تابعونا على المجلس العلمي على Facebook المجلس العلمي على Twitter
الدكتور سعد بن عبد الله الحميد


النتائج 1 إلى 2 من 2

الموضوع: مبحث نفيس في حكم طلب الدعاء من الغير / العلامة المعلمي رحمه الله

  1. #1

    افتراضي مبحث نفيس في حكم طلب الدعاء من الغير / العلامة المعلمي رحمه الله

    قال العلامة المعلمي رحمه الله:

    اتفقت الأمة على جواز طلب الدعاء ممَّن هو حيٌّ هذه الحياة الدنيا طلبًا عاديًا، كان يخاطب السائل المسئول وهو حاضرٌ عنده، أو يكتب إليه كتابًا
    أو يرسل إليه رسولاً، أو نحو ذلك.
    فأمَّا أن يهتف به وهو غائبٌ، بحيث يعلم أنَّه لا يسمع كلامه بحسب العادة فلا، وقد أوضحت حكم ذلك في "رسالة العبادة".

    وذكر بعض أهل العلم أنَّ طلب الدعاء لا يخلو من كراهية، واستدلَّ على ذلك بحديث "الصَّحيحين" (البخاري (5705) ومسلم (218))، في الذين يدخلون الجنَّة بغير حساب: "هم الذين لا يسترقون، ولا يتطيرون، ولا يكتوون، وعلى ربِّهم يتوكَّلون".
    وبأنَّ كبار الصحابة لم يكونوا يسألون النبيَّ صلَّى الله عليه وآله وسلَّم الدعاء لأنفسهم، بل كانوا يجتهدون في أعمال الخير التي [رضاها] الله تعالى ورسوله صلَّى الله عليه وآله وسلَّم.
    وأنَّ الناس بعد النَّبي صلَّى الله عليه وآله وسلَّم لم يكونوا يسألون كبار الصحابة الدعاء إلاَّ ما ندر.

    والذي تلخَّص لي أنَّ الأصل الجواز، وإنَّما يكره أو يكون خلاف الأولى لعارضٍ.
    فمن ذلك: أن تكون الحاجة دنيويَّة غير ضرورية، وهي للطالب نفسه، فالمؤمن يرجو من الله عزَّ وجلَّ أن يختار له ما يعلمه خيرًا له، ودعاؤه لنفسه لا ينافي هذا؛ لأنَّ الدعاء نفسه عبادة، مع أنَّ الله عزَّ وجلَّ قد وعد بالإجابة بقوله: {ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ} [غافر: 60].

    وفسَّر النَّبيَّ صلَّى الله عليه وآله وسلَّم الإجابة بقوله: ["ما من مسلم يدعو بدعوة ليس فيها إثم ولا قطيعة رحم إلا أعطاه الله بها إحدى ثلاث إما أن تعجل له دعوته وإما أن يدخرها له في الآخرة وإما أن يصرف عنه من السوء مثلها". قالوا: إذًا نكثر؟ قال: "الله أكثر"]
    (أخرجه أحمد (3/ 18)، والترمذي (3573)، والحاكم (1/ 670) وصحَّحه الألباني في "السلسلة الضعيفة" تحت الحديث (4483)، وفي "صحيح الأدب المفرد" (264).

    فالمؤمن في دعائه لنفسه مأجورٌ على الدعاء، موعودٌ بما يختاره الله عزَّ وجلَّ له من إعطائه عين ما طلبَه، أو إعطائه ما هو خيرٌ له من مطلوبه.
    فطلب الدعاء يشير بأنَّ الطالب حريصٌ على قضاء حاجته، وإن كان الله عزَّ وجلَّ يعلم أنَّه شرٌّ له، وقد كان النَّبي صلَّى الله عليه وآله وسلَّم يرشد مَن يطلب منه الدعاء، إلى أنَّ الصبر خيرٌ له.
    فمن ذلك: [حديث المرأة السوداء التي أتت النبي صلَّى الله عليه وآله وسلَّم فقالت: إنَّي أصرع، وإنَّي أتكشَّف فادع الله لي، فقال: "إن شئتِ صَبَرتِ ولكِ الجنة، وإن شئتِ دعوتُ الله أن يعافيك"، فقالت: أصبر، فقالت: إنَّي أتكشَّف، فادع الله أن لا أتكشَّف، فدعا لها (البخاري (5652) ومسلم (2576)

