تابعونا على المجلس العلمي على Facebook المجلس العلمي على Twitter
الدكتور سعد بن عبد الله الحميد


النتائج 1 إلى 20 من 20

الموضوع: المَدْخَلُ إلى أُصُوْلِ عِلْمَي الجَرْحِ والتَّعْدِيْلِ ، وعِلَلِ الحَدِيْثِ

  1. #1

    افتراضي المَدْخَلُ إلى أُصُوْلِ عِلْمَي الجَرْحِ والتَّعْدِيْلِ ، وعِلَلِ الحَدِيْثِ

    بِسْمِ اللهِ الرَّحمنِ الرَّحيم
    المَدْخَلُ إلى أُصُوْلِ عِلْمَي
    الجَرْحِ والتَّعْدِيْلِ ، وعِلَلِ الحَدِيْثِ
    بشَرْحِ المَرْوِيَّاتِ عَنِ أئِمَّةِ الحدِيْثِ فِي الجَرْحِ والتَّعْدِيْلِ ، وعِلَلِ الحَدِيْث
    واصْطِلاحَاتِ أهْلِ الحَدِيْث
    **********
    مُقَدِّمَةٌ :
    إنِ الْحَمْدَ لِلَّهِ ، نَحْمَدُهُ ، وَنَسْتَعِينُهُ ، وَنَسْتَغْفِرُه ُ ، وَنَعُوذُ بِاللَّهِ مِنْ شُرُورِ أَنْفُسِنَا ، وَمِنْ سَيِّئَاتِ أَعْمَالِنَا ، مَنْ يَهْدِهِ اللَّهُ فَلا مُضِلَّ لَهُ ، وَمَنْ يُضْلِلْ فَلا هَادِيَ لَهُ ، وَأَشْهَدُ أَنْ لا إِلَهَ إِلا اللَّهُ وَحْدَهُ لا شَرِيكَ لَهُ ، وَأَشْهَدُ َأَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ .
    أمَّا بعدُ : فإنَّ الاشتغالَ بعلمِ الحديثِ النَّبويِّ مِنْ أَفْضلِ الأَعْمَالِ والقُرُبَاتِ إذْ هُوَ الوحيُّ المُنَزَّلُ عَلَىا الرسولِ الكريمِ ( صلى الله عليه وسلم ) وهُوَ البَيَانُ لكتابِ اللهِ العظيمِ : {وَأَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الذِّكْرَ لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ مَا نُزِّلَ إِلَيْهِمْ وَلَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ } [ النحل: ٤٤ ] ، فَحَرِصَ عُلَمَاءُ هَذِه الأُمَّةِ بالسُّنَّةِ النَّبَوِيَّةِ تَعَلُّمَاً وتَعْلِيْمَاً نَسْخَاً وتَصْنِيْفَاً حَتَّى شَاعَتِ السُّنَّةُ فِيْ الأُمَّةِ ، وشَرِقَ بِهَا أَصْحَابُ الأَهْوَاءِ والبِدَعِ ، فَأَخَذُوْا يَضَعُوْنَ الأَحَادِيْثَ المَكْذُوْبَةَ أَوْ يَزِيْدُوْن فِي الصَّحِيْحَةِ الأَلْفَاظَ مِمَّا يُوَافِقُ أَهْوَائَهُم وبِدَعَهُمْ ، فَكَتَبَ اللهُ حِفْظَ السُّنَّةِ عَلَى أَيْدِي أَهْلِ العِلْمِ ؛ ومِنْ هَؤلاءِ أَئِمَّةُ العِلَلِ ، وأِئِمَّةُ الجَرْحِ والتَّعْدِيْلِ مِنْ أَصْحَابِ الحديثِ فَبَيَّنُوْا الصَّوَابَ والخَطَأ فِيْ الرِّوَايَاتِ ، والضُّعَفَاءَ مِنَ الثِّقَاتِ مِنَ الرُّوَاةِ ، ومَيَّزُوْا الصَّحِيْحَ مِنَ الضَّعِيْفِ عَلَى مَرِّ الأَزْمَانِ رُغْمَ قِلَّتِهِمْ فِيْ البُلْدَانِ .
    وَبَعْدُ :
    فإنني استخرتُ الله تعالى في تألِيْفِ كِتَابٍ يَكُوْنُ مَدْخَلاً فِي " أصول عِلَلِ الحَدِيْثِ ، والجَرْحِ والتَّعْدِيْلِ ؛ بشَرْحِ المَرْوِيَّاتِ عَنِ أئِمَّةِ الحدِيْثِ فِي الجَرْحِ والتَّعْدِيْلِ وعِلَلِ الحَدِيْث واصْطِلاحَاتِ أهْلِ الحَدِيْث " ، وابتَدأتُ فِي شَرْحِ هَذِه المَرْوِيَّاتِ بِمَا رُوِيَ عَنِ الإمامِ الكبيرِ أبِي زَكَرِيَّا يَحْيَى بنِ مَعِيْنٍ البَغْدَادِيِّ - رحمةُ اللهِ عليه - ، وسألتُه التَّيْسِيْرَ والإعانَةَ ، وها أنا أستعينُ باللهِ تَبَارَكَ وتَعَالى في هذا الشَّرحِ ، وقد لَبِثْتُ لِأكثر من ثَلاثِيْنَ سَنَةً فِي دِرَاسَةِ هَذَا العِلْمِ الشَّرِيْفِ مِنْ خِلالِ كُتُبِ أئِمَّتِه مِنَ السُّؤالاتِ ، والمَرْوِيَّاتِ ، والتَّوَارِيْخِ ، وغَيْرِهَا مِمَّا رَوَاه عَنْهُم تلامِيْذُهم والرُّوَاةُ عَنْهُم ، ومِنَ التَّآلِيْفِ بَعْدَها .
    وإنَّ كِبَارَ الأئِمَّةِ فِي هَذَا الفَنِّ ثَلاثَةٌ ، وهُم : الإمامُ الكبيرُ أبِو زَكَرِيَّا يَحْيَى بنُ مَعِيْنٍ ( 158 – 234 هـ ) والإمَامُ المُبَجَّلُ أبِو عَبْدِ اللهِ أحمدُ بنُ حَنْبَلٍ ( 164 – 241 هـ ) البَغْدَادِيَّا نِ ، وثَالِثُهُمَا أبِو الحَسَنِ عَلِيُّ بنُ عبدِ اللهِ ابنُ المَدِيْنِيِّ نَزِيْلُ البَصْرَةِ ( 162 – 234 هـ ) ، فَهَؤلاءِ هُم أئِمَّةُ هَذَا الفَنِّ فِي زَمَانِهم ، وإليْهِم انتهت مَعْرِفَتُهُ وضَبْطُه وتَحْرِيْرُ أُصُوْلِه وقَوَاعِدِهِ .
    وسأذكُرُ هُنَا تَرَاجِمَ هَؤلاءِ الأئِمَّةِ الثَّلاثةِ - لِتُعْرَفَ مَكَانَتُهُم فِي هَذَا العِلْمِ واتِّفَاقُ النَّاسِ عَلَيْهِم فِيْهِ - قَبْلَ البَدْءِ بالشَّرْح .
    وعَن كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهم رُوِيَتْ رِوَايَاتٌ وسؤالاتٌ فِي الجَرْحِ والتَّعْدِيْلِ وعِلَلِ الحَدِيْثِ واصْطِلاحَاتِ أهْلِ الحَدِيْثِ ، وقَد وَقَعَ البَدْءُ بأبِي زَكَرِيَّا يَحْيَى بنِ مَعِيْنٍ لِعِدَّةِ اعْتِبَارَاتٍ – سيأتي تفْصِيْلُهَا فِي مُقَدِّمَةِ هَذَا الشَّرْح .

    ( شَرْحُ المَرْوِيَّاتِ عَنِ أئِمَّةِ الحدِيْثِ فِي الجَرْحِ والتَّعْدِيْلِ ، وعِلَلِ الحَدِيْث ، واصْطِلاحَاتِ أهْلِ الحَدِيْث )
    وهُنَا لابُدَّ مِنْ ذِكْرِ بَيَانِ حَاجَةِ عُلُوْمِ الحَدِيْثِ إلى دِرَاساتٍ وبُحُوْثٍ تأصِيْلِيَّةٍ تَكْشِفُ عَنْ أُصُوْلِه وقَوَاعِدِه واصْطِلاحَاتِ أهْلِه .
    فَعِلْمُ الحديثِ عَلى كَثْرَةِ أنواعهِ وأقسامه ، يَحتاجُ لِبُحُوْثٍ ودِرَاسَاتٍ مِنْ الكُتُبِ الأُصُوْلِ فِيه - مِنْ كُتُبِ أئِمَّتِه مِنَ السُّؤالاتِ ، والمَرْوِيَّاتِ ، والتَّوَارِيْخِ ، وغَيْرِهَا مِمَّا رَوَاه عَنْهُم تلامِيْذُهم والرُّوَاةِ عَنْهُم - تَكْشِفُ عَنْ أُصُوْلِه وقَوَاعِدِه واصْطِلاحَاتِ أهْلِه ، فإنَّكَ تَجدُ هَذَا الأمرَ ضَرُوْرِيَّاً لِمَنْ دَرَسَ هَذَا العِلْمَ ومَارَسَه وخَبِرَه .
    وقد اجْتَهَدَ الكَثَيْرُ في دِرَاسَاتِهِم وتآلِيْفِهم لِعَمَلِ بُحُوْثٍ ودِرَاسَاتٍ فِي عُلُوْمِ الحَدِيْثِ إلاَّ أنَّ غَالِبَهَا لا تَرجعُ لِكُتُبِ أُصُوْلِ هَذَا الفَنِّ مِمَّا رُوِيَ عَن أئِمَّتِه ، واسْتِخْرَاجِ أُصُوْلِ الجَرْحِ والتَّعْدِيْلِ وقَوَاعِدِه مِنْهَا ، وكَذَا أُصُوْلُِ عِلَلِ الحَدِيْثِ وقَوَاعِدُهُ ، وحُدُوْدُ اصْطِلاحَاتُ أهْلِ الحَدِيْثِ ، ولَعَلَّ نَوْعِيَّةَ التَّصْنِيْفِ لَهَا - مَعَ أهَمِيَّتِهَا وأَصَالَتِهَا - عَاقَ عَنِ الأخْذِ مِنْهَا والاغْتِرَافِ مِنْ بَحْرِهَا والتَأصِيْلِ مِنْ عُلُوْمِهَا ، فصَارَت الكُتُبُ والتَّصَانِيْفُ المُبَوَّبَةُ لِمَنْ جَاءَ بَعْدَهُم هِيَ الحَاكِمَ عَلى مَاقبلها ، والمُعَوَّلَ عَلَيْهَا لِمَا بَعدها .
    ولِذَا تَجد مَنْ يُعَلِّلُ الحديثَ مِنَ المُتَأخِرِيْنَ والمُعاصِرِيْنَ بِمَا ليسَ بِعِلَّةٍ ، والعَكسَ يُصَحِّحُ الحديثَ وهو مَعْلُوْلٌ ، أو يَتَكَلَّمُ فِي الرُّوَاةِ جَرْحَاً وتَعْدِيْلاً دُوْنَ مَعْرِفَةٍ بِأُصُوْلِ الجَرْحِ والتَّعْدِيْلِ وقَوَاعِدِه ، أو يُفَسِّرُ إصْطِلاحاتِ أَهْلِ الحَدِيْثِ بِمَا لا يُوَافِقُ حُدُوْدَه وتَطْبِيْقَاتِه عِنْدَهُم .
    وأضْرِبُ مِثَالاً لِذَلِكَ بِرَاوٍ ؛ وهُو عبدُالرَّزاق الصَّنعانيُّ :
    فعبدُالرَّزاق الصَّنعانيُّ يَرْوِي عَنْ جَمَاعَةٍ ؛ ومِنْهُم الثَّلاثَةُ الكِبَارُ ؛ مَعْمَرٌ ، والثَّوْرِيُّ ، وابنُ جُرَيْج :
    فَفِي عِلَلِ الحَدِيْثِ : إذَا جِئْتَ إلى هَذَا المُصَحِّحِ والمُضَعِّفِ للأحَادِيْثِ فإنَّه يُصَحِّحُ كُلَّ مَايَرْوِيْه عبدُ الرَّزَّاقِ عَنْ هَؤلاءِ الثَّلاثَةِ ، دُوْنَ النَّظَرِ لأُصُوْلِ وقَوَاعِدِ عِلْمِ العِلَل ، إذ ليْسَ كُلُّ إسْنَادٍ رُوَاتُه ثِقَاتٌ يَكُوْنُ صَحِيْحَاً مَالَمْ يَكُنِ الرَّاوِي ثِقَةً فِي رِوَايَتِه عَنْ الشَّيْخِ الذي رَوَى الحَدِيْثَ عَنْه ، ويَكُوْنُ هَذَا الحَدِيْثُ مَحْفُوْظَاً ، أو لَه أَصْلٌ ثَابِتٌ ، وَعبدُ الرَّزَّاقِ – عِنْدَ أَئِمَّةِ العِلَلِ - ثَبْتٌ فِي شَيْخِه مَعْمَرٍ ، وليْسَ بِثَبْتٍ فِي الثَّوْرِيّ ، فإذَا خُوْلِفَ فِي مَعْمَر فَإنَّهُم يُقَدِّمُوْنَ عبدَ الرَّزَّاقِ عَلَى غَيْرِه ، وإذَا خُوْلِفَ فِي الثَّوْرِيِّ فَإنَّهُم لا يُقَدِّمُوْنَ عبدَ الرَّزَّاقِ عَلَى غَيْرِه ، بل هُوَ فِي الطَّبَقَةِ الثَّانِيَةِ مِنْ أَصْحَابِ الثَّوْرِيِّ .
    وهَذِه واحِدَةٌ مِنَ الأَخْطَاءِ المُنْتَشِرَةِ فِي فَهْمِ عِلَلِ الحَدِيْث ، وسَيَأتِي لاحِقَاً بَيَانُ ذَلِكَ بالتَّفْصِيْل .
    وفِي الجَرْحِ والتَّعْدِيْلِ : تَرى الرُّوَاةَ عِنْدَ مَنْ يُعدِّلُ ويُجَرِّحُ يَجعلُ الرُّوَاةَ عَلى حُكْمٍ واحِدٍ إمَّا ثِقةً أو ضَعيفاً ، بَيْنَمَا الرَّاوِي عِنْدَ أَئِمَّةِ الجَرْحِ والتَّعْدِيْلِ لَه حُكْمَانِ ؛ عَامٌّ – فِي عُمُوْمِ شُيُوْخِه - ، وخَاصٌّ – فِي بَعْضِهِم ، أوْ حَالٍ مِنْ أحْوَالِه - ، فإذَا وَرَدَ عَلَيْه عبدُ الرَّزاق الصَّنعانيُّ فِي إسنادِ حديثٍ فإنَّه يَحكمُ عليه بحكمٍ واحدٍ وهو الثِّقة ، فإذا رَجَعَ إلى ترجمته عِندَ الحافظِ الذَّهبيِّ : ( عبدُالرَّزاقُ بنُ همَّام بنِ نافع ، الحافظُ ، أبو بكر الصَّنعانيُّ ، أحدُ الأعلامِ ، عَنِ ابنِ جُريجٍ ، ومَعمر ، وثَور ، وعَنْهُ أحمدُ ، وإسحاقُ ، والرَّماديُّ ، والدَّبريُّ ، صنَّفَ التَّصانيفَ ، ماتَ عَنْ خمسٍ وثمانينَ سنة ، في 211 ، ( ع ) ( الكاشف 3362 ) .
    وعندَ الحافِظِ ابنِ حجرٍ : ( عبدُالرَّزاق بنُ همَّام بن نافع الحميريُّ مولاهم ، أبو بكر الصَّنعانيُّ ، ثقةٌ حافظٌ ، مصنِّفٌ شهيرٌ ، عَمِيَ في آخرِ عُمْرِه فَتَغَيَّرَ ، وكانَ يَتَشَيَّعُ ، مِنَ التَّاسِعَة ، ماتَ سنةَ إحدى عشرةَ ، وله خمسٌ وثمانون ، ( ع ) . ( تقريب التهذيب 4064 ) .
    بينمَا هذَا هو الحُكْمُ العَامُّ فِيْه ، وبِمَا أنَّ هَذَا المُعّدِّلَ والمُجَرِّحَ لا يَعرفَ للرَّاوِي إلاَّ حُكْمَاً واحِدَاً عَلَى جَمِيْعِ حَديثه ؛ فإنَّه سيجعلُ هَذَا الحُكْمَ عَلَى عبدِالرَّزاقِ مُطْلَقَاً ؛ وهو الثِّقَةُ المُطْلَقَةُ فِي جَمِيْعِ شُيُوْخِه ، - وهُوَ الحُكْمُ الغَالِبُ الذي يُوْصَفُ بِه كَمَا تَقَدَّمَ عِنْدَ الذَّهَبِيِّ وابنِ حَجَرٍ - ، والأئِمَّةُ غَالبَاً إذَا سُئِلُوْا عَنِ الرُّوَاةِ فإنَّهُم يُجِيْبُوْنَ بالحُكْمِ العَامِّ ، فَإذَا سُئِلُوْا عَنِ الخَاصِّ أَجَابُوْا وفَصَّلُوْا فِيْه .
    فَعبدُ الرَّزاقِ – كَغَيْرِه مِنَ الرُّوَاةِ - لَه حُكْمَانِ ؛ عَامٌّ فِي عُمُوْمِ شُيُوْخِه ؛ وهو الثِّقَةُ ، وخَاصٌّ فِي بَعْضِهِم كَسُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ ؛ وهُو الضَّعْف ، أوْ حَالٍ مِنْ أحْوَالِه ؛ إذَا حَدَّثَ مِنْ حِفْظِه ، أو مَا حدَّثَ بِه بعدَ مَا عَمِيَ .
    ( يُنظر : معرفة الرجال عن أبي زكريَّا يحيى بن معين لابن محرز ( 1/504 ) ، وتاريخ الدَّارميّ عنه ( رقم 102 ) ، والتأريخ عنه ، للدُّوريّ ( رقم 538 ) ، و تهذيب الكمال ( 31/543 ) ، تهذيب التهذيب ( 11/280 ) ، وغيرها من كتب الجرح والتعديل ).
    وهَذِه واحِدَةٌ مِنَ الأَخْطَاءِ المُنْتَشِرَةِ فِي فَهْمِ أُصُوْلِ الجَرْحِ والتَّعْدِيْل ، وسَيَأتِي لاحِقَاً بَيَانُ ذَلِكَ بالتَّفْصِيْل .
    وفِي اصْطِلاحَاتِ أهْلِ الحَدِيْثِ : فلَفْظَةُ ( ضَعِيْف ) ؛ تَجِدُ مَعْنَاهَا عِنْدَ المُسْتَخْدِمِ لَهَا بِمَعْنَى وَاحِدٍ ، هُو الضَّعْفَ المُسْقِطَ لَلاحْتِجَاجِ بحِدَيْثِ الرَّاوِي ، بَيْنَمَا لَهَا عِنْدَ أَئِمَّةِ الجَرْحِ والتَّعْدِيْلِ ثَلاثَةُ اسْتِخْدَامَاتٍ رَئِيْسِيَّة :
    الأُوْلَى : الوَصْفُ العَامُّ لِحَدِيْثِ رَاوٍ ، وهُو وَصْفٌ مُلازِمٌ للرَّاوِي كَسُوْءِ الحِفْظِ ، وهَذَا الوَصْفُ بِالضَّعْفِ عِنْدَ أَئِمَّةِ الجَرْحِ والتَّعْدِيْلِ مُسْقِطٌ لَلاحْتِجَاجِ – فَمَا دُوْن - بحَدِيْثِ الرَّاوِي .
    والثَّانِيَة : الوَصْفُ الخَاصُّ لِحَالٍ مِنْ أَحْوَالِ الرَّاوِي ، وهُو وَصْفٌ غَيْرُ مُلازِمٍ للرَّاوِي وإنَّمَا هُو خَاصٌّ للرَّاوِي فِي حَالٍ مِنْ أَحْوَالِه ؛ كَاخْتِلاطِه بِآخِره ، وهَذَا الوَصْفُ بِالضَّعْفِ عِنْدَ أَئِمَّةِ الجَرْحِ والتَّعْدِيْلِ هُوَ بِمَعْنَى الضَّعْفِ المُسْقِطِ لَلاحْتِجَاجِ– فَمَا دُوْن - بحَدِيْثِ الرَّاوِي – المَذْكُوْرِ فِي الأُوْلَى - ، وهُوَ ضَعْفٌ خَاصٌّ بالرَّاوِي حَالَ اخْتِلاطِه فَقَطْ ، أمَّا مَاقَبْلَ الاخْتِلاطِ فَيَكُوْنُ حَدِيْثُه كَمَا كَانَ .
    والثَّالثَة : الوَصْفُ الخَاصُّ لِحَدِيْثِ رَاوٍ عَنْ رَاوٍ ، وهُو وَصْفٌ غَيْرُ مُلازِمٍ للرَّاوِي وإنَّمَا هُو خَاصٌّ للرَّاوِي فِي شَيْخٍ مِنْ شُيُوْخِه كَكَثْرَةِ أَخْطَائِه فِي حَدِيْثِ هَذَا الشَّيْخِ ، كَعبدِ الرَّزَّاقِ عَنْ الثَّوْرِيِّ – كَمَا تَقَدَّم - ، وهَذَا الوَصْفُ بِالضَّعْفِ عِنْدَ أَئِمَّةِ الجَرْحِ والتَّعْدِيْلِ لَيْسَ بِمَعْنَى الضَّعْفِ المُسْقِطِ لَلاحْتِجَاجِ– فَمَا دُوْن - بحَدِيْثِ الرَّاوِي كُلِّيَّاً – المَذْكُوْرِ فِي الأُوْلَى – أو جُزْئِيَّاً - المَذْكُوْرِ فِي الثَّانِيَة – ، وإنَّمَا المُرَادُ بِه عِنْدَهُم ضَعْفٌ فِي " الثَّبْتِ " عَنْ شَيْخٍ بِعَيْنِه ، فَهُنَا يُقَدِّمُوْنَ الأَثْبَتَ مِنْه عَلَيْه فِي شَيْخِهِم ؛ وذَلِكَ عِنْدَ الاخْتِلافِ عَلَيْه ، أَو التَّفَرُّدِ عَنْه .
    وهَذِه واحِدَةٌ مِنَ الأَخْطَاءِ المُنْتَشِرَةِ فِي فَهْمِ اصْطِلاحَاتِ أهْلِ الحَدِيْثِ ، وسَيَأتِي لاحِقَاً بَيَانُ ذَلِكَ بالتَّفْصِيْل .

    ***
    انتهى ، وللهِ الحمدُ والمِنَّةُ ،
    وكَتَبَه
    أبو محمد عبد الوهاب بن عبد العزيز الزيد
    الاثنين 3/3/1437 هـ .

  2. #2
    تاريخ التسجيل
    Nov 2012
    المشاركات
    13,804

    افتراضي

    بارك الله فيكم ، ونفع بكم على هذه الفوائد القيمة .
    وأيضا : من حدث عن أهل إقليم فحفظ حديثهم ، وحدث عن غيرهم فلم يحفظ .
    فحديث الراوي عن أهل بلد معين ، فقد يكون ثقة في الشاميين ، ويكون ضعيفا في غيرهم ، كإسماعيل بن عياش مثلا .
    قال البخاري - وقوله مشهور جدا - : إذا حدث عن أهل بلده فصحيح ، وإذا حدث عن غيرهم ففيه نظر.

    وكمعمر بن راشد :
    قال يعقوب بن شيبة - كما في شرح علل الترمذي - : سماع أهل البصرة من معمر حين قدم عليهم فيه اضطراب ؛ لأن كتبه لم تكن معه .

    وشيء آخر:
    من حدث عنه أهل إقليم فحفظوا حديثه ، وحدث عنه غيرهم فلم يقيموا حديثه .
    منهم زهير بن محمد الخراساني.
    قال ابن عدي في الكامل : لعل الشاميين حيث رووا عنه أحطأوا عليه ، فإنه إذا حدث عنه أهل العراق فرواياتهم عنه شبه المستقيم ، وأرجو أنه لا بأس به .

  3. #3
    تاريخ التسجيل
    Nov 2012
    المشاركات
    16,352

    افتراضي

    وأمتثل قول ربي: {فَسَتَذْكُرُون ما أَقُولُ لَكُمْ ۚ وَأُفَوِّضُ أَمْرِي إِلَى اللَّهِ ۚ إِنَّ اللَّهَ بَصِيرٌ بِالْعِبَادِ}

  4. #4

    افتراضي

    اقتباس المشاركة الأصلية كتبت بواسطة أبو مالك المديني مشاهدة المشاركة
    بارك الله فيكم ، ونفع بكم على هذه الفوائد القيمة .
    وأيضا : من حدث عن أهل إقليم فحفظ حديثهم ، وحدث عن غيرهم فلم يحفظ .
    .
    بارك الله فيك أبا مالك وجزاكم الله خيرا على هذه الإطلالة ... لا حرمكم الله الأجر ...

