلِ الحَدِيْثِ وكَثْرَةُ أَصْحَابِهِ الذَّيْنَ نَشَرُوْا عِلْمَهُ.
الأوَّلُ : اتِّفَاقُ الأَئِمَّةِ عَلَى إمَامَةِ أبِي زَكَرِيَّا يَحْيَى بنِ مَعِيْنٍ فِي الجَرْحِ والتَّعْدِيْلِ وعِلَلِ الحَدِيْثِ :
تَقَدَّمَ بَيَانُ هَذَا البَابِ عَنْ أبِي زَكَرِيَّا يَحْيَى بنِ مَعِيْنٍ سَوَاءٌ فِي الجَرْحِ والتَّعْدِيْلِ أَوْ عِلَلِ الحَدِيْثِ[2] ، ومِنْ ذَلِكَ :
قال عبدُ الخالقِ بنُ منصورٍ : قلتُ لابنِ الرُّوْمِيِّ: سمعتُ بعضَ أَصْحَابِ الحديثِ يُحَدِّثُ بأَحَادِيْثِ يَحْيَى ، ويقولُ : حَدَّثَنِيّ مَنْ لَمْ تطلعِ الشَّمسُ عَلَى أَكْبَرَ مِنْه ؟ فقال : ومَا تعجبُ ، سمعتُ ابنَ المَدِيْنِيِّ يقولُ : مَا رأيتُ فِي النَّاسِ مِثْلَه .
قال أَحْمَدُ بنُ حَنْبَلٍ : كانَ ابنُ مَعِيْنٍ أَعْلَمَنَا بِالرِّجَال .
وقال سليمانُ بنُ عبدِ اللهِ : سمعتُ أحمدَ يقولُ : هَاهُنَا رجلٌ خَلَقَه اللهُ تَعَالى لِهَذَا الشَّأنِ يُظْهِرُ كَذِبَ الكّذَّابِيْنَ - يَعْنِيْ ابنَ مَعِيْنٍ - .
قال العِجْليُّ : مَا خَلَقَ اللهُ تَعَالى أَحَدَاً كَانَ أَعْرَفَ بالحديثِ مِنْ يَحْيَى بنِ مَعِيْنٍ ، ولَقَد كَانَ يَجْتَمِعُ مَعَ أحمدَ وابنِ المَدِيْنِيِّ ونُظَرَائِهِم فَكَانَ هُوَ الذَّي يَنْتَخِبُ لَهُم الأحاديثَ لا يَتَقَدَّمُه مِنْهُم أَحَدٌ ، ولَقَد كَانَ يُؤتَى بالأحاديثِ قَد خُلِطَتْ وتَلَبَّسَتْ فَيَقُوْلُ : هَذَا الحديثُ كَذَا ، وهَذَا كَذَا ، فَيَكُوْنُ كَمَا قالَ .
الثَّانِي : أوَّلُ مَنْ جَلَسَ لِلنَّاسِ فِي الجَرْحِ والتَّعْدِيْلِ وعِلَلِ الحَدِيْثِ أَبُوْ زَكَرِيَّا يَحْيَى بنُ مَعِيْنٍ :
تَقَدَّمَ بَيَانُ هَذَا البَابِ عَنْ أبِي زَكَرِيَّا يَحْيَى بنِ مَعِيْنٍ سَوَاءٌ فِي الجَرْحِ والتَّعْدِيْلِ أَوْ عِلَلِ الحَدِيْثِ ، ومِنْ ذَلِكَ :
قال عبدُ الخالقِ بنُ منصورٍ : قلتُ لابنِ الرُّوْمِيِّ: سمعتُ أبا سعيدٍ الحَدَّادَ يقولُ : النَّاسُ كُلُّهُم عِيَالٌ عَلَى يَحْيَى بنِ مَعِيْنٍ ، فقال : صَدَقَ مَا فِي الدُّنْيِا مِثْلُهُ ، سَبَقَ النَّاسَ إلى هَذَا البابِ الَّذِي هُوَ فِيهِ ، لَمْ يَسْبِقْه إِلَيْهِ أَحَدٌ، وأَمَّا مَنْ يجيء بعدُ فلا ندري كَيْفَ يَكُوْنُ .