    ومنه: حديث خباب بن الأَرَتِّ رضي الله عنه قال: شكونا إلى رسول الله صلَّى الله عليه وآله وسلَّم وهو متوسِّدٌ بُردةً له في ظِلِّ الكعبة، قلنا له: ألا تستنصر لنا؟ ألا تدعو الله لنا؟
    فقال: "كان الرجل فيمن قبلكم يحفر له في الأرض فيجعل فيه، فيجاء بالمنشار فيوضع على رأسه فيشق باثنتين، وما يصدُّه ذلك عن دينه، ويمشط بأمشاط الحديد ما دون لحمه من عظمٍ أو عصبٍ، وما يصدُّه ذلك عن دينه، والله ليتمنَّ هذا الأمر حتى يسير الراكب من صنعاء إلى حضر موت، لا يخاف إلاَّ الله والذئب على غنمه، ولكنكم تستعجلون" ] ( البخاري (3612)

    وقد يُشعِر طلب الدعاء بأنَّ الطالب غير واثق بوعد الله عزَّ وجلَّ له بقوله: {ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ} [غافر: 60].
    فإن كان عدم وثوقه لعلمه بأنَّه مُصِرٌّ على الكبائر، كما هي حال أكثر أمراء هذا الزمان فالأمر أشد؛ فإنَّ الله عزَّ وجلَّ يبتليهم ليرجعهم إلى التوبة والاستغفار والطاعة، فالابتلاء خيرٌ لهم قطعًا، وهم يحاولون التخلُّص من الابتلاء مع الإصرار على الفجور!

    وعلى من طلب منه هؤلاء الدعاء لحوائجهم الدنيوية أن يمتنع ويقول:
    ادعوا لأنفسكم
    فإن قالوا: إنَّنا عصاةٌ؟
    قال لهم: توبوا وأنيبوا واستغفروا وادعوا لأنفسكم، وشرح لهم هذا المعنى.

    وأكثر الذين يُطلَب منهم الدعاء هذا الزمان لا يعرِّجون على هذا، بل حرصون على أن يطلب منهم الدعاء؛ ليحصل لهم من الطالبين شيءٌ من الدنيا، بل إنَّ بعضهم يقول: خيرٌ لنا أن يبقى الأمراء والأغنياء فجّارًا؛ لأنَّهم إذا صلحوا استغنوا بالدعاء لأنفسهم، فلم يحصل لنا منهم شيءٌ!
    وقد رأينا كثيرًا منهم يجيئه الغني المجاهر بالفجور، يلتمس منه الدعاء فلا يعظه ولا ينصحه، بل يعظِّمه ويكرمه ويفهمه أنَّك ما عليّك إلاَّ أن تعطيني وتقضي حوائجي وأنا أتكفَّل [لك] بحوائجك عند الله تعالى كلها! فحال الفريقين كما قال الله عزَّ وجلَّ: {ضَعُفَ الطَّالِبُ وَالْمَطْلُوبُ} [الحج: 73].

    فليعلم الأمراء والأغنياء أنَّ طلبهم الدعاء من أمثال هؤلاء شرٌّ لهم في دينهم ودنياهم، وأنَّها إن قُضِيَت لهم حاجة عقب دعاء هؤلاء، فهي وبالٌ عليهم، والله المستعان. فأمَّا من يطلب الدعاء لحاجةٍ ضروريَّة فلا بأس به، كطلب السوداء الدعاء بأن لا تنكشف، ولذلك طلب الدعاء لغيره، ولو لولده.
    وقد كان الصحابة يطلبون الدعاء لأولادهم، وشكَت أسماء بنت عُمَيس إلى النَّبيِّ صلَّى الله عليه وآله وسلَّم أنَّ أطفالها أبناء جعفر بن أبي طالب تسرع إليهم العين، فأذن لها النَّبيُّ صلَّى الله عليه وآله وسلَّم أن تسترقي لهم ( مسلم (2198)
    وكذلك إذا كانت الحاجة عامَّة، كسؤال الصحابة النَّبيَّ صلَّى الله عليه وآله وسلَّم أن يستسقي لهم (البخاري (1015) ومسلم (897) ). وغير ذلك.