  5. #5

    Post المَقَالةُ الثَّانِيةُ فِي المَدْخَلِ


    المَقَالةُ الثَّانِيةُ فِي المَدْخَلِ :
    تَنْبِيْهٌ : كُلُّ قَوْلٍ أَنْقُلُهُ هُنَا عَنْ أَحَدٍ فَإنَّنِي لا أَعْزُوْهُ إلَى مَصْدَرِهِ مَادَامَ فِي الكُتُبِ المَشْهُوْرَةِ التِي تَرْجَمَتْ لَهُ ، أَوْ لِمَنْ كَانَ مَعَ المُتَرْجَمِ ، فَمَثَلاً الإمَامُ أَحَمْدُ ؛ إذَا نَقَلْتُ عَنْهُ شَيْئاً وَلَمْ أَعْزُهُ لِمَصْدَرِهِ فَهُوَ مَوْجُوْدٌ فِي أحَدِ الكُتُبِ المَشْهُوْرَةِ التِي تَرْجَمَتْ لَهُ كَالجَرْحِ والتَّعْدِيْلِ لابنِ أَبِي حَاتِمٍ ، أَوْ تَقْدُمَتِهِ ، أو تَارِيْخِ بَغْدَادَ لِلْخَطِيْبِ ، أَو تَارِيْخِ دِمَشْقَ لابنِ عَسَاكِرَ ، أَو تَهْذِيْبِ الكَمَالِ لِلْمِزِيِّ ، أو تَهْذِيْبِهِ لابنِ حَجَرٍ ، أو غَيْرِهَا مِنْ كُتُبِ التَّراجِمِ المَشْهُوْرةِ كَكُتُبِ الذَّهِبِيِّ وغَيْرِهِ ، أَو يَكُوْنُ المَصْدَرُ نَفْسَ هَذِهِ الكُتُبِ لِمَنْ ذُكِرَ مَعَ أَحْمَدَ فِي نَفْسِ القِصَّةِ أوِ المَقُوْلَةِ ، ومَا لَمْ يَكُنْ كَذَلِكَ فإنِّي أَعْزُوْهُ لِمَصْدَرِهِ .
    اسْتِقْرَارُ أُصُوْلِ الجَرْحِ والتَّعْدِيْلِ ، وأُصُوْلِ عِلَلِ الحَدِيْثِ ، واصْطِلاحَاتِ المُحَدِّثِيْن
    فِي عَهْدِِ أَئِمَّةِ الحَدِيْثِ الثَّلاثَةِ يَحْيَى وعَلِيٍّ وأَحْمَدَ
    فِي عَهْدِِ أَئِمَّةِ الحَدِيْثِ الثَّلاثَةِ يَحْيَى وعَلِيٍّ وأَحْمَدَ اسْتَقَرَّتْ عُلُوْمُ الحَدِيْثِ مِنَ الجَرْحِ والتَّعْدِيْلِ ، وعِلَلِ الحَدِيْثِ ، واصْطِلاحَاتِ المُحَدِّثِيْن .
    وعَنْهُم أخَذَ هَذِهِ العُلُوْمَ تَلامِيْذُهُم وأَهْلُ عَصْرِهِم كَالبُخَارِيِّ وأَبِي زُرْعَةَ وأَبِي حَاتِمٍ الرَّازِيَّيْنِ وغَيْرِهِم مِنْ أَئِمَّةِ هَذَا الشَّأنِ .
    ولِلأَئِمَّةِ نُقُوْلاتٌ فِي بَيَانِ هَذَا الأَمْرِ سَتَأتِي فِي ثَنَايَا تَرَاجُمِ هَؤلاءِ الأَئِمَّةِ الثَّلاثَة .
    التَّصْنِيْفُ فِي أُصُوْلِ الجَرْحِ والتَّعْدِيْلِ ، وأُصُوْلِ عِلَلِ الحَدِيْثِ ، واصْطِلاحَاتِ المُحَدِّثِيْن :
    لَمْ تَحْظَ عُلُوْمُ الحَدِيْثِ بالتَّصْنِيْفِ التَّأصِيْلِيِّ مِنْ أَئِمَّتِهِ الكِبَارِ يَحْيَى وعَلِيٍّ وأَحْمَدَ - الذَّيْنَ اسْتَقَرَّتْ عُلُوْمُ الحَدِيْثِ عِنْدَهُم - كَغَيْرِهَا مِنْ فُنُوْنِ العِلْمِ مِنْ أَئِمَّتِهِ ومُؤسِّسِيهِ ، - كَمَا سَيَأتِي تَفْصِيْلُ ذَلِكَ فِي مَوْضِعِه - مِمَّا جَعَلَ أُصُوْلَ هَذَا الفَنِّ ؛ - كَأُصُوْلِ عِلَلِ الحَدِيْثِ ، وأُصُوْلِ الجَرْحِ والتَّعْدِيْلِ ، واصْطِلاحَاتِ أَهْلِ الحَدِيْث - غَيْرَ وَاضِحَةٍ لِمَنْ جَاءَ بَعْدَهُمْ ؛ إلاَّ مَنْ تَلَقَّى هَذِهِ العُلُوْمَ عَنْهُمْ مُبَاشَرَةً ، وهَذَا مُلاحَظٌ فِي مَنْ أَخَذَ عَنْهُم مُبَاشَرَةً - كالبُخَارِيِّ وأَبِي زُرْعَةَ وأَبِي حَاتِمٍ الرَّازِيَّينِ وغَيْرِهِم - مِمَّنْ لَمْ يَأخُذْ عَنْهُمْ .
    وسَأَذْكُرُ فِي هَذَا البَابِ مَا يُوَضِّحُهُ ويُبَيِّنُهُ بِسِيَاقٍ تأرِيْخِيٍّ بِذِكْرِأَوَّلِ مَنْ أَثَّرَ فِي ذَلِكَ ، وعَمَّنْ مَنْ أخَذَ هَؤلاءِ الأئِّمَّةُ الثَّلاثّةُ هَذَا العِلْمَ ، ومَايَتْبَعُهُ فِي هَذَا البَابِ ، وذَلِكَ فِي ثَلاثَةِ مَطَالِبَ :
    المَطْلَبُ الأوَّلُ : مَنْ هُمْ شُيُوْخُ هُؤلاءِ الأَئِمَّةِ الثَّلاثَةِ الذَّيْنَ وَقَعَ لَهُمْ تَأثِيْرٌ عَلَيْهِم :
    أَشْهَرُ مَنْ انْتَهَتْ إلَيْهِ مَعْرِفَةُ عُلُوْمِ الحَدِيْثِ وأُصُوْلِهِ – قَبْلَ الثَّلاثَةِ الكِبَارِ يَحْيَى وعَلِيٍّ وأَحْمَدَ – ثَلاثَةٌ هُمْ : عَبْدُ اللهِ بنُ المُبَارَكِ المَرْوَزِيُّ ( 118 – 181 هـ ) ، ويَحْيَى بنُ سَعِيْدٍ القَطَّانُ ( 125 – 197 هـ ) ، وعَبْدُ الرَّحْمَن بنُ مَهْدِيٍّ ( 135 – 197 هـ ) البَصْرِيَّانِ ، والثَّلاثَةُ الكِبَارُ يَحْيَى وعَلِيٌّ وأَحْمَدُ أَخَذُوْا عَنْ هَؤلاءِ الثَّلاثَةِ سِوَى ابنِ المُبَارَكِ فَلَمْ يَأَخُذْ عَنْهُ سِوَى يَحْيَى بنِ مَعِيْنٍ .
    وهَؤلاءِ الثَّلاثَةُ الكِبَارُ – ابنُ المُبَارَكِ ، ويَحْيَى بنُ سَعِيْدٍ ، وابنُ مَهْدِيٍّ - أَخَذُوْا عَنْ أَئِمَّةِ الحَدِيْثِ الأَرْبَعَةِ الكِبَارِ ؛ وهُمْ : شُعْبَةُ بنُ الحَجَّاجِ البَّصْرِيُّ ( 87 – 160 هـ ) ، وسُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ ( 97 – 161 هـ ) ، ومالِكُ بنُ أَنَسٍ المَدَنِيُّ ( 93 – 179 هـ ) ، وعَبْدُ الرَّحْمَنُ بنُ عَمْرُوٍ الأَوْزَاعِيُّ ( 88 – 158 هـ ) ، والثَّلاثَةُ الكِبَارُ ابنُ المُبَارَكِ ، ويَحْيَى بنُ سَعِيْدٍ ، وابنُ مَهْدِيٍّ أَخَذُوْا عَنْ هَؤلاءِ الأَرْبَعَةِ سِوَى الأَوْزَاعِيِّ فَلَمْ يَأَخُذْ عَنْهُ ابنُ مَهْدِيٍّ.
    المَطْلَبُ الثَّانِي : أَوَّلُ مَنْ أَرْشَدَ الأَئِمَّةَ الثَّلاثَةَ يَحْيَى وعَلِيّاً وأَحْمَدَ بِكِتَابَةِ المُسْنَدِ جَمْعَاً ودِرَاسَةً واحْتِجَاجَاً :
    تَقّدَّمَ أنَّ أَحَدَ أَئِمَّةِ الحَدِيْثِ فِي طَبَقَةِ شُيُوْخِ الثَّلاثَةِ الكِبَارِ يَحْيَى وعَلِيٍّ وأَحْمَدَ ؛ ابنُ المُبَارَكِ المَرْوَزِيُّ ،وهُوَ – كَمَا تَقَدَّمَ - أحَدُ أَئِمَّةِ الحَدِيْثِ الكِبَارِ الذَّيْنَ أَثَّرُوْا فِيمَنْ بَعَدَهُمْ ، وهُوَ أوَّلُ مَنْ رَأيْتُهُ تَكَلَّمَ فِي طَبَقَاتِ " الرُّوَاةِ المَشْهُوْرِيْن َ بطَبَقَاتِ الأَصْحَابِ " ، وهُوَ مِنْ أَوَائِلِ مَنِ افْتَخَرَ بِهِ وُلاةُ أَهْلِ السُّنَّةِ وأُمَرَائُهُم فِي فَضْحِ الكَذَبَةِ فِي حَدِيْثِ رَسُوْلِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ ، وغَيْرِ ذَلِكَ مِنْ مَحَاسِنِهِ التَّي سَيَأتِي بَيَانُهَا وذِكْرُهَا فِي تَرْجَمَتِه لاحِقَاً بِإذْنِهِ تَعَالى وتَيْسِيْرِهِ .
    وهَذَا الإمَامُ الكَبِيْرُ قَد أَخَذَ عَنْهُ أَئِمَّةٌ كِبَارٌ ومِنْهُم أَبُو عَبْدِ اللهِ نُعَيْمُ بنُ حَمَّادٍ المَرْوَزِيٌّ ( - 128 هـ ) الذَّي لَمْ يَرْحَلْ مِنْ مَرْو إلاَّ بَعْدَ وَفَاةِ شَيْخَهِ ابنِ المُبَارَكِ فَقَدْ لازَمَهُ مُدَّةً طَوِيْلَةً ارْتَوَى فِيْهَا مِنْ عِلْمِهِ بِمَا أَغْنَاهُ عَنِ الكَثِيْرِ مِنْ أَقْرَانِ شَيْخِهِ .
    ومَقْصَدُنَا هُنَا أنَّ نُعَيْمَ بنَ حَمَّادٍ هُوَ أوَّلُ مَنْ أَرْشَدَ الأَئِمَّةَ الثَّلاثَةَ يَحْيَى وعَلِيّاً وأَحْمَدَ - ومَنْ فِي زَمَانِهِمْ - إلى العِنَايَةِ بالمُسْنَدِ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ : كِتَابَةً وجَمْعَاً ، مُذَاكَرَةً وحِفْظَاً ، تَحْقِيْقَاً ومَعْرِفَةً ؛ لِصَحِيْحِهِ مِنْ سَقِيْمِهِ ، ومُتَّصِلِهِ مِنْ مُنْقَطِعِه .
    فَكَانَ حَثُّهُ لَهُمْ دَافِعَاً لنَقْلَةٍ نَوْعِيَّةٍ فِي هَذَا العِلْمِ وفُنُوْنِهِ .
    قال أَحْمَدُ بنُ حَنْبَلٍ - فِيمَارَوَاهُ عَنْهُ أَبُو بَكْرٍ المَرُّوْذِيُّ - :
    جَاءَنَا نُعَيْمُ بنُ حَمَّادٍ - ونَحْنُ عَلَى بَابِ هُشَيْمٍ ، نَتَذَاكَرُ المُقَطَّعَاتِ - فَقَالَ : جَمَعْتُمْ حَدِيْثَ رَسُوْلِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْه وسَلَّمَ ؟! قَالَ : فَعُنِيْنَا بِهَا مُنْذُ يَوْمَئِذٍ .
    وفِي رِوَايَةٍ عَنْ أَحمَدَ بنِ حَنْبَلٍ : قَدِمَ عَلَيْنَا نُعَيْمٌ فَحَضَّنَا عَلَى طَلَبِ المُسْنَدِ .
    والذَّي يَظْهَرُ لِي أَنَّ مَا حَكَاهُ أحَمْدُ مِنْ حَثِّ نُعَيْمٍ لَهُم يَكُوْنُ بَيْنَ سَنَةِ تِسْعٍ وسَبْعِيْنَ وسَنَةِ ثَلاثٍ وثَمَانِيْنَ .
    فَكَمَا سَيَأتِي فِي تَرْجَمَةِ أحْمَدَ بنِ حَنْبَلٍ قَوْلُهُ : سَمِعْتُ مِنْ هُشَيْمٍ سَنَةَ تِسْعٍ وسَبْعِيْنَ ، وهِيَ أَوَّلُ سَنَةٍ طَلَبْتُ فِيْهَا الحَدِيْثَ .
    وهُشَيْمٌ مَاتَ فِي شَعْبَانَ سَنَةَ ثَلاثٍ وثَمَانِيْنَ ومِائَةٍ .
    والأَقْرَبُ أن يَكُوْنَ بَعْدَسَنَة إحدَى وَثَمَانِيْن لِكَوْنِ نُعَيْمٍ لَمْ يَرْحَلْ مِنْ مَرْو إلاَّ بَعْدَ وَفَاةِ شَيْخِه ابنِ المُبَارَكِ سَنَةَ إحدَى وَثَمَانِيْنَ ومِائَةٍ ، وهِيَ السَّنَةُ التَّي مَاتَ فِيْهَا ابنُ المُبَارِكِ شَيْخُ نُعَيْمٍ .
    فَيَكُوْنُ قُدُوْمُ نُعَيْمٍ لَهُمْ وحَثُّهُمْ عَلَى طَلَبِ المُسْنَدِ بَيْنَ سَنَةِ إحدَى وثَمَانِيْنَ وثَلاثٍ وثَمَانِيْن ومِائَةٍ .
    ونُعَيْمٌ ؛ هُوَ ابنُ حَمَّادِ بنِ مُعَاوِيَةَ الخُزَاعِيُّ المَرْوَزِيُّ ، أَبُو عَبْدِ اللهِ نَزِيْلُ مِصْرَ ، أحَدُ أَئِمَّةِ أَهْلِ السُّنَّةِ والحَدِيْثِ ، حُبِسَ بِسَامُرَّاءَ بِسَبَبِ مِحْنَةِ خَلْقِ القُرْآنِ حَتَّى مَاتَ سَنَةَ ثَمَانٍ وعِشْرِيْنَ ومِائَتَيْنِ ، وأَوْصَى أَنْ يُدْفَنَ فِي قُيُوْدِهِ .
    وهُشَيْمٌ ؛ هُوَ ابنُ بَشِيْرِ بنِ القَاسِمِ بنِ دِيْنَارٍ السُّلَمِيُّ ، أَبُو مُعَاوِيَةَ ابنِ أَبِي خَازِمٍ الوَاسِطِيُّ .
    وهُشَيْمٌ أَحَدُ شُيُوْخِ أهْلِ الحَدِيْثِ الكِبَارِ ، وفِي حَدِيْثِهِ وحِفْظِهِ يُقَارَنُ بِسُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ وشُعْبَةَ ، وهُوَ شَيْخُ المُحَدِّثِيْنَ فِي زَمَانِهِ بالعِرَاقِ وكَانَ يَسْكُنُ بِوَاسِطٍ – بَيْنَ الكُوْفَةِ والبَّصْرَةِ – وتُوُفِّيَ فِي شَعْبَانَ سَنَةَ ثَلاثٍ وثَمَانِيْنَ ومِائةٍ .
    ***
    ويَأتِي فِي المَقَالَةِ الثَّالِثَةِ : المَطْلَبُ الثَّالِثُ : قُدُوْمُ الشَّافِعِيِّ عَلى أهْلِ الحَدِيْثِ ، وتَصْحِيْحُهُ الطَرِيْقَ لِفِقْههِ وحُجِّيَّتِهِ ، دُوْنَ عِلَلِهِ وجَرْحِهِ وتَعْدِيْلِهِ ؛ فَلَمْ يُقَدِّمْ لَهُمْ فِيْهِ شَيْئَاً بَلْ هُوَ أَخَذَ عَنْهُم ذَلِكَ .
    ***
    انتهى ، وللهِ الحمدُ والمِنَّةُ ، وكَتَبَه أبو محمد عبد الوهاب بن عبد العزيز الزيد – 3/4/1437 هـ .

    رابط المقالة الأولى ..
    http://majles.alukah.net/t155167/#post832221
    http://hdeth.com

  6. #6
    تاريخ التسجيل
    Nov 2012
    المشاركات
    13,804

    افتراضي

    وفيكم بارك الله ، ونفعنا وإياكم بما تكتبون وتحررون .

  7. #7

    Post المَقَالةُ الثَّالِثَةُ فِي المَدْخَل

    المَقَالةُ الثَّالِثَةُ فِي المَدْخَل
    المَطْلَبُ الثَّالِثُ : قُدُوْمُ الشَّافِعِيِّ عَلى أهْلِ الحَدِيْثِ ، وتَصْحِيْحُهُ الطَرِيْقَ لِفِقْهِهِ وحُجِّيَّتِهِ ، دُوْنَ عِلَلِهِ وجَرْحِهِ وتَعْدِيْلِهِ ؛ فَلَمْ يُقَدِّمْ لَهُمْ فِيْهِ مَايُقَارِبُ مَاقَدَّمَهُ لَهُمْ فِي فِقْههِ وحُجِّيَّتِهِ ، بَلْ هُوَ أَخَذَ عَنْهُم ذَلِكَ :
    بَرَزَ نَجْمُ أَبِي عَبْدِ اللهِ مُحَمَّدِ بنِ إدْرِيْسَ الشَّافِعِيِّ المُطَّلِبِيِّ القُرَشِيِّ فِي بَدْءِ أمْرِهِ وطَلَبِهِ لِلْعِلْمِ ، إذْ كَانَ بِالحِجَازِ أوَّلَ أَمْرِهِ وطَلَبِهِ لِلعِلْمِ ، ولَمْ يَرْحَلْ لِلعِرَاقِ إلاَّ بَعْدَ وَفَاةِ شَيْخِهِ الإمَامِ أَبِي عَبْدِ اللهِ مَالِكِ بنِ أَنَسٍ – رَحْمَةُ اللهِ تَعَالى عَلَيْهِمَا - ، وقَد رَحَلَ لِليَمَنِ وأقَامَ فِيْهَا مُدَّةً قَبْلَ خُرُوْجِهِ لِلعِرَاقِ ، وقَدْ تُوُفِّيَ مَالِكٌ فِي رَبِيْعٍ الأوَّلِ سَنَةَ تِسْعٍ وسَبْعِيْنَ ومِائَةٍ ، فَرِحْلَةُ الشَّافِعِيِّ لِلعِرِاقِ بَعْدَ سَنَةِ ثَمَانِيْنَ ومِائَةٍ .
    وأمَّا قُدُوْمُهُ لِلعِرَاقِ ؛ فَقَدْ قَدِمَهَا لِطَلَبِ العِلْمِ وتَعْلِيْمِهِ ، وجَالسَ مُحَمَّدَ بنَ الحَسَنِ صَاحِبَ أبِي حَنِيْفَةَ ، وأخَذَ عَنْهُ فِقْهَ أبِي حَنِيْفَةَ ، ونَاقَشَهُ فِيْهِ .
    قالَ الحَسَنُ بنُ مُحَمَّدٍالزَّع ْفَرَانِيُّ : قَدِمَ عَلَيْنَا الشَّافِعِيُّ بَغْدَادَ سَنَةَ خَمْسٍ وتِسْعِيْنَ ومِائَةٍ ، فَأَقَامَ عِنْدَنَا سَنَتَيْنِ ، ثُمَّ خَرَجَ إلى مَكَّةَ ، ثُمَّ قَدِمَ عَلَيْنَا سَنَةَ ثَمَانٍ وتِسْعِيْنَ فَأَقَامَ عِنْدَنَا أَشْهُرَاً ، ثُمَّ خَرَجَ .
    ومِنْ أَشْهَرِ مَنْ قَابَلَهُمْ فِي رِحْلَتِهِ لِلعِرَاقِ ثَلاثَةٌ ؛ اثْنَانِ فِي مَقَامِ شُيُوْخِهِ وثّالِثُهُمْ فِي مَقَامِ تَلامِيْذِهِ :
    فَأمَّا مَنْ هُمْ فِي مَقَامِ شُيُوْخِهِ فيَحْيَى بنُ سَعِيْدٍ القَطَّانُ ، وعَبْدُ الرَّحْمَنِ بنُ مَهْدِيٍّ البَّصْرِيَّانِ ، وأمَّا مَنْ هُوَ فِي مَقَامِ تَلامِيْذِهِ فأحْمَدُ بنُ حَنْبَلٍ .
    وبِقَدْرِ مَا اسْتَفَادَ يَحْيَى وابنُ مَهْدِيٍّ ، وأَحْمَدُ بنُ حَنْبَلٍ ، وأَصْحَابُ الحَدِيْثِ مِنَ الشَّافِعِيِّ فِي أَدِلَّةِ الاحْتِجَاجِ ؛ مِنَ الكِتَابِ ، والسُّنَّةِ ، والإجْمَاعِ ، والقِيَاسِ ، ومَرَاتِبِهِم فِيْهِ ، وطُرُقِ مَعْرِفَتِهَا - مِمَّا اضْطَرَّ عَبْدَ الرَّحْمَنِ بنَ مَهْدِيٍّ أنْ يطَلَبَ مِنَ الشَّافِعِيِّ وهُوَ فِي مَقَامِ تِلْمِيْذِهِ أنْ يَضَعَ لَهُ كِتَابَاً فِيْهِ مَعَانِيَ القُرْآنِ ، ويَجْمَعُ فُنُوْنَ الأَخْبَارِ فِيْهِ ، وحُجَّةَ الإجْمَاعِ ، وبَيَانَ النَّاسِخِ والمَنْسُوْخِ مِنَ القُرْآنِ والسُّنَّةِ ، - فإنَّ الشَّافِعِيَّ اسْتَفَادَ مِنْهُم وبِالأخَصِّ مِنْ أحْمَدَ بنِ حَنْبَلٍ ؛ فِي عُلُوْمِ الحَدِيْثِ ، وبِخَاصَّةٍ فِي مَعْرِفَةِ الصَّحِيْحِ والضَّعِيْفِ ، ومَا يُؤخَذُ مِنْ فَنِّ العِلَلِ ، والجَرْحِ والتَّعْدِيْلِ ، وكَتَبَ شَيْئَاً مِنْ ذَلِكَ فِي كِتَابِهِ .
    فَأمَّا استِفَادَةُ الثَّلاثَةِ - يَحْيَى وابنِ مَهْدِيٍّ ، وأَحْمَدَ بنِ حَنْبَلٍ - مِنَ الشَّافِعِيِّ :
    قالَ أبُو ثَوْرٍ : كَتَبَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بنُ مَهْدِيٍّ إلَى الشَّافِعِيِّ - وهُوَ شَابٌّ - أنْ يَضَعَ لَهُ كِتَابَاً ؛ فِيْهِ مَعَانِي القُرْآنِ ، ويَجْمَعُ فُنُوْنَ الأَخْبَارِ فِيْهِ ، وحُجَّةَ الإِجْمَاعِ ، وبَيَانَ النَّاسِخِ والمَنْسُوْخِ مِنَ القُرْآنِ والسُّنَّةِ ، فَوَضَعَ لَهُ كِتَابَ " الرِّسَالة " .
    قالَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بنُ مَهْدِيٍّ : مَا أُصَلِّي صَلاةً إلاَّ وأنَا أدْعُوْ للشَّافِعِيِّ فِيْهَا .
    وقالَ هَارُوْنُ : ذَكَرَ يَحْيَى بنُ سَعِيْدٍ القَطَّانُ الشَّافِعِيَّ ، فَقَالَ : مَا رَأيْتُ أَعْقَلَ - أَو أَفْقَهَ – مِنْهُ .
    قالَ : وعَرَضَ عَلَيْهِ كِتَابَ " الرِّسَالةِ " لَهُ .
    وقالَ الحَسَنُ بنُ الصَّبَّاحِ : حُدِّثْتُ عَنْ يَحْيَى بنِ سَعِيْدٍ القَطَّانِ أَنَّهُ قَالَ : أَنَا أَدْعُو اللهَ عَزَّ وجَلَّ للشَّافِعِيِّ فِي صَلاتِي مِنْذُ أَرْبِعِ سِنِيْنَ .
    وقالَ الفَضْلُ بنُ زِيَادٍ عَنْ أحْمَدَ بنِ حَنْبِلٍ قَالَ : هَذَا الذَّي تَرَوْنَ كُلَّهُ - أَوْ عَامَّتَهُ - مِنَ الشَّافِعِيِّ ، ومَا بِتُّ مِنْذُ ثَلاثِيْنَ سَنَةً إلاَّ وأنَا أدْعُوْا اللهَ للشَّافِعِيِّ وأسْتَغْفِرُ لَهُ .
    وقالَ يَحْيَى بنُ مُحَمَّدِ بنِ صَاعِدٍ : سَمِعْتُ أَبَا عَبْدِ اللهِ أَحْمَدَ بنَ حَنْبَلٍ يَقُوْلُ : كَانَ الفُقَهَاءُ أَطِبَّاءَ ، والمُحَدِّثُوْن َ صَيَادِلَةً ، فَجَاءَ مُحَمَّدُ بنُ إدْرِيْسَ الشَّافِعِيُّ طَبِيْبَاً صَيْدَلانِيَّاً ، مَا مَقَلَتِ العُيُوْنُ مِثْلَهُ أَبَداً .
    وقالَ أبُو غَالِبٍ عَلِيُّ بنُ أَحْمَد بنِ النَّضْرِ الأَزْدِيُّ : سَمِعْتُ أَحْمَدَ بنَ حَنْبِلٍ - وسُئِلَ عَنِ الشَّافِعِيِّ – فَقَالَ : لَقَدْ مَنَّ اللهُ عَلِيْنَا بِهِ ، لَقَدْ كُنَّا تَعَلَّمْنَا كَلامَ القَوْمِ ، وكَتَبْنَا كُتُبَهُمْ ، حَتَّى قِدَمَ عَلَيْنَا الشَّافِعِيُّ ، فَلَّمَا سَمِعْنَا كَلامَهُ عَلِمْنَا أَنَّهُ أَعْلَمُ مِنْ غَيْرِهِ ، وقَدْ جَالسْنَاهُ الأيَّامَ والليَاليَ ، فَمَا رَأيْنَا مِنْهُ إلاَّ كُلَّ خَيْرٍ .
    وغَيْرُ هَؤلاءِ الثَّلاثَةِ مِنْ أهْلِ العِلْمِ مِنَ المُحَدِّثِيْنَ وغَيْرِهِم اسْتَفَادُوْا مِنَ الشَّافِعِيِّ :
    قالَ مُحَمَّدُ بْنُ يَحْيَى بْنِ حَسَّانَ : سَمِعْتُ أَحْمَدَ بْنَ حَنْبَلٍ قَالَ: كَانَتْ أَقْفِيَتُنَا أَصْحَابَ الْحَدِيثِ فِي أَيْدِي أَصْحَابِ أَبِي حَنِيفَةَ مَا تُنْزَعُ ، حَتَّى رَأَيْنَا الشَّافِعِيَّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - وَكَانَ أَفْقَهَ النَّاسِ فِي كِتَابِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ وَفِي سُنَّةِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، مَا كَانَ يَكْفِيهِ قَلِيلُ الطَّلَبِ فِي الْحَدِيثِ .
    وقالَ دُبَيْسٌ : كُنْتُ مَعَ َأَحْمَدَ بْنِ حَنْبَلٍ فِي الْمَسْجِدِ الْجَامِعِ ، فَمَرَّ حُسَيْنٌ - يَعْنِي الْكَرَابِيسِيّ َ – فَقَالَ : هَذَا - يَعْنِي الشَّافِعِيَّ - رَحْمَةٌ مِنَ اللَّهِ لأُمَّةِ مُحَمَّدٍ .
    ثُمَّ جِئْتُ إِلَى حُسَيْنٍ ، فَقُلْتُ : مَا تَقُولُ فِي الشَّافِعِيِّ؟ فَقَالَ : مَا أَقُولُ فِي رَجُلٍ ابْتَدَأَ فِي أَفْوَاهِ النَّاسِ الْكِتَابَ، وَالسُّنَّةَ، وَالاتِّفَاقَ؟ ! ! مَا كُنَّا نَدْرِي مَا الْكِتَابُ وَالسُّنَّةُ ، نَحْنُ وَلا الأَوَّلُونَ ، حَتَّى سَمِعْنَا مِنَ الشَّافِعِيِّ الْكِتَابَ ، وَالسُّنَّةَ ، وَالإِجْمَاعَ .
    قَالَ الزَّعْفَرَانِي ُّ : كُنَّا لَو قِيْلَ لَنَا : سُفْيَانُ عَنْ مَنْصُورٍ عَنْ إِبْرَاهِيمَ عَنْ عَلْقَمَةَ عَنْ عَبْدِ اللهِ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ؟ قُلْنَا : هَذَا مَأْخُوذٌ ، وَهَذَا غَيْرُ مَأْخُوذٍ .حَتَّى قَدِمَ عَلَيْنَا الشَّافِعِيُّ فَقَالَ : مَا هَذَا ؟! ، إِذا صَحَّ الحَدِيثُ عَنْ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسلَّمَ فَهُوَ مَأْخُوذٌ بِهِ ؛ لَا يُتْركُ لقَوْلِ غَيْرِهِ .
    قَالَ : فَنَبَّهَنَا لشَيْءٍ لَمْ نَعْرِفُه - يَعْنِي نَبَّهَنَا لِهَذَا الْمَعْنَى - . (مختصر المؤمل في الرد إلى الأمر الأول 1/59 ) .
    وأمَّا مَاستفَادَهُ الشَّافِعِيِّ مِنَ الثَّلاثَةِ :
    فَيَحْيَى بنُ سَعِيْدٍ وعَبْدُ الرَّحمَنِ بنُ مَهْدِيٍّ – وَهُمَا كَمَا تَقَدَّمَ انْتَهَتْ إلَيْهِمَا المَعْرِفَةُ بالحَدِيْثِ صَحِيْحِهِ وضَعِيْفِهِ ، مُسْتَقِيْمِهِ ومَعْلُوْلِهِ ، رِجَالِهِ ورُوَاتِهِ – قَدْ اسْتَفَادَ مِنْهُمَا الشَّافِعِيُّ وحَدَّثَ عَنْهُمَا فِي كُتُبهِ .
    وأمَّا أحْمَدُ بنُ حَنْبَلٍ فَقَد اسْتَفَادَ مِنْهُ الكَثِيْرَ ، وحَدَّثَ عَنْهُ فِي كُتُبِهِ ، بَلْ صَرَّحَ الشَّافِعِيُّ أنَّه لَمْ يَرَ بالعِرَاقِ أَعْلَمَ مِنْ أحْمَدَ بنِ حَنْبَلٍ ، وكَانَ الشَّافِعِيُّ يَرْجِعُ إلَى أحْمَدَ فِي مَعْرِفَةِ صَحِيْحِ الحَدِيْثِ مِنْ سَقِيْمِهِ .
    قالَ حَرْمَلَةُ بنُ يَحْيَى : سَمِعْتُ الشَّافِعِيَّ يَقُوْلُ : خَرَجْتُ مِنْ بَغْدَاذَ ومَا خَلَّفْتُ بِهَا أَفْقَهَ ولا أَزْهَدَ ولا أَوْرَعَ ولا أَعْلَمَ مِنْ أَحْمَدَ بنِ حَنْبَلٍ .
    قالَ البَيْهَقِيُّ : إنَّمَا قَالَ هَذَا إمَامُنَا أَبُو عَبْدِ اللهِ مُحَمَّدُ بنُ إدْرِيْسَ الشَّافِعِيُّ عَنْ تَجْرُبَةٍ ومَعْرِفَةٍ مِنْهُ بِحَالِ أَبِي عَبْدِ اللهِ - رَحِمَهُ اللهُ - .
    وقالَ عَبْدُ اللهِ بنُ أَحْمَدَ بنِ حَنْبَلٍ : سَمِعْتُ أَبِي يَقُوْلُ : قَالَ الشَّافِعِيُّ : أَنْتُمْ أَعْلَمُ بِالأخْبَارِ الصِّحَاحِ مِنَّا، فَإذَا كَانَ خَبَرٌ صَحِيْحٌ فَأَعْلِمْنِي حَتَّى أَذْهَبَ إلَيْهِ ، كُوْفِيَّاً كَانَ ، أَوْ بَصْرِيَّاً ، أَوْ شَامِيَّاً.
    وقالَ عَبْدُ اللهِ بنُ أَحْمَدَ بنِ حَنْبَلٍ عَنْ أَبِيهِ - وَذُكِرَ الشَّافِعِيُّ رَحِمَهُ اللهُ عِنْدَهُ - فَقَالَ : مَا اسْتَفَادَ مِنَّا أَكْثَرَ ِممَّا اسْتَفَدْنَا مِنْهُ .
    وَقَالَ عَبْدُ اللهِ بنُ أَحْمَدَ بنِ حَنْبَلٍ : قَالَ لِي أَبِي : إنِّي كُنْتُ أُجَالِسُ مُحَمَّدَ بنَ إدرِيْسَ الشَّافِعِيَّ بِمَكَّةَ ، فَكُنْتُ أُذَاكِرُهُ بِأَسْمَاءِ الرِّجَالِ ؛ فَقَالَ : رُوِّيْنَا عَنْ عُمَرَ بنِ الخَطَّابِ عَنْ أَهْلِ المَدِيْنَةِ ؛ عَنْ فُلانِ بنِ فُلانِ بنِ فُلانٍ ، فَلا يَزَالُ يُسَمِّي رَجُلاً رَجُلاً ، وأُسَمِّي لَهُ جَمَاعَةً ، ويَذْكُرُ هُوَ عَدَداً مِنْ أَهْلِ مَكَّةَ ، وأَذْكُرُ أَنَا جَمَاعَةً مِنْهُمْ .
    وَقَال عَبْدُ اللهِ بنُ أَحْمَدَ بنِ حَنْبَلٍ : كُلُّ شَيءٍ فِي كِتَابِ الشَّافِعِيِّ : أَنَا الثِّقَةُ ؛ فَهُوَ عَنْ أَبِي .
    وقالَ أبُو مُحَمَّدٍ عَبْدُ الرَّحْمَنِ ابنُ أَبِي حَاتِمٍ : سَمِعْتُ أَبِي يَقُوْلُ : كَانَ أَحْمَدُ بنُ حَنْبَلٍ بَارِعَ الفَهْمِ لِمَعْرِفَةِ الحَدِيْثِ بِصَحِيْحِهِ وسَقِيْمِهِ ، وتَعَلَّمَ الشَّافِعِيُّ أَشْيِاءَ مِنْ مَعْرِفَةِ الحَدِيْثِ مِنْهُ .
    وكَانَ الشَّافِعِيُّ يَقُوْلُ لأَحْمَدَ : حَدِيْثُ كَذَا وكَذَا قَوِىُّ الإسْنَادِ ، مَحْفُوْظٌ ؟ فَإذَا قَالَ أَحْمَدُ : نَعَمْ ، جَعَلَهُ أَصْلاً وبَنَى عَلَيْهِ .
    كِتَابُ " الرِّسَالة " للشَّافِعِيِّ :
    فالشَّافِعِيُّ رَحِمَهُ اللهُ أَلَّفَ كِتَابَهُ " الرِّسَالَةَ " لِبَيَانِ مَعَانِي الكِتَابِ والسُّنَّةِ والإجْمَاعِ ، وتَرْتِيْبِ الاحْتِجَاجِ بِهَا وطَرِيْقَةِ مَعْرِفَةِ الاسْتِدْلالِ بِهَا ، وغَيْرِ ذَلِكَ مِمَّا يَحتَاجُهُ طَالِبُ العِلْمِ ، فَقَدْ ضَمَّنَهُ مَسَائِلَ مِنْ عُلُوْمِ الحَدِيْثِ مِمَّا يَتَعَلَّقُ بِمَعْرِفَةِ الحَدِيْثِ ؛ صِحَّةً وضَعْفَاً ، اتِصَالاً وانْقِطَاعاً ، سَمَاعَاً وتَدْلِيْسَاً ، رُوَاةً ورِجَالاً ، إلاَّ أنَّه لَمْ يَتَكَلَّم عَنْ أُصُوْلِ عِلَلِ الحَدِيْثِ وقَوَاعِدِهِ ، ولا عَنْ أُصُوْلِ الجَرْحِ والتَّعْدِيْلِ وقَوَاعِدِه ، وحَيْثُ إِنَّ كِتَابَهُ عُمْدَةٌ لِمَنْ بَعْدَهُ مِمَّا جَعَلَ مَنْ بَعْدَهُ يَغْفَلُ عَنْ كِتَابَتِهَا خَاصَّةً مَنْ يَعْرِفُهَا ويُمَارِسُهَا .
    ثُمَّ تَابَعَ أهْلُ الحَدِيْثِ الكِتَابَةَ فِي عُلُوْمِ الحَدِيْثِ رِوَايَةً ودِرَايَةً ، إلى وَقْتِنَا هَذَا ، وسَيَأتِي فِي " اصْطِلاحَاتِ أهْلِ الحَدِيْثِ " الكَلامُ بالتَّفْصِيلِ عَنِ المُصَنَّفَاتِ فِي عُلُوْمِ الحَدِيْثِ مِن بَدْءِ التَّصْنِيْفِ إلى هَذَا الوَقْت بِتَيْسِيْرِ اللهِ وإعَانَتِهِ .
    فَقَدَّمَ الشَّافِعِيُّ – رَحْمَةُ اللهِ تَعَالى عَلَيْهِ – الكَثِيْرَ لأهْلِ العِلْمِ مِنْ أَهْلِ السُّنَّةِ ؛ مِنَ المُحَدِّثِيْنَ ، والفُقَهَاءِ ، والأُصُوْلِيِّي ْنَ ، والمُفَسِّرِيْن َ ، والعَقَدِيِّيْن َ ، وغَيْرِهِم مِنْ أََهْلِ العِلْم ، وكَانَ نَصِيْبُ أَهْلِ الحَدِيْثِ الحَظَّ الأَوْفَرَ مِنْ كِتَابِه .
    ***
    ويَأتِي فِي المَقَالَةِ الرَّابِعَةِ : تَرَاجِمِ الأَئِمَّةِ الثَّلاثَةِ الكِبَارِ .
    ***
    انتهى ، وللهِ الحمدُ والمِنَّةُ ،
    وكَتَبَه أبو محمد عبد الوهاب بن عبد العزيز الزيد
    6/5/1437 هـ .