الثَّالِثُ : كَثْرَةُ كَلامِ أبِي زَكَرِيَّا يَحْيَى بنِ مَعِيْنٍ فِي الجَرْحِ والتَّعْدِيْلِ وعِلَلِ الحَدِيْثِ ، واحْتِجَاجُ العَامَّةِ والخَاصَّةِ بِهِ ، وكَثْرَةُ أَصْحَابِهِ الذَّيْنَ نَشَرُوْا عِلْمَهُ :
تَقَدَّمَ بَيَانُ هَذَا البَابِ عَنْ أبِي زَكَرِيَّا يَحْيَى بنِ مَعِيْنٍ سَوَاءٌ فِي الجَرْحِ والتَّعْدِيْلِ أَوْ عِلَلِ الحَدِيْثِ ، ومِنْ ذَلِكَ :
قال أَبُو حَاِتمٍ : إذَا رأيتَ البَغْدَادِيَّ يحبُ أحمدَ فَاعْلَم أَنَّهُ صَاحِبُ سُنَّةٍ ، وإذَا رَأَيْتَهُ يبغضُ ابنَ مَعِيْنٍ فَاعْلَم أَنَّه كَذَّابٌ .
وقال محمدُ بنُ هارونَ الفلاَّس : إذَا رأيتَ الرَّجلَ يقعُ فِي ابنِ مَعِيْنٍ فَاعْلَم أَنهَّ كَذَّابٌ ، إنَّمَا يُبغضه لِمَا يُبَيِّنُ مِنْ أَمْرِ الكَذَّابِيْنَ .
قال الحسنُ بنُ عليلٍ العَنَزِيُّ : ثنا يَحْيَى بنُ مَعِيْنٍ قال : أَخْطَأ عَفَّانُ فِي نَيِّفٍ وعشرينَ حديثاً ، مَا أَعْلَمْتُ بِه أَحَدَاً ، وأَعْلَمْتُه فِيْمَا بَيْنِي وبَيْنَه ، ولَقَد طَلَبَ إليَّ خلفُ بنُ سالمٍ أَنْ أَذْكُرَهَا فَمَا قلتُ لَه .
وقال عبدُ الخالقِ بنُ منصورٍ : وسمعتُ ابنَ الرُّوْمِيِّ يقولُ : مَا رأيتُ أَحَدَاً قَطُّ يقولُ الحَقَّ فِي المَشَايِخِ غَيْرَ يَحْيَى .
***
انتهى ، وللهِ الحمدُ والمِنَّةُ .
ويَلِيْه فِي المَقَالَةِ الثَّانِيَةَ عَشْرَةَ : المَطْلَبُ الثَّالث : أَشْهَرُ الرِوَايَاتِ عَنْ أبِي زَكَرِيَّا يَحْيَى بنِ مَعِيْنٍ البَغْدَادِيِّ - رحمةُ اللهِ عَلَيْهِ – التي رَوَاهَا عَنْهُ أَصْحَابُه والرُّوَاةُ عَنْه .
وكَتَبَه أبو محمد عبد الوهاب بن عبد العزيز الزيد – الإثنين 2/1/1438 هـ .
رابط المقالة بالموقع الرسمي :https://hdeth.net/?p=1985
[1] تقدَّم في المقالات السابقة وخاصة في التاسعة والعاشرة بيان تفصيل تقدّم الأئمة الثلاثة بعضهم على بعض .
[2] كَمَا تَقَدَّمَ بَسْطُ ذَلِكَ فِي المَقَالتَيْنِ التَّاسِعَةِ والعَاشِرَة .