الخلاف في الوتر
خلاف لفظي - وليس عملي
التوضيح:
* يقول الله تعالى في آخر سورة المزمل وهي السورة التي نزلت في أول الدعوة وفرضت الوتر على رسول الله، يقول تعالى:{إِنَّ رَبَّكَ يَعْلَمُ أَنَّكَ تَقُومُ أَدْنَى مِن ثُلُثَيِ اللَّيْلِ وَنِصْفَهُ وَثُلُثَهُ وَطَائِفَةٌ مِّنَ الَّذِينَ مَعَكَ وَاللَّهُ يُقَدِّرُ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ عَلِمَ أَن لَّن تُحْصُوهُ فَتَابَ عَلَيْكُمْ فَاقْرَؤُوا مَا تَيَسَّرَ مِنَ الْقُرْآنِ عَلِمَ أَن سَيَكُونُ مِنكُم مَّرْضَى وَآخَرُونَ يَضْرِبُونَ فِي الْأَرْضِ يَبْتَغُونَ مِن فَضْلِ اللَّهِ وَآخَرُونَ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَاقْرَؤُوا مَا تَيَسَّرَ مِنْهُ ...}
أول آيات نزلت على رسول الله صلى الله عليه وسلم مطلع سورة العلق، فكلف بالقرآءة: {اقرأ باسم ربك}، ثم نزلت سورة القلم على الراجح فكلف فيها بقوله: {فلا تطع المكذبين}، حتى آخر السورة: {فاصبر}، ثم نزلت المزمل فكان أول تكليف بدني: قم الليل، فأمر الله رسوله صلى الله عليه وسلم وحده دون سائر المؤمنين، لكن الصحابة قاموا كما قام رسول الله صلى الله عليه وسلم،
حتى نزلت آخر آية في سورة المزمل - الآية التي في صدر المشاركة - فخفف الله عن الصحابة وعنا بعدهم فننسخت بعض أحكام قيام الليل وجاءت بأحكام جديدة وهي:
1- الأمر بقيام الليل لطائفة وكرر ذلك مرتين في الآية فقال: فاقرؤوا ما تيسر من القرآن، ثم قال: فاقرؤوا ما تيسر منه، وواو الجماعة هنا إما يكون لعموم المسلمين وإما يكون للطائفة التي وردت في أول الآية، وقد بينت السنة أن الطائفة التي أشارت إليها الآية الكريمة هي أهل القرآن.
قال رسول الله : ((إنَّ اللَّهَ وترٌ يحبُّ الوترَ, أوتروا يا أَهلَ القرآنِ)), فقالَ أعرابيٌّ: ما يقولُ رسولُ اللهِ صلَّى الله عليْهِ وسلَّمَ؟ قالَ: ((ليسَ لَكَ ولاَ لأصحابِك)). رواه ابن ماجه وصححه الألباني.
فبين رسول الله للأعرابي أن هذا الأمر ليس للعوام بل هو للخواص وهم أهل القرآن.
2- ثم نسخت النصف والثلث والوقت الذي في أول السورة، إلى: ما تيسر فما هو أقل ما تيسر.
أكدت السنة على مشروعية أن يختار كل شخص ما يناسبه من حزب وورد ووقت، كل حسب طاقته.
ففي الحديث الآخر قال رسول الله : ((الوترُ حقٌّ، فمن شاءَ أوترَ بخمسٍ ومن شاءَ أوترَ بثلاثٍ، ومن شاءَ أوترَ بواحدةٍ)). رواه النسائي وصححه الألباني.
وهل يقال حق للنوافل.
وقال: ((الوِترُ حقٌّ علَى كلِّ مسلِمٍ، فمَن شاءَ أوترَ بسَبعٍ، و مَن شاءَ أوترَ بخَمسٍ، ومن شاءَ بثَلاثٍ، و مَن شاءَ أوترَ بواحِدةٍ، فمن غُلِبَ فليُومِئْ إِيماءً)). رواه الألباني في صحيح الجامع.
ولا حظ كلمة: ((فمن غُلِبَ فليُومِئْ إِيماءً))، فهل يقال مثل ذلك على نافلة.
وجاءت السنة بأن أقل قراءة في الوتر سورة الإخلاص، والأحاديث في ذلك مشهورة وكثيرة.
فعندنا أمر الله مؤكد مرتين وعندنا أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم، له روايات كثيرة جدا وألفاظ كثيرة.
وقال رسول الله : ((ما أمرتكم بأمر فأتوا منه ما استطعتم))، فهل صلاة ركعة واحدة وقراءة سورة الإخلاص، يطلق عليها شاقة. بل هي في وسع كل أحد ولا شك.