    موقع . جامع أهل السُّنَّة والحديث

    http://hdeth.com/


    المقالة الأولى :

    http://majles.alukah.net/t155167/#post830382



    http://majles.alukah.net/t155525/#post832222

  8. #8

    افتراضي المَقَالةُ الرَّابِعَةُ فِي المَدْخَل :

    المَقَالةُ الرَّابِعَةُ فِي المَدْخَل :
    والآنَ إلى تَرَاجُمِ الأَئِمَّةِ الثَّلاثَةِ الكِبَار :
    في أواخِرِ القَرْنِ الثَّاني وأوائِلِ الثَّالثِ بَرَزَ ثَلاثَةٌ مِنَ المُحَدِّثِيْنَ عَلَى أقرانِهِم ، وانْتَشَرَت مَعْرِفَتُهُم بالحَدِيْثِ ورِجَالِه وعِلَلِه ، والدِّرَايَةِ بِرُوَاتِه وشُيُوْخِه ، فَصَارَت شُهْرَتُهُم فِيْه كَالشَمْسِ فِي رَابِعَةِ النَّهَار، حَتَّى شُيُوْخُهُمْ عَرَفُوْا ذَلِكَ وسُرُّوا بِهِ ، وتَوَقَّاهُمُ الكَذَبَةُ وأَشْبَاهُهُم ، خَشْيَةَ كَشْفِهِم عُوَارَهُمْ وفَضْحِهِمْ ، وهَؤلاءِ الثَّلاثَةُ هُم : الإمامُ الكبيرُ أبِو زَكَرِيَّا يَحْيَى بنُ مَعِيْنٍ ( 158 – 233 هـ ) والإمَامُ المُبَجَّلُ أبِو عَبْدِ اللهِ أحمدُ بنُ حَنْبَلٍ ( 164 – 241 هـ ) البَغْدَادِيَّا نِ ، وثَالِثُهُمَا أبِو الحَسَنِ عَلِيُّ بنُ عبدِ اللهِ ابنُ المَدِيْنِيِّ نَزِيْلُ البَصْرَةِ ( 162 – 234 هـ ) .
    وأُوْلَى تَّرَاجُمِ الثَّلاثَةِ الكِبِارِ تَرْجَمَةُ أبِي زَكَرِيَّا يَحْيَى بنِ مَعِيْنٍ رَحْمَةُ اللهِ تَعَالى عَلَيْه :

    ( تَرْجَمَةُ أَبي زَكَرِيَّا يَحْيَى بنِ مَعِيْن – رَحْمَةُ اللهِ تَعَالى عَلَيْه - ) :
    ( ع ) : يَحْيَى بنُ مَعينِ بنِ عَونِ بنِ زيادِ بنِ بسطامِ بنِ عبدِ الرحمن - وقِيْلَ في نَسَبِهِ غيرُ ذلكَ - المَرَّيُّ الغَطَفَانيُّ مَولاهُمْ ، أَبُوْ زَكَرِيَّا البَغْداديُّ ، إمامُ الجَرْحِ والتَّعدِيْلِ .
    مَوْلِدُ أَبي زَكَرِيَّا يَحْيَى بنِ مَعِيْن :
    قال الحسينُ بنُ فَهُم : سمعتُ ابنَ مَعِيْنٍ يقولُ : وُلِدْتُ فِي خلافةِ أَبِي جعفرٍ سَنَةَ ثمانٍ وخمسينَ ومائةٍ فِي آخِرِهَا .
    وقال أَبُو بكرِ ابنُ أَبِي خَيْثَمَةَ : وُلِدَ يَحْيَى بنُ مَعِيْنٍ سَنَةَ ثمانٍ وخمسينَ ومائةٍ ، ومَاتَ بمدينةِ الرَّسولِ صلَّى اللهُ عَلَيْه وسلَّمَ سَنَةَ ثلاثٍ وثلاثينَ ومائتينِ ، وقَدْ اسْتَوْفَى خَمْسَاً وسَبْعِيْنَ سَنَةً ودَخَلَ فِي السِّتِّ ، ودُفِنَ بالبَقِيْعِ ، وصَلَّى عَلِيْهِ صَاحِبُ الشُّرْطَةِ .
    قال أَبُو العَبَّاسِ الْمَرْوَزِيُّ : كَانَ يَحْيَى مِنْ قريةٍ نَحْوَ الأَنْبارِ، يُقَالُ لَها: نِقْيَا .
    وقال أَحْمَدُ العجليُّ : يَحْيَى بنُ مَعِيْنٍ مِنْ أَهْلِ الأَنْبَارِ ، عَلَى اثْنَي عَشَرَ فَرْسَخًا مِنْ بَغْدَادَ، كَانَ أبوهُ كَاتِباً لعَبْدِ اللهِ بنِ مَالِكٍ .

    شُيُوْخُ أَبي زَكَرِيَّا يَحْيَى بنِ مَعِيْنٍ ، والرُّوَاةُ عَنْه :
    رَوَى عَنْ عبدِ السَّلامِ بنِ حَرْبٍ ، وعبدِ اللهِ بنِ المُبَاركِ ، وحَفْصِ بنِ غِيَاثٍ ، وجَرِيرِ بنِ عبدِ الحميدِ ، وهشامِ بنِ يُوسُفَ ، وعبدِالرَّزاقِ ، وابنِ عُيَيْنَة ، ووَكِيْعٍ ، وعبدِ الرَّحمنِ بنِ مَهْدِيِّ ، ويَحْيَى بنِ سَعِيْدٍ القطَّان ، وخَلْقٍ .
    وعَنْهُ البُخاريُّ ، ومُسْلمٌ ، وأَبُو دَاودَ - ورَوَوُا هُمْ أَيْضاً والباقونَ لَه بِوَاسطةِ عبدِ اللهِ بنِ مُحمد المُسْنديِّ وهَنَّادِ بنِ السَّريّ ، وهُمَا مِنْ أَقْرَانِه - ، ورَوَى عَنْه أَيْضَاً أحمدُ بنُ حَنْبل ، وأَبوخَيْثَمةَ - وهُمَا مِنْ أَقْرانِه - ، وتلامِذَتُه إبراهيمُ بنُ عبدِ اللهِ بنِ الجُنَيْد الخُتليُّ ، وأَبو بكرِ بنُ أَبي خَيْثَمة ، وأحمدُ بنُ محمد بنِ القاسمِ بنِ مُحْرِز ، وحَنْبلُ بنُ إسحاقَ ، وعَبَّاسٌ الدَّوْرِيُّ ، وعبدُ اللهِ بنُ أحمدَ بنِ حَنْبل ، ورَوَى عَنْه محمدُ بنُ يَحْيَى الذُّهْلِيُّ ، ويَعقوبُ بنُ شَيْبَة السَّدُوْسِيُّ ، وأَبُو حاتمٍ وأَبُو زُرْعةَ الرَّازِيَّانِ ، وأَبُو زُرْعَةَ الدِّمَشْقِيُّ ، وأَبُو يَعْلَى المَوْصِلِيُّ ، وأَحمدُ بنُ محمد بنِ عُبيدِ اللهِ التَّمَّارُ المُقْرِىءُ - وهُوَ آخرُ مَنْ حدَّثَ عَنْه - وآخرونَ .
    إمَامَةُ أَبي زَكَرِيَّا يَحْيَى بنِ مَعِيْن فِي الحَدِيْثِ ، وثَنَاءُ شُيُوْخِهِ عَلَيْه :
    اجتَهَدَ أبُو زَكَرِيَّا يَحْيَى بنُ مَعِيْنٍ فِي طَلَبِ الحَدِيْثِ ، وبَذَلَ فِيْه نَفْسَهُ ومَالَهُ – وقَد وَرِثَ عَنْ وَالِدِه مَالاً كَثِيْرَاً كَمَا سَيَأتِي – ورَحَلَ لأجْلِهِ إلى الأقْطَارِ والبُلْدَانِ ، ومَا تَرَكَ نَاحِيَةً ولا قَرْيَةً بِهَا حَدِيثٌ إلاَّ دَخَلَهَا وسَمِعَ مِمَّنْ بِهَا وَكَتَبَ كُلَّ مَاسَمِعَهُ ، بَلْ وكَانَ يَكْتُبُ عَنِ الشُّيُوْخِ عَلَى الوَجْهِ لِئَلا يَفُوْتُهُ شَيئٌ ، فَجَمَعَ أبُو زَكَرِيَّا يَحْيَى بنُ مَعِيْنٍ مَالَمْ يَجْمَعُه غَيْرُهُ ، كُلُّ ذَلِكَ مَعَ اليَقَظَةِ والفَهْمِ لِمَا يَسْمَعُهُ ويَنْتَقِيْهِ ، ويَحْفَظُ مَايَسْمَعُهُ ويَخْتَبِرُ بِه الشُّيُوْخَ والرُّوَاةَ ، حَتَّى غَدَا فِي ذَلِكَ الرَّاوِيَ البَصِيْر ، والنَّاقِدَ الفَهِيْمَ ، فَصَارَ المَرْجِعَ فِي مَعْرِفَةِ الحَدِيْثِ ورِجَالِهِ ، والخَبِيْرَ بِعُلُوْمِهِ وقَوَانِيْنِهِ ، والعَارِفَ بِجْرْحِهِ وتَعْدِيْلِهِ ، والمُمَيِّزَ لِمَجَاهِيْلِه وتَعْيِينِ مُبْهَمِيْهِ .
    ومِمَّا جَاءَ عَنِ الأئِمَّةِ عَنْهُ فِي ذَلَكَ :
    قال القَوَارِيْرِيّ ُ : قالَ لِي يَحْيَى : مَا قَدِمَ عَلَيْنَا مِثْلُ هَذَيْنِ الرَّجُلَيْنِ أَحْمَدَ ويَحْيَى .
    وقالَ عبدُ الخالقِ بنُ منصورٍ : قلتُ لابنِ الرُّوْمِيِّ : سمعتُ أبا سعيدٍ الحَدَّادَ يقولُ : النَّاسُ كُلُّهُم عِيَالٌ عَلَى يَحْيَى بنِ مَعِيْنٍ ، فقال : صَدَقَ مَا فِي الدُّنْيِا مِثْلُهُ ، سَبَقَ النَّاسَ إلى هَذَا البابِ الَّذِي هُوَ فِيهِ ، لَمْ يَسْبِقْه إِلَيْهِ أَحَدٌ، وأَمَّا مَنْ يجيء بعدُ فلا ندري كَيْفَ يَكُوْنُ .
    وقال ابنُ أَبِي الحَوَارِيِّ : مَا رَأيتُ أَبَا مُسْهِرٍ يَسْهُلُ لأَحَدٍ مِنَ النَّاسِ سُهُوْلَتَه لِيَحْيَى بنِ مَعِيْنٍ ، ولَقَدْ قَالَ لَه يَوْمَاً : هَلْ بَقِيَ مَعَكَ شيءٌ ؟ .
    وقال الأَصَمُّ عَن الدُّوْرِيِّ : رأيتُ أحمدَ فِي مَجْلِسِ رَوْحِ بنِ عُبَادَةَ - سَنَةَ خمسٍ ومائتينِ - يَسْألُ يَحْيَى ابنَ مَعِيْنٍ عَنْ أَشْيَاءَ ، يقولُ : يَا أَبَا زَكَرِيَّا ، كيفَ حديثُ كَذَا ، وكيفَ حديثُ كَذَا - يُرِيْدُ أَنْ يَسْتَثْبِتَه فِي أحاديثَ قَدْ سَمِعُوْهَا ، كُلُّ مَا قالَ يَحْيَى كَتَبَه أحمدُ ، وقَلَّمَا سمعتُ أحمدَ يُسَمِّيْهِ باسْمِه بَلْ يُكَنِّيْه .
    وقال عبدُ الخالقِ بنُ منصورٍ : قلتُ لابنِ الرُّوْمِيِّ: سمعتُ بعضَ أَصْحَابِ الحديثِ يُحَدِّثُ بأَحَادِيْثِ يَحْيَى ، ويقولُ : حَدَّثَنِي مَنْ لَمْ تطلعِ الشَّمسُ عَلَى أَكْبَرَ مِنْه ؟ فقال : ومَا تعجبُ ، سمعتُ ابنَ المَدِيْنِيِّ يقولُ : مَا رأيتُ فِي النَّاسِ مِثْلَهُ .
    وقال محمدُ بنُ عثمانَ بنِ أَبِي شَيْبَةَ سمعتُ عليَّاً يقولُ : كنتُ إذا قدمتُ إلى بغداد منذُ أَرْبعينَ سنةً كانَ الذي يُذاكرني أحمدُ بنُ حَنْبَل ، فَرُبَّمَا اخْتَلَفْنَا في الشيءِ فنسألُ يَحْيَى بنَ مَعِيْنٍ فيقومُ فيُخرِجُهُ ، مَا كانَ أَعْرَفَه بموضعِ حدِيْثِه .

    وَرَعُ أَبي زَكَرِيَّا يَحْيَى بنِ مَعِيْنٍ وإرَادَتُه اللهَ بِهَذَا العِلْمِ :
    قال هارونُ بنُ بَشِيْرٍ الرَّازِيُّ : رأيتُ يَحْيَى بنَ مَعِيْنٍ اسْتَقْبَلَ القِبْلَةَ رَافِعَاً يَدَيْهِ يقولُ : اللَّهُمَّ إنْ كنتُ تَكَلَّمْتُ فِي رَجُلٍ وليسَ هُوَ كَذَّابَاً فَلا تَغْفِر لِي .
    وقال الحسنُ بنُ عليلٍ العَنَزِيُّ : ثنا يَحْيَى بنُ مَعِيْنٍ قال : أَخْطَأ عَفَّانُ فِي نَيِّفٍ وعشرينَ حديثاً ، مَا أَعْلَمْتُ بِه أَحَدَاً ، وأَعْلَمْتُه فِيْمَا بَيْنِي وبَيْنَه ، ولَقَد طَلَبَ إليَّ خلفُ بنُ سالمٍ أَنْ أَذْكُرَهَا فَمَا قلتُ لَه .
    قال يَحْيَى : ومَا رأيتُ عَلَى رجلٍ قَطُّ خَطَأً إلاَّ سَتَرْتُه ومَا اسْتَقْبَلْتُ رجلاً فِي وَجْهِه بِمَا يَكْرَهُ ، ولَكِن أُبَيِّنُ لَه خَطَأَهُ فِإن قَبِلَ وإلاَّ تَرَكْتُه .
    وقال عبدُ الخالقِ بنُ منصورٍ : وسمعتُ ابنَ الرُّوْمِيِّ يقولُ : مَا رأيتُ أَحَدَاً قَطُّ يقولُ الحَقَّ فِي المَشَايِخِ غَيْرَ يَحْيَى .
    وقال الأَثْرَمُ : رَأَى أحمدُ بنُ حَنْبَل يَحْيَى بنَ مَعِيْنٍ بصَنْعَاءَ يَكْتُبُ صَحِيْفَةَ مَعْمَر عَنْ أَبَانَ عَنْ أَنَس ، فإذَا اطَّلَعَ عَلِيْهِ إنسانٌ كَتَمَهُ ، فقال لَه أحمدُ : تَكْتُبُ صَحِيْفَةَ مَعْمَر عَنْ أَبَان وتَعْلَمُ أَنَّهَا مَوْضُوْعَةٌ ؟ ! ، فَلَوْ قالَ لكَ قائلٌ : أَنْتَ تَتَكَلَّمُ فِي أَبَانَ ثُمَّ تَكْتُبُ حَدِيْثَه عَلَى الوَجْهِ ؟ فقال : رَحِمَكَ اللهُ يَا أبَا عَبْدِ اللهِ ، أَكْتُبُ هَذِهِ الصَّحِيْفَةَ عَنْ عبدِ الرَّزاقِ عَنْ مَعْمَرَ عَلَى الوَجْهِ ، فَأَحْفَظُهَا كُلَّهَا وأَعْلَمُ أَنَّهَا مَوْضُوْعَةٌ حَتَّى لا يَجِيءَ بَعْدَهُ إنسانٌ فَيَجْعَلَ بَدَلَ أَبَانَ ثَابِتَاً ، ويَرْوِيْهَا عَنْ مَعْمَر عَنْ ثَابِتٍ عَنْ أَنَسٍ ، فَأَقُوْلُ لَهُ : كَذَبْتَ ! إنَّمَا هِيَ عَنْ مَعْمَر عَنْ أَبَانَ لا عَنْ ثَابِتٍ .
    وقال أحمدُ بنُ عليٍّ الأَبَّارُ عَنْ ابنِ مَعِيْنٍ : كَتَبْنَا عَنِ الكَذَّابِيْنَ ثُمَّ سَجَرْنَا بِه التَّنُّوْر .

    أَكْثَرُ مَنْ كَتَبَ الحَدِيْثَ وعَرَفَهُ ورِجَالَهُ أَبو زَكَرِيَّا يَحْيَى بنُ مَعِيْن :
    وهُوَ أوَّلُ مَنْ جَلَسَ لِهَذَا الشَّانِ ، وبَقِيَّةُ النَّاسِ عِيَالٌ عَلَيْه .
    قال العِجْليُّ : مَا خَلَقَ اللهُ تَعَالى أَحَدَاً كَانَ أَعْرَفَ بالحديثِ مِنْ يَحْيَى بنِ مَعِيْنٍ ، ولَقَد كَانَ يَجْتَمِعُ مَعَ أحمدَ وابنِ المَدِيْنِيِّ ونُظَرَائِهِم فَكَانَ هُوَ الذَّي يَنْتَخِبُ لَهُم الأحاديثَ لا يَتَقَدَّمُه مِنْهُم أَحَدٌ ، ولَقَد كَانَ يُؤتَى بالأحاديثِ قَد خُلِطَتْ وتَلَبَّسَتْ فَيَقُوْلُ : هَذَا الحديثُ كَذَا ، وهَذَا كَذَا ، فَيَكُوْنُ كَمَا قالَ .
    وقالَ ابنُ عَدِيٍّ : عَنْ شيخٍ لَه : كان مَعِيْنٌ عَلَى خَرَاجِ الرَّيِّ ، فَخَلَّفَ لابنِه يَحْيَى ألفَ ألفِ دِرْهَمٍ وخمسينَ ألفَ دِرْهَمٍ ، فأَنفقه كُلَّه عَلَى الحديثِ .
    وقال محمدُ بنُ نَصْرٍ الطَبَرِيُّ : دَخَلتُ عَلَى ابنِ مَعِيْنٍ فوجدتُ عِنْدَه كذا و كذا سفطاً .
    قال : وسمعتُه يقولُ : كُلُّ حديثٍ لا يوجدُ هَاهُنَا - وأشارَ بيده إلى الأسفاطِ - فهو كَذِبٌ .
    قال : وسمعتُه يقولُ : قد كتبتُ بيديَّ ألفَ ألفِ حديثٍ .
    وقال ابنُ البراء : سمعتُ عليًّا يَقُولُ : لا نعلمُ أحدًا مِنْ لَدُنْ آدمَ كَتَبَ مِنَ الحديثِ مَا كَتَبَ يَحْيَى بنِ مَعِيْنٍ .
    وقال عليُّ بنُ أحمدَ بنِ النَّضرِ عَنِ ابنِ المَدِيْنِيِّ : انْتَهَى العِلْمُ إلى يَحْيَى بنِ آدمَ ، وبَعْدَهُ إلى يَحْيَى بنِ مَعِيْنٍ .
    وفِي رِوَايَةٍ عَنْه : انْتَهَى العِلْمُ إلى ابنِ المُبَاركِ ، وبَعْدَهُ إلى ابنِ مَعِيْنٍ .
    وقال أَبُو زُرْعَةَ الرَّازِيُّ - وغَيْرُهُ - عَنْ عليٍّ : دَارَ حديثُ الثِّقاتِ عَلَى ستةٍ .. ، ثُمَّ قالَ : مَا شَذَّ عَنْ هَؤلاءِ يَصِيْرُ إلى اثْنَي عَشَرَ .. ، ثُمَّ صَارَ حديثُ هَؤلاءِ كُلُّهُم إلى ابنِ مَعِيْنٍ .
    قال أَبُو زُرْعَةَ : ولَمْ يُنْتَفَعْ بِه ، لأنَّه كانَ يَتَكَلَّمُ فِي النَّاس
    [1] .
    وقال ابنُ البَرَاء عَنِ ابنِ المَدِيْنِيِّ : مَا رأيتُ يَحْيَى بنَ مَعِيْنٍ اسْتَفْهَمَ حديثاً ولا رَدَّهُ .
    وقال أَحْمَدُ بنُ عُقبةَ : سألتُ يَحْيَى بنَ مَعِيْنٍ : كَمْ كَتَبَتَ مِنَ الحديثِ يا أَبَا زكريَّا؟ قالَ: كتبتُ بيدي هَذِهِ سِتَّ مِائةِ ألفِ حديثٍ .
    قالَ أَحْمَدُ : وإني أظنُّ أنَّ المحدِّثينَ قد كَتَبوا لَهُ بأيديهم سِتَّ مِائة ألفٍ ، وسِتَّ مِائةِ ألفٍ .
    وقال مجاهدُ بنُ موسى : كان ابنُ مَعِيْنٍ يكتبُ الحديثَ نَيِّفَاً وخمسينَ مَرَّةً .
    وقال الدُّوريُّ عَنِ ابنِ مَعِيْنٍ : لَوْ لَمْ نكتبِ الحديثَ مِنْ ثلاثينَ وجهاً مَا عَقِلْنَاه .
    وقال أَبُو عُبيدٍ القَاسِمُ بنُ سَلَّام : انْتَهَى العِلْمُ إلى أَرْبَعَةٍ ؛ أَبُو بكرِ ابنُ أَبِي شَيْبَةَ أَسْرَدُهُمْ لَه ، وأحمدُ أَفْقَهُهُمْ فِيْهِ ، وعليُّ ابنُ المَدِيْنِيِّ أَعْلَمُهُمْ بِه ، ويَحْيَى بنُ مَعِيْنٍ أَكْتَبُهُمْ لَه .
    وفِي رِوَايَةٍ عَنْه : أَعْلَمُهُمْ بِصَحِيْحِه وسَقِيْمِه ابنُ مَعِيْنٍ .
    وقال محمدُ بنُ عثمانَ بنِ أَبِي شَيْبَةَ سمعتُ عليَّاً يقولُ : كنتُ إذا قدمتُ إلى بغدادَ منذُ أَرْبعينَ سنةً كانَ الذي يُذاكرني أحمدُ بنُ حَنْبَل ، فَرُبَّمَا اخْتَلَفْنَا في الشيءِ فنسألُ يَحْيَى بنَ مَعِيْنٍ فيقومُ فيُخرِجُهُ ، مَا كانَ أَعْرَفَه بموضعِ حدِيْثِه .
    وقال عبدُ الخالقِ بنُ منصورٍ : قلتُ لابنِ الرُّوْمِيِّ: سمعتُ بعضَ أَصْحَابِ الحديثِ يُحَدِّثُ بأَحَادِيْثِ يَحْيَى ، ويقولُ : حَدَّثَنِيّ مَنْ لَمْ تطلعِ الشَّمسُ عَلَى أَكْبَرَ مِنْه ؟ فقال : ومَا تعجبُ ، سمعتُ ابنَ المَدِيْنِيِّ يقولُ : مَا رأيتُ فِي النَّاسِ مِثْلَهُ .
    وقال - أيضاً - : قلتُ لابنِ الرُّوْمِيِّ: سمعتُ أبا سعيدٍ الحَدَّادَ يقولُ : النَّاسُ كُلُّهُم عِيَالٌ عَلَى يَحْيَى بنِ مَعِيْنٍ ، فقال : صَدَقَ مَا فِي الدُّنْيِا مِثْلُهُ .
    قال : وسمعتُ ابنَ الرُّوْمِيِّ يقولُ : مَا رأيتُ أَحَدَاً قَطُّ يقولُ الحَقَّ فِي المَشَايِخِ غَيْرَ يَحْيَى .
    وقال عَمروٌ النَّاقدُ : مَا كانَ فِي أصْحَابِنَا أَعْلَمُ بالإسنادِ مِنْ يَحْيَى بنِ مَعِيْنٍ ، مَا قَدَرَ أَحَدٌ يَقْلِبُ عَلَيْه إسناداً قَطُّ .
    وقال ابنُ سعد : كان قد أكثرَ مِنْ كتابةِ الحديثِ وعُرِفَ بِه ، وكانَ لا يكادُ يُحَدِّثُ .
    انتهى ، وللهِ الحمدُ والمِنَّةُ .
    ويَلِيْه فِي المَقَالَةِ الخَامِسَةِ : تَتِمَّةِ تَرْجَمَةِ أَبي زَكَرِيَّا يَحْيَى بنِ مَعِيْن رَحْمَةُ اللهِ تَعَالى عَلَيْه .
    وكَتَبَه أبو محمد عبد الوهاب بن عبد العزيز الزيد – الاثنين 5/6/1437 هـ .

    موقع . جامع أهل السُّنَّة والحديث
    http://hdeth.com/
    للإطلاع على المقالة الأولى من هذا الرابط
    http://majles.alukah.net/t155167/#post830382
    المَقَالةُ الثَّانِيةُ فِي المَدْخَلِ
    :
    http://majles.alukah.net/t155525/#post832222\
    المفالة الثالثة :
    http://majles.alukah.net/t155975/




    [1] أي : لَمْ يَجْلِس لإسْمَاعِ الحَدِيْثِ كغيره – عَلَى كَثْرَةِ مَاكَتَب - فَلَم يَنْتَفِعْ أَهَلُ الحَدِيْثِ سَمَاعَاً ، وإنَّمَا جَلَسَ يَتَكَلَّمُ فِي الرِّجَالِ جَرْحاً وتَعْدِيْلاً .قُلْتُ : ومَاصَنَعَه ابنُ مَعِيْنٍ أَنْفَعُ إذ التَّحْدِيْثُ والإسْمَاعُ قَدْ كُفِيَ فِيْه .