    ومن العوارض أن يكون في طلب الدعاء مشقة على المطلوب منه، أو شبه إساءة الظن به؛ ولهذا لم يكثر من أكابر الصحابة طلب الاستغفار من النَّبيِّ صلَّى الله عليه وآله وسلَّم، كرهوا أن يشقُّوا عليه، وعلموا أنَّه يستغفر لهم كما أمره الله عزَّ وجلَّ بقوله:
    {فَبِمَا رَحْمَةٍ مِنَ اللَّهِ لِنْتَ لَهُمْ وَلَوْ كُنْتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لَانْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ فَاعْفُ عَنْهُمْ وَاسْتَغْفِرْ لَهُمْ وَشَاوِرْهُمْ فِي الْأَمْرِ فَإِذَا عَزَمْتَ فَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُتَوَكِّلِي نَ} [آل عمران: 159]
    وقوله عزَّ وجلَّ: {فَاعْلَمْ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَاسْتَغْفِرْ لِذَنْبِكَ وَلِلْمُؤْمِنِي نَ وَالْمُؤْمِنَات ِ} [محمد: 19]

    وقد وقع من بعضهم طلب الاستغفار لتقصيرٍ خاص، قال عمر رضي الله عنه: [.. يا رسول الله ادْعُ الله فليوسّع على أمتك؛ فإنَّ فارسًا والروم قد وسَّع عليهم، وأُعْطُوا الدنيا وهم لا يعبدون الله! فجلس النبيُّ صلَّى الله عليه وآله وسلَّم - وكان متكئًا - فقال: "أَوَفي شكٍّ أنت يا ابن الخطاب؟! إنَّ أولئك قومٌ عجَّلوا طيِّباتهم في الحياة الدنيا"، فقلت: يا رسول الله، استغفر لي .] ( البخاري (2468)

    ومن العوارض أن يخشى على المطلوب منه أن يداخله العجب، فيرى أنَّ الناس إنَّما يطلبون منه الاستغفار لعلمهم بصلاحه.
    أو يخشى على الطالب أن يكون غاليًا في الاعتقاد في المطلوب منه، أو أن يقصّر في عمل الخير اتكالًا على استغفار فلان له.
    قد تُفقَد العوارض المقتضية للكراهة، ويقوم ما يفيد استحباب الطلب، كما يروى أنَّ عمر لمَّا جاء يودَّع النَّبيَّ صلَّى الله عليه وآله وسلَّم ليذهب إلى مكَّة للوفاء بما كان نذره في الجاهلية، من الاعتكاف عند البيت قال له النَّبيُّ صلَّى الله عليه وآله وسلَّم: "لا تنسنا يا أخي من صالح دعائك" ( أخرجه أحمد (1/ 29)، وأبو داود (1498)، والترمذي (3562)، وابن ماجه (2894)."ضعيف سنن أبي داود، الكبير" للألباني (264)

    كان ذلك من النَّبيِّ صلَّى الله عليه وآله وسلَّم تطييبًا لنفس عمر، وبيانا لأنَّ في اعتكافه فضلاً وأجرًا يُرجَى معه استجابة الدعاء، ليزول بذلك ما قد يخطر في نفسه من توهّم أنَّ اعتكافه لمَّا كان وفاءً بنذرٍ نذَرَه في الجاهليَّة = يمكن أن لا يكون له فيه أجر، وفوق ذلك ففيه إرشاد له فيما يجب عليه؛ فإنَّ الله عزَّ وجلَّ [أمر] بالدعاء لنبيِّه بقوله: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا} [الأحزاب: 56].

    ومن هذا ما يُروَى أنَّ النَّبي صلَّى الله عليه وآله وسلَّم بشَّر عمر وغيره بأُوَيس القرني، وأمرهم إذا لقوه أن يأمروه أن يستغفر لهم ( مسلم (2542)).
    ففي ذلك إرشاد لأُوَيس إلى ما أمر الله تعالى بقوله: {وَالَّذِينَ جَاءُوا مِنْ بَعْدِهِمْ يَقُولُونَ رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا وَلِإِخْوَانِنَ ا الَّذِينَ سَبَقُونَا بِالْإِيمَانِ} [الحشر: 10]. وفيه تنبيه للناس على فضل أُوَيس؛ فإنَّهم كانوا يستحقرونه ويؤذونه ويسخرون منه.

    رسالة الشفاعة ضمن اثار العلامة المعلمي 6/ 303 /311
    حسابي على تويتر https://twitter.com/mourad_22_

  2. #2

    افتراضي

    ما شاء الله تفصيل بديع من هذا العالم الهمام رحمة الله عليه.
    جزاكم الله خيرا أخانا أبا عبد الأكرم على ما نقلتَ فأفدتَ.

الكلمات الدلالية لهذا الموضوع

ضوابط المشاركة

  • لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
  • لا تستطيع الرد على المواضيع
  • لا تستطيع إرفاق ملفات
  • لا تستطيع تعديل مشاركاتك
  •