* أما أقوال العلماء فقد قال بالوجوب أبو حنيفة، وعنده الفرض مرتبة أعلى من الواجب، والصحيح أنه ليس بواجب على عموم المسلمين، بل هو واجب على خواصهم.
وقال الإمام أحمد: (من ترك الوتر عمداً فهو رجل سوء ولا ينبغي أن تقبل له شهادة).
وقال الباجي المالكي في شرح الموطأ: (وأما ترك المندوب إليه بما كان منه يتكرر ويتأكد كالوتر وركعتي الفجر وتحية المسجد وما قد واظب عليه الناس فإن أخل أحد بفعله مرة أو مراراً لعذر أو غير عذر فلا تسقط بذلك عدالة، وأما من أقسم أن لا يفعل أو تركه جملة فإن ذلك يسقط شهادته).
وقال شيخ الإسلام ابن تيمية في الفتاوى الكبرى: (الوتر سنة مؤكدة باتفاق المسلمين، ومن أصر على تركه فإنه ترد شهادته).
* الأهم:
سأسلم لكم جدلا أن الوتر ليس بواجب، لأن القول بأنها نافلة قول قوي، وهو خلاف قديم معتبر بين الصحابة والتابعين إلى يومنا هذا، ويكفي أن أمير المؤمين الإمام علي رضي الله عنه على رأس من يرى بأن الوتر ليس بحتم، ولا ينبغي أن نفسد ما بيننا بسبب خلاف معتبر ولا حتى بسبب خلاف غير معتبر.
كنت إلى عهد قريب أجتهد في قيام الليل سنوات وأترك سنوات، أو أجتهد شهور وأترك شهور، أو أجتهد أيام وأترك أيام، وكان هذا حال كثير من أهل القرآن الذين أعرفهم، إلا من رحم الله، فبحثت عن سبب ذلك ووقفت أمام حديث رسول الله فقد سُئِلَ النبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: أيُّ الأعمالِ أحبُّ إلى اللهِ؟ قال: ((أدوَمُها وإن قلَّ)). وقال: ((اكلُفوا من الأعمالِ ما تُطيقون). رواه البخاري.
فأهمس في أذن من يرى أن الوتر نافلة أقول له داوم على الوتر وإن كان نافلة لقول رسول الله : ((إنَّ أحبَّ العملِ إلى اللهِ تعالى أَدْوَمُه و إن قَلَّ)).
وأهمس في أذن من يجتهد في الوتر فأقول سيأتي يوم وتمل لا شك فعليك بأخذ رخصة رسول الله حيث قال: ((اكلَفوا من العملِ ما تُطيقون)).
يقول عبد الله بن عمرأنكَحَني أبي امرأةً ذاتَ حسَبٍ، فكان يتعاهَدُ كَنَّتَه فيَسألهُا عن بعلِها، فتقولُ: نِعمَ الرجلُ من رجلٍ، لم يَطَأْ لنا فِراشًا، ولم يَفتِشْ لنا كنَفًا مُذ أتَيناه، فلما طال ذلك عليه، ذكَر للنبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم، فقال: ((القَني به)). فلَقِيتُه بعدُ، فقال: ((كيف تصومُ)). قلتُ: كلَّ يومٍ، قال: ((وكيف تَختِمُ)). قلتُ: كلَّ ليلةٍ، قال: ((صُمْ في كلِّ شهرٍ ثلاثةً، واقرَأِ القرآنَ في كلِّ شهرٍ). قال: قلتُ: أُطيقُ أكثرَ من ذلك، قال: ((صُمْ ثلاثةَ أيامٍ في الجمُعةِ). قلتُ: أُطيقُ أكثرَ من ذلك، قال: (أفطِرْ يومينِ وصُمْ يومًا). قال: قلتُ: أُطيقُ أكثرَ من ذلك، قال: ((صُمْ أفضلَ الصومِ، صومَ داودَ، صيامَ يومٍ وإفطارَ يومٍ، واقرَأْ في كلِّ سبعِ ليالٍ مرةً)). فلَيتَني قَبِلتُ رُخصَةَ رسولِ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم، وذاك أني كَبِرتُ وضَعُفتُ، فكان يَقرَأُ على بعضِ أهلِه السُّبعَ منَ القرآنِ بالنهارِ، والذي يَقرَؤه يَعرِضُه منَ النهارِ، ليكونَ أخَفَّ عليه بالليلِ، وإذا أراد أن يتقَوَّى أفطَر أيامًا، وأحصى وصام أيامًا مثلَهن، كراهيةَ أن يَترُكَ شيئًا فارَق النبيَّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم عليه)، وراه البخاري.
فانظر أخيَّ قول ابن عمر: فليتني قبلت رخصة رسول الله ،
فكلف نفسك ما تطيق في الشيخوخة، ولا تكلف نفسك ما تطيق في الشباب، فمن مات على شيء بعث عليه.