  9. #9
    تاريخ التسجيل
    Jan 2009
    المشاركات
    535

    افتراضي

    مقالات تأصيلية هادفه نفع الله بكم

  10. #10

    افتراضي المَقَالَةُ الخَامِسَةُ

    المَقَالَةُ الخَامِسَةُ :
    تَتِمَّةُ تَرْجَمَةِ أَبي زَكَرِيَّا يَحْيَى بنِ مَعِيْن :
    إمَامَةُ أَبي زَكَرِيَّا يَحْيَى بنِ مَعِيْن فِي الجَرْحِ والتَّعْدِيْل :
    تَقَدَّمَ بيَانُ شَيْئٍ مِمَّا بَلَغَهُ أبُو زَكِرِيَّا فِي هَذَا البَابِ ، ومِنْ ذَلِكَ :
    قال أَحْمَدُ بنُ حَنْبَلٍ : كانَ ابنُ مَعِيْنٍ أَعْلَمَنَا بِالرِّجَال .
    وقال سليمانُ بنُ عبدِ اللهِ : سمعتُ أحمدَ يقولُ : هَاهُنَا رجلٌ خَلَقَه اللهُ تَعَالى لِهَذَا الشَّأنِ يُظْهِرُ كَذِبَ الكّذَّابِيْنَ - يَعْنِيْ ابنَ مَعِيْنٍ - .
    وقال أَبُو حَاِتمٍ : إذَا رأيتَ البَغْدَادِيَّ يحبُ أحمدَ فَاعْلَم أَنَّه صاحبُ سُنَّةٍ ، وإذَا رَأَيْتَهُ يبغضُ ابنَ مَعِيْنٍ فَاعْلَم أَنَّه كَذَّابٌ .
    وقال محمدُ بنُ هارونَ الفلاَّسُ : إذَا رأيتَ الرَّجلَ يقعُ فِي ابنِ مَعِيْنٍ فَاعْلَم أَنَّهُ كَذَّابٌ ، إنَّمَا يُبغضه لِمَا يُبَيِّنُ مِنْ أَمْرِ الكَذَّابِيْنَ .
    وقال عبدُالخالقِ حدَّثني أَبُو عَمروٍ أَنَّه سَمِعَ أحمدَ بنَ حَنْبَلٍ يقولُ : السَّمَاعُ مَعْ يَحْيَى بنِ مَعِيْنٍ شِفَاءٌ لِمَا فِي الصُّدُوْر .
    وقال ابنُ أَبِي حَاتِمٍ : سمعتُ عبَّاساً الدُّوْرِيَّ يقولُ : رأيتُ أحمدَ يَسْألُ يَحْيَى بنَ مَعِيْنٍ عندَ رَوْحِ بنِ عُبَادَةَ : مَنْ فُلانٌ ؟ مَا اسْمُ فُلانٍ ؟ .
    وقال عبدُ الخالقِ بنُ مَنْصُوْرٍ : قلتُ لابنِ الرُّوْمِيِّ : سمعتُ أَبَا سعيدٍ الحدَّادَ يقولُ : لَوْلا ابنُ مَعِيْنٍ مَا كَتَبَتُ الحديثَ ، قال : وإنَّا لنَذْهَبُ إلى المُحَدِّثِ فَنَنْظُرُ فِي كُتُبِه فَلا نَرَى فِيْهَا إلاَّ كُلّ حديثٍ صحيحٍ حَتَّى يَجِيْىء أَبُو زَكَرِيَّا فَأَوَّلُ شَيءٍ يَقَعُ فِي يَدِه الخَطَأُ ، ولَوْلا أَنَّه عَرَّفَنَاه لَمْ نَعْرِفْه .
    فقال لِيَ ابنُ الرُّوْمِيِّ : وما تَعْجَبُ ، لَقَد نَفَعَنَا اللهُ تَعَالى بِه ، ولَقَد كانَ المُحَدِّثُ يُحَدِّثُنَا لِكَرَامَتِه .
    ولَقَد كُنَّا فِي مَجْلِسٍ لبعضِ أَصْحَابِنَا فقلتُ لَه : أَبَا زَكَرِيَّا ؛ نُفِيْدُكُ حديثاً مِنْ أَحْسَنِ حديثٍ يَكُوْنُ ؟ - وفَيِنَا يومئذٍ عَلِيٌّ وأَحْمَدُ ، وقَد سَمِعُوْه - فقالَ : ومَا هُوَ ؟ فقلتُ : حديثُ كَذَا وكَذَا ، فقال : هَذَا غَلَطٌ ، فَكَانَ كَمَا قالَ .
    قال ابنُ الرُّوْمِيِّ : وكنتُ عِنْدَ أحمدَ فَجَاءَ رَجُلٌ فقال : يَا أَبَا عبدِ اللهِ ، انْظُرْ فِي هَذِه الأحاديثِ ، فَإنَّ فِيْهَا خَطَأً ، قال : عَلَيْكَ بِأَبِي زَكَرِيَّا ، فَإنَّه يَعْرِفُ الخَطَأ .
    قال : وكنتُ أَنَا وأحمدُ نَخْتَلِفُ إلى يعقوبَ بنِ إبراهيمَ فِي " المَغَازِي " ، فقال أحمدُ : لَيْتَ أَنَّ يَحْيَى هُنَا ، قلتُ : ومَا تَصْنَعُ بِه ؟ قال : يَعْرِفُ الخَطَأ .
    وقال عليُّ بنُ سَهْلِ بنِ المُغِيْرَةِ : سمعتُ أحمدَ يقولُ - فِي دِهْلِيْزِ عَفَّانَ - .. ، فَذَكَرَ نحوَ هَذِه القِصَّةَ .
    وقال هارونُ بنُ مَعْرُوْفٍ : قَدِمَ عَلَيْنَا بعضُ الشُّيُوْخِ مِنَ الشَّامِ فكنتُ أَوَّلَ مَنْ بَكَّرَ عَلَيْه ، فَسَألتُه أَنْ يُمْلِيَ عَلَيَّ شيئاً فَأَخَذَ الكتابَ يُمْلِي فِإذَا بإنسانٍ يَدُقُّ البابَ فقالُ الشَّيخُ : مَنْ هَذَا ؟ قالَ : أحمدُ بنُ حَنْبَل ، فَأَذِنَ لَه والشَّيخُ عَلَى حَالَتِه والكتابُ فِي يَدِه لا يَتَحَرَّكُ ، فإذَا بآخرَ ، فَذَكَرَ : أحمدَ بنَ الدَّوْرَقِيِّ .. ، وعبدَ اللهِ بنَ الرُّوْمِيّ ، وزهيرَ بنَ حَرْبٍ ، كُلُّهُم يَدْخُلُ والشَّيخُ عَلَى حَالَتِه ، فإذَا بآخرَ يَدُقُّ البابَ ، قال الشَّيخُ : مَنْ هَذَا ؟ قال : يَحْيَى بنُ مَعِيْنٍ ، فَرَأيْتُ الشَّيخَ ارْتَعَدَتْ يَدُه ، ثُمَّ سَقَطَ الكتابُ مِنْ يَدِه .
    وقال جعفرٌ الطَّيَالِسِيُّ عَنْ يَحْيَى بنِ مَعِيْنٍ : قَدِمَ عَلَيْنَا عبدُ الوَّهَّابِ بنُ عَطَاءٍ ، فَكَتَبَ إلى أَهْلِ البَّصْرَةِ : وقَدِمْتُ بَغْدَادَ وَقَبِلَنِيْ يَحْيَى بنُ مَعِيْنٍ والحمدُ للهِ .
    وقال الإسماعيليُّ : سُئِلَ الفرهيانيُّ : عَنْ يَحْيَى وأحمدَ وعليٍّ وأَبِي خَيْثَمَةَ ؟ قال : أَمَّا عليٌّ فَأَعْلَمُهُمْ بالعِلَلِ ، وأَمَّا يَحْيَى فَأَعْلَمُهُم بالرِّجَالِ ، وأَحْمَدُ بِالفِقْهِ ، وأَبُو خَيْثَمَةَ مِنَ النُّبَلاءِ .
    وقال الآجريُّ : قلتُ لأَبِي دَاودَ : أَيُّمَا أَعْلَمُ بِالرِّجَالِ عَلِيٌّ أَوْ يَحْيَى ؟ قال : يَحْيَى عَالِمٌ بِالرِّجَال ، وليسَ عِنْدَ عَلِيٍّ مِنْ خَبَرِ أَهْلِ الشَّامِ شَيءٌ .
    وقال صالحُ بنُ محمدٍ : أَعْلَمُ مَنْ أَدْرَكْتُ بِعِلََلِ الحديثِ ابنُ المَدِيْنِيِّ ، وبِفِقْهِهِ أحمدُ بنُ حَنْبَلٍ ، وأَحْفَظُهُمْ عِنْدَ المُذَاكَرَةِ أَبُو بكرِ بنُ أَبِي شَيْبَةَ ،وأَعْلَمُهُمْ بِتَصْحِيْفِ المَشَايِخِ يَحْيَى بنُ مَعِيْنٍ .
    وفِي رِوَايَةٍ عَنْه : يَحْيَى أَعْلَمُ بِالرِّجَالِ والكُنَى .

    إمَامَةُ أَبي زَكَرِيَّا يَحْيَى بنِ مَعِيْن فِي عِلَلِ الحَدِيْث :
    فَفِي عِلَلِ حَدِيْثِ الشُّيُوْخ :
    تَقَدَّمَ بيَانُ شَيْئٍ مِمَّا بَلَغَهُ أبُو زَكِرِيَّا فِي هَذَا البَابِ ، ومِنْ ذَلِكَ :
    قال محمدُ بنُ نَصْرٍ الطَبَرِيُّ : دَخَلتُ عَلَى ابنِ مَعِيْنٍ فوجدتُ عِنْدَه كذا وكذا سفطاً .
    قال : وسمعتُه يقولُ : كُلُّ حديثٍ لا يوجدُ هَاهُنَا - وأشارَ بيده إلى الأسفاطِ - فهو كَذِبٌ .
    قال : وسمعتُه يقولُ : قد كتبتُ بيديَّ ألفَ ألفِ حديثٍ .
    وقال مجاهدُ بنُ موسى : كان ابنُ مَعِيْنٍ يكتبُ الحديثَ نَيِّفَاً وخمسينَ مَرَّةً .
    وقال الدُّوريُّ عَنِ ابنِ مَعِيْنٍ : لَوْ لَمْ نكتبِ الحديثَ مِنْ ثلاثينَ وجهاً مَا عَقَلْنَاه .
    وقال عبدُالخالقِ حدَّثني أَبُو عَمروٍ أَنَّه سمعَ أحمدَ بنَ حَنْبَلٍ يقولُ : السَّمَاعُ مَعْ يَحْيَى بنِ مَعِيْنٍ شِفَاءٌ لِمَا فِي الصُّدُوْر .
    قال ابنُ أَبِي حَاتِمٍ : سمعتُ عبَّاساً الدُّوْرِيَ يقولُ : رأيتُ أحمدَ يَسْألُ يَحْيَى بنَ مَعِيْنٍ عندَ رَوْحِ بنِ عُبَادَةَ : مَنْ فُلانٌ ؟ مَا اسْمُ فُلانٍ ؟ .
    وقال صالحُ بنُ محمدٍ : أَعْلَمُ مَنْ أَدْرَكْتُ بِعِلََلِ الحديثِ ابنُ المَدِيْنِيِّ ، وبِفِقْهِهِ أحمدُ بنُ حَنْبَلٍ ، وأَحْفَظُهُمْ عِنْدَ المُذَاكَرَةِ أَبُو بكرِ بنُ أَبِي شَيْبَةَ ،وأَعْلَمُهُمْ بِتَصْحِيْفِ المَشَايِخِ يَحْيَى بنُ مَعِيْنٍ .
    وفِي رِوَايَةٍ عَنْه : يَحْيَى أَعْلَمُ بِالرِّجَالِ والكُنَى .
    وقالَ مُحَمَّدُ بنُ إسْحَاقَ الصَّغَّانِيُّ : قَالَ لِي أَبُو عُبَيْدٍ : أَفْقَهُهُمْ فِي الحَدِيْثِ أَحْمَدُ بنُ حَنْبِلٍ ، وأَعْرَفُهُمْ بِمَعْرِفَةِ الرِّجَالِ وخَطَأ الحَدِيْثِ يَحْيَى بنِ مَعِيْنٍ .

    وفِي عِلَلِ الحَدِيْثِ المُسْنَدَة :
    تَقَدَّمَ بيَانُ شَيْئٍ مِمَّا بَلَغَهُ أبُو زَكِرِيَّا فِي هَذَا البَابِ ، ومِنْ ذَلِكَ :
    قال أَبُو عُبيدٍ القَاسِمُ بنُ سَلَّام : انْتَهَى العِلْمُ إلى أَرْبَعَةٍ ؛ أَبُو بكرِ بنُ أَبِي شَيْبَةَ أَسْرَدُهُمْ لَه ، وأحمدُ أَفْقَهُهُمْ فِيْه ، وعليُّ بنُ المَدِيْنِيِّ أَعْلَمُهُمْ بِه ، ويَحْيَى بنُ مَعِيْنٍ أَكْتَبُهُمْ لَه .
    وفِي رِوَايَةٍ عَنْه : أَعْلَمُهُمْ بِصَحِيْحِه وسَقِيْمِه ابنُ مَعِيْنٍ .
    وقال محمدُ بنُ رَافعٍ : سمعتُ أحمدَ بنَ حَنْبَلٍ يقولُ : كُلُّ حديثٍ لا يَعْرِفُه ابنُ مَعِيْنٍ فَلَيْسَ هُوَ بحديثٍ .
    وفِي رِوَايَةٍ : فَلَيْسَ هُوَ ثَابِتَاً .
    وقالَ مُحَمَّدُ بنُ سَهْلِ بنِ عَسْكَر : ذَكَرَ - يَعْنِي : عَبْدَ الرَّزَّاقِ - يَحْيَى بنَ مَعِيْنٍ فَقَالَ : مَا رَأيْتُ مِثْلَهُ ، ولا أَعْلَمَ بِالحَدِيْثِ مِنْهُ مِنْ غَيْرِ سَرْدٍ ، وأَمَّا عَلِيُّ ابنُ المَدِيْنِيِّ فَحَافِظٌ سَرَّادٌ ، وأَمَّا أَحْمَدُ بنُ حَنْبَلٍ فَمَا رَأيْتُ أَفْقَهَ مِنْهُ ولا أَوْرَعَ .
    قال أبُو مُحَمَّد ابنُ أبِي حَاتِمٍ الرَّازِيُّ : سَمِعْتُ مُحَمَّدَ بنَ مُسْلِمِ بنِ وَارَةَ - وسُئِلَ عَنْ عَلِىِّ ابنِ المَدِيْنِيِّ ويَحْيَى بنِ مَعِيْنٍ : أَيُّهُمَا كَانَ أحْفَظَ ؟ - قَالَ : كَانَ عَلِيٌّ أَسْرَدَ وأَتْقَنَ ، وكَانَ يَحْيَى بنِ مَعِيْنٍ أَفْهَمَ بِصَحِيْحِ الحَدِيْثِ وسَقِيْمِهِ .

    تَصَانِيْفُ أَبي زَكَرِيَّا يَحْيَى بنِ مَعِيْن :
    قال أبُو مُحَمَّد ابنُ أبِي حَاتِمٍ الرَّازِيُّ : سَمِعْتُ أَبِى يَقُوْلُ : صَلَّيْتُ بِجَنْبِ يَحْيَى بنِ مَعِيْنٍ فَرَأيْتُ بَيْنَ يَدَيْهِ جُزْءاً مِنْ رِقَابِ جُلُوْدٍ فَطَالَعْتُهُ فَإذَا " مَا رَوَى الأَعْمَشُ عَنْ يَحْيَى بنِ وَثَّابٍ - أَوْ عَنْ خَيْثَمَةَ – " ، - الشَّكُّ مِنْ أَبِى - ، فَظَنَنْتُ أَنَّه صَنَّفَ " حَدِيْثَ الأَعْمَش " .

    عَقِيْدَةُ أَبي زَكَرِيَّا يَحْيَى بنِ مَعِيْن :
    قال الدُّوريُّ : سمعته يقولُ : القرآنُ كلامُ اللهِ تَعَالى ، وليسَ بِمَخْلُوْقٍ .
    وسمعته يقولُ : الإيمانُ يَزِيْدُ ويَنْقُصُ ، وهوَ قولٌ وعملٌ .

    وَفَاةُ أَبي زَكَرِيَّا يَحْيَى بنِ مَعِيْن رَحْمَةُ اللهِ تَعَالى عَلَيْه :
    قال أَبُو بكرِ بنُ أَبِي خَيْثَمَة : وُلِدَ يَحْيَى بنُ مَعِيْنٍ سَنَةَ ثمانٍ وخمسينَ ومائةٍ ، وماتَ بمدينةِ الرَّسولِ صلَّى اللهُ عَلَيْه وسلَّمَ لسبع ليال بقين من ذي القعدة سَنَةَ ثلاثٍ وثلاثينَ ومائتينِ ، وقَدِ اسْتَوْفَى خَمْسَاً وسبعينَ سَنَةً ودَخَلَ فِي السِّتِ ، ودُفِنَ بِالبَقِيْعِ وصَلَّى عَلَيْه صَاحِبُ الشُّرْطَةِ .
    وقال البخاريُّ : مَاتَ بِالمَدِيْنَةِ سَنَةَ ثلاثٍ وثلاثينَ ومائتينِ ، وغُسِّلَ عَلَى أَعْوَادِ النَّبِيِّ صلَّى اللهُ عَلَيْه وسلَّمَ .
    وقال عبَّاسٌ الدُّوْرِيُّ نَحْوَ مَا قالَ البُخَارِيُّ : وزَادَ قَبْلَ أَنْ يَحُجَّ .
    زَادَ عبَّاسٌ - فِي موضعٍ آخرَ - : ونُوْدِيَ بَيْنَ يَدَيْهِ : هَذَا الذَّي كَانَ يَنْفِي الكَذِبَ عَنْ رسولِ اللهِ صلَّى اللهُ عَلَيْه وسلَّمَ .
    وزَادَ إبراهيمُ بنُ المُنْذِر : فَرَأَى رجلٌ النَّبِيَّ صلَّى اللهُ عَلَيْه وسلَّمَ وأَصْحَابَه مُجْتَمِعِيْنَ ، فَسَأَلَهُم ؟ فقالَ : جِئْتُ لِهَذَا الرَّجلِ أُصَلِّي عَلَيْه فِإنَّه كَانَ يَذُبُّ الكَذِبَ عَنْ حَدِيْثِي .
    وقال حُبَيْشُ بنُ مُبَشِّر : رأيتُ يَحْيَى بنَ مَعِيْنٍ فِي النَّوْمِ فقلتُ : مَا فَعَلَ اللهُ بِكَ ؟ فقال : غَفَرَ لِي وأَعْطَانِي ، وزَوَّجَنِي ثَلاثَ مِائةِ حَوْرَاءَ ، وأَدْخَلَنِي عَلَيْه مَرَّتَيْنِ .
    وقال عبدُ اللهِ بنُ أحمدَ : قالَ فِيْه بعضُ أَهْلِ الحديثِ :
    ذَهَبَ العَلِيْمُ بِعَيْبِ كَلِّ مُحَدِّثٍ وبِكُلِّ مُخْتَلِفٍ مِنَ الإسنادِ
    وبِكُلِّ وَهْمٍ فِي الحديثِ ومُشْكِلٍ يُعْنَى بِه عُلَمَاءُ كُلِّ بِلادِ

    ***
    انتهى ، وللهِ الحمدُ والمِنَّةُ .
    ويَلِيْه فِي المَقَالَةِ السَادِسَةِ : تَرْجَمَةُ أَبي الحَسَنِ عَلِيِّ بنِ عبدِ اللهِ ابنِ المَدِيْنِيِّ – رَحْمَةُ اللهِ تَعَالى عَلَيْه .
    وكَتَبَه أبو محمد عبد الوهاب بن عبد العزيز الزيد – الاثنين 4/7/1437 هـ .

    موقع . جامع أهل السُّنَّة والحديث
    http://hdeth.com/
    للإطلاع على المقالة الأولى من هذا الرابط
    http://majles.alukah.net/t155167/#post830382
    المَقَالةُ الثَّانِيةُ فِي المَدْخَلِ :
    http://majles.alukah.net/t155525/#post832222\
    المفالة الثالثة :
    http://majles.alukah.net/t155975/
    المَقَالةُ الرَّابِعَةُ فِي المَدْخَل :
    http://majles.alukah.net/t156610/

  11. #11

    Post المَقَالةُ السَّادِسَةُ فِي المَدْخَل

    المَقَالةُ السَّادِسَةُ فِي المَدْخَل
    *******
    ( تَرْجَمَةُ أَبي الحَسَنِ عَلِيِّ بنِ عبدِ اللهِ ابنِ المَدِيْنِيِّ – رَحْمَةُ اللهِ تَعَالى عَلَيْه - ) :
    ( خ د ت س فق ) : عَلِيُّ بنُ عَبْدِ اللهِ بنِ جَعْفَرِ بنِ نَجِيْحٍ السَّعْدِيُّ مَوْلاهُم ، أَبُو الحَسَنِ ابنُ المَدِيْنِيِّ البَّصْرِيُّ، صَاحِبُ التَّصَانِيْف .

    مَوْلِدُ أَبي الحَسَنِ عَلِيِّ بنِ عبدِ اللهِ ابنِ المَدِيْنِيِّ :
    قال ابنُ أَبِي خَيْثَمَة : وُلِدَ عَليُّ بنُ المَدِينِيّ سَنَةَ اثْنَتَيْنِ وَسِتِّينَ وَمِائَة .
    وقال إِسْمَاعِيلٌ القَاضِيُّ : وُلِدَ عَليُّ بنُ عبدِ اللهِ الْمَدِينِيُّ سَلْخَ جُمَادَى الأولى سَنَةَ اثْنَتَيْنِ وَسِتِّينَ وَمِائَة .

    شُيُوْخُ أَبي الحَسَنِ عَلِيِّ بنِ عبدِ اللهِ ابنِ المَدِيْنِيِّ ، والرُّوَاةُ عَنْه :
    رَوَى عَنْ أَبِيْه ، وحمَّادِ بنِ زيدٍ ، وابنِ عُلَيَّةَ ، ومُعَاذِ بنِ مُعاذٍ ، وعبدِ اللهِ بنِ وَهْبٍ ، وهشامِِ بنِِ يوسفَ ، وعبدِالرَّزاقِ ، وابنِ عُيَيْنَة ، ووَكِيْع ، وعبدِ الرَّحمنِ بنِ مَهْدِيِّ ، ويَحْيَى بنِ سَعِيْدٍ القطَّانِ ، وخَلْقٍ .
    وعَنْهُ البُخاريُّ ، وأَبُو دَاودَ – ورَوَى أَبُو دَاودَ والتِّرْمِذِيُّ والنَّسَائِيُّ وابنُ مَاجَةَ فِي التَّفْسِيْر لَه بِوَاسطةِ الزَّعْفَرَانِي ِّ ، والذُّهْلِيُِّ ، وحُمَيْدُ بنُ زَنْجَوِيْه ، وغَيْرُهُم - ، ورَوَى عَنْه سُفْيَانُ بنُ عُيَيْنَةَ ، ومُعَاذُ بنُ مُعاذٍ - وهُمَا مِنْ شُيُوْخِه - ، وأحمدُ بنُ حَنْبل ، وعُثْمَانُ بنُ أَبِي شَيْبَةَ - وهُمَا مِنْ أَقْرانِه - ، وابْنُه عبدُ اللهِ ابنُ عَلِيِّ ، وأَبو بكرِ ابنُ أَبي خَيْثَمة ، وأحمدُ بنُ محمد بنِ القاسمِ بنِ مُحْرِز ، وحَنْبلُ بنُ إسحاقَ ، وعَبَّاسٌ الدَّوْرِيُّ ، وصَالِحُ وعبدُ اللهِ ابْنَا أحمدَ بنِ حَنْبل ، ويَعقوبُ بنُ شَيْبَة السَّدُوْسِيُّ ، وأَبُو حاتمٍ وأَبُو زُرْعةَ الرَّازِيَّانِ ، وأَبُو زُرْعَةَ الدِّمَشْقِيُّ ، وأَبُو يَعْلَى المَوْصِلِيُّ ، وأَبُو الحَسَنِ ابنُ البَرَاء ، وآخرونَ .

    إمَامَةُ أَبي الحَسَنِ عَلِيِّ بنِ عبدِ اللهِ ابنِ المَدِيْنِيِّ فِي الحَدِيْثِ ، وثَنَاءٌ شُيُوْخِه عَلَيْه :
    اجتَهَدَ أبُو الحَسَنِ عَلِيُِّ بنُ عبدِ اللهِ ابنِ المَدِيْنِيِّ فِي طَلَبِ الحَدِيْثِ ، وبَذَلَ فِيْه نَفْسَهُ ورُوْحَهُ ، ورَحَلَ لأجْلِهِ إلى الأقْطَارِ والبُلْدَانِ ، وسَمِعَ الكَثِيْرَ مِنَ الشُّيُوْخَ ، وجَالَسَ أَهْلَ الاخْتِصَاصِ فِيْهِ ، ووُفِّقَ بِصُحْبَةِ ومُلازَمَةِ عَالِمَيْ زَمَانِيْهِمَا يَحْيَى القَطَّانِ وعَبْدِ الرَّحْمَنِ بنِ مَهْدِي – وقَدِ انْتَهَى إلَيْهِمَا عِلْمُ الحَدِيْثِ عِلَلِهِ ، وجَرْحِهِ وتَعْدِيْلِهِ ، فَشَرِبَ مِنْ عِلْمِهِمَا وارْتَوَى ، وحَصَّلَ عَنْهُمَا مَاجَمَعَاهُ وأوْعَى ، وزَادَ عَلَى ذَلِكَ مَا وَفَّقَهُ رَبُّهُ لِفَهْمِ هَذَا الفَنِّ بِمَا لَمْ يَتَهَيَّأ لِغَيْرِهِ إدْرَاكُهُ وفَهْمُهُ ، وصَنَّفَ فِي الحَدِيْثِ وفُنُوْنِهِ وبِخَاصةٍ فِي عِلَلِهِ ، وجَرْحِهِ وتَعْدِيْلِهِ مَالَمْ يُصَنِّفْهُ غَيْرُهُ ، حَتَّى غَدَا فِي ذَلِكَ إمَامَ هَذَا الفَنِّ وطَبِِيْبَهُ ، وفَيْلَسُوْفَهُ وخَبِيْرَهُ ، حَتَّى بَلَغَ مِنْ ذَلِكَ أنْ كَتَبَ النَّاسُ قِيَامَهُ وقُعُوْدَهُ ، ولِبَاسَه وكُلَّ شَيءٍ يقولُ ويفعلُ .
    وقَدتَقَدَّمَ بيَانُ شَيْئٍ مِمَّا بَلَغَهُ أبُو الحَسَنِ فِي هَذَا البَابِ ، ومَاسَيَأتِي فِي تَصَانِيْفِه ، ومِمَّا جَاءَ عَنِ الأئِمَّةِ عَنْهُ فِي ذَلكَِ :
    وقال ابنُ عُيَيْنَةَ : يَلُوْمُوْنَنَي عَلَى حُبِّ عَلَيٍّ ، واللهِ لَقَد كُنْتُ أَتَعَلَّمُ مِنْه أَكْثَرَ مِمَّا يَتَعَلَّمُ مِنِّي .
    وقال أحمدُ بنُ سِنَان : كَانَ ابنُ عُيَيْنَةَ يُسَمِّي عَلَيَّ بنَ المَدِيْنِيِّ " حَيَّةَ الوَّادِي " ، وإذَا اُسْتُثْبِتَ سُفْيَانُ - أَوْ سُئِلَ عَنْ شَيءٍ - يقولُ : لَوْ كَانَ " حَيَّةُ الوَّادِي " ؟ .
    وقال محمدُ بنُ قُدَامَةَ الجَوْهَرِيُّ : سمعتُ ابنَ عُيَيْنَةَ يقولُ : لَوْلا عَلِيُّ ابنُ المَدِيْنِيِّ مَا جَلَسْتُ .
    وقال ابنُ زَنْجَلَةَ : كُنَّا عِنْدَ ابنِ عُيَيْنَةَ - وعِنْدَهُ رُؤسَاءُ أَصْحَابِ الحَدِيْثِ - فَقَالَ : الرَّجُلَ الذَّي رَوِيْنَا عَنْهُ أَرْبَعَةَ أَحَادِيْثَ الذَّي يُحَدِّثُ عَنِ الصَّحَابَةِ ؟ فَقَالَ عَلِيُّ ابنُ المَدِيْنِيُّ : زِيَادُ بنُ علاقَةَ ، فَقَالَ ابنُ عُيَيْنَةَ : زِيَادُ بنُ علاقَةَ .
    وقال حَفْصُ بنُ مَحْبُوْبٍ المَحْبُوْبِيُّ : كُنَّا عِنْدَ ابنِ عُيَيْنَةَ ، فَقَامَ ابنُ المَدِيْنِيِّ ، فَقَامَ سُفْيَانُ وَقَالَ : إذَا قَامِتِ الخَيْلُ لَمْ نَجْلِسْ مَعَ الرَّجَّالَةِ .
    وقال عبَّاسٌ العَنْبَرِيُّ : كَانَ يَحْيَى بنُ سعيدٍ يقولُ : إنِّي كُلَّمَا قلتُ لا أُحَدِّثُ إلى كَذَا ، اسْتَثْنَيْتُ عَلِيَّاً ونَحْنُ نَسْتَفِيْدُ مِنْ عَلِيٍّ أَكْثَرَ مِمَّا يَسْتَفِيْدُ مِنَّا .
    وقال ابنُ الجُنَيْد عَنْ ابنِ مَعِيْنٍ : عَلِيُّ ابنُ المَدِيْنِيِّ مِنْ أَرْوَى النَّاسِ عَنْ يَحْيَى بنِ سعيدٍ ، إنَّه أُرِى عِنْدَه أَكْثَرَ مِنْ عشرةِ آلافٍ ، قِيْلَ ليَحْيَى : أَكْثَرَ مِنْ مُسَدَّد ؟ قال : نَعَم ، إنَّ يِحْيَى بنَ سعيدٍ كَانَ يُكْرِمُه ويُدْنِيه ، وكَانَ صَدِيْقُه ، وكَانَ عَلِيٌّ يَلْزَمُه .
    وقال أَبُو عُبيدٍ القَاسِمُ بنُ سَلَّام : انْتَهَى العِلْمُ إلى أَرْبَعَةٍ ؛ أَبُو بكرِ بنُ أَبِي شَيْبَةَ أَسْرَدُهُمْ لَه ، وأحمدٌ أَفْقَهُهُمْ فِيْه ، وعليُّ بنُ المَدِيْنِيِّ أَعْلَمُهُمْ بِه ، ويَحْيَى بنُ مَعِيْنٍ أَكْتَبَهُمْ لَه .
    وقال البُخَارِيُّ - فِي " رَفْعِ اليَدِيْن " - : كَانَ أَعْلَمَ أَهْلِ عَصْرِه .
    وقال أبو العبَّاسُ السَّرَّاجُ : سمعتُ البُخَارِيَّ - وقِيْلَ لَه مَا تَشْتَهِي ؟ - قال : أَشْتَهِي أَنْ أَقْدُمَ العِرَاقَ وعَلِيُّ بنُ عبدِ اللهِ حَيٌّ فَأُجَالِسَهُ .
    وقال ابنُ عَدِيّ : سمعتُ الحَسَنَ بنَ الحُسَيْنِ البُخَارِيَّ يقول : سمعتُ إبراهيمَ بنَ مَعْقَلٍ يقول : سمعتُ محمدَ بنَ إسماعيلَ البُخَارِيِّ يقول : مَا اسْتَصْغَرْتُ نَفْسِي عِنْدَ أَحَدٍ إلاَّ عِنْدَ عَلِيِّ ابنِ المَدِيْنِيّ .
    قال أَبُو حَاتِمٍ الرَّازِيُّ : كَانَ عَلِيٌّ عَلَمَاً فِي النَّاسِ فِي مَعْرِفَةِ الحديثِ والعِلَلِ ، وكَانَ أحمدُ لا يُسَمِّيْه وإنَّمَا يُكَنِّيْه تَبْجِيْلاً لَه ومَا سمعتُ أحمدَ سَمَّاه قَطّ .
    إمَامَةُ أَبي الحَسَنِ عَلِيِّ بنِ عبدِ اللهِ ابنِ المَدِيْنِيِّ فِي عِلَلِ الحَدِيْث :
    وقَدتَقَدَّمَ بيَانُ شَيْئٍ مِمَّا بَلَغَهُ أبُو الحَسَنِ فِي هَذَا البَابِ ، ومَاسَيَأتِي فِي تَصَانِيْفِه ، ومِمَّا جَاءَ عَنِ الأئِمَّةِ عَنْهُ فِي ذَلكَِ :
    قال أَبُو حَاتِمٍ الرَّازِيُّ : كَانَ عَلِيٌّ عَلَمَاً فِي النَّاسِ فِي مَعْرِفَةِ الحديثِ والعِلَلِ ، وكَانَ أحمدُ لا يُسَمِّيْه وإنَّمَا يُكَنِّيْه تَبْجِيْلاً لَه ومَا سمعتُ أحمدَ سَمَّاه قَطّ .
    وقِيْلَ لصَالحِ بنِ محمدٍ : هَلْ كَانَ يَحْيَى بنُ مَعِيْنٍ يَحْفَظُ ؟ قال : كَانتْ عِنْدَه مَعْرِفَةٌ ، قِيْلَ لَه : فَعَلِيُّ ابنُ المَدِيْنِيِّ ؟ قال : كَانَ يَحْفَظُ ويَعْرِفُ .
    وقال - أَيْضَاً - : أَعْلَمُ مَنْ أَدْرَكْتُ بِالحديثِ وعِلَلِه عَلِيُّ ابنُ المَدِيْنِيِّ ، وأَفْقَهُهُم فِيْه أحمدُ ، وأَمْهَرُهُم بِه الشَّاذَكُوْنِي ُّ .
    ويُرْوَى عَنِ ابنِ مَعِيْنٍ - أَنَّه سُئِلَ عَنْ عَلِيِّ ابنِ المَدِيْنِيِّ ، والحُمَيْدِيِّ ، أَيُّهُمَا أَعْلَمُ ؟ - فقال : يَنْبَغِي لِلْحُمَيْدِيِّ أَنْ يَكْتُبَ عَنْ آخرَ عَنْ عَلِيِّ ابنِ المَدِيْنِيِّ .
    وقال الإسماعيليُّ : سُئِلَ الفرهيانيُّ : عَنْ يَحْيَى وأحمدَ وعليٍّ وأَبِي خَيْثَمَةَ ؟ قال : أَمَّا عليٍّ فَأَعْلَمَهُمْ بالعِلَلِ ، وأَمَّا يَحْيَى فَأَعْلَمَهُم بالرِّجَالِ ، وأَحْمَدُ بِالفِقْهِ ، وأَبُو خَيْثَمَةَ مِنَ النُّبَلاءِ .

    مَعْرِفَةُ أَبي الحَسَنِ عَلِيِّ ابنِ المَدِيْنِيِّ بِفُنُوْنِ العِلَلِ والمُذَاكَرَةُ بِهَا وإمَامَتُه فِيْهَا :
    وقَدتَقَدَّمَ بيَانُ شَيْئٍ مِمَّا بَلَغَهُ أبُو الحَسَنِ فِي هَذَا البَابِ ، ومَاسَيَأتِي فِي تَصَانِيْفِه ، ومِمَّا جَاءَ عَنِ الأئِمَّةِ عَنْهُ فِي ذَلكَِ :
    وقال ابنُ زَنْجَلَةَ : كُنَّا عِنْدَ ابنِ عُيَيْنَةَ - وعِنْدَهُ رُؤسَاءُ أَصْحَابِ الحَدِيْثِ - فَقَالَ : الرَّجُلُ الذَّي رَوِيْنَا عَنْهُ أَرْبَعَةَ أَحَادِيْثَ الذَّي يُحَدِّثُ عَنِ الصَّحَابَةِ ؟ فَقَالَ عَلِيُّ ابنُ المَدِيْنِيُّ : زِيَادُ بنُ علاقَةَ ، فَقَالَ ابنُ عُيَيْنَةَ : زِيَادُ بنُ علاقَةَ .
    وقال عَبْدُ الرَّحْمَنِ بنُ مَهْدِيِّ : عَلِيُّ ابنُ المَدِيْنِيِّ أَعْلَمُ النَّاسِ بِحَدِيْثِ رَسُوْلِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْه وسَلَّمَ ، وخَاصَّةً بِحَدِيْثِ ابنِ عُيَيْنَةَ .
    وقال أَبُو قُدَامَةَ السَّرْخَسِيُّ : سمعتُ عَلِيَّ ابنَ المَدِيْنِيِّ يقولُ : رأيتُ فِيْمَا يَرَى النَّائِمُ كَأنَّ الثُّرَيَّا تَدَلَّتْ حَتَّى تَنَاوَلْتُهَا .
    قال أَبُو قُدَامَةَ : فَصَدَّقَ اللهُ رُؤيَاه ، بَلَغَ فِي الحديثِ مَبْلَغًا لَمْ يَبْلُغْهُ أَحَدٌ .
    وقال ابنُ عَدِيّ : سمعتُ الحَسَنَ بنَ الحُسَيْنِ البُخَارِيَّ يقول : سمعتُ إبراهيمَ بنَ مَعْقَلٍ يقول : سمعتُ محمدَ بنَ إسماعيلَ البُخَارِيَّ يقول : مَا اسْتَصْغَرْتُ نَفْسِي عِنْدَ أَحَدٍ إلاَّ عِنْدَ عَلِيِّ ابنِ المَدِيْنِيّ .
    وقال أَبُو عبدِ الرَّحمنِ النَّسَائِيُّ : كَأنَّ اللهَ عَزَّ وجَلَّ خَلَقَ عَلِيَّ ابنَ المَدِيْنِيِّ لِهَذَا الشَّأن .
    وقَالَ - فِي " الحَجّ " فِي " السُّنَن " : خُلِقَ لِلْحَدِيْثِ .
    وقال النَّسَائِيُّ : ثِقَةٌ مَأمُوْنٌ ، أَحَدُ الأَئِمَّةِ فِي الحَدِيْثِ .
    وقال أحمدُ بنُ سعيدٍ الرباطيُّ : قالَ عَلِيُّ ابنُ المَدِيْنِيِّ : مَا نَظَرْتُ فِي كِتَابِ شَيْخٍ فَاحْتَجْتُ إلى السُّؤالِ
    بِه عَنْ غَيْرِي .
    وقال العبَّاسُ العَنْبَرِيُّ : لَقَد بَلَغَ عَلِيُّ ابنُ المَدِيْنِيِّ مَا لَوْ قُضِيَ أَنْ يَتِمَّ عَلَيْه لَعَلَّه كَانَ يُقَدَّم عَلَى الحَسَنِ البَّصْرِيِّ ؛ كَانَ النَّاسُ يَكْتُبُوْنَ قِيَامَه وقُعُوْدَه ولِبَاسَه وكُلَّ شَيءٍ يقولُ ويفعلُ .
    وقال العبَّاسُ السَّراجُ : سمعتُ أَبَا يِحْيَى – يَعْنِي : صَاعِقَةَ - يقولُ : كَانَ عَلِيُّ ابنُ المَدِيْنِيِّ إذَا قَدِمَ بَغْدَادَ تَصَدَّرَ الحَلَقَةَ ، وجَاءَ يَحْيَى ابنُ مَعِيْنٍ وأحمدُ بنُ حَنْبَلَ ، والمُعَيْطِيُّ ، والنَّاسُ يَتَنَاظَرُوْنَ فَإذَا اخْتَلَفُوْا فِي شَيءٍ تَكَلَّمَ فِيْه عَلِيٌّ .
    وقال الأَعْيَنُ : رأيتُ عَلِيَّ ابنَ المَدِيْنِيِّ مُسْتَلْقِيَاً ، وأحمدُ عَنْ َيِمْيِنه وابنُ مَعِيْنٍ عَنْ يَسَارِه وهُوَ يُمْلِي عَلَيْهِما .
    وقال ابنُ المَدِيْنِيِّ : تركتُ مِنْ حَدِيْثِي مِائةَ ألفٍ فِيْهَا ثلاثونَ ألفَاً لعبَّادِ بنِ صهيبٍ .
    وقال الآجريُّ عَنْ أَبِي دَاوُدَ : عَلِيٌّ أَعْلَمُ بِاخْتِلافِ الحديثِ مِنْ أحمدَ .
    قال محمدُ بنُ عثمانَ بنِ أَبِي شَيْبَةَ سمعتُ عليَّاً يقولُ : كنتُ إذا قدمتُ إلى بغداد منذُ أَرْبعينَ سنةً كانَ الذي يُذاكرني أحمدُ بنُ حَنْبَل ، فَرُبَّمَا اخْتَلَفْنَا في الشيءِ فنسألُ يَحْيَى بنِ مَعِيْنٍ فيقومُ فيخرجه ، مَا كانَ أَعْرَفَه بموضعِ حدِيْثِه .
    وقال ابنُ حِبَّانَ ِفي " الثِّقَات " : وَلِدَ بالبَصْرَةِ سَنَةَ 62 ، وكَانَ مِنْ أَعْلَمِ أَهْلِ زَمَانِهِ بِعِلَلِ حَدِيْثِ رَسُوْلِِ اللهِ صلَّى اللهُ عَلَيْه وسلَّمَ ، رَحَلَ ، وجَمَعَ ، وكَتَبَ ، وصَنَّفَ ، وذَاكَرَ ، وحَفِظَ .

    تَصَانِيْفُ أَبي الحَسَنِ عَلِيِّ ابنِ المَدِيْنِيِّ فِي عِلَلِ الحَدِيْث ، والجَرْحِ والتَّعْدِيْلِ ، وفُنُوْنِ الحَدِيْث :
    عَنْ عَلِيِّ ابنِ المَدِيْنِيِّ قال : صَنَّفْتُ المُسْنَدَ عَلَى الطُّرُقِ مُسْتَقْصَى ، وجَعَلْتُه فِي قَرَاطِيْسَ فِي قِمْطَرٍ كَبِيْرٍ ، ثُمَّ غِبْتُ عَنِ البَّصْرَةِ ثلاثَ سنينَ فَرَجَعْتُ وقَد خَالَطَتْه الأَرَضَةُ فَصَارَ طِيْنَاً فَلَمْ أَنْشَطْ بَعْدُ لِجَمْعِه .
    وقال يعقوبُ بنُ سفيانَ : حدَّثني بكرُ بنُ خلفٍ قال : قَدِمْتُ مكَّةَ وبِهَا شابٌ حافظٌ ، وكَانَ يُذَاكِرُنِي المُسْنَدَ بِطُرُقِه ، فقلتُ لَه : مِنْ أَيْنَ لكَ هَذَا ؟ قال : طلبتُ إلى عَلِيِّ ابنِ المَدِيْنِيِّ - أَيَّامَ ابنِ عُيَيْنَةَ - أَنْ يُحَدِّثُنِي بِالمُسْنَدِ ، فقال : قَدْ عرفتُ ، إنَّمَا تُرِيْدُ بِمَا تطلبُ مِنِّي المُذَاكَرَةَ ، فإنْ ضمنتَ لِي أنَّكَ تُذَاكِرُ ولا تُسَمِّيِني فَعَلْتُ ؟ قال : فَضَمِنْتُ لَه ، واخْتَلَفْتُ إليْه ، فَجَعَلَ يُحَدِّثُنِي هَذَا الذِّي أُذَاكِرُكَ بِه حِفْظَاً .
    وقال ابنُ حِبَّانَ ِفي " الثِّقَات " : وَلِدَ بالبَصْرَةِ سَنَةَ 62 ، وكَانَ مِنْ أَعْلَمِ أَهْلِ زَمَانِهِ بِعِلَلِ حَدِيْثِ رَسُوْلِِ اللهِ صلَّى اللهُ عَلَيْه وسلَّمَ ، رَحَلَ ، وجَمَعَ ، وكَتَبَ ، وصَنَّفَ ، وذَاكَرَ ، وحَفِظَ .
    قال أَبُو الحَسَنِ محمدُ بنُ صالحٍ الهاشميُّ : هَذِهِ أَسَامِي مُصَنَّفَاتِ عَلِيِّ بنِ المَدِيْنِيِّ :
    كِتَابُ الأَسَامِي والكُنَى - ثَمَانِيَةُ أَجْزَاءٍ - ، كِتَابُ الضُّعَفَاءِ - عَشْرَةُ أَجْزَاءٍ - ، كِتَابُ المُدَلِّسِيْنَ - خَمْسَةُ أَجْزَاءٍ - ، كِتَابُ أَوَّلِ مَنْ نَظَرَ فِي الرِّجَالِ وفَحَصَ عَنْهُم – جُزْءٌ - ، كِتَابُ الطَّبَقَاتِ - عَشْرَةُ أَجْزَاءٍ - ، كِتَابُ مَنْ رَوَى عَنْ رَجُلٍ لَمْ يَرَهُ – جُزْءٌ - .
    عِلَلُ المُسْنَدِ - ثَلاثُوْنَ جُزْءَاً - ، كِتَابُ العِلَلِ لإسماعيلَ القاضيِّ - أَرْبَعَةَ عَشَرَ جُزْءَاً ، عِلَلُ حَدِيْثِ ابنِ عُيَيْنَةَ - ثَلاثَةٌ وعِشْرُوْنَ - .
    كِتَابُ مَنْ لا يُحْتَجُّ بِحَدِيْثِهِ ولا يَسْقُطْ – جُزْآن - ، كِتَابُ مَنْ نَزَلَ مِنَ الصَّحَابَةِ سَائِرَ البُلْدَان - خَمْسَةُ أَجْزَاءٍ - ، كِتَابُ التَّارِيْخِ - عَشْرَةُ أَجْزَاءٍ - ، كِتَابُ العَرْضِ عَلَى المُحَدِّثِ – جُزْآن - ، كِتَابُ مَنْ حَدَّثَ ثُمَّ رَجَعَ عَنْهُ - جُزْآن - .
    كِتَابُ يِحْيَى وعَبْدِ الرَّحْمَنِ فِي الرِّجَالِ - خَمْسَةُ أَجْزَاءٍ - ، سُؤْالاَتُه يَحْيَى - جُزْآن - .
    كِتَابُ الثِّقَاتِ والمُتَثَبِّتِي ْنَ - عَشْرَةُ أَجْزَاءٍ - .
    كِتَابُ اخْتِلافِ الحَدِيْثِ - خَمْسَةُ أَجْزَاءٍ - ، كِتَابُ الأَسَامِي الشَّاذَّةِ - ثَلاثَةُ أَجْزَاءٍ - ، كِتَابُ الأَشْرِبَة - ثَلاثَةُ أَجْزَاءٍ - ، كِتَابُ تَفْسِيْرِ غَرِيْبِ الحَدِيْثِ - خَمْسَةُ أَجْزَاءٍ - .
    كِتَابُ الإخْوَةِ والأَخَوَات - ثَلاثَةُ أَجْزَاءٍ - ، كِتَابُ مَنْ يُعْرَفُ بِاسْمٍ دُوْنَ اسْمِ أَبِيْهِ - جُزْآن - ، كِتَابُ مَنْ يُعْرَفُ بِالْلَقَبِ .
    والعِلَلُ المُتَفَرِّقَةُ - ثَلاثُوْنَ جُزْءَاً - .
    وكِتَابُ مَذَاهِبِ المُحَدِّثِيْنَ - جُزْآن - .
    قال أَبُو بَكْرٍ الخَطِيْبُ : وجَمِيْعُ هَذِهِ الكُتُبِ قَدِ انْقَرَضَتْ ، ولَمْ نَقِفْ عَلَى شَيءٍ مِنْهَا إلاَّ عَلَى أَرْبَعَةٍ أَوْ خَمْسَةٍ حَسْبُ ، ولَعَمْرِيْ إنَّ فِي انْقِرَاضِهَا ذَهَابَ عُلُوْمٍ جَمَّةٍ وانْقِطَاعِ فَوَائِدَ ضَخْمَةٍ ، وكَانَ عَلِيُّ ابنُ المَدِيْنِيِّ فَيْلَسُوْفَ هَذِهِ الصَّنْعَةِ وطَبِيْبَهَا ولِسَانُ طَائِفَةِ الحَدِيْثِ وخَطِيْبَهَا رَحْمَةُ اللهِ عَلَيْهِ وأَكْرَمَ مَثْوَاهُ لَدَيْهِ
    .
    عَقِيْدَةُ أَبي الحَسَنِ عَلِيِّ بنِ عبدِ اللهِ ابنِ المَدِيْنِيِّ :
    وقال ابنُ أَبِي خَيْثَمَةَ : سمعتُ ابنَ مَعِيْنٍ يقول : كَانَ عَلِيُّ ابنُ المَدِيْنِيِّ إذَا قَدِمَ عَلَيْنَا أَظْهَرَ السُّنَّةَ ، وإذَا ذَهَبَ إلى البَّصْرَةِ أَظْهَرَ التَّشَيُّعَ .
    وقال محمدُ بنُ عثمانَ ابنِ أَبِي شَيْبَةَ : سمعتُ عَلِيَّاً عَلَى المِنْبَرِ يقولُ : مَنْ زَعَمَ أَنَّ القرآنَ مَخْلُوْقٌ فَهُوَ كَافِرٌ ، ومَنْ زَعَمَ أَنَّ اللهَ لا يُرَى فَهُوَ كَافِرٌ ، ومَنْ زَعَمَ أَنَّ اللهَ لَمْ يُكَلِّم مُوْسَى عَلَى الحَقِيْقَةِ فَهُوَ كَافِرٌ .
    وقال محمدُ بنُ مَخْلَد : سمعتُ محمدَ بنَ عثمانَ ابنِ أَبِي شَيْبَةَ يقولُ : سمعتُ عَلِيَّ ابنَ المّدِيْنِيِّ - قَبْلَ أَنْ يَمُوْتَ بشهرينِ - يقولُ : القرآنُ كلامُ اللهِ غَيْرُ مَخْلُوْقٍ .
    وقال عثمانُ بنُ سعيدٍ الدَّارِمِيُّ : سمعتُ عَلِيَّ ابنَ المَدِيْنِيّ يقولُ : هُوَ كُفْرٌ - يَعْنِي : القولَ بخلقِ القرآنِ - .
    وقال عبدُ اللهِ بنُ أحمدَ بنِ حَنْبَلٍ - فِي " المُسْنَدِ " بَعْدَ أَنْ رَوَى عَنْ أَبِيْهِ عَنْ عَلِيٍّ حَدِيْثَاً - : لَمْ يُحَدِّثْ أَبِي بَعْدَ المِحْنَةِ عَنْهُ بِشَيءٍ .
    وقال جَعْفَرُ بنُ أحمدَ بنِ سالمٍ : أَرَدْتُ أَنْ أَخْرُجَ إلى البَصْرَةِ فَقُلْتُ لابنِ مَعِيْنٍ : يَا أَبَا زَكَرِيَّا : عَمَّنْ أَكْتُبُ ؟ فَسَمَّيْتُ رِجَالاً ، حَتَّى ذَكَرْتُ ابنَ المَدِيْنِيِّ ، قالَ أَبُوْ خَيْثَمَةَ – وهُوَ جَالِسٌ فِي نَاحِيَةٍ مِنَّا، فَقَالَ - : لا وَلا كَرَامَةَ ، لا تَكْتُبْ عَنْهُ ، فَسَكَتَ يَحْيَى حَتَّى فَرَغَ ، ثُمَّ قَالَ لِي : إنْ حَدَّثَكَ فَاكْتُبْ عَنْهُ فَإنَّه صَدُوْقٌ .
    وقال ابنُ أَبِي حَاتِمٍ : قالَ أَبُوْ زُرْعَةَ : لا يُرْتَابُ فِي صِدْقِهِ ، وتَرَكَ أَبُوْ زُرْعَةَ الرِّوَايَةَ عَنْهُ مِنْ أَجْلِ المِحْنَةِ .
    قال : وَكَانَ أَبِي يَرْوِي عَنْهُ لِنُزُوْعِهِ عَمَّا كَانَ مِنْهُ .
    وقال أَبُو جَعْفَرٍ العَقِيْلِيُّ : جَنَحَ إلى ابنِ أَبِي دُؤاد والجَهْمِيَّةِ ، وحَدِيْثُهُ مُسْتَقِيْمٌ إنْ شَاءَ اللهُ تَعَالَى .
    قال ابنُ حَجَر : تَكَلَّمَ فِيْهِ أَحْمَدُ - وَمَنْ تَابَعَهُ - ؛ لأَجْلِ مَا تَقَدَّمَ مِنْ إجَابَتِهِ فِي المِحْنَةِ ، وقَدِ اعْتَذَرَ الرَّجُلُ عَنْ ذَلِكَ وَتَابَ وأَنَابَ .
    وَفَاةُ أَبي الحَسَنِ عَلِيِّ بنِ عبدِ اللهِ ابنِ المَدِيْنِيِّ رَحْمَةُ اللهِ تَعَالى عَلَيْه :
    وقال حَنْبَلُ ، والحَضْرَمِيُّ ، والبَغَوِيُّ ، والحَارِثُ ابنُ أَبِي أُسْامَةَ : مَاتَ سَنَةَ أربعٍ وثلاثينَ ومائتينِ .
    وفِيْهَا أَرَّخَه البُخَارِيُّ ، وزَادَ يومَ الإثنينِ ليومينِ بَقِيَا مِنْ ذِيْ القِعْدَة .
    ****
    انتهى ، وللهِ الحمدُ والمِنَّةُ .
    ويَلِيْه فِي المَقَالَةِ السَّابِعَةِ : تَرْجَمَةِ أَبي عَبْدِ اللهِ أحْمَدَ بنِ حَنْبَلٍ رَحْمَةُ اللهِ تَعَالى عَلَيْه .
    وكَتَبَه أبو محمد عبد الوهاب بن عبد العزيز الزيد – الاثنين 2/8/1437 هـ .

    موقع . جامع أهل السُّنَّة والحديث
    http://hdeth.com/
    للإطلاع على المقالة الأولى من هذا الرابط
    http://majles.alukah.net/t155167/#post830382
    المَقَالةُ الثَّانِيةُ فِي المَدْخَلِ :
    http://majles.alukah.net/t155525/#post832222\
    المفالة الثالثة :
    http://majles.alukah.net/t155975/
    المَقَالةُ الرَّابِعَةُ فِي المَدْخَل :
    http://majles.alukah.net/t156610/

    المَقَالَةُ الخَامِسَةُ :
    http://majles.alukah.net/t156918/#post837947

  12. #12

    Post المَقَالةُ السَّابِعَةُ فِي المَدْخَل

    المَقَالةُ السَّابِعَةُ فِي المَدْخَل
    ( تَرْجَمَةُ أَبي عَبْدِ اللهِ أحْمَدَ بنِ حَنْبَلٍ – رَحْمَةُ اللهِ تَعَالى عَلَيْه - )
    **********

    ( ع ) : أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ حَنْبَلِ بنِ هِلالِ بنِ أَسَدٍ الشَّيْبَانِيُّ ، أَبُو عَبْدِ اللهِ ، المَرْوَزِيُّ ثُمَّ البَغْدَادِيُّ.
    مَوْلِدُ أَبي عَبْدِ اللهِ أحْمَدَ بنِ حَنْبَلٍ – رَحْمَةُ اللهِ تَعَالى عَلَيْه - :
    خَرَجَتْ بِهِ أُمُّهُ مِنْ مَرْو - وهِيَ حَامِلٌ - فَوَلَدَتْهُ بِبَغْدَادَ .
    وقال صَالِحٌ : سَمِعْتُ أَبِي يَقُوْلُ : وُلِدْتُ فِي سَنَةِ 164 فِي أَوَّلِهَا فِي رَبِيْعٍ الأَوَّل .
    شُيُوْخُ أَبي عَبْدِ اللهِ أحْمَدَ بنِ حَنْبَلٍ ، والرُّوَاةُ عَنْه ، ومُبْتَدَءُ طَلَبِهِ لِلْعِلْمِ :
    خَرَجَتْ بِهِ أُمُّهُ مِنْ مَرْوٍ - وهِيَ حَامِلٌ - فَوَلَدَتْهُ بِبَغْدَادَ ، وبِهَا طَلَبَ العِلْمَ ثُمَّ طَافَ البِلادَ .
    وقال عَبْدُ اللهِ بنُ أَحْمَدَ بنِ حَنْبَلٍ : سَمِعْتُ أَبِي يَقُوْلُ : مَاتَ هُشَيْمٌ سَنَةَ 183 ، وخَرَجْتُ إلى الكُوْفَةِ فِي تِلْكَ الأَيَّامِ ، ودَخَلْتُ البَّصْرَةَ سَنَةَ 86 .
    وقالَ – أَيْضَاً - : سَمِعْتُهُ يَقُوْلُ : سَمِعْتُ مِنْ عَلِيِّ بنِ هَاشِمِ بنِ البَرِيْد سَنَةَ 179 فِي أَوَّلِ سَنَةٍ طَلَبْتُ ، وهِيَ السَّنَةُ التِي مَاتَ فِيْهَا مَالِكٌ .
    وقالَ - أَيْضَاً - : حَجَجْتُ سَنَةَ 87 وقَدْ مَاتَ فُضَيْلٌ ، وَرَأيْتُ ابنَ وَهْبٍ ولَمْ أكْتُبْ عَنْهُ .
    وقَالَ حَنْبَلُ بنُ إسْحَاقَ : سَمِعْتُ أَبَا عَبْدِ اللهِ يَقُوْلُ : أَنَا فِي مَجْلِسِ هُشَيْمٍ سَنَةَ تِسْعٍ وسَبْعِيْنَ - وهِيَ أَوَّلُ سَنَةٍ طَلَبْتُ الحَدِيْثَ - فَجَاءنَا رَجُلٌ فَقَالَ : مَاتَ حَمَّادُ بنُ زَيْدٍ . ومَاتَ مَالِكُ بنُ أَنَسٍ فِي تِلْكَ السَّنَة .
    قالَ أَبُو عَبْدِ اللهِ : ذَهَبْتُ لأَسْمَعَ مِنِ ابنِ المُبَارَكِ فَلَمْ أُدْرِكْهُ ، وكَانَ قَدِمَ ، فَخَرَجَ إلى الثَّغْرِ ، فَلَمْ أَسْمَعْهُ .
    رَوَى عَنْ إبْرَاهِيْمَ بنِ سَعْدٍ الزُّهْرِيِّ ، وبِشْرِ بنِ المُفَضَّلِ ، وابنِ عُلَيَّةَ ، وعبدِالرَّزاقِ ، وابنِ عُيَيْنَةَ ، والشَّافِعِيِّ ، وغُنْدَر ، ومُعْتَمِرِ بنِ سُلَيْمَانَ ، ووَكِيْع ، وهُشَيْمٍ ، ويَزِيْدَ بنِ هَارُوْنَ ، وعبدِ الرَّحمنِ بنِ مَهْدِيِّ ، ويَحْيَى بنِ سَعِيْدٍ القطَّان ، وخَلْقٍ .
    وقالَ مُسْلِمُ بنُ الحَجَّاجِ – فِي الكُنَى والأسْمَاءِ - : أَبُو عَبْدِ اللهِ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ حَنْبَلٍ ، أَصْلُهُ مَرْوَزِيٌّ وُلِدَ بِبَغْدَاذَ ، سَمِعَ شَرِيْكَاً ، وهُشَيْمَاً ، رَوَى عَنْهُ مُحَمَّدُ بنُ يَحْيَى .
    قُلْتُ : هَكَذَا فِي جَمِيْعِ نُسَخِ كِتَابِ مُسْلِمٍ ، ومَنْ نَقَلَ كَلامَهُ كَابنِ عَسَاكِرٍ وغَيْرِهِ .
    وأَحْمَدُ لَمْ يَسْمَع مِنْ شَرِيْكٍ شَيْئَاً ، بَلْ إنَّ شَرِيْكَاً تُوُفِّيَ قَبْلَ أنْ يَسْمَعَ أحْمَدُ الحَدِيْثَ بِسَنَتَيْنِ ، فَقَد قَالَ أَحْمَدُ : وُلِدَ شَرِيْكٌ سَنَةَ تَسْعٍ ، ومَاتَ سَنَةَ سَبْعٍ وسَبْعِيْنَ ومِائَةٍ . وأَحْمَدُ نَفْسُهُ صَرَّحَ بأنَّ ابْتِدَأهُ لِلسَّمَاعِ سَنَةَ تَسْعٍ وسَبْعِيْنَ ؛ أي بَعْدَ وَفَاةِ شَرِيْكٍ بِِسَنَتِيْنِ ، بَلْ ونَصَّ أَيْضَاً أَنَّ دُخُوْلَهُ لِلْكُوْفَةِ سَنَةَ ثَلاثٍ وثَمَانِيْنَ ؛ أي بَعْدَ وَفَاةِ شَرِيْكٍ بِسِتِّ سَنَوَاتٍ – كَمَا تَقَدَّمَ آنِفَاً - مَعَ العِلْمِ بأنَّ أحْمَدَ بَغْدَادِيٌّ وشَرِيْكٌ كُوْفِيٌّ .
    وعَنْهُ البُخاريُّ ، ومُسْلِمٌ ، وأَبُو دَاودَ – والبَاقُوْنَ مَعَ البُخَارِيِّ - أَيْضَاً - بِوَاسِطَةٍ ، وابنُ مَهْدِيٍّ ، والشَّافِعِيُّ ، وأبُو الوَلِيْدِ ، وعَبْدُ الرَّزَّاق ، ووَكِيْعٌ ، ويَحْيَى بنُ آدَمَ ، ويَزِيْدُ بنُ هَارُوْنَ - وهُمْ مِنْ شُيُوْخِهِ - ، ويَحْيَى بنُ مَعِيْنٍ ، وعَلِيُّ ابنُ المَدِيْنِيِّ - وهُمَا مِنْ أَقْرانِه - ، وابْنَاهُ عَبْدُ اللهِ ، وصَالِحٌ ، وتَلامِذَتُِهُ أَبُو بَكْرٍ الأَثْرَمُ ، وحَرْبٌ الكِرْمَانِيُّ ، وبَقِيُّ بنُ مَخْلَدٍ ، وحَنْبَلُ بنُ إسْحَاقَ ، والمَيْمُوْنِيّ ُ ، وأَبو بكرِ ابنُ أَبي خَيْثَمة ، وأَبُو حاتمٍ وأَبُو زُرْعةَ الرَّازِيَّانِ ، وأَبُو زُرْعَةَ الدِّمَشْقِيُّ ، وأَبُو يَعْلَى المَوْصِلِيُّ ، وغَيْرُهُمْ ، وآخِرُ مَنْ حَدَّثَ عَنْهُ أَبُو القَاسِمِ البَغَوِيُّ .

