تابعونا على المجلس العلمي على Facebook المجلس العلمي على Twitter
الدكتور سعد بن عبد الله الحميد


النتائج 1 إلى 3 من 3

الموضوع: حقيقة الرسوخ في العلم وصفات الراسخ / العلامة المعلمي رحمه الله

  1. #1

    افتراضي حقيقة الرسوخ في العلم وصفات الراسخ / العلامة المعلمي رحمه الله


    قال العلامة المعلمي في رسالته حقيقة التأويل

    "الرُّسوخ في العِلْم أمرٌ خفيٌّ، ليس هو كثرة العِلْم، فكم مِن رجلٍ كثير العِلْم ليس براسخٍ، قال تعالى: {وَاتْلُ عَلَيْهِمْ نَبَأَ الَّذِي آتَيْنَاهُ آيَاتِنَا فَانْسَلَخَ مِنْهَا فَأَتْبَعَهُ الشَّيْطَانُ فَكَانَ مِنَ الْغَاوِينَ (175) وَلَوْ شِئْنَا لَرَفَعْنَاهُ بِهَا وَلَكِنَّهُ أَخْلَدَ إِلَى الْأَرْضِ وَاتَّبَعَ هَوَاهُ فَمَثَلُهُ كَمَثَلِ الْكَلْبِ إِنْ تَحْمِلْ عَلَيْهِ يَلْهَثْ أَوْ تَتْرُكْهُ يَلْهَثْ} [الأعراف: 175، 176]
    وقال عزَّ وجلَّ: {أَفَرَأَيْتَ مَنِ اتَّخَذَ إِلَهَهُ هَوَاهُ وَأَضَلَّهُ اللَّهُ عَلَى عِلْمٍ} [الجاثية: 23].
    وفي الحديث: "إنَّ أخوف ما أخاف على أمّتي كلُّ منافقٍ عليم اللِّسان" (1).

    وقال الحسن البصري: "العِلْم عِلْمان: فعِلْمٌ في القلب، فذلك العِلم النَّافع، وعلمٌ على اللِّسان، فذلك حُجَّة الله على ابن آدم". "سنن الدارمي" (ج 1 ص 102) (2).
    والأحاديث والآثار في هذا كثيرة.
    وقد كان عبد الملك بن مروان وأبو جعفر المنصور العباسي من كبار العلماء، وهما طاغيتان. وكذلك الواقدي، والشَّاذكوني، ومحمَّد بن حميد الرازي، وهؤلاء رماهم أئمَّة الحديث بأنَّهم كانوا يكذبون على رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، وأمثالهم كثير. ومن العلماء مَن هو دون هؤلاء في العلم ولكنَّه معدودٌ من الراسخين.

    فالرسوخ إذن حالٌ قلبية؛ كما قال النبي - صلى الله عليه وسلم - في الغِنَى: "ليس الغِنَى عن كثرة العَرَض، ولكنَّ الغِنَى غِنَى النَّفس" (أخرجه البخاري (6446) ومسلم (1051))؛ فكذلك نقول: ليس الرُّسوخ عن كثرة العِلْم، ولكنَّ الرُّسوخَ رسوخُ الإيمان في القلب، ويوشك أن يكون هو اللُّب في قوله تعالى: {وَمَا يَذَّكَّرُ إِلَّا أُولُو الْأَلْبَابِ} [آل عمران: 7].
    وإنَّه ليشمُّ روائح الرسوخ من قولهم: {آمَنَّا بِهِ كُلٌّ مِنْ عِنْدِ رَبِّنَا وَمَا يَذَّكَّرُ إِلَّا أُولُو الْأَلْبَابِ (7) رَبَّنَا لَا تُزِغْ قُلُوبَنَا بَعْدَ إِذْ هَدَيْتَنَا وَهَبْ لَنَا مِنْ لَدُنْكَ رَحْمَةً إِنَّكَ أَنْتَ الْوَهَّابُ (8) رَبَّنَا إِنَّكَ جَامِعُ النَّاسِ لِيَوْمٍ لَا رَيْبَ فِيهِ إِنَّ اللَّهَ لَا يُخْلِفُ الْمِيعَادَ} [آل عمران: 7 - 9].
    فالرّاسخ دائم الخوف والخشية من ربه عزَّ وجلَّ، مسيءٌ للظَّنِّ بنفسه، فكم من راسخٍ لا يرى أنَّه من أرسخ الرَّاسخين؟
    فالخائف الخاشي المسيءُ الظَّنَّ بنفسه جديرٌ بأن لا يستخفَّه ما عنده من العِلْم على الخوض فيما ليس له به علم، وعلى البحث فيما لم يُكلَّف البحث فيه، وهو من موارد الخَطَر، ومزالق النَّظَر.
    هذا لو كان يمكن العِلْم به؛ فكيف إذا كان ممَّا لا سبيل إلى العِلْم به؟! وإنَّما الزَّائغ الجريء على ربه، المُتَّكِل على عقله، الفَرِح بما عنده من العِلْم هو الجدير بأن يَتَعَاطى الخوض في كُلِّ شيءٍ، ويحمِلُه ثقتُهُ بنفسه، وأَمْنُهُ مكرَ ربَّه، ودعواه أنَّه لا يَتَعَالي عن فهمه شيءٌ، وحرصه على أن يطير ذكرُهُ في النَّاس، وكبره عن أن يعترف بالجهل = تحمِلُهُ هذه الأشياء على الجهل بحقيقة حاله، وبأنّ العقل له حدٌّ ينتهي إليه، كما أنَّ للبَصَر حدًّا ينتهي إليه،
    ورُبَّما حَمَلَتْه على الخوض والكلام، والنَّقض والإبرام فيما يعلم أنَّه لا سبيل له إليه، وكم من راسخ يرميه النّاس بالكفر والضَّلال، وكم من زائغٍ يتَّخذونه إمامًا في الدِّين!
    فالحقُّ أنَّ هذه الآيات أفادت علامة الزَّائغ، وآية الرَّاسخ.
    فعلامة الزَّائغ اتَّباع المتشابه ابتغاء الفِتْنة وابتغاء تأويله، وإذا خَفِيَ علينا ابتغاء الفتنة لم يَخْفَ ابتغاء التأويل. وآية الرَّاسخ الكفُّ عن ذلك، والاكتفاء بقوله: {آمَنَّا بِهِ كُلٌّ مِنْ عِنْدِ رَبِّنَا ...}.
    وفي "الصَّحيحين" وغيرهمامن حديث أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها أنَّ النبي - صلى الله عليه وسلم - تلا هذه الآيات، ثم قال: "إذا رأيتم الذين يتَّبِعُون ما تَشَابَه منه فأولئك الذين سمَّاهم الله فاحذروهم".