    إمَامَةُ أَبي عَبْدِ اللهِ أحْمَدَ بنِ حَنْبَلٍ فِي الحَدِيْثِ ، وثَنَاءٌ شُيُوْخِه عَلَيْه :
    اجتَهَدَ أبُو عَبدِ اللهِ أَحْمَدُ بنُ حَنْبَلِ فِي طَلَبِ الحَدِيْثِ ، وبَذَلَ فِيْه نَفْسَهُ ورُوْحَهُ ، ورَحَلَ لأجْلِهِ فِي الأقْطَارِ والبُلْدَانِ ، ولَمْ يَمْنَعْهُ عَنْ بَعْضِ البُلدَانِ كَمِصْرَ سِوَى مَاهُوَ فِيْهِ مِنْ قِلَّةِ ذَاتِ اليَد[1] - ، وسَمِعَ الكَثِيْرَ مِنَ الشُّيُوْخَ ، وجَالَسَ أَهْلَ الاخْتِصَاصِ فِيْهِ ، ووُفِّقَ لِصُحْبَةِ وَكِيْعِ بنِ الجَرَّاحِ شَيْخِ أهْلِ الحَدِيْثِ فِي زَمَانِهِ ومَنْ جَلَسَ مَجْلِسَ سُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ بالكُوْفَةِ ، فَلازَمَهُ وأخَذَ عَنْهُ الحَدِيْثَ ، والفِقْهَ ، ولُزُوْمَ السُّنَّةِ ، وسُلُوْكَ أهْلِ الوَرَعِ والصَّلاحَ ، وبِالبَصْرَةِ حَظِيَ بِصُحْبَةِ عَالِمَيْ زَمَانِيْهِمَا يَحْيَى القَطَّانِ وعَبْدِ الرَّحْمَنِ بنِ مَهْدِيِّ – وقَدِ انْتَهَى إلَيْهِمَا عِلْمُ الحَدِيْثِ عِلَلِهِ ، وجَرْحِهِ وتَعْدِيْلِهِ ، فَشَرِبَ مِنْ عِلْمِهِمَا وارْتَوَى ، وحَصَّلَ عَنْهُمَا مَا جَمَعَاهُ وأوْعَى .
    وزَادَ عَلَى ذَلِكَ مَا وَفَّقَهُ رَبُّهُ لِفَهْمِ هَذَا الفَنِّ وإدْرَاكِ غَوَامِضَِهِ ودَقَائِقِهِ ، فأَتْقَنَ الحَدِيْثَ وفُنُوْنَهُ وبِخَاصةٍ عِلَلَهُ ، وجَرْحَهُ وتَعْدِيْلَهُ أُصُوْلَهُ وفُرُوْعَهُ ، وأَعْمَلَ جُلَّ وَقْتِهِ فِي حِفْظِ ماسَمِعَهُ مِنْ حَدِيْثِ رَسُوْلِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ حَتَّى فَاقَ أَقْرَانَهُ فِي الحِفْظِ والإتْقَانِ لِحِدِيْثِهِ وبَلَغَ مِنَ الصِّدْقِ مَبْلَغَاً قَالَ عَنْهُ الشَّافِعِيُّ – فِيْمَا رَوَاهُ عَنْهُ المُزَنيُّ : قالَ لِيَ الشَّافِعِيُّ - : رَأيتُ بِبَغْدَادَ شَابَّاً إذَا قالَ : حَدَّثَنَا ، قالَ النَّاسُ كُلُّهُم : صَدَقَ . قُلْتُ : مَنْ هُوَ؟ قالَ : أَحْمَدُ بنُ حَنْبَلٍ .
    وهَيَّأَ أَبُوْ عَبدِ اللهِ نَفْسَهُ وعَقْلَهُ لِخَوْضِ غِمَارِ هَذَا الفَنِّ وزُبْدَتِهِ فطَلَبَ دَقَائِقَ المسَائِلِ الفِقْهِيَّةِ فُرُوْعَاً عَلَى أيْدِيْ فُقَهَاءِ هَذَا الفَنِّ ومُعَلِّمِيْهِ مِنْ مَدْرَسَةِ إمَامِ الفِقْهِ أَبِي حَنِيْفَةَ فَحَوَى جُمْلَتَهَا ودَقَّقَ خَفَايَاهَا وفُرُوْقَهَا ، واجْتَهَدَ بِرَبْطِهَا بِالحَدِيْثِ عَنْ رَسُوْلِ اللهِ صَلَّى اللهِ عَلَيْهِ وسَلَّمَ لِمَعْرِفَةِ أُصُوْلِ هَذِهِ المَسَائِلِ الدِّقَاقِ بِأَنْوَاعِهَا مِمَّا يَرْجِعُ لِلْحَدِيْثِ والكِتَابِ مِنْ غَيْرِهِمَا ، مَعَ تَمَسُّكٍ بِالسُّنَّةِ والاعْتِصَامِ بِهَا والقِيَامِ بِنَشْرِهَا دُوْنَ خَشْيَةٍ أوْ رَجَاءٍ لأحَدٍ حَتَّى صَارَ يُشَارُ لَهُ فِي ذَلِكَ بِالبَنَانِ مِنَ الشُّيُوْخِ والأقْرَانِ ، وأَكْمَلَ تَأَصِيْلَهُ العِلْمِيِّ بِلِقَائِهِ بِإمَامِ التَأصِيْلِ الكَبِيْرِ الشَّافِعِيِّ فَشَفَى مِنْهُ غَلِيْلَهُ واسْتَنَارَ بِنَهْجِهِ طَرِيْقُهُ فَجَمَعَ بِذَلِكَ الحُسْنَيَيْنِ وزِيَادَةً ؛ إذْ جَمَعَ – مَعَ مَا حَصَّلَهُ – عِلْمَيْ أَبِيْ حَنِيْفَةَ والشَّافِعِيِّ .
    وَلَمْ يَقِفْ أَبُوْ عَبدِ اللهِ فَعَمِلَ جَاهِدَاً عَلَى عِبَادَةٍ كَالبَحْرِ اتِّسَاعَاً وعُمْقَاً لَكَأنَّمَا طَلَّقَ الدُّنْيَا .. بَلْ لَكَأنَّمَا رَحَلَ عَنْهَا دُوْنَ رَجْعَةٍ .. بِمَا لَمْ يَغُرَّهُ مَاوَصَلَ إلَيْهِ مِنْ جَمْعِهِ مِنْ كُلِّ شَيءٍ مِنَ العِلْمِ أُصُوْلِهِ وفُرُوْعِهِ ، مَعَ مَاوَهَبَهُ اللهُ مِنْ صِيَانَةٍ حَقِيْقِيَّةٍ لِنَفْسِهِ قَائِدُهُ فِيْهَا الوَرَعُ فِيْمَا فِيْهِ النَّاسُ والزُّهْدُ عَمَّا فِي أَيْدِيْهِمْ ، لَمْ يُنَافِسْ أحَدَاً فِي شَيٍْ مِنْ شُئُوْنِ الدُّنْيَا وَزِيْنَتِهَا ، ولا تَفَاخَرَ بِشَيءٍ مِنَ العِلْمِ الذي حَوَاهُ حَتَّى لَمْ يُحْفَظْ عَنْهُ فِي صَبْوَتِهِ وشَبَابِهِ مِنْ ذَلِكَ شَيْئٌ ، بَلْ يَظْهَرُ الغَضَبُ عَلَى بَعْضِ شُيُوْخِهِ إذَا مَزَحَ أَحَدٌ فِي مَجْلِسِهِ وأَحَمْدُ حَاضِرٌ فِي المَجْلَسِ.. كُلُّ هَذَا أَنْطَقَ الشَّافِعِيَّ بِمَقُوْلَتِهِ الشَّهِيْرَةِ ؛ خَرَجْتُ مِنْ بَغْدَادَ فَمَا خَلَّفْتُ بِهَا رَجُلاً أَفْضَلَ ، ولا أَعْلَمَ ، ولا أَفْقَهَ ، ولا أَتْقَى مِنْ أَحْمَدَ بنِ حَنْبَلٍ.
    ومَعَ كُلِّ هَذَا لَمْ يَزِدْ أَحْمَدُ شَيْئاً غَيْرَ نِسْبَةِ الفَضْلِ للهِ تَعَالى ، مَعَ حِرْصِهِ عَلَى إخْفَاءِ مَاهُوَ فِيْهِ تَقَرُّبَاً لِمَوْلاهُ دُوْنَ خَلْقِهِ .
    ومِمَّا جَاءَ عَنِ الأئِمَّةِ عَنْهُ فِي ذَلَكَ :
    قال القَوَارِيْرِيّ ُ : قالَ لِي يَحْيَى : مَا قَدِمَ عَلَيْنَا مِثْلُ هَذَيْنِ الرَّجُلَيْنِ أَحْمَدَ ويَحْيَى .
    وقال إبْرَاهِيْمُ بنُ شَمَّاسٍ : وَكِيْعُ بنُ الجَرَّاحِ ، وحَفْصُ بنُ غِيَاثٍ يَقُوْلانِ : مَا قَدِمَ الكُوْفَةَ مِثْلُ ذَاكَ الفَتَى - يَعْنِيَانِ : أَحْمَدَ - .
    وقال أَحْمَدُ بنُ سِنَانٍ : مَا رَأيْتُ يَزِيْدَ بنَ هَارُوْنَ لأَحَدٍ أَشَدَّ تَعْظِيْمَاً مِنْهُ لأَحْمَدَ بنِ حَنْبَلٍ .
    وقال المُزَنيُّ : قالَ لِيَ الشَّافِعِيُّ : رَأيتُ بِبَغْدَادَ شَابَّاً إذَا قالَ : حَدَّثَنَا ، قالَ النَّاسُ كُلُّهُم : صَدَقَ .
    قُلْتُ : مَنْ هُوَ؟ قالَ : أَحْمَدُ بنُ حَنْبَلٍ .
    وقال حَرْمَلَةُ : سَمِعْتُ الشَّافِعِيَّ يَقُوْلُ : خَرَجْتُ مِنْ بَغْدَادَ فَمَا خَلَّفْتُ بِهَا رَجُلاً أَفْضَلَ ولا أَعْلَمَ ولا أَفْقَهَ ولا أَتْقَى مِنْ أَحْمَدَ بنِ حَنْبَلٍ.
    وقال يَحْيَى بنُ مَعِيْنٍ : كَانَ فِي أَحْمَدَ بنِ حَنْبَلٍ خِصَالٌ مَا رَأيْتُهَا فِي عَالِمٍ قَطُّ ؛ كَانَ مُحَدِّثَاً ، وكَانَ حَافِظَاً ، وكَانَ عَالِمَاً ، وكَانَ وَرِعَاً ، وكَانَ زَاهِدَاً ، وكَانَ عَاقِلاً .
    قال أَبُو عُبيدٍ القَاسِمُ بنُ سَلَّام : انْتَهَى العِلْمُ إلى أَرْبَعَةٍ ؛ أَبُو بكرِ بنُ أَبِي شَيْبَةَ أَسْرَدُهُمْ لَه ، وأحمدُ أَفْقَهُهُمْ فِيْه ، وعليُّ بنُ المَدِيْنِيِّ أَعْلَمُهُمْ بِه ، ويَحْيَى بنُ مَعِيْنٍ أَكْتَبُهُمْ لَه .
    وفِي رِوَايَةٍ عَنْه : أَعْلَمُهُمْ بِصَحِيْحِه وسَقِيْمِه ابنُ مَعِيْنٍ .
    وقَدتَقَدَّمَ بيَانُ شَيْئٍ مِمَّا بَلَغَهُ أبُو عَبدِ اللهِ فِي هَذَا البَابِ ، ومَاسَيَأتِي .. ، ومِمَّا جَاءَ عَنِ الأئِمَّةِ عَنْهُ فِي ذَلكَِ : قال أَبُو ثَوْرٍ : أَحْمَدُ شَيْخُنُا وإمَامُنُا .
    وقال أَبُو زُرْعَةَ الرَّازِيُّ : كَانَ أَحْمَدُ يَحْفَظُ أَلْفَ أَلْفِ حَدِيْثٍ ، فَقِيْلَ لَهُ : ومَا يُدْرِيْكَ ؟ قَالَ : أَخَذْتُ عَلِيْهِ الأَبْوَابَ .
    وقال ابنُ أَبِي حَاتِمٍ : سَألتُ أَبِي عَنْ عَلِيِّ ابنِ المَدِينيّ وأَحْمَدَ بنِ حَنْبَلٍ ، أَيُّهُمَا أَحْفَظُ؟ فَقال : كَانَا فِي الحِفْظِ مُتَقَاربَيْن ، وكَانَ أَحْمَدُ أَفْقَهَ .
    وقال أَبِي: إذَا رَأيْتَ الرَّجُلَ يُحِبُّ أَحْمَدَ فَاعْلَمْ أنَّهُ صَاحِبُ سُنَّةٍ .
    وسَمِعْتُ أَبِي يقول : رَأيْتُ قُتَيْبَةَ بِمَكَّةَ فَقُلتُ لأَصْحَابِ الحَدِيْثِ : كَيْفَ تَغْفَلُوْنَ عَنْهُ وقَدْ رَأيْتُ أَحْمَدَ بنَ حَنْبَلٍ فِي مَجْلِسِه؟ فَلَمَّا سَمِعُوْا هَذَا أَخَذُوْا نَحْوَهُ وكَتَبُوْا عَنْهُ.
    وقال نُوْحُ بنُ حَبِيْبٍ : رَأيْتُ أَحْمَدَ فِي مَسْجِدِ الخِيْفِ سَنَةَ 98 مُسْتَنِدَاً إلى المَنَارَةِ ، فَجَاءَهُ أَصْحَابُ الحَدِيْثِ فَجَعَلَ يُعَلِّمُهُم الفِقْهَ والحَدِيْثَ ويُفْتِيْ النَّاسَ .
    انتهى ، وللهِ الحمدُ والمِنَّةُ .
    ******
    ويَلِيْه فِي المَقَالَةِ الثَّامِنَةِ : تَتِمَّةِ تَرْجَمَةِ أَبي عَبْدِ اللهِ أحْمَدَ بنِ حَنْبَلٍ رَحْمَةُ اللهِ تَعَالى عَلَيْه .
    وكَتَبَه أبو محمد عبد الوهاب بن عبد العزيز الزيد – الأربعاء 3/9/1437 هـ .

    موقع . جامع أهل السُّنَّة والحديث
    http://hdeth.com/
    للإطلاع على المقالة الأولى من هذا الرابط
    http://majles.alukah.net/t155167/#post830382
    المَقَالةُ الثَّانِيةُ فِي المَدْخَلِ :
    http://majles.alukah.net/t155525/#post832222\
    المفالة الثالثة :
    http://majles.alukah.net/t155975/
    المَقَالةُ الرَّابِعَةُ فِي المَدْخَل :
    http://majles.alukah.net/t156610/

    المَقَالَةُ الخَامِسَةُ :
    http://majles.alukah.net/t156918/#post837947
    المَقَالةُ السَّادِسَةُ فِي المَدْخَل
    http://majles.alukah.net/t157111/#post838746







  13. #13

    Post المَقَالةُ الثَّامِنَةُ فِي المَدْخَل ( تَتِمَّةُ تَرْجَمَةِ أبِي عَبْدِ اللهِ أحْمَدِ بنِ حَنْبَلٍ )

    المَقَالةُ الثَّامِنَةُ فِي المَدْخَل :
    ( تَتِمَّةُ تَرْجَمَةِ أبِي عَبْدِ اللهِ أحْمَدِ بنِ حَنْبَلٍ )
    *********

    إمَامَةُ أَبي عَبْدِ اللهِ أحْمَدَ بنِ حَنْبَلٍ فِي الحَدِيْث ، وعِلَلِه ، وجَرْحِهِ وتَعْدِيْلِه :
    قال أبُو مُحَمَّد ابنُ أَبِِي حَاتِمٍٍ الرَّازِيُّ : أَنا أَحْمَدُ بنُ سِنَانٍ قال : سَمِعْتُ عَبْدَ الرَّحْمَنَ بنَ مَهْدِىِّ يقولُ : كَانَ أَحْمَدُ بنُ حَنْبَلٍ عِنْدِيْ فقالَ : نَظَرْنَا فِيْمَا يُخَالِفُكُمْ فِيْهِ وَكِيْعٌ – أَوْ فِيْمَا يُخَالِفُ وَكِيْعٌ النَّاسَ - فَاذِا هِيَ نَيِّفٌ وسِتُّوْنَ حَرْفَاً .
    قال أَبُو مُحَمَّدَ : هَذِهِ رِوَايَةُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بنِ مَهْدِيِّ عَنْ أَحْمَدَ بنِ حَنْبِلٍ كَلامَهُ .
    قال أبُو مُحَمَّد ابنُ أبِي حَاتِمٍ الرَّازِيُّ : نا أَحْمَدُ بنُ سِنَانٍ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بنِ مَهْدِيِّ أَنَّهُ رَأى أَحْمَدَ بنَ حَنْبِلٍ أَقْبَلَ إليْهِ - أَوْ قَامَ مَنْ عِنْدِهِ - فقالَ : هَذَا أَعْلَمُ النَّاسِ بِحَدِيْثِ سُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ .
    وقالَ : سَمِعْتُ هَارُوْنَ بنَ إسْحَاقَ الهَمْدَانِيَّ - وذُكِرَ لَهُ خَطَأٌ فِي إسْنَادِ حَدِيْثٍ - فقالَ : هَذَا كَلامٌ أحْمَدَ بنِ حَنْبَلٍ وعَلِيِّ ابنِ المَدِيْنِيِّ .
    وقالَ – فِي تَرْجَمَةِ ابنِ المَدِيْنِيِّ فِي التَّقْدُمَةِ - : سَمِعْتُ هَارُوْنَ بنَ إسْحَاقَ الهَمْدَانِيَّ يقولُ : الكَلامُ فِي صِحَّةِ الحَدِيْثِ وسَقِيْمِهِ لأَحْمَدَ بنِ حَنْبَلٍ وعَلِيِّ ابنِ المَدِيْنِيِّ .
    وقالَ أبُو مُحَمَّد عَبْدُ الرَّحْمَنِ ابنُ أَبِي حَاتِمٍ : سَمِعْتُ أَبِي يَقُوْلُ : كَانَ أَحْمَدُ بنُ حَنْبَلٍ بَارِعَ الفَهْمِ لِمَعْرِفَةِ الحَدِيْثِ بِصَحِيْحِهِ وسَقِيْمِهِ ، وتَعَلَّمَ الشَّافِعِيُّ أَشْيِاءَ مِنْ مَعْرِفَةِ الحَدِيْثِ مِنْهُ .
    وكَانَ الشَّافِعِيُّ يَقُوْلُ لأَحْمَدَ : حَدِيْثُ كَذَا وكَذَا ، قَوِىُّ الإسْنَادِ ، مَحْفُوْظٌ ؟ فَإذَا قَالَ أَحْمَدُ : نَعَمْ ، جَعَلَهُ أَصْلاً وبَنَى عَلَيْهِ .
    وقال ابنُ المَدِيْنِيِّ : لَيْسَ فِي أَصْحَابِنَا أَحْفَظُ مِنْهُ .
    قال محمدُ بنُ عثمانَ بنِ أَبِي شَيْبَةَ سمعتُ عليَّاً يقولُ : كنتُ إذا قدمتُ إلى بغدادَ منذُ أَرْبعينَ سنةً كانَ الذي يُذاكرني أحمدُ بنُ حَنْبَل ، فَرُبَّمَا اخْتَلَفْنَا في الشيءِ فنسألُ يَحْيَى بنَ مَعِيْنٍ فيقومُ فَيُخْرِجُهُ ، مَا كانَ أَعْرَفَهُ بموضعِ حدِيْثِه .
    وقال مُحَمَّدُ بنُ مُسْلِمِ بنِ وَارَةَ : كَانَ أَحْمَدُ صَاحِبَ فِقْهٍ ، وصَاحِبَ حِفْظٍ ، وصَاحِبَ مَعْرِفَةٍ .
    وقال أَبُو عَبدِ الرَّحْمَنِ النَّسائيُّ : جَمَعَ أَحْمَدُ بنُ حَنْبَلٍ المَعْرِفَةَ بِالحَدِيْثِ ، والفِقْهِ ، والوَرَعِ ، والزُّهْدِ ، والصَّبْرِ .

    إمَامَةُ أَبي عَبْدِ اللهِ أحْمَدَ بنِ حَنْبَلٍ فِي فِقْهِ الحَدِيْث :
    وقَدْ تَقَدَّمَ بيَانُ شَيْئٍ مِمَّا بَلَغَهُ أبُو عَبدِ اللهِ فِي هَذَا البَابِ ، ومَاسَيَأتِي .. ، ومِمَّا جَاءَ عَنِ الأئِمَّةِ عَنْهُ فِي ذَلكَِ :
    قال مُحَمَّدُ بنُ إسْحَاقَ بنِ رَاهَوِيْةَ : سَمِعْتُ أَبِي يقولُ : قال لِي أَحْمَدُ بنُ حَنْبَلٍ : تَعَالَ حَتَّى أُرِيَكَ رَجُلاً لَمْ تَرَ مِثْلَهُ ، فَذَهَبَ بِي إلى الشَّافِعِيِّ .
    قالَ مُحَمَّدُ بنُ إسْحَاقَ : قالَ أَبِي : ومَا رَأى الشَّافِعِيُّ مِثْلَ أَحْمَدَ بنِ حَنْبَلٍ .
    وقِيْلَ لصَالحِ بنِ محمدٍ : هَلْ كَانَ يَحْيَى بنُ مَعِيْنٍ يَحْفَظُ ؟ قال : كَانتْ عِنْدَه مَعْرِفَةٌ ، قِيْلَ لَه : فَعَلِيُّ ابنُ المَدِيْنِيِّ ؟ قال : كَانَ يَحْفَظُ ويَعْرِفُ .
    وقال - أَيْضَاً - : أَعْلَمُ مَنْ أَدْرَكْتُ بِالحديثِ وعِلَلِه عَلِيُّ ابنُ المَدِيْنِيِّ ، وأَفْقَهُهُم فِيْه أحمدُ ، وأَمْهَرُهُم بِه الشَّاذَكُوْنِي ُّ .
    وقال الإسماعيليُّ : سُئِلَ الفرهيانيُّ : عَنْ يَحْيَى وأحمدَ وعليٍّ وأَبِي خَيْثَمَةَ ؟ قال : أَمَّا عليٌٍّ فَأَعْلَمُهُمْ بالعِلَلِ ، وأَمَّا يَحْيَى فَأَعْلَمُهُم بالرِّجَالِ ، وأَحْمَدُ بِالفِقْهِ ، وأَبُو خَيْثَمَةَ مِنَ النُّبَلاءِ .
    قال أَبُو عُبيدٍ القَاسِمُ بنُ سَلَّام : انْتَهَى العِلْمُ إلى أَرْبَعَةٍ ؛ أَبُو بكرِ بنُ أَبِي شَيْبَةَ أَسْرَدُهُمْ لَه ، وأحمدُ أَفْقَهُهُمْ فِيْه ، وعليُّ بنُ المَدِيْنِيِّ أَعْلَمُهُمْ بِه ، ويَحْيَى بنُ مَعِيْنٍ أَكْتَبُهُمْ لَه .
    وفِي رِوَايَةٍ عَنْه : أَعْلَمُهُمْ بِصَحِيْحِه وسَقِيْمِه ابنُ مَعِيْنٍ .
    وقال العِجْلِيُّ : ثِقَةٌ ، ثَبْتٌ فِي الحَدِيْثِ ، نَزِيْهُ النَّفْسِ ، فَقِيْهٌ فِي الحَدِيْثِ ، مُتَّبِعٌ لِلآثارِ ، صَاحِبُ سُنَّةٍ وخَيْرٍ .
    وقال نُوْحُ بنُ حَبِيْبٍ : رَأيْتُ أَحْمَدَ فِي مَسْجِدِ الخِيْفِ سَنَةَ 98 مُسْتَنِدَاً إلى المَنَارَةِ ، فَجَاءَهُ أَصْحَابُ الحَدِيْثِ فَجَعَلَ يُعَلِّمُهُم الفِقْهَ والحَدِيْثَ ويُفْتِيْ النَّاسَ .
    وقال ابنُ مَاكُولا : كَانَ أَعْلَمَ النَّاسِ بِمَذَاهِبِ الصَّحَابَةِ والتَّابِعِيْنَ .
    وقال الخَلِيْلِيُّ : كَانَ أَفْقَهَ أَقْرَانِهِ وأَوْرَعَهُم ، وأَكَفَّهُم عَنِ الكَلامِ فِي المحُدَثِّيِنَ إلاَّ فِي الاضْطِرَارِ ، وقَدْ كَانَ أَمْسَكَ عَنِ الرِّوَايَةِ مِنْ وَقْتِ الامْتِحَانِ فَمَا كَانَ يَرْوِيْ إلاَّ لِبَنِيْهِ فِي بَيْتِهِ .

    تَصَانِيْفُ أَبي عَبْدِ اللهِ أحْمَدَ بنِ حَنْبَلٍ :
    قال الذَّهبيُّ : مُسْنَدُ أَحْمَدَ كِتَابٌ جَلِيْلٌ مَشْهُوْرٌ ، أَجَازَهُ لِي جَمَاعَةٌ سَمِعُوْهُ عَالِيَاً .
    وقَالَ : قَالَ ابْنُ الجَوْزِيِّ : كَانَ الإِمَامُ لاَ يَرَى وَضْعَ الكُتُبِ ، وَيَنْهَى عَنْ كِتْبَةِ كَلاَمِهِ وَمَسَائِلِهِ ، وَلَوْ رَأَى ذَلِكَ لَكَانَتْ لَهُ تَصَانِيْفُ كَثِيْرَةٌ ، وَصَنَّفَ ( المُسْنَدَ )؛ وَهُوَ ثَلاَثُوْنَ أَلْفَ حَدِيْثٍ ، وَكَانَ يَقُوْلُ لاِبْنِهِ عَبْدِ اللهِ : احتَفِظْ بِهَذَا (المُسْنَدِ)، فَإِنَّه سَيَكُوْنُ لِلنَّاسِ إِمَاماً، وَ(التَّفْسِيْر ) وَهُوَ مائَةٌ وَعِشْرُوْنَ أَلْفاً، وَ( النَّاسِخَ وَالمَنْسُوْخَ ) ، وَ( التَّارِيْخَ )، وَ( حَدِيْثَ شُعْبَةَ )، وَ( المُقَدَّمَ وَالمُؤَخَّرَ فِي القُرْآنِ )، وَ( جَوَابَاتِ القُرْآنِ )، وَ(المَنَاسِكَ) الكَبِيْرَ ، وَالصَّغِيْرَ، وَأَشْيَاءَ أُخَرَ.
    قال الذَّهبِيُّ : وَكِتَابَ ( الإِيْمَانِ ) ، وَكِتَابَ ( الأَشْرِبَةِ ) ، وَرَأَيْتُ لَهُ وَرَقَةً مِنْ كِتَابِ ( الفَرَائِضِ ).
    ابْنُ السَّمَّاكِ : حَدَّثَنَا حَنْبَلٌ قَالَ :
    جَمَعَنَا أَحْمَدُ بنُ حَنْبَلٍ ، أَنَا وَصَالِحٌ وَعَبْدُ اللهِ ، وَقَرَأَ عَلَيْنَا ( المُسْنَدَ ) ، مَا سَمِعَهُ غَيْرُنَا.
    وَقَالَ : هَذَا الكِتَابُ جَمَعتُهُ وَانتَقَيتُهُ مِنْ أَكْثَرَ مِنْ سَبْعِ مائَةِ أَلْفٍ وَخَمْسِيْنَ أَلْفاً، فَمَا اختَلَفَ المُسْلِمُوْنَ فِيْهِ مِنْ حَدِيْثِ رَسُوْلِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَارْجِعُوا إِلَيْهِ ، فَإِنْ وَجَدتُمُوهُ فِيْهِ وَإِلاَّ فَلَيْسَ بِحُجَّةٍ .
    قالَ الذَّهَبِيُّ : فِي ( الصَّحِيْحَيْنِ ) أَحَادِيْثُ قَلِيْلَةٌ لَيْسَتْ فِي ( المُسْنَدِ).
    لَكِنْ قَدْ يُقَالُ : لاَ تَرِدُ عَلَى قَوْلِهِ ، فَإِنَّ المُسْلِمِيْنَ مَا اخْتَلَفُوا فِيْهَا، ثُمَّ مَا يَلزَمُ مِنْ هَذَا القَوْلِ : أَنَّ مَا وُجِدَ فِيْهِ أَنْ يَكُوْنَ حُجَّةً ، فَفِيْهِ جُمْلَةٌ مِنَ الأَحَادِيْثِ الضَّعِيفَةِ مِمَّا يَسُوغُ نَقلُهَا، وَلاَ يَجِبُ الاحْتِجَاجُ بِهَا، وَفِيْهِ أَحَادِيْثُ مَعْدُوْدَةٌ شِبْهُ مَوْضُوْعَةٍ ، وَلَكِنَّهَا قَطْرَةٌ فِي بَحرٍ .
    وَفِي غُضُوْنِ ( المُسْنَدِ) زِيَادَاتٌ جَمَّةٌ لِعَبْدِ اللهِ بنِ أَحْمَدَ .
    قَالَ ابْنُ الجَوْزِيِّ : وَلَهُ - يَعْنِي: أَبَا عَبْدِ اللهِ - مِنَ المُصَنَّفَاتِ : كِتَابُ ( نَفْيِ التَّشبِيهِ ) مُجَلَّدَةٌ ، وَكِتَابُ ( الإِمَامَةِ ) مُجَلَّدَةٌ صَغِيْرَةٌ ، وَكِتَابُ ( الرَّدِّ عَلَى الزَّنَادِقَةِ ) ثَلاَثَةُ أَجْزَاءٍ ، وَكِتَابُ ( الزُّهْدِ) مُجَلَّدٌ كَبِيْرٌ ، وَكِتَابُ ( الرِّسَالَةِ فِي الصَّلاَةِ ) . قالَ الذَّهَبِيُّ : هُوَ مَوْضُوْعٌ عَلَى الإِمَامِ .
    قَالَ : وَكِتَابُ ( فَضَائِلِ الصَّحَابَةِ ) مُجَلَّدَةٌ.
    وَرَعُ أَبي عَبْدِ اللهِ أحْمَدَ بنِ حَنْبَلٍ وزُهْدُهُ وصَلاحُهُ :
    قال ابنُ مَعِيْنٍ : مَارَأيتُ خَيْرَاً مِنْ أَحْمَدَ ؛ مَا افْتَخَرَ عَلِيْنَا بِالعَرِبْيَّةِ قَطُّ .
    قالَ أحْمَدُ بنُ حَنْبَلٍ : وحَجَجْتُ خَمْسَ حِجَجٍ مِنْهَا ثَلاثُ حِجَجٍ رَاجِلاً ، أَنْفَقْتُ فِي إحْدَى هَذِهِ الحِجَجِ ثَلاثِيْنَ دِرْهَمَاً .
    وقالَ عَبْدُ اللهِ بنُ أحْمَدَ : كَانَ أَبِي يُصَلِّي فِي كُلِّ يَوْمٍ ولَيْلَةٍ ثَلاثَمِائَةِ رَكْعَةٍ .
    وقال أَبُو داودَ : كَانَتْ مَجَالِسُ أَحْمَدَ مَجَالِسَ الآخِرَةِ ، لا يُذْكَرُ فِيْهَا شَيءٌ مِنْ أَمْرِ الدُّنْيَا. مَا رَأيْتُهُ ذَكَرَ الدُّنْيَا قَطّ .
    وقالَ مُحَمَّدُ بنُ يَحْيَى : قالَ لِي عبدُ الرَّزَّاقِ : كَانَ أَحْمَدُ بنُ حَنْبَلٍ إذَا صَلَّى يُذَكِّرُنِي شَمَائِلَ السَّلَفِ .

    عَقِيْدَةُ أَبي عَبْدِ اللهِ أحْمَدَ بنِ حَنْبَلٍ :
    قال أَبُو حَاِتمٍ : إذَا رأيتَ البَغْدَادِيَّ يحبُ أحمدَ فَاعْلَمْ أَنَّهُ صاحبُ سُنَّةٍ ، وإذَا رَأَيْتَهُ يبغضُ ابنَ مَعِيْنٍ فَاعْلَم أَنَّه كَذَّابٌ .
    وقالَ أَحْمَدُ الدَّوْرَقِيُّ : مَنْ سَمِعْتُمُوْهُ يَذْكُرُ أَحْمَدَ بِسُوْءٍ فَاتَّهِمُوُه عَلَى الإسْلام .
    وقال هِلالُ بنُ العَلاءِ : مَنَّ اللهُ عَلَى هَذِهِ الأُمَّةِ بِأَرْبَعَةٍ فِي زَمَانِهِم : بِالشَّافِعِيِّ ؛ تَفَقَّهَ بِحَدِيْثِ رَسُوْلِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ ، وبِأَحْمَدَ ؛ ثَبَتَ فِي المِحْنَةِ ، ولَوْلا ذَلِكَ لَكَفَرَ النَّاسُ ، وبِيَحْيَى بنِ مَعِيْنٍ ؛ نَفَى الكَذِبَ عَنْ حَدِيْثِ رَسُوْلِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ ، وبِأَبِي عُبَيْدٍ ؛ فَسَّرَ الغَرِيْبَ .
    وقالَ ابنُ سَعْدٍ : أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ حَنْبَلٍ ، ويُكْنَى أَبَا عَبدِ اللهِ ، وهُوَ ثِقَةٌ ثَبْتٌ صَدُوْقٌ ، كَثِيْرُ الحَدِيْثِ ، وقَدْ كَانَ أُمْتُحِنَ وضُرِبَ بِالسِّيَاطِ أَمَرَ بِضَرْبِهِ أَبُو إسْحَاقَ أَمِيْرُ المؤمِنِيْنَ عَلَى أَنْ يقولَ القُرْآنُ مَخْلُوْقٌ فَأَبَى أَنْ يقولَ ، وقَد كَانَ حُبِسَ قَبْلَ ذَلِكَ فَثَبَتَ عَلَى قَوْلِهِ ، وَلَمْ يُجِبْهُمْ إلى شَيءٍ ، ثُمَّ دُعِيَ لِيَخْرُجَ إلَى الخَلِيْفَةِ المُتَوَكِّلِ عَلَى اللهِ ثُمَّ أُعْطِيَ مَالاً فَأَبَى أَنْ يَقْبَلَ ذَلِكَ المَالَ .

    وَفَاةُ أَبي عَبْدِ اللهِ أحْمَدَ بنِ حَنْبَلٍ رَحْمَةُ اللهِ تَعَالى عَلَيْه :
    قالَ عَبَّاسٌ الدَّوْرِيُّ ، ومُطَيِّنٌ ، والفَضْلُ بنُ زِيَادٍ - وغَيْرُهُم - : مَاتَ يَوْمَ الجُمْعَةِ لِثِنْتَيْ عَشْرَةَ خَلَتْ مِنْ رَبِيْعٍ الأَوَّلِ سَنَةَ 241 .
    لَكِنْ قَالَ الفَضْلُ : فِي رَبِيْعٍ الآخِر ، وكَذِلَكَ قَالَ عَبْدُ اللهِ بنُ أَحْمَدَ .
    وقِيْلَ : حُزِرَ مَنْ صَلَّى عَلَيْهِ فَكَانُوْا ثَمَانيَ مِائةِ أَلْفِ رَجُلٍ وسِتِّيْنَ أَلْفَ امْرَأةٍ ، وقِيْلَ : أَكْثَرَ مِنْ ذَلِكَ .
    وقالَ عَبْدُ اللهِ بنُ أحْمَدَ : كَانَ أَبِي يَقُوْلُ : قُوْلُوْا لأَهْلِ البِدَعِ بَيْنَنَا وبَيْنَكُم الجَنَائِزُ .
    ...
    انتهى ، وللهِ الحمدُ والمِنَّةُ .
    ويَلِيْه فِي المَقَالَةِ التَّاسِعَةِ : مُهِمَّاتٌ عِنْدَ أهْلِ الحَدِيْثِ فِي عِلْمَيْ الجَرْحِ والتَّعْدِيْلِ وعِلَلِ الحَدِيْث .
    وكَتَبَه أبو محمد عبد الوهاب بن عبد العزيز الزيد – الإثنين 6/10/1437 هـ .

    موقع جامع أهل السُّنَّة والحديث

    http://hdeth.com/

    للإطلاع على المقالات السابقة
    المقالة الأولى من هذا الرابط
    http://majles.alukah.net/t155167/#post830382
    المَقَالةُ الثَّانِيةُ فِي المَدْخَلِ
    http://majles.alukah.net/t155525/#post832222\
    المفالة الثالثة :
    http://majles.alukah.net/t155975/
    المَقَالةُ الرَّابِعَةُ فِي المَدْخَل :
    http://majles.alukah.net/t156610/

    المَقَالَةُ الخَامِسَةُ :
    http://majles.alukah.net/t156918/#post837947
    المَقَالةُ السَّادِسَةُ فِي المَدْخَل
    http://majles.alukah.net/t157111/#post838746
    المَقَالةُ السَّابِعَةُ فِي المَدْخَل
    http://majles.alukah.net/t158101/#post843435



  14. #14
    تاريخ التسجيل
    Jan 2009
    المشاركات
    535

    افتراضي

    ماشاء الله مقالات ضافية مفيدة واصلوا رحمكم الله

  15. #15

    افتراضي

    جزاكم الله خيرا ونسأل الله القبول والله الموفق

  16. #16

    Post المَقَالَةُ التَّاسِعَةُ فِي المَدْخَلِ

    المَقَالَةُ التَّاسِعَةُ فِي المَدْخَلِ
    *****
    ومِنَ الوَاجِبِ هُنَا أن نَتَكَلَّمَ عَلَى مُهِمَّاتٍ عِنْدَ أهْلِ الحَدِيْثِ فِي عِلْمَيْ الجَرْحِ والتَّعْدِيْلِ وعِلَلِ الحَدِيْث :
    فَفِيْ عِلْمِ الجَرْحِ والتَّعْدِيْل :
    أوَّلاً : مَاهِيَ أقْسَامُ عِلْمِ الجَرْحِ والتَّعْدِيْلِ ؟
    ثَانِيْاً : مَاهِيَ مُوَاصَفَاتُ الإمَامَةِ فِي الجَرْحِ والتَّعْدِيْلِ ؟
    وفِي عِلْمِ عِلَلِ الحَدِيْث :
    أوَّلاً : مَاهِيَ أقْسَامُ عِلْمِ عِلَلِ الحَدِيْثِ ؟
    ثَانِيْاً : مَاهِيَ مُوَاصَفَاتُ الإمَامَةِ فِي عِلَلِ الحَدِيْثِ ؟

    فَأمَّا عِلْمُ الجَرْحِ والتَّعْدِيْلِ :
    أوَّلاً : مَاهِيَ أقْسَامُ عِلْمِ الجَرْحِ والتَّعْدِيْلِ ؟
    بِمَا ظَهَرَ لِي مِنْ دِرَاسَةِ عِلْمِ الجَرْحِ والتَّعْدِيْلِ فَإنَّهُ عَلَى أرْبَعَةِ اَقْسَامٍ :
    وقَبْلَ ذِكْرِ الأقْسَامِ الأرْبَعَةِ أُنَبِّهُ إلى أنَّ الأَئِمَّةَ أَجْمَعُوْا عَلَى إمَامَةِ هَؤلاءِ الثَّلاثَةِ – يَحْيَى وعَلِيٍّ وأحْمَدَ - فِي الجَرْحِ والتَّعْدِيْلِ وعِلَلِ الحَدِيْثِ – مَعْ تَقَدُّمِ بَعْضِهِم عَلَى بَعْضٍ فِيْهَا كَمَا سَيَأتِي - ، وأنَّ أَحْمَدَ بنَ حَنْبَلٍ أَفْقَهُهُم فِيْه – والكَلامُ عَلَى فِقْهِ الحَدِيْثِ وإمَامَةِ أَحْمَدَ فِيْه ، وأَنَّه أَعْرَفُهُم بأُصُوْلِهِ وفُرُوْعِهِ ، ومَسَائِلِهِ ودَقَائِقِهِ ، سَيَتِمُّ بَعْدَ الانْتِهَاءِ مِنْ الجَرْحِ والتَّعْدِيْلِ وعِلَلِ الحَدِيْثِ - .
    أقْسَامُ عِلْمِ الجَرْحِ والتَّعْدِيْلِ :
    القِسْمُ الأوَّلُ : أُصُوْلُ عِلْمِ الجَرْحِ والتَّعْدِيْلِ وقَوَاعِدُهُ ؛ فَنَّاً ، وتَأصِيْلاً ، ومَعْرِفَةً :
    وَهَذَا القِسْمُ أَعْلَمُهُم بِه يَحْيَى بنُ مَعِيْنٍ ، وبَعَدُه أحَمَدُ ، ثُمَّ عَلِيٌّ ، ولَمْ يُصَنِّفْ مِنْهُم إلاَّ عليٌّ ، وأمَّا الآخَرَانِ – وَكَذَا عَلِيٌّ - فَرَوَى عَنْهُمْ أصْحَابُهُمْ والرُّوَاةُ عَنْهُمْ.
    قَالَ أَحْمَدُ بنُ حَنْبَلٍ : كانَ ابنُ مَعِيْنٍ أَعْلَمَنَا بِالرِّجَالِ .
    وقال الإسماعيليُّ : سُئِلَ الفرهيانيُّ : عَنْ يَحْيَى وأحمدَ وعليٍّ وأَبِي خَيْثَمَةَ ؟ قال : أَمَّا عليٌّ فَأَعْلَمُهُمْ بالعِلَلِ ، وأَمَّا يَحْيَى فَأَعْلَمُهُم بالرِّجَالِ ، وأَحْمَدُ بِالفِقْهِ ، وأَبُو خَيْثَمَةَ مِنَ النُّبَلاءِ .
    وقال صالحُ بنُ محمدٍ : أَعْلَمُ مَنْ أَدْرَكْتُ بِعِلََلِ الحديثِ ابنُ المَدِيْنِيِّ ، وبِفِقْهِهِ أحمدُ بنُ حَنْبَلٍ ، وأَحْفَظُهُمْ عِنْدَ المُذَاكَرَةِ أَبُو بكرِ بنُ أَبِي شَيْبَةَ ،وأَعْلَمُهُمْ بِتَصْحِيْفِ المَشَايِخِ يَحْيَى بنُ مَعِيْنٍ .
    وفِي رِوَايَةٍ عَنْه : يَحْيَى أَعْلَمُ بِالرِّجَالِ والكُنَى .
    وقال ابنُ أَبِي حَاتِمٍ : سمعتُ عبَّاساً الدُّوْرِيَّ يقولُ : رأيتُ أحمدَ يَسْألُ يَحْيَى بنَ مَعِيْنٍ - عندَ رَوْحِ بنِ عُبَادَةَ - : مَنْ فُلانٌ ؟ مَا اسْمُ فُلانٍ ؟ .

    القِسْمُ الثَّانِي : عُلُوْمُ الجَرْحِ والتَّعْدِيْلِ والمَنْهَجِيَّة ُ فِيْه ؛ مِنَ التَّوَسُّطِ والاعْتِدَالِ فِي الجَرْحِ والتَّعْدِيْلِ ، والرِّوَايَةِ عَنْ أَهْلِ البِدَعِ ، و التَّغَيُّرِ والاخْتِلاطِ ، ومُتَعَلِّقَاتِ ذَلِكَ :
    وَهَذَا القِسْمُ أَعْلَمُهُم بِه يَحْيَى بنُ مَعِيْنٍ.
    وقال عبدُ الخالقِ بنُ منصورٍ : قلتُ لابنِ الرُّوْمِيِّ: سمعتُ بعضَ أَصْحَابِ الحديثِ يُحَدِّثُ بأَحَادِيْثِ يَحْيَى ، ويقولُ : حَدَّثَنِيّ مَنْ لَمْ تطلعِ الشَّمسُ عَلَى أَكْبَرَ مِنْه ؟ فقال : ومَا تعجبُ ، سمعتُ ابنَ المَدِيْنِيِّ يقولُ : مَا رأيتُ فِي النَّاسِ مِثْلَهُ .
    وقال - أيضاً - : قلتُ لابنِ الرُّوْمِيِّ: سمعتُ أبا سعيدٍ الحَدَّادَ يقولُ : النَّاسُ كُلُّهُم عِيَالٌ عَلَى يَحْيَى بنِ مَعِيْنٍ ، فقال : صَدَقَ مَا فِي الدُّنْيِا مِثْلُهُ ، سَبَقَ النَّاسَ إلى هَذَا البابِ الَّذِي هُوَ فِيهِ ، لَمْ يَسْبِقْهُ إِلَيْهِ أَحَدٌ، وأَمَّا مَنْ يجيء بعدُ فَلَا نَدْرِي كَيْفَ يَكُوْنُ .

    القِسْمُ الثَّالِثُ : مَعْرِفَةُ أَحْوَالِ الرُّوَاةِ جَرْحاً وتَعْدِيْلاً ؛ الثِّقَاتِ مِنْهُم والضُّعَفَاءِ ، والحُفَّاظِ مِنْهُم والغَافِلِيْن ، وأَحْوَالِهِم ، وبُلْدَانِهِم ، وأَخْبَارِهِم ، وتَوَارِيْخِهِم :
    وَهَذَا القِسْمُ هُوَ زُبْدَةُ عُلُوْمِ الجَرْحِ والتَّعْدِيْلِ ، وأَعْلَمُهُم بِه يَحْيَى بنُ مَعِيْنٍ ثُمَّ أَحْمَدُ بنُ حَنْبَلٍ ثُمَّ عَلِيُّ ابنُ المَدِيْنِيِّ .
    قَالَ أَحْمَدُ بنُ حَنْبَلٍ : كانَ ابنُ مَعِيْنٍ أَعْلَمَنَا بِالرِّجَال .
    وقال أحمدُ : هَاهُنَا رجلٌ خَلَقَه اللهُ تَعَالى لِهَذَا الشَّأنِ يُظْهِرُ كَذِبَ الكّذَّابِيْنَ - يَعْنِيْ ابنَ مَعِيْنٍ - .
    وقال الآجريُّ : قلتُ لأَبِي دَاودَ : أَيُّمَا أَعْلَمُ بِالرِّجَالِ عَلِيٌّ أَوْ يَحْيَى ؟ قال : يَحْيَى عَالِمٌ بِالرِّجَال ، وليسَ عِنْدَ عَلِيٍّ مِنْ خَبَرِ أَهْلِ الشَّامِ شَيءٌ .
    وقال صالحُ بنُ محمدٍ : أَعْلَمُ مَنْ أَدْرَكْتُ بِعِلََلِ الحديثِ ابنُ المَدِيْنِيِّ ، وبِفِقْهِهِ أحمدُ بنُ حَنْبَلٍ ، وأَحْفَظُهُمْ عِنْدَ المُذَاكَرَةِ أَبُو بكرِ بنُ أَبِي شَيْبَةَ ،وأَعْلَمُهُمْ بِتَصْحِيْفِ المَشَايِخِ يَحْيَى بنُ مَعِيْنٍ .
    وفِي رِوَايَةٍ عَنْه : يَحْيَى أَعْلَمُ بِالرِّجَالِ والكُنَى .

    القِسْمُ الرَّابِع : مَعْرِفَةُ أَحْوَالِ الرُّوَاة فِي البُلْدَانِ جَرْحاً وتَعْدِيْلاً ؛ الثِّقَاتِ مِنْهُم والضُّعَفَاءِ ، وأَخْبَارِهِم وتَوَارِيْخِهِم :
    وَهَذَا القِسْمُ فِي كُلِّ بَلَدٍ مَنْ هُوَ إمَامٌ يُرْجَعُ إلَيْه فِيْهِ .
    ومِنْ أَمْثِلَةِ ذَلِكَ :
    فَفِي الكُوْفَةِ ابْنُ نُمَيْرٍ – مُحَمَّدُ بنُ عَبْدِ اللهِ بنِ نُمَيْرٍ الكُوْفِيُّ ، المُتَوَفَّى سَنَةَ 234 هـ - :
    وقال عَلِيُّ بنُ الحُسَيْنِ بنِ الجُنَيْدِ: كَانَ أَحْمَدُ بنُ حَنْبَلٍ ويَحْيَى بنُ مَعِيْنٍ يَقُوْلانِ فِي شُيُوْخِ الكُوْفِيِّيْنَ مَا يَقُوْلُ ابنُ نُمَيْرٍ .
    وفِي الشَّامِ أَبُو مُسْهِرٍ - عبدُ الأعلى بنُ مُسْهِرٍ الدِّمَشْقِيُّ ، المُتَوَفَّى سَنَةَ 218 هـ - :
    وقالَ المَيْمُوْنِيُّ عَنْ أَحْمَدَ : كَيِّسٌ ، عَالِمٌ بِالشَّامِيِّيْ نَ .
    وقالَ فَيَّاضُ بنُ زُهَيْرٍ عَنِ ابنِ مَعِيْنٍ : مَنْ ثَبَّتَهُ أَبُوْ مُسْهِرٍ مِنَ الشَّامِيِّيْنَ فَهُوَ ثَبْتٌ .
    وقالَ ابنُ حِبَّانً : كَانَ إمَامَ أَهْلِ الشَّامِ فِي الحِفْظِ والإتْقَانِ ِمِمَّنْ عُنِيَ بِأَنْسَابِ أَهْلِ بَلَدِهِ وأَبْنَائِهِم ، وإلَيْهِ كَانَ يَرْجِعُ أَهْلُ الشَّامِ فِي الجَرْحِ والعَدَالَةِ لِشُيُوْخِهِم .
    وهَكَذَا فِي كُلِّ بَلَدٍ مَنْ يُرْجَعُ إلَيْه فِي أَهْلِهَا والرُّوَاةِ فِيْهَا .

    ثَانِيْاً : مَاهِيَ مُوَاصَفَاتُ الإمَامَةِ فِي الجَرْحِ والتَّعْدِيْلِ ؟
    بِمَا ظَهَرَ لِي فَإنَّ مُوَاصَفَاتِ الإمَامَةِ فِي الجَرْحِ والتَّعْدِيْلِ تَنْحَصِرُ فِي خَمْسَةِ أُمُوْرٍ ، وهِيَ :
    الأوَّلُ : أَخْذُ هَذَا العِلْمِ مِنْ أَئِمَّتِهِ وشُيُوْخِهِ العَارِفِيْنَ بِه ، وبَذْلُ الجُهْدِ فِي تَحْصِيْلِ مايُمْكِنُه لتَكْوِيْنِ المَعْرِفَةِ التَّامَةِ بِه مَعَ الجَمْعِ لَهُ و الحِفْظِ لِمَا يَتَطَلَّبُ حِفْظُه فِيْه .
    الثَّاني : الرِّحْلَةُ للأَقْطَارِ ، والمُكُوْثُ فِي الدِّيَارِ والبُّلْدَانِ ، والسَّمَاعُ مِنَ الشُّيُوْخِ فِيْهَا ، والإكْثَارُ مِنَ الأَخْذِ عَنْ كُلِّ شَيْخٍ مِنْ جَمِيْعِ أَصْحَابِهِ عَلَى كَثْرَتِهِم وتَفَرُّقِهِم ِفي كُلِّ بَلَدٍ ونَاحِيَةٍ ؛ لِيَتَمَيَّزَ لَهُ الأَثْبَاتُ مِنَ الغَافِلِيْنَ ، والثِّقَاتُ مِنَ الضُّعَفَاءِ .
    الثَّالثُ : مَعْرِفَةُ أحْوَالِ الرُّوَاةِ عَلَى اخْتِلافِ بُلْدَانِهِم ونَوَاحِيْهِم ، ومُذَاكَرَةُ أَئِمَّةِ هَذِه الدِّيَارِ وأصْحَابِ الشُّيُوْخِ فِيْهَا وسُؤالِهِم عَنْ أحْوَالِ شُيُوْخِهِم لِيَقْرِنَ مَعْرِفَتِِِِِه بِشُيُوْخِهِم مَعْ تَقْرِيْرِ أصْحَابِهِم وأَئِمَّةِ الحَدِيْثِ بِبُلْدَانِهِم .
    الرابعُ : التَّفَرُّغُ والانْشِغَالِ بِهَذَا الفَنِّ عَنْ غَيْرِه مِنَ العُلُوْمِ سَوَاءٌ بِالتَّدْرِيْسِ لَهُ أو بِالتَّصْنِيْفِ ، فَالتَّفَرُّغُ لِلْعِلْمِ بِدِرَاسَةِ مَا جَمَعَهُ وتَعِبَ فِيْهِ يُخْرِجُ لَهُ مِنْهُ فَهْمَاً لا يَتَيَسَّرَ لِغَيْرِه .
    الخَامِسُ : الأَمَانَةُ فِي هَذَا العِلْمِ ، والإنْصَافُ فِيْه ، والشَّهَادَةُ لِلإمَامَةِ فِيْهِ مِنْ أَرْبَابِ هَذَا الشَّأنِ وأَئِمَّتِه
    *****
    انتهى ، وللهِ الحمدُ والمِنَّةُ .
    ويَلِيْه فِي المَقَالَةِ العَاشِرَةِ : تَتِمَّةِ المُهِمَّاتِ عِنْدَ أهْلِ الحَدِيْثِ فِي عِلْمَيْ الجَرْحِ والتَّعْدِيْلِ وعِلَلِ الحَدِيْث.

    وكَتَبَه أبو محمد عبد الوهاب بن عبد العزيز الزيد – الإثنين 5/11/1437 هـ .

    موقع . جامع أهل السُّنَّة والحديث
    http://hdeth.com/

    للإطلاع على المقالات السابقة
    المقالة الأولى من هذا الرابط
    http://majles.alukah.net/t155167/#post830382
    المَقَالةُ الثَّانِيةُ فِي المَدْخَلِ
    http://majles.alukah.net/t155525/#post832222\
    المفالة الثالثة :
    http://majles.alukah.net/t155975/
    المَقَالةُ الرَّابِعَةُ فِي المَدْخَل :
    http://majles.alukah.net/t156610/

    المَقَالَةُ الخَامِسَةُ :
    http://majles.alukah.net/t156918/#post837947
    المَقَالةُ السَّادِسَةُ فِي المَدْخَل
    http://majles.alukah.net/t157111/#post838746
    المَقَالةُ السَّابِعَةُ فِي المَدْخَل
    http://majles.alukah.net/t158101/#post843435
    المَقَالةُ الثامنةُ فِي المَدْخَل
    http://majles.alukah.net/t158396/#post844647




  17. #17

    Post المَقَالَةُ العَاشِرَةُ فِي المَدْخَلِ :