    فأطْلَق الحديث ولم يقيَّد؛ لكنَّه قد عُلِم إخراجُ الاتِّباع على معنى التِّلاوة والإيمان, وبقي الاتَّباع ابتغاءَ التَّأويل، ولم يُقيَّده بابتغاء الفِتْنة ولا غيرها، فعُلِم صحَّة ما قلناه، وهو: أنَّ ابتغاء التأويل زيغٌ، كما أنَّ ابتغاء الفِتْنة زيغٌ، ولم يقيَّده - صلى الله عليه وسلم - بعدم الرسوخ، فعُلِم أنَّ كلَّ من ابتغى تأويله فهو زائغٌ وليس براسخٍ، وأكَّد هذا ما يُفْهَم من الحديث: أنَّ النَّبي - صلى الله عليه وسلم - كان واثقًا بأصحابه الذين خاطبهم أنهم لا يتبِّعون المتشابه، وإنَّما حذَّرهم ممَّن نَشَأَ بعدهم، وهم رضي الله عنهم أولى بالرسوخ من غيرهم؛ فعُلِمَ أنَّ الرَّاسخ لا يتَّبع المتشابه أصلاً إلاَّ على معنى تلاوته والإيمان به.

    ------------------------------------------------
    (1) أخرجه أحمد (1/ 22، 44)، وعبد بن حميد (المنتخب: 11)، والبزَّار (1/ 434)، وغيرهم، من طرقٍ عن ميمون الكردي عن أبي عثمان النَّهدي عن عمر رضي الله عنه مرفوعًا. قال الهيثمي في "المجمع" (1/ 187): "رجاله موثقون" وصحَّح إسناده الألباني في "الصحيحة" (1013).
    وللحديث طرقٌ أخرى اختلف في رفعه ووقفه على عمر رضي الله عنه، قال الدارقطني في "العِلل" (2/ 246): "والموقوف أشْبَه بالصَّواب".
    وله شاهد من حديث عمران رضي الله عنه مرفوعًا، وَهَّمَه الدارقطني في "العِلل" (2/ 170). ومن حديث عليًّ رضي الله عنه مرفوعًا، ولا يصح، ويُنظر: "مجمع الزوائد" للهيثمي (1/ 187).
    والحاصل في هذه الرواية كما قال الحافظ ابن كثير في "مسند الفاروق" (ص 663): "هي صحيحة عن عمر، وفي رفع الحديث نظر".
    2- حديث (376) ط حسين سليم.
    وقد رُوي الحديث مرفوعًا من مرسل الحسن البصري، ومن حديث جابر وأنس رضي الله عنهما، ولا يسلم واحدٌ منها من مقال وضعفٍ. ويُنظر: "الضعيفة" للألباني (1098).
    وقد قال شيخ الإِسلام ابن تيمية في "درء التعارض" (7/ 453): "رُوِيَ ذلك عن الحسن عن النبي - صلى الله عليه وسلم - مرسلاً، وقد قيل إنَّه من كلام الحسن، وهو أقرب".
    حسابي على تويتر https://twitter.com/mourad_22_

  2. #2
    تاريخ التسجيل
    Oct 2012
    المشاركات
    13,372

    افتراضي

    ما هذا الكلام الماتع، رحم الله العلامة المعلمي.
    لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ مُحَمَّدٌ رَسُولُ الله
    الرد على الشبهات المثارة حول الإسلام

  3. #3
    تاريخ التسجيل
    Mar 2010
    المشاركات
    7,532

    افتراضي

    للرفع
    اللهم اغفر لأبي وارحمه وعافه واعف عنه اللهم اجعل ولدي عمر ذخرا لوالديه واجعله في كفالة إبراهيم عليه السلام

الكلمات الدلالية لهذا الموضوع

ضوابط المشاركة

  • لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
  • لا تستطيع الرد على المواضيع
  • لا تستطيع إرفاق ملفات
  • لا تستطيع تعديل مشاركاتك
  •