    المَقَالَةُ العَاشِرَةُ فِي المَدْخَلِ
    تَتِمَّةِ المُهِمَّاتِ عِنْدَ أهْلِ الحَدِيْثِ
    فِي عِلْمَيْ الجَرْحِ والتَّعْدِيْلِ وعِلَلِ الحَدِيْث
    *****
    وأَمَّا عِلْمُ عِلَلِ الحَدِيْث :
    فَأوَّلاً : مَاهِيَ أقْسَامُ عِلْمِ عِلَلِ الحَدِيْثِ ؟
    وبِمَا ظَهَرَ لِي مِنْ دِرَاسَةِ عِلْمِ عِلَلِ الحَدِيْثِ فَإنَّه عَلَى سِتَّةِ أَقْسَامٍ ، وهِيَ :
    وأذْكُرُ هُنَا مَاسَبَقَ ذِكْرُهُ فَقَبْلَ ذِكْرِ الأقْسَامِ الخَمْسَةِ أُنَبِّهُ إلى أنَّ الأَئِمَّةَ أَجْمَعُوْا عَلَى إمَامَةِ هَؤلاءِ الثَّلاثَةِ فِي الجَرْحِ والتَّعْدِيْلِ وعِلَلِ الحَدِيْثِ – مَعْ تَقَدُّمِ بَعْضِهِم عَلَى بَعْضٍ كَمَا سَيَأتِي - ، وأنَّ أَحْمَدَ بنَ حَنْبَلٍ أَفْقَهُهُم فِيْه – والكَلامُ عَلَى فِقْهِ الحَدِيْثِ وإمَامَةِ أَحْمَدَ فِيْه ، وأَنَّه أَعْرَفُهُم بأُصُوْلِهِ وفُرُوْعِهِ ، ومَسَائِلِهِ ودَقَائِقِهِ ، سَيَتِمُّ بَعْدَ الانْتِهَاءِ مِنْ الجَرْحِ والتَّعْدِيْلِ وعِلَلِ الحَدِيْثِ - .
    القِسْمُ الأوَّلُ : أُصُوْلُ عِلْمِ العِلَلِ وقَوَاعِدُهُ ؛ فَنَّاً ، وتَصْنِيْفَاً ، وتَدْرِيْسَاً ، وحِفْظَاً ، ومُذَاكَرَةً ، ومَعْرِفَةُ الشُّيُوْخِ وأَصْحَابِهِم وطَبَقَاتِهِم ، ومَدَارُ الأَسَانِيْد والرُّوَاةُ فِي البُلْدَانِ :
    وَهَذَا القِسْمُ أَعْلَمُهُم بِه عَلِيُّ ابنُ المَدِيْنِيِّ .
    قَالَ أَحْمَدُ بنُ حَنْبَلٍ : أَعْلَمُنَا بِالعِلَلِ عَلِيُّ ابنُ المَدِيْنِيِّ .
    وقَالَ يَحْيَى بنُ مَعِيْنٍ – بَعْدَ أنْ عَرَضَ عَلَيْهِ أَبُوْ بَكْرِ ابنُ أَبِي خَيْثَمَةَ أَوْرَاقَاً مِنْ كِتَابٍ لِعَلِيِّ ابنِ المَدِيْنِيِّ فِيْهِ شَيءٌ مِنَ العِلَلِ - : إن كانَ صاحِبَنَا فقد سُوِّدَ .
    قُلتُ : سَيَأتِي الكَلامُ عَلَى هَذِهِ الرِّوَايَةِ وأَهَمِيِّتِهَا .
    وقال أَبُو عُبيدٍ القَاسِمُ بنُ سَلَّام : انْتَهَى العِلْمُ إلى أَرْبَعَةٍ ؛ أَبُو بكرِ بنُ أَبِي شَيْبَةَ أَسْرَدُهُمْ لَه ، وأحمدُ أَفْقَهُهُمْ فِيْه ، وعليُّ بنُ المَدِيْنِيِّ أَعْلَمُهُمْ بِه ، ويَحْيَى بنُ مَعِيْنٍ أَكْتَبُهُمْ لَه .
    وقال أَبُو حَاتِمٍ الرَّازِيُّ : كَانَ عَلِيٌّ عَلَمَاً فِي النَّاسِ فِي مَعْرِفَةِ الحديثِ والعِلَلِ ، وكَانَ أحمدُ لا يُسَمِّيْه وإنَّمَا يُكَنِّيْه تَبْجِيْلاً لَه ومَا سمعتُ أحمدَ سَمَّاهُ قَطُّ .
    وقال صالحُ بنُ محمدٍ : أَعْلَمُ مَنْ أَدْرَكْتُ بِعِلََلِ الحديثِ ابنُ المَدِيْنِيِّ ، وبِفِقْهِهِ أحمدُ بنُ حَنْبَلٍ ، وأَحْفَظُهُمْ عِنْدَ المُذَاكَرَةِ أَبُو بكرِ بنُ أَبِي شَيْبَةَ ،وأَعْلَمُهُمْ بِتَصْحِيْفِ المَشَايِخِ يَحْيَى بنُ مَعِيْنٍ .
    وفِي رِوَايَةٍ عَنْه : يَحْيَى أَعْلَمُ بِالرِّجَالِ والكُنَى .
    القِسْمُ الثَّانِي : عُلُوْمُ الحَدِيْثِ ؛ مُحْكَمُهُ ومُتَشَابِهُهُ ، واخْتِلافُه ، ونَاسِخُهُ ومَنْسُوْخُهُ :
    وَهَذَا القِسْمُ أَعْلَمُهُم بِه عَلِيُّ ابنُ المَدِيْنِيِّ ثُمَّ أَحْمَدُ بنُ حَنْبَلٍ .
    قال البُخَارِيُّ : َما اسْتَصْغَرْتُ نَفْسِي عِنْدَ أَحَدٍ إلاَّ عِنْدَ عَلِيِّ ابنِ المَدِيْنِيِّ .
    وقال أَبُو حَاتِمٍ الرَّازِيُّ : كَانَ عَلِيٌّ عَلَمَاً فِي النَّاسِ فِي مَعْرِفَةِ الحديثِ والعِلَلِ ، وكَانَ أحمدُ لا يُسَمِّيْه وإنَّمَا يُكَنِّيْه تَبْجِيْلاً لَه ومَا سمعتُ أحمدَ سَمَّاهُ قَطُّ .
    وقال الآجريُّ عَنْ أَبِي دَاوُدَ : عَلِيٌّ أَعْلَمُ بِاخْتِلافِ الحديثِ مِنْ أحمدَ .
    وقال أَبُو عبدِ الرَّحمنِ النَّسَائِيُّ : كَأنَّ اللهَ عَزَّ وجَلَّ خَلَقَ عَلِيَّ ابنَ المَدِيْنِيِّ لِهَذَا الشَّأنِ .
    القِسْمُ الثَّالِثُ : عِلَلُ حَدِيْثِ الشُّيُوْخِ ؛ والأَثْبَاتُ مِنْ أَصْحَابِهِم ، وأَخْطَاءُ الرُّوَاةِ وَأَوْهَامُهُم ، وتَمْيِيْزُ صَحِيْحِ حَدِيْثِهِم مِنْ سَقِيْمِه ، والدِّرَايَةُ بِأَحْوَالِهِم فِي رِوَايَاتِهِم سَمَاعَاً وعَرْضَاً ، ضَبْطَاً وغَفْلَةً :
    وَهَذَا القِسْمُ أَعْلَمُهُم بِه يَحْيَى بنُ مَعِيْنٍ .
    قال عبدُ الخالقِ بنُ منصورٍ : قلتُ لابنِ الرُّوْمِيِّ: سمعتُ أبا سعيدٍ الحَدَّادَ يقولُ : النَّاسُ كُلُّهُم عِيَالٌ عَلَى يَحْيَى بنِ مَعِيْنٍ ، فقال : صَدَقَ مَا فِي الدُّنْيِا مِثْلُهُ .
    وقال عبدُ الخالقِ بنُ مَنْصُوْرٍ : قلتُ لابنِ الرُّوْمِيِّ : سمعتُ أَبَا سعيدٍ الحدَّادَ يقولُ : لَوْلا ابنُ مَعِيْنٍ مَا كَتَبَتُ الحديثَ ، قال : وإنَّا لنَذْهَبُ إلى المُحَدِّثِ فَنَنْظُرُ فِي كُتُبِه فَلا نَرَى فِيْهَا إلاَّ كُلَّ حديثٍ صحيحٍ حَتَّى يَجِيْىء أَبُو زَكَرِيَّا فَأَوَّلُ شَيءٍ يَقَعُ فِي يَدِه الخَطَأُ ، ولَوْلا أَنَّه عَرَّفَنَاه لَمْ نَعْرِفْه .
    فقال لِيَ ابنُ الرُّوْمِيِّ : وما تَعْجَبُ ، لَقَد نَفَعَنَا اللهُ تَعَالى بِه ، ولَقَد كانَ المُحَدِّثُ يُحَدِّثُنَا لِكَرَامَتِه .
    ولَقَد كُنَّا فِي مَجْلِسٍ لبعضِ أَصْحَابِنَا فقلتُ لَه : أَبَا زَكَرِيَّا ؛ نُفِيْدُكُ حديثاً مِنْ أَحْسَنِ حديثٍ يَكُوْنُ ؟ - وفَيِنَا يومئذٍ عَلِيٌّ وأَحْمَدُ ، وقَد سَمِعُوْهُ - فقالَ : ومَا هُوَ ؟ فقلتُ : حديثُ كَذَا وكَذَا ، فقال : هَذَا غَلَطٌ ، فَكَانَ كَمَا قالَ .
    قال ابنُ الرُّوْمِيِّ : وكنتُ عِنْدَ أحمدَ فَجَاءَ رَجُلٌ فقال : يَا أَبَا عبدِ اللهِ ، انْظُرْ فِي هَذِهِ الأحاديثِ ، فَإنَّ فِيْهَا خَطَأً ، قال : عَلَيْكَ بِأَبِي زَكَرِيَّا ، فَإنَّه يَعْرِفُ الخَطَأ .
    قال : وكنتُ أَنَا وأحمدُ نَخْتَلِفُ إلى يعقوبَ بنِ إبراهيمَ فِي " المَغَازِي " ، فقال أحمدُ : لَيْتَ أَنَّ يَحْيَى هُنَا ، قلتُ : ومَا تَصْنَعُ بِه ؟ قال : يَعْرِفُ الخَطَأ .
    وقال عليُّ بنُ سَهْلِ بنِ المُغِيْرَةِ : سمعتُ أحمدَ يقولُ - فِي دِهْلِيْزِ عَفَّانَ - .. ، فَذَكَرَ نحوَ هَذِه القِصَّةِ.
    وقال صالحُ بنُ محمدٍ : أَعْلَمُ مَنْ أَدْرَكْتُ بِعِلََلِ الحديثِ ابنُ المَدِيْنِيِّ ، وبِفِقْهِهِ أحمدُ بنُ حَنْبَلٍ ، وأَحْفَظُهُمْ عِنْدَ المُذَاكَرَةِ أَبُو بكرِ بنُ أَبِي شَيْبَةَ ،وأَعْلَمُهُمْ بِتَصْحِيْفِ المَشَايِخِ يَحْيَى بنُ مَعِيْنٍ .
    وفِي رِوَايَةٍ عَنْه : يَحْيَى أَعْلَمُ بِالرِّجَالِ والكُنَى .
    القِسْمُ الرَّابِعُ : عِلَلُ الأَحَادِيْثِ المُسْنَدَةِ ؛ الثَّابِتِ مِنْهَا وغَيْرِ الثَابِتِ ، والمَحْفُوْظِ مِنْهَا والمُنْكَرِ ، والدِّرَايَةِ بِهَا صِحَّةً وضَعْفَاً :
    وَهَذَا القِسْمُ أَعْلَمُهُم بِه يَحْيَى بنُ مَعِيْنٍ .
    قال محمدُ بنُ رَافعٍ : سمعتُ أحمدَ بنَ حَنْبَلٍ يقولُ : كُلُّ حديثٍ لا يَعْرِفُه ابنُ مَعِيْنٍ فَلَيْسَ هُوَ بحديثٍ .
    وفِي رِوَايَةٍ : فَلَيْسَ هُوَ ثَابِتَاً .
    وقال أَبُو عُبيدٍ القَاسِمُ بنُ سَلَّام : انْتَهَى العِلْمُ إلى أَرْبَعَةٍ ؛ أَبُو بكرِ بنُ أَبِي شَيْبَةَ أَسْرَدُهُمْ لَه ، وأحمدُ أَفْقَهُهُمْ فِيْهِ ، وعليُّ بنُ المَدِيْنِيِّ أَعْلَمُهُمْ بِه ، ويَحْيَى بنُ مَعِيْنٍ أَكْتَبُهُمْ لَه .
    وفِي رِوَايَةٍ عَنْه : أَعْلَمُهُمْ بِصَحِيْحِه وسَقِيْمِه ابنُ مَعِيْنٍ .
    قال العِجْليُّ : مَا خَلَقَ اللهُ تَعَالى أَحَدَاً كَانَ أَعْرَفَ بالحديثِ مِنْ يَحْيَى بنِ مَعِيْنٍ ، ولَقَد كَانَ يَجْتَمِعُ مَعَ أحمدَ وابنِ المَدِيْنِيِّ ونُظَرَائِهِم فَكَانَ هُوَ الذَّي يَنْتَخِبُ لَهُم الأحاديثَ لا يَتَقَدَّمُه مِنْهُم أَحَدٌ ، ولَقَد كَانَ يُؤتَى بالأحاديثِ قَد خُلِطَتْ وتَلَبَّسَتْ فَيَقُوْلُ : هَذَا الحديثُ كَذَا ، وهَذَا كَذَا ، فَيَكُوْنُ كَمَا قالَ .
    القِسْمُ الخَامِسُ : عِلَلُ مُتُوْنِ الأَحَادِيْثِ ؛ والأَوْفَقُ مِنَ المُتُوْنِ بِنُصُوْصِ الكِتَابِ والسُّنَّةِ ، والأَقْرَبُ شِبْهَاً بِهَا ، والمُنْكَرُ مِنْهَا وأَبْعَدُهَا شُذُوْذَاً :
    وَهَذَا القِسْمُ أَعْلَمُهُم بِه أَحْمَدُ بنُ حَنْبَلٍ ثُمَّ عَلِيُّ ابنُ المَدِيْنِيِّ.
    قَالَ الشَّافِعِيُّ : خَرَجْتُ مِنْ بَغْدَادَ ومَا خَلَّفْتُ بِهَا أَفْقَهَ ، ولا أَزْهَدَ ، ولا أَوْرَعَ ، ولا أَعْلَمَ مِنْ أَحْمَدَ بنِ حَنْبِلٍ .
    وقال أَبُو عُبيدٍ القَاسِمُ بنُ سَلَّام : انْتَهَى العِلْمُ إلى أَرْبَعَةٍ ؛ أَبُو بكرِ بنُ أَبِي شَيْبَةَ أَسْرَدُهُمْ لَه ، وأحمدُ أَفْقَهُهُمْ فِيْهِ ، وعليُّ بنُ المَدِيْنِيِّ أَعْلَمُهُمْ بِه ، ويَحْيَى بنُ مَعِيْنٍ أَكْتَبُهُمْ لَه .
    وفِي رِوَايَةٍ عَنْه : أَعْلَمُهُمْ بِصَحِيْحِه وسَقِيْمِه ابنُ مَعِيْنٍ .
    وقالَ إسْحَاقُ ابنُ رَاهُوْيَه : كُنْتُ أُجَالِسُ بِالعِرَاقِ أَحْمَدَ بنَ حَنْبَلٍ، ويَحْيَى بنَ مَعِيْنٍ، وأَصْحَابَنَا، فُكَنَّا نَتَذَاكَرُ الحَدِيْثَ مِنْ طَرِيْقٍ وطَرِيْقَيْنِ وثَلاثَةٍ ، فَيَقُوْلُ يَحْيَى بنُ مَعِيْنٍ - مِنْ بَيْنِهِم -: وطَرِيْقُ كَذَا، فَأَقُوْلُ : أَلَيْسَ قَدْ صَحَّ هَذَا بِإجْمَاعٍ مِنَّا ؟ فَيَقُوْلُوْنَ : نَعَمْ ، فَأَقُوْلُ : مَا مُرَادُهُ؟ ومَا تَفْسِيْرُهُ؟ ومَا فِقْهُهُ؟ فَيَقِفُوْنَ كُلُّهُم إلاَّ أَحْمَدَ بنِ حَنْبِلٍ.
    القِسْمُ السَّادِس : عِلَلُ أَحَادِيْثِ الرُّوَاةِ المَشْهُوْرِيْن َ ؛ والأَثْبَاتُ مِنْ أَصْحَابِهِم ، وأَخْطَاءُ الرُّوَاةِ فِيْهِم وَأَوْهَامُهُم ، وتَمْيِيْزُ صَحِيْحِ حَدِيْثِهِم مِنْ سَقِيْمِه ، والدِّرَايَةُ بِأَحْوَالِهِم فِي رِوَايَاتِهِم سَمَاعَاً وعَرْضَاً ، ضَبْطَاً وغَفْلَةً :
    وَهَذَا القِسْمُ اعْتَنَى بِه عَدَدٌ مِنْ أَئِمَّةِ العِلَل ، ومِنْهُم :
    عَلِيُّ ابنُ المَدِيْنِيِّ : ومَعْرِفَتُه بِعِلَلِ حَدِيْثِ سُفْيَانَ بنِ عُيَيْنَةَ :
    قال عَبْدُ الرَّحْمَنِ بنُ مَهْدِيِّ : عَلِيُّ ابنُ المَدِيْنِيِّ أَعْلَمُ النَّاسِ بِحَدِيْثِ رَسُوْلِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْه وسَلَّمَ ، وخَاصَّةٍ بِحَدِيْثِ ابنِ عُيَيْنَةَ .
    أحْمَدُ بنُ حَنْبَلٍ: ومَعْرِفَتُه بِعِلَلِ حَدِيْثِ سُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ :
    قَالَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ مَهْدِيٍّ - عَنْ أحْمَدَ بنِ حَنْبَلٍ - : إنَّهُ أَعْلَمُ النَّاسِ بِحَدِيثِ سُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ .
    مُحَمَّدُ بنُ يَحْيَى الذُّهْلِيُّ : ومَعْرِفَتُه بِعِلَلِ حَدِيْثِ الزُّهْرِيِّ :
    قالَ أَبُو العَبَّاسِ الأَزْهَرِيُّ : سَمِعْتُ مُحَمَّدَ بنَ سَعِيْدِ بنِ مَنْصُوْرٍ يَقُوْلُ : سَمِعْتُ أَبِي يَقُوْلُ : قُلْتُ لابنِ مَعِيْنٍ : لِمَ لا تَجْمَعْ حَدِيْثَ الزُّهْرِيِّ ؟ فَقَالَ : كَفَانَا مُحَمَّدُ بنُ يَحْيَي جَمْعَ حَدِيْثَ الزُّهْرِيّ .
    وقالَ إبْرَاهِيْمُ بنُ هانِيءٍ : سَمِعْتُ أَحْمَدَ يَقُوْلُ : مَا قَدِمَ عَلِيْنَا رَجُلٌ أَعْلَمُ بِحَدِيْثِ الزُّهْرِيِّ مِنْ مُحَمَّدِ ابنِ يَحْيَى .
    وقَالَ الدَّارَقُطْنِي ُّ : مَنْ أَحَبَّ أَنْ يَعْرِفَ قُصُوْرَ عِلْمِهِ عَنْ عِلْمِ السَّلَفِ فَلْيَنْظُرْ فِي " عِلَلِ حَدِيْثِ الزُّهْرِيِّ " لِمُحَمَّدِ بنِ يَحْيَى .

    ثَانِيْاً : مَاهِيَ مُوَاصَفَاتُ الإمَامَةِ فِي عِلَلِ الحَدِيْث ؟
    بِمَا ظَهَرَ لِي فَإنَّ مُوَاصَفَاتِ الإمَامَةِ فِي عِلَلِ الحَدِيْثِ تَنْحَصِرُ فِي خَمْسَةِ أُمُوْرٍ ، وهِيَ :
    الأوَّلُ : أَخْذُهَذَا العِلْمِ مِنْ أَئِمَّتِه وشُيُوْخِه العَارِفِيْنَ بِه ، وبَذْلُ الجُهْدِ فِي تَحْصِيْلِ مايُمْكِنُه لتَكْوِيْنِ المَعْرِفَةِ التَّامَةِ بِه مَعَ الجَمْعِ لَه و الحِفْظِ لِمَا يَتَطَلَّبُ حِفْظُه فِيْه .
    الثَّاني : الرِّحْلَةُ للأَقْطَارِ ، والمُكُوْثُ فِي الدِّيَارِ والبُّلْدَانِ ، والسَّمَاعُ مِنَ الشُّيُوْخِ فِيْهَا ، والإكْثَارُ مِنَ الأَخْذِ عَنْ كُلِّ شَيْخٍ مِنْ جَمِيْعِ أَصْحَابِهِ عَلَى كَثْرَتِهِم وتَفَرُّقِهِم ِفي كُلِّ بَلَدٍ ونَاحِيَة ؛ لِيَتَمَيَّزَ لَهُ الأَثْبَاتُ مِنَ الغَافِلِيْنَ ، والثِّقَاتُ مِنَ الضُّعَفَاءِ .
    الثَّالثُ : مَعْرِفَةُ أحْوَالِ الرُّوَاةِ عَلَى اخْتِلافِ بُلْدَانِهِم ونَوَاحِيْهِم ، ومُذَاكَرَةُ أَئِمَّةِ هَذِه الدِّيَارِ وأصْحَابِ الشُّيُوْخِ فِيْهَا وسُؤالِهِم عَنْ أحْوَالِ شُيُوْخِهِم لِيَقْرِنَ مَعْرِفَتِِِِِه بِشُيُوْخِهِم مَعْ تَقْرِيْرِ أصْحَابِهِم وأَئِمَّةِ الحَدِيْثِ بِبُلْدَانِهِم .
    الرابعُ : التَّفَرُّغُ والانْشِغَالُ بِهَذَا الفَنِّ عَنْ غَيْرِه مِنَ العُلُوْمِ سَوَاءٌ بِالتَّدْرِيْسِ لَهُ أو بِالتَّصْنِيْفِ ، فَالتَّفَرُّغُ لِلْعِلْمِ بِدِرَاسَةِ مَا جَمَعَهُ وتَعِبَ فِيْهِ يُخْرِجُ لَهُ مِنْهُ فَهْمَاً لا يَتَيَسَّرُ لِغَيْرِه .
    الخَامِسُ : الأَمَانَةُ فِي هَذَا العِلْمِ ، والإنْصَافُ فِيْه ، والشَّهَادَةُ لِلإمَامَةِ فِيْهِ مِنْ أَرْبَابِ هَذَا الشَّأنِ وأَئِمَّتِه .
    *****
    انتهى ، وللهِ الحمدُ والمِنَّةُ .
    ويَلِيْه فِي المَقَالَةِ الحَادِيَةَ عَشْرَةَ : شَرْحُ المَرْوِيَّاتِ عَنْ إمَامِ الجَرْحِ والتَّعْدِيْلِ أَبِي زَكَرِيَّا يَحْيَى بنِ مَعِيْنٍ رَحْمَةُ اللهَِ تَعَالَى عَلَيْهِ .
    وكَتَبَه أبو محمد عبد الوهاب بن عبد العزيز الزيد – الإثنين 4/12/1437 هـ .
    *****

    موقع . جامع أهل السُّنَّة والحديث

    http://hdeth.com/
    للإطلاع على المقالات السابقة :
    موقع . جامع أهل السُّنَّة والحديث

    http://hdeth.com/

    للإطلاع على المقالات السابقة :

    المقالة الأولى من هذا الرابط
    http://majles.alukah.net/t155167/#post830382
    المَقَالةُ الثَّانِيةُ فِي المَدْخَلِ

    http://majles.alukah.net/t155525/#post832222\
    المفالة الثالثة
    :
    http://majles.alukah.net/t155975/
    المَقَالةُ الرَّابِعَةُ فِي المَدْخَل
    :
    http://majles.alukah.net/t156610/
    المَقَالَةُ الخَامِسَةُ :
    http://majles.alukah.net/t156918/#post837947
    المَقَالةُ السَّادِسَةُ فِي المَدْخَل
    http://majles.alukah.net/t157111/#post838746
    المَقَالةُ السَّابِعَةُ فِي المَدْخَل
    http://majles.alukah.net/t158101/#post843435
    المَقَالةُ الثامنةُ فِي المَدْخَل
    http://majles.alukah.net/t158396/#post844647
    المَقَالةُ التاسعةُ فِي المَدْخَل
    http://majles.alukah.net/t158470/#post845031

  18. #18

    افتراضي المَقَالَةُ الحَادِيَةَ عَشَرَةَ فِي المَدْخَلْ

    المَقَالَةُ الحَادِيَةَ عَشَرَةَ فِي المَدْخَلْ :

    " كِتَابُ شَرْحِ
    " المَرْوِيَّاتِ عَنِ الإمامِ الكبيرِ أبِي زَكَرِيَّا يَحْيَى بنِ مَعِيْنٍ البَغْدَادِيِّ
    فِي الجَرْحِ والتَّعْدِيْلِ وعِلَلِ الحَدِيْث
    واصْطِلاحَاتِ أهْلِ الحَدِيْث "

    مُقَدِّمَةُ الكِتَابِ :
    وهَذِه المُقَدِّمَةُ تَتَضَمَّنُ ثَلاثَةَ مَطَالِبَ ، وهِيَ :
    المَطْلَبُ الأوَّل : تَرْجَمَةُ أبِي زَكَرِيَّا يَحْيَى بنِ مَعِيْنٍ البَغْدَادِيِّ - رحمةُ اللهِ عليه – .
    المَطْلَبُ الثَّاني : سَبَبُ اخْتِيَارِ أبِي زَكَرِيَّا يَحْيَى بنِ مَعِيْنٍ البَغْدَادِيِّ - رحمةُ اللهِ عليه – للبدءِ بِشَرْحِ بَعْضِ مَرْوِيَّاتِه التَّي رَوَاهَا عَنْهُ أصْحَابُهُ والرُّوَاةُ عَنْهُ .
    المَطْلَبُ الثَّالث : أَشْهَرُ الرِوَايَاتِ عَنْ أبِي زَكَرِيَّا يَحْيَى بنِ مَعِيْنٍ البَغْدَادِيِّ - رحمةُ اللهِ عليه – التَّي رَوَاهَا عَنْهُ أصْحَابُهُ والرُّوَاةُ عَنْهُ ، وهُم كُثُرٌ ، وسأختارُ مِنْهَا أَبْرَزَهَا لِتَكُوْنَ أُنْمُوْذَجَاً لِغَيْرِهَا ، وأُكْمِلُ بَاقِيَهَا لاحِقَاً .

    المَطْلَبُ الأوَّل : تَرْجَمَةُ أبِي زَكَرِيَّا يَحْيَى بنِ مَعِيْنٍ البَغْدَادِيِّ - رحمةُ اللهِ عليه – :
    في أواخِرِ القَرْنِ الثَّاني وأوائِلِ الثَّالثِ بَرَزَ ثَلاثَةٌ مِنَ المُحَدِّثِيْنَ عَلَى أقرانِهِم ، وانْتَشَرَت مَعْرِفَتُهُم بالحَدِيْثِ ورِجَالِه وعِلَلِه ، والدِّرَايَةِ بِرُوَاتِه وشُيُوْخِه ، فَصَارَت شُهْرَتُهُم فِيْه كَالشَمْسِ فِي رَابِعَةِ النَّهَار، حَتَّى شُيُوْخهم عَرَفُوْا ذَلِكَ وسُرُّوا بِِهِ ، وتَوَقَّاهُمُ الكَذَبَةُ وأَشْبَاهُهُم ، خَشْيَةَ كَشْفِهِم عُوَارَهُمْ وفَضْحِهِمْ ، وهَؤلاءِ الثَّلاثَةُ هُم : الإمامُ الكبيرُ أبِو زَكَرِيَّا يَحْيَى بنُ مَعِيْنٍ ( 158 – 234 هـ ) والإمَامُ المُبَجَّلُ أبِو عَبْدِ اللهِ أحمدُ بنُ حَنْبَلٍ ( 164 – 241 هـ ) البَغْدَادِيَّا نِ ، وثَالِثُهُمَا أبِو الحَسَنِ عَلِيُّ بنُ عبدِ اللهِ ابنُ المَدِيْنِيِّ نَزِيْلُ البَصْرَةِ ( 161 – 234 هـ ) .
    وأَمَّا تَرْجَمَةُ أبِي زَكَرِيَّا يَحْيَى بنِ مَعِيْنٍ رَحْمَةُ اللهِ تَعَالى عَلَيْه – وهُوَ المُبْتَدَأُ بِه فِي هَذَا الشَّرْحِ لِمَا سَيَأتِي ذِكْرُ أَسْبَابِه – فَقَدْ تَقَدَّمَتْ تَرْجَمَتُهُ فِي مُقَدِّمَةِ هَذَا الشَّرْحِ فِي المَقَالَتِيْنِ الرَّابِعَةِ والخَّامِسَةِ .
    وسَيَأتِي كَذَلِكَ فِي المَطْلَبِ الثَّالِثِ مُهِمَّاتٌ تَتَعَلَّقُ بِتَرْجَمَتِهِ .

    المَطْلَبُ الثَّاني : سببُ اختيارِ أبِي زَكَرِيَّا يَحْيَى بنِ مَعِيْنٍ البَغْدَادِيِّ - رحمةُ اللهِ عَلَيْهِ – للبدءِ بِشَرْحِ بَعْضِ مَرْوِيَّاتِه التي رواها عنه أصْحَابُه والرُّوَاةُ عَنْه :
    بالإمْكَانِ إجْمَالُ الأَسْبَابِ[1] التَّي أَوْجَبَتْ اخْتِيَارَ أبِي زَكَرِيَّا يَحْيَى بنِ مَعِيْنٍ البَغْدَادِيِّ لِلْبَدْءِ بِشَرْحِ بَعْضِ مَرْوِيَّاتِهِ التَّي رَوَاهَا عَنْهُ أصْحَابُهُ والرُّوَاةُ عَنْهُ إلى قِسْمَيْنِ عَامَّيْنِ ، وهُمَا :
    القِسْمُ الأوَّل : تَقْدِيْمُ الأَئِمَّةِ لأبِي زَكَرِيَّا يَحْيَى بنِ مَعِيْنٍ فِيْ هَذَا الشَّأنِ عَلَى غَيْرِهِ مِنْ الأَئِمَّةِ .
    القِسْمُ الثَّانِي : اسْتِحْقَاقُ أبِي زَكَرِيَّا يَحْيَى بنِ مَعِيْنٍ الإمَامَةَ بِشُرُوْطِهَا فِيْ هَذَا الشَّأنِ .

    القِسْمُ الأوَّل : تَقْدِيْمُ الأَئِمَّةِ لأبِي زَكَرِيَّا يَحْيَى بنِ مَعِيْنٍ فِيْ هَذَا الشَّأنِ عَلَى غَيْرِهِ مِنْ الأَئِمَّةِ :
    وهَذَا القِسْمُ يُمْكِنُ تَلْخِيْصُهُ فِي ثَلاثَةِ أُمُوْرٍ ، وهِيَ :
    الأوَّلُ : اتِّفَاقُ الأَئِمَّةِ عَلَى إمَامَةِ أبِي زَكَرِيَّا يَحْيَى بنِ مَعِيْنٍ فِي الجَرْحِ والتَّعْدِيْلِ وعِلَلِ الحَدِيْثِ .
    الثَّانِي : أوَّلُ مَنْ جَلَسَ لِلنَّاسِ فِي الجَرْحِ والتَّعْدِيْلِ وعِلَلِ الحَدِيْثِ أَبُوْ زَكَرِيَّا يَحْيَى بنُ مَعِيْنٍ.
    الثَّالِثُ : كَثْرَةُ كَلامِ أبِي زَكَرِيَّا يَحْيَى بنِ مَعِيْنٍ فِي الجَرْحِ والتَّعْدِيْلِ وعِلَلِ الحَدِيْثِ وكَثْرَةُ أَصْحَابِهِ الذَّيْنَ نَشَرُوْا عِلْمَهُ.
    الأوَّلُ : اتِّفَاقُ الأَئِمَّةِ عَلَى إمَامَةِ أبِي زَكَرِيَّا يَحْيَى بنِ مَعِيْنٍ فِي الجَرْحِ والتَّعْدِيْلِ وعِلَلِ الحَدِيْثِ :
    تَقَدَّمَ بَيَانُ هَذَا البَابِ عَنْ أبِي زَكَرِيَّا يَحْيَى بنِ مَعِيْنٍ سَوَاءٌ فِي الجَرْحِ والتَّعْدِيْلِ أَوْ عِلَلِ الحَدِيْثِ[2] ، ومِنْ ذَلِكَ :
    قال عبدُ الخالقِ بنُ منصورٍ : قلتُ لابنِ الرُّوْمِيِّ: سمعتُ بعضَ أَصْحَابِ الحديثِ يُحَدِّثُ بأَحَادِيْثِ يَحْيَى ، ويقولُ : حَدَّثَنِيّ مَنْ لَمْ تطلعِ الشَّمسُ عَلَى أَكْبَرَ مِنْه ؟ فقال : ومَا تعجبُ ، سمعتُ ابنَ المَدِيْنِيِّ يقولُ : مَا رأيتُ فِي النَّاسِ مِثْلَه .
    قال أَحْمَدُ بنُ حَنْبَلٍ : كانَ ابنُ مَعِيْنٍ أَعْلَمَنَا بِالرِّجَال .
    وقال سليمانُ بنُ عبدِ اللهِ : سمعتُ أحمدَ يقولُ : هَاهُنَا رجلٌ خَلَقَه اللهُ تَعَالى لِهَذَا الشَّأنِ يُظْهِرُ كَذِبَ الكّذَّابِيْنَ - يَعْنِيْ ابنَ مَعِيْنٍ - .
    قال العِجْليُّ : مَا خَلَقَ اللهُ تَعَالى أَحَدَاً كَانَ أَعْرَفَ بالحديثِ مِنْ يَحْيَى بنِ مَعِيْنٍ ، ولَقَد كَانَ يَجْتَمِعُ مَعَ أحمدَ وابنِ المَدِيْنِيِّ ونُظَرَائِهِم فَكَانَ هُوَ الذَّي يَنْتَخِبُ لَهُم الأحاديثَ لا يَتَقَدَّمُه مِنْهُم أَحَدٌ ، ولَقَد كَانَ يُؤتَى بالأحاديثِ قَد خُلِطَتْ وتَلَبَّسَتْ فَيَقُوْلُ : هَذَا الحديثُ كَذَا ، وهَذَا كَذَا ، فَيَكُوْنُ كَمَا قالَ .

    الثَّانِي : أوَّلُ مَنْ جَلَسَ لِلنَّاسِ فِي الجَرْحِ والتَّعْدِيْلِ وعِلَلِ الحَدِيْثِ أَبُوْ زَكَرِيَّا يَحْيَى بنُ مَعِيْنٍ :
    تَقَدَّمَ بَيَانُ هَذَا البَابِ عَنْ أبِي زَكَرِيَّا يَحْيَى بنِ مَعِيْنٍ سَوَاءٌ فِي الجَرْحِ والتَّعْدِيْلِ أَوْ عِلَلِ الحَدِيْثِ ، ومِنْ ذَلِكَ :
    قال عبدُ الخالقِ بنُ منصورٍ : قلتُ لابنِ الرُّوْمِيِّ: سمعتُ أبا سعيدٍ الحَدَّادَ يقولُ : النَّاسُ كُلُّهُم عِيَالٌ عَلَى يَحْيَى بنِ مَعِيْنٍ ، فقال : صَدَقَ مَا فِي الدُّنْيِا مِثْلُهُ ، سَبَقَ النَّاسَ إلى هَذَا البابِ الَّذِي هُوَ فِيهِ ، لَمْ يَسْبِقْه إِلَيْهِ أَحَدٌ، وأَمَّا مَنْ يجيء بعدُ فلا ندري كَيْفَ يَكُوْنُ .

    الثَّالِثُ : كَثْرَةُ كَلامِ أبِي زَكَرِيَّا يَحْيَى بنِ مَعِيْنٍ فِي الجَرْحِ والتَّعْدِيْلِ وعِلَلِ الحَدِيْثِ ، واحْتِجَاجُ العَامَّةِ والخَاصَّةِ بِهِ ، وكَثْرَةُ أَصْحَابِهِ الذَّيْنَ نَشَرُوْا عِلْمَهُ :
    تَقَدَّمَ بَيَانُ هَذَا البَابِ عَنْ أبِي زَكَرِيَّا يَحْيَى بنِ مَعِيْنٍ سَوَاءٌ فِي الجَرْحِ والتَّعْدِيْلِ أَوْ عِلَلِ الحَدِيْثِ ، ومِنْ ذَلِكَ :
    قال أَبُو حَاِتمٍ : إذَا رأيتَ البَغْدَادِيَّ يحبُ أحمدَ فَاعْلَم أَنَّهُ صَاحِبُ سُنَّةٍ ، وإذَا رَأَيْتَهُ يبغضُ ابنَ مَعِيْنٍ فَاعْلَم أَنَّه كَذَّابٌ .
    وقال محمدُ بنُ هارونَ الفلاَّس : إذَا رأيتَ الرَّجلَ يقعُ فِي ابنِ مَعِيْنٍ فَاعْلَم أَنهَّ كَذَّابٌ ، إنَّمَا يُبغضه لِمَا يُبَيِّنُ مِنْ أَمْرِ الكَذَّابِيْنَ .
    قال الحسنُ بنُ عليلٍ العَنَزِيُّ : ثنا يَحْيَى بنُ مَعِيْنٍ قال : أَخْطَأ عَفَّانُ فِي نَيِّفٍ وعشرينَ حديثاً ، مَا أَعْلَمْتُ بِه أَحَدَاً ، وأَعْلَمْتُه فِيْمَا بَيْنِي وبَيْنَه ، ولَقَد طَلَبَ إليَّ خلفُ بنُ سالمٍ أَنْ أَذْكُرَهَا فَمَا قلتُ لَه .
    وقال عبدُ الخالقِ بنُ منصورٍ : وسمعتُ ابنَ الرُّوْمِيِّ يقولُ : مَا رأيتُ أَحَدَاً قَطُّ يقولُ الحَقَّ فِي المَشَايِخِ غَيْرَ يَحْيَى .

    ***
    انتهى ، وللهِ الحمدُ والمِنَّةُ .
    ويَلِيْه فِي المَقَالَةِ الثَّانِيَةَ عَشْرَةَ : المَطْلَبُ الثَّالث : أَشْهَرُ الرِوَايَاتِ عَنْ أبِي زَكَرِيَّا يَحْيَى بنِ مَعِيْنٍ البَغْدَادِيِّ - رحمةُ اللهِ عَلَيْهِ – التي رَوَاهَا عَنْهُ أَصْحَابُه والرُّوَاةُ عَنْه .
    وكَتَبَه أبو محمد عبد الوهاب بن عبد العزيز الزيد – الإثنين 2/1/1438 هـ .



    رابط المقالة بالموقع الرسمي :https://hdeth.net/?p=1985

    [1] تقدَّم في المقالات السابقة وخاصة في التاسعة والعاشرة بيان تفصيل تقدّم الأئمة الثلاثة بعضهم على بعض .

    [2] كَمَا تَقَدَّمَ بَسْطُ ذَلِكَ فِي المَقَالتَيْنِ التَّاسِعَةِ والعَاشِرَة .

  19. #19
    تاريخ التسجيل
    Oct 2012
    المشاركات
    13,372

    افتراضي

    حفظكم الله فضيلة الدكتور عبد الوهاب الزيد، ونفع بعلمكم.
    لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ مُحَمَّدٌ رَسُولُ الله
    الرد على الشبهات المثارة حول الإسلام

  20. #20
    تاريخ التسجيل
    Nov 2012
    المشاركات
    13,804

    افتراضي

    ما شاء الله، نفع الله بكم.

الكلمات الدلالية لهذا الموضوع

ضوابط المشاركة

  • لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
  • لا تستطيع الرد على المواضيع
  • لا تستطيع إرفاق ملفات
  • لا تستطيع تعديل مشاركاتك